الإخلاص

ومَن أحسَنُ دِيناً مِمَّن أسلَمَ وَجهَهُ للهِ وهُوَ مُحسِن... (1).
ربّ العالمين وإله المخلوقين يُثني في هذه الآية على المخلصين، مُرتضياً الأخلاص في الأعمال. يقول المصطفى صلّى الله عليه وآله ـ وهو أوّل مَن كسا كعبةَ العمل كسوةَ الإخلاص ـ: (إنّما الأعمالُ بالنيّات).
إنّ تداخل الاخلاص بالأعمال نظير تداخل اللون بالجواهر، فكما أنّ الجوهرة المجرّدة من اللون ما هي إلاّ حجر لا قيمة له.. يكون العمل المجرّد من الاخلاص سعياً بدون جدوى.
كان في بني إسرائيل عابد، قيل له: إنّ في المكان الفلاني شجرة يعبدها قوم مِن دون الله. غَضِب العابد لله وأخذته الغَيرة على الدين، فقام وحمل فأساً وذهب ليقطع الشجرة.
وفي الطريق.. ظهر له إبليس بهيئة رجل مُسِنّ. سأله إبليس:
ـ إلى أين أنت ذاهب ؟
قال:
ـ إلى المكان الفلاني لأقطع الشجرة.
قال إبليس:
ـ عليك بعبادتك؛ فانك لا تستطيع ذلك!
فتصارَعا.. فصُرِع إبليس، وقعد العابد على صدره. قال إبليس:
ـ دَعْني.. أقُل لك شيئاً ينفعك.
خلّى عنه العابد.. فقال إبليس:
ـ أيّها العابد، إنّ لله أنبياء، فإن لم تَقطع الشجرة بَعثَ الله نبيّاً ليقطعها، وأنت ما اُمِرتَ بذلك.
قال العابد:
ـ لابدّ من قطع الشجرة، ولن أدعها حتّى آتي عليها.
ومرّةً أخرى.. تصارعا، فكانت الغَلَبة للعابد. قال إبليس:
ـ أيّها الفتى، أنت رجل فقير يَعيلُك الناس، فما ضَرَّك لو تترك الشجرة التي لم تُؤمَر بقطعها ولم يكلّفكَ به أحد.. على أن أُعطيك كلّ يوم دينارين تجدهما تحت وسادتك؛ تستطيع أن تنفع بهما نفسك وأن تنفق على غيرك من العُبّاد ؟!
سمع العابد هذا الكلام.. فاشتملت عليه الحَيرة، وقال في نفسه:
أتصدّق بدينار، وأُنفق ديناراً على نفسي خيرٌ مِن قطع الشجرة؛ فإنّي ما أُمرت بهذا ولا كلّفني به النبيّ. ثمّ رجع العابد من حيث أتى.
في صباح اليوم التالي.. وجد تحت وسادته دينارين، فأخذهما. وكذلك في اليوم الثاني.. حتّى إذا جاء اليوم الثالث لم يجد شيئاً!
غَضِب العابد، فحمل الفأس.. وذهب ليقطع الشجرة. ولَقِيَه إبليس في الطريق، فقال له:
ـ دَع هذا العمل؛ فإنّك لا تَقدِر عليه.
ثمّ تصارَعا.. فسقط العابد، وغدا عاجزاً في قبضة إبليس. ولمّا أراد إبليس أن يقضي عليه.. قال العابد:
ـ دَعني أرجع.. لكن قُل لي: كيف غَلبتُكَ في المرّة الأولى وغلبتَني هذه المرّة ؟!
قال:
ـ في المرّة الأولى غضبتَ لله وأخذَتكَ الغَيرة على دين الله.. فسلّطكَ ربُّ العزّة علَيّ. ومَن عَمِل مخلصاً لله فلا سلطان لي عليه. والآن.. دَفَعكَ طمعك وغضبتَ لدنياك واتَّبعتَ هواك.. فلم تقدر أن تغلبني وقَهَرتُك ( 722:2 ـ 724 ).

-----

1 ـ النساء، من الآية 125.