شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

أسرار السقوط الحضاري للعالم الإسلامي

0 المشاركات 00.0 / 5

أسرار السقوط الحضاري للعالم الإسلامي

عبد الله اليوسف

يعُدّ ( السقوط الحضاري ) للأمّة الإسلامية من أهم الشواغل والهموم التي تشغل العقل المسلم، وتستحوذ على تفكير كُلّ مفكر ومصلح مخلص لأمته وهويته وحضارته؛ فمفاعيل ( السقوط الحضاري ) لم يقتصر على جانب دون آخر، بل عمّ كُلّ جوانب الحياة، وعلى مختلف الأصعدة والمفاصل الرئيسة في حياة الأمّة.

وما يعانيه العالم الإسلامي اليوم من تخلف مريع عن قطار الحضارة الحديثة، يشير إلى مستوى التقهقر الحضاري الذي ترك بصماته الواضحة في كُلّ شيء، وعلى كُلّ شيء.

وقد حاول الكثير من الكتاب والمفكرين والباحثين التعرّف على أسرار ( السقوط الحضاري ) الذي يمرّ به العالم الإسلامي منذ فترة طويلة، وبالرغم من تعدد التشخيص لهذا الداء الذي ابتليت به الأمّة الإسلامية، إلاّ أنّ الداء نفسه واضح، ولا يحتاج إلى إثبات من شدّة وضوحه، وإن تعددت وصفات الدواء له.

ولنحاول معرفة أسرار ( السقوط الحضاري ) للعالم الإسلامي، والتي يمكن تلخيصها في الحقائق التالية:

1ـ الدكتاتورية والاستبداد:

عانى العالم الإسلامي ـ في مجمله ـ ولا يزال من تفشي ظاهرة ( الدكتاتورية والاستبداد ) في الأنظمة السياسية منذ فترة طويلة، وقد أدّى هذا الاستبداد إلى خنق الحريات العامة، وعدم احترام حقوق الإنسان، وغياب النقد بمختلف أشكاله، ومنع المحاسبة والمراقبة للشأن العام، وإلغاء مؤسسات المجتمع المدني، والقضاء على الإبداع والابتكار؛ وبكلمة واحدة : فالاستبداد سرّ البلاء المبرم، ومنبت كُلّ شر، ومنبع كُلّ فساد.

لقد سجل لنا التاريخ عبر صفحاته مدى التقدم الذي وصلت إليه الأمّة الإسلامية عندما كانت تعيش أجواء نسبية من الحريات العامة، وعندما حلَّ الاستبداد حلَّ معه كُلّ تخلف وتقهقر؛ وإذا ما أردنا أن ننهض من جديد فلا سبيل أمام العالم الإسلامي سوى القضاء على الاستبداد والدكتاتورية، وإشاعة الحريات العامة، واحترام حقوق الإنسان، وتعميق ثقافة الديمقراطية بما يتناسب والمجتمعات الإسلامية.

2ـ الفساد الشامل:

ظاهرة الفساد الشامل، والذي عَمَّ مختلف جوانب الحياة السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية وغيرها، قد أدّى إلى ( السقوط الحضاري ) الذي لازال العالم الإسلامي يدفع أثماناً باهظة له.

وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة بوضوح في كثير من الآيات الشريفة، كقوله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ) وقوله تعالى: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ ) و قوله تعالى: (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ ) وقوله تعالى: (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ ) وقوله تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ )، وغيرها من الآيات الشريفة التي تربط بين الفساد وانهيار الحضارات، وتدمير الأمم؛ فالفساد هو أحد الأسرار المهمة لسقوط الحضارات، ودمار الأمم والشعوب كما أكد القرآن الكريم على ذلك.

ولا يمكن للعالم الإسلامي ـ كما لغيره من الأمم ـ أن يتقدم وينهض حضارياً، مادام الفساد يعشعش في أحشائه، فالبداية للنهوض ـ إن أردنا ذلك ـ أن نعالج (مرض الفساد) المنتشر في جسد الأمّة، والذي أصاب جميع مفاصله الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية .. الخ.

3 ـ غياب التخطيط:

توجد قاعدة في علم الإدارة تقول: ( يجب أن تعلم أنك إذا فشلت أن تخطط لمستقبلك فقد خططت لفشلك، أمّا إذا نجحت في أن تخطط لمستقبلك فقد خططت لنجاحك وتفوقك ).

هذه القاعدة المهمة تنطبق على مختلف الحقول بما فيها الحقل السياسي، فقد أدّى غياب التخطيط الاستراتيجي لسقوط العالم الإسلامي، بل واستمرار هذا السقوط إلى الآن !!

فنحن أمّة لا نخطط لحاضرنا فضلاً عن مستقبلنا، وهو أمر يدعو للدهشة والاستغراب، ولكنه الحقيقة المرة !

لقد سقط العالم الإسلامي بفعل التخطيط الاستراتيجي الذي كان يخططه الغرب لإسقاط الخلافة العثمانية، وقد نجح في تخطيطه، واليوم تتكرر نفس التجارب، الغرب يخطط ثُمّ ينفذ، ونحن ننتظر ماذا يخبئه لنا الغرب من مخططات ذكية !

والأنكى من ذلك، أننا لا نخطط حتى لأنفسنا؛ فمشاكل العالم الإسلامي في ازدياد مطرد من: تزايد أعداد العاطلين عن العمل يومياً، مروراً بالأخطاء الاقتصادية المتكررة، وليس أخيراً: تضاعف نمو الفقر والجهل والمرض في كُلّ مكان من عالمنا الإسلامي !

ومن الغريب أنّ عالمنا الإسلامي على كبره واتساع رقعته، وكثرة أعداده، يفتقر إلى مراكز دراسات إستراتيجية مؤثرة، تخطط للحاضر والمستقبل، وهو أحد أسرار تخلف العالم الإسلامي؛ بيد أنّ أيّ تقدم يحتاج في البداية إلى تخطيط إستراتيجي، فلا يمكن لأمّة من الأمم أن تتقدم حضارياً بدون رؤية إستراتيجية، أو خطة مخططة بدقة، وإذا ما فشلنا في التخطيط لمستقبلنا فقد خططنا لفشلنا !

وخلاصة القول: إنّ هذه أهمّ أسرار ( السقوط الحضاري ) للعالم الإسلامي، بالإضافة إلى أسرار أخرى كالتجزئة والتقسيم الذي مني به العالم الإسلامي، والاستعمار الظاهر والباطن .. وغير ذلك من الأسرار الواضحة؛ وقد أدّى هذا التخلف الحضاري إلى تداعيات خطيرة على الأمّة الإسلامية جمعاء، من قبيل: الضعف الاقتصادي، والانهزام العسكري، والتبعية السياسية، والتخلف العلمي والتقني .. وغير ذلك كثير.

ولا خيار أمام العالم الإسلامي إذا ما أراد النهوض الحضاري إلاّ سلوك طريق الديمقراطية، وإشاعة الحريات العامة، فالحرية أساس كُلّ تقدم وتطور حضاري، وتعميق الوحدة الإسلامية بما يُسهم في توحيد ( الهوية السياسية ) للعالم الإسلامي، والقضاء على الفساد المستشري في جميع مفاصل الأمّة الرئيسة،وإقامة مراكز متطورة وفعالة للتخطيط الإستراتيجي، كي ترسم للقادة خرائط العمل للنهوض الحضاري، وامتلاك أسرار المعرفة العلمية، فهذا هو طريق النهوض الحضاري.

فهل نحن فاعلون؟!

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية