أجيالنا والمستقبل
أجيالنا والمستقبل
م/ رشيد سالم ونّاس
هناك سؤال يطرح نفسه وهو : كيف نصنع جيلاً ناجحاً لمستقبلنا ؟ ويبدو لنا بأنّ الجواب ينحصر في الأمور التالية :
أولاً : الإدارة الناجحة :
فمدير
المدرسة ربَّان السفينة ، يديرها كيفما يشاء ، إن صَلُح صَلُحت أمور
المدرسة كلّها .
فالحكمة تقول : أعطني مديراً ناجحاً ، أعطك مدرسة ناجحة ، فقيادة بلا شعب
كشعب بلا قيادة ، لا ينجح أحدهما إلاّ بالآخر .
والمدير الكفء يكون قدوة في كل شيء ، فعله قبل قوله ، وهو يجمع خلاصة
أفكاره وتجاربه ليقدمها لمدرسته .
فهو بمثابة الأب الروحي لهذه المدرسة ، يسأل عن أحوال هذا المدرِّس وذاك
التلميذ بقلب حنون عطوف ، يطبِّق العلاقات الإنسانية في معاملاته ، وتتدفق
بين جوانبه الحكمة والحنكة ، والذكاء والأخلاق العالية الكريمة ، في كل
تصرف من تصرفاته .
ثانياً : المعلم المخلص الكفء :
فالمدرس هو
حجر الأساس للعملية التعليمية ، والمرتكز الذي يعول عليه تنفيذ المنهج
المدرسي .
ومن المهم أن يكون هذا المدرس قد أُعدَّ إعداداً جيداً لممارسة هذه المهنة
، وهي رسالة الأنبياء ( عليهم السلام ) فيُبدع ويَبتكر ، ويحلِّل ويركِّب ،
ويعمل بلا كَلَلٍ أو مَلَلٍ ، وواسع الاطلاع ، وخياله يعانق حدود السماء ،
بل لا حدود له .
فيحلِّق مع طلابه في عالم الإبداع ، دون أن تقف أمامه أي معوقات أو
مبرِّرات ، كضيق المبنى ، أو النصاب الكامل ، أو مستوى التلاميذ ، وغير ذلك
.
ويجب أن يكون شغوفاً بالعلم وأهله ، وهو طالب علم لا يشبع ، وكأنّه شارب
ماء البحر ، كلما شرب ازداد عطشاً .
وخلاصة القول : عندما تكون وزارة التربية والتعليم العقل المفكّر فإنّ
المعلم هو العقل المنفذ .
ثالثاً : ولي أمر متجاوب :
لا تكتمل
العملية التعليمية بدون ربّ الأسرة ، والذي لا تنحصر مسئوليته فقط في توفير
المأكل والمشرب والمسكن ، ولكن التربية الصالحة تعتبر بحق حياة .
وتعتبر التربية الصالحة عن طريق القدوة الحسنة أفضل مثال يُحتذَى به ،
فعندما نأمر بالصدق نكون أول المسارعين إليه .
وعندما نطلب من أبنائنا - مثلاً - إقفال التلفزيون ، وعدم السهر عنده ،
ونطلب منهم المطالعة ، يكون واجبنا أن نحمل أي كتاب من المكتبة ليلاحظ
حُبَّنا وشغفَنا بالعلم ، ليطابق القول العمل والنظرية بالتطبيق العملي .
رابعاً : تلميذ مجتهد مطيع :
فعندما
يؤدِّي كلّ من المدير والمدرّس وولي الأمر دوره ، وتكون الكرة في ميدان
التلميذ ، لا بد له أن يستجيب لهذا الأمر ، فيؤدِّي دوره بتوفيق من الله
تعالى .
وقد حثَّنا الدين الإسلامي على تنشئة الولد ورعايته حتى قبل ولادته ، من
خلال اختيار الأم الصالحة ، فـ( اختاروا لنطفكم فإنّ العِرْق دسَّاس ) ،
ثمّ في تسميته وتربيته ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ( الولَدُ
سَبع أمير ، وسَبع أسير ، وسَبع وزير ) .
