الفَوز بالكُنوز
إنّها كنوز واقعيّة.. تبدو كنوز الذهب أمامَها وهماً وخواء. إنها كنوز تجعل الإنسانَ « إنساناً »، وتُدخله في نور القدرة الأزليّة، وتَجدِلُه بالحقّ الحَقيق. وتلك هي ـ يا أصدقاءنا ـ كنوز العبادة.
إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله الذي يعلم حقائق الوجود قد دَلّنا وعرّفنا ـ وهو الناصح الشفيق. قال صلّى الله عليه وآله يَدُلّنا على أفضل الناس: أفضلُ الناس مَن عَشِق العبادة فعانَقَها، وأحبّها بقلبه، وباشَرَها بجسده، وتفرّغ لها.. فهو لا يُبالي على ما أصبح من الدنيا: على عُسرٍ أم على يُسر.
وهي ـ في الواقع ـ نعيمٌ مقيم.. يجد مَن مارسَها حلاوةً ولذّة، دون لحظة منها كلُّ لذّات الغرائز الأرضيّة. وهذا النعيم الذي يَلقاه المتعبّد في الدنيا سوف يَعبُر إلى الآخرة ويزداد. يقول الإمام الصادق عليه السّلام: قال الله تبارك وتعالى: يا عِبادي الصدّيقين، تَنعَّموا بعبادتي في الدنيا؛ فإنكم تتنعّمون بها في الآخرة.
وحرصاً علينا.. ينصحنا النبيّ صلّى الله عليه وآله لاستثمار الفرصة قبل إفلاتها من اليد. نقرأ إذَن قوله الشريف: تفرّغوا لطاعة الله وعبادته قبل أن ينزل بكم من البلاء ما يَشغَلكُم عن العبادة.
* * *
ومن لطف الله سبحانه بنا أنْ جعل للعبادة مصاديقَ واسعة فسيحة، يجمعها حُسن النيّة وقداسة القصد. وفي تعليمات النبيّ وأهل بيته عليهم السّلام صور متعددة لهذه المصاديق الميسَّرة، لندخل منها إلى هذه الكنوز العجيبة المليئة.
يقول الإمام الصادق عليه السّلام: أفضل العبادة العلمُ بالله والتواضع له. ويقول أيضاً: أفضل العبادة إدمانُ التفكّر في الله وفي قدرته.
وفي كلام الأئمّة المعصومين نقرأ مثل هذه المعاني أيضاً: أفضل العبادة الإخلاص. أفضل العبادة العفاف. أفضل العبادة غَلَبة العادة. أفضل العبادة الزَّهادة.
وغير هذا وذاك ممّا تزخر به أحاديث الأئمّة الهداة. وفيها أيضاً ما يدلّ على المسالك السلبيّة المخرّبة للعبادة، من أجل تبصيرنا وتحذيرنا:
يقول رسول الله صلّى الله عليه وآله: العبادة مع أكل الحرام كالبناء على الرمل.
وعنه صلّى الله عليه وآله: درهم يَردّه العبد إلى الخُصَماء خير له من عبادة ألف سنة، وخير له من عِتق ألف رقبة، وخير له من ألف حِجّةٍ وعُمرة.
وأخيراً.. ونحن نقترب من هذه الكنوز المذخورة، نتذكّر نصيحةَ النبيّ صلّى الله عليه وآله في هذا السياق، فانه قال: خُذوا من العبادة ما تُطيقون؛ فإنّ الله لا يسأم حتّى تسأموا.