التجارة الناجحة :
ندلُّكُم
على تجارة تنجينا جميعاً من خسارة ، وتطلعنا للنجاح فقط ، ألا وهي :
التفكير دائماً بالتفوّق والتميز .
وهو الذي ينجينا من طموحنا الهزيل ، وهو : التفكير بالنجاح فقط .
لأنّ من حَام حول الحمى أوشك أن يقع فيه ، ورسول الله ( صلى الله عليه وآله
) يقول : ( اللَّهُمَّ لا تُبقِنِي لِيومٍ لَم
أزدَدْ فيهِ عِلماً ) .
والإمام الكاظم ( عليه السلام ) يقول : ( مَنْ
تساوَى يومَاه فهو مَغبُون ، ومَنْ كان أمسه أفضلُ مِن يَومِه فهو مَلعون )
، والعياذ بالله .
وغير ذلك من الأحاديث تحت شعار قوله تعالى : (
وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ) المطففين :
26 .
فلنرفع شعار : انتهى زمن النجاح ليبدأ زمن التفوق .
فهذا أحد الأدباء يقول : الدرس الأول يعلمنا أنّ البنيان هو الإنسان ، وإنّ
الدرس الآخر يعلمنا إنّ الإنسان هو البنيان .
إخواننا الأعزاء : للتفوق ثمنه ، نحن نحتاج إلى تربية لا تعرف القنوط ، أو
الانهزام ، أو الخنوع ، أو التراجع .
ويجب أن نصنع من أبنائنا أشخاصاً أقوياء ، من خلال تقوية إرادتهم ونفوسهم ،
وتعويدهم على القوة الروحية والجسدية ، وخَلق الهِمَم العالية .
انظر إلى قوله تعالى : ( وَأَن لَّيْسَ
لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى )
النجم : 39 – 40 .
كيف يجيب الله تعالى بعد عدة أقسام بهذا الجواب العظيم ، على أن الإنسان
مُرتَهِنٌ بعمله ، وأن استحقاقه بمقدار جِدِّه واجتهاده .
ولنوضِّح لأبنائنا كيف عاش علماؤنا الأفذاذ في الماضي ، الذين سطّروا
أسماءهم في صفحات التاريخ الخالد ، وهم باقون ما بقي الدهر .
ولا بأس أن نأخذ العبرة من علماء الغرب ، أمثال ( أديسون ) الذي قال له أحد
أصدقائه : لقد أخفقت في أكثر من ( 10 ) آلاف تجربة لاختراع المصباح
الكهربائي ، فلماذا لا تكف عن تضييع وقتك ومالك ؟
فقال أديسون : أخطأت ؟!! ، لقد نجحت في اكتشاف ( 10 ) آلاف محاولة لا
توصلني إلى ما أريد .
وما أجمل قول الشاعر المتنبي :
إذا غامرتَ في شَرَفٍ مروم فلا تَقنعْ بِما دون النّجُوم
مصنع الرجال :
لنعلم أبناءنا كيف تكون الحياة كِفاحاً وجِدّاً ، وعملاً ونجاحاً ،
ولنعلمهم كيف يحفرون في الصخرة ، ويزرعون في البر ، ويسقون من عرقهم الزرع
.
نقول فقط : إذا أجدنا تربية الأبناء ، نستطيع أن نقول : إننا أنشأنا جيلاً
ناجحاً ، يعيد الأمجاد لأمتنا في مستقبلها المشرف .
فما أجمل أن نعيش مع أبنائنا الصغار المتفوقين لحظات التفوق ، لحظة بلحظة ،
ثانية بثانية ، ونحن نترقَّب وجوهَهم ، في خوفهم وقلقهم ، في ترددهم
وتوجّسهم ، ثم في فرحهم وسرورهم .
نعم ، هكذا هو حال التلاميذ المُجدِّين ، وما أجملها من أوقات سعيدة ، إنها
لحظة التفوُّق ، إنها لحظة التميز ، والحمد لله رب العالمين .