في رحاب حديث الثقلَين

مصادر حديث الثقلين

• هذا الحديث الشريف المرويّ بصيغٍ عديدةٍ متقاربة تدور حول معنىً واحد، هو أحد الأدلّة الصريحة والصحيحة على وجوب التمسّك بأهل البيت النبوي مودّةً وولايةً، وبذلك يكون الأمان من الضَّلال ومن الهاوية والعذاب معاً.
ومن نصوصه التي تكرّرت، ربّما لتكرّر الحديث الشريف نفسه على لسان رسول الله صلّى الله عليه وآله: « قد تركتُ فيكم ما إن أخذتُم به لن تَضِلُّوا: كتابَ الله، سببُه بيده وسببُه بأيديكم، وأهلَ بيتي ».
أخرجه بهذا اللفظ: ابن راهَوَيه في ( مسنده ) ـ كما في ( المطالب العليّة ) لابن حجر العسقلاني 252:4 / ح 3943 ـ ط دار المعرفة ببيروت ـ، كما أورده السمهودي الشافعي في ( جواهر العقدين:238 ) قائلاً: وهو سندٌ جيّد، والسيوطيّ الشافعي في ( مسند عليّ:192 / الرقم 605 )، والمتّقي الهندي في ( كنز العمّال 40:13 )، وأورده السخاوي في ( استجلاب ارتقاء الغُرف 357:1 )، عن ابن راهويه وابن جرير وقد صحّحه.
أمّا مصادر المسلمين التي روت حديث الثقلين، وفيه وجوب التمسّك بأهل بيت رسول الله صلّى الله عليه وآله فهي كثيرة، نذكر منها:
1 ـ مسند أحمد بن حنبل 14:3، 17، 26، 59 و 366:4 ـ 367 و 181:5 ـ 182، 189 ـ 190 طبعة دار صادر ـ بيروت.
2 ـ سنن الدارمي 431:2 ـ 432 طبعة دار الفكر ـ بيروت.
3 ـ صحيح مسلم 1873:4 ـ 1874 طبعة دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
4 ـ سنن الترمذي 327:5 ـ 328 طبعة دار الفكر.
5 ـ السنن الكبرى للنسائي 45:5، 51، 130 دار الكتب العلميّة ـ بيروت.
6 ـ صحيح ابن خزيمة 62:4 ـ 63 المكتب الإسلامي ـ بيروت.
7 ـ المستدرك على الصحيحين للحافظ الحاكم النيسابوري الشافعي 118:3، 160 ـ 161 دار الكتب العلميّة ـ بيروت.
8 ـ رياض الصالحين للنووي:211، 357 ـ 358 دار الفكر المعاصر ـ بيروت.
9 ـ تفسير ابن كثير 494:3، 122:4 ـ 123 دار المعرفة ـ بيروت.
10 ـ شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العزّ الحنفي:553 المكتب الإسلامي ـ بيروت.
11 ـ أصول الإيمان لمحمّد بن عبدالوهّاب:109.
12 ـ سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني 356:4 وما بعدها، المكتب الإسلامي.
وغيرها كثير، يراجع كتاب ( المراجعات ) للسيّد شرف الدين الموسوي، بتحقيق: حسين الراضي ـ المراجعة 8 ص 25 ـ 30، و ص 324 ـ 329 من الهوامش التحقيقيّة. قدّم له: الدكتور حامد حفني داود أستاذ الأدب العربي بكليّة الألسن بالقاهرة، ومحمّد فكري عثمان أبو النصر من علماء الأزهر.
كذلك يراجع: ( عبقات الأنوار ) للسيّد حامد حسين اللكهنوي ـ الجزء المختصّ بهذا الحديث المبارك، أو ( نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار ) بترجمة وتحقيق: السيد علي الحسيني الميلاني، الأجزاء 1 ـ 3.

 

تصحيح حديث الثقلين

أي اعتباره صحيحاً سنداً ومتناً، حيث صحّحه العديد من علماء أهل السنّة، منهم:
1. مسلم ( ت 261 هـ ) في صحيحه، حيث أورده بعدّة طُرق عن زيد بن أرقم في ذكر مناقب أمير المؤمنين عليّ عليه السلام.
2. ابن خُزَيمة ( ت 311 هـ ) أخرجه في ( صحيحه 62:4 ـ 63 ).
3. الحاكم النيسابوري ( ت 405 هـ ) في كتابه ( المستدرك على الصحيحين ) في أكثر من موضع على شرط البخاري ومسلم، 118:3، 160 / ح 4576، 4577، 4711 ).
4. الحافظ البغوي ( ت 516 هـ ) صحّحه في ( شرح السنّة 88:8 ).
5. ابن تيميه ( ت 728 هـ ) في ( منهاج السنّة 561:3 ).
6. الحافظ الذهبي ( ت 748 هـ ) صحّحه على شرط البخاري ومسلم في كتابه ( تلخيص المستدرك ) كما نقل ابن كثير ذلك في ( البداية والنهاية:228 ـ 229 ).
7. ابن كثير ( ت 774 هـ )، صرّح بتصحيحه في ( تفسير القرآن العظيم 122:4 ـ دار المعرفة، و 114:4 ـ دار الفكر ).
8. الحافظ الهيثمي الشافعي ( ت 807 هـ )، صرّح بجودة إسناده في ( مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 163:9 ).
9. ابن حجر العسقلاني الشافعي ( ت 852 هـ )، صرّح بصحّته في كتابه ( المطالب العليّة 252:4 / الرقم 3943 ـ دار المعرفة، و 65:4 / الرقم 3972 ـ طبعة مكّة المكرّمة ).
10. الحافظ السيوطي الشافعي ( ت 911 هـ )، صرّح بصحّته في ( مسند عليّ بن أبي طالب 192:1 / الرقم 605 ).
11. الشريف السمهودي الشافعي ( ت 911 هـ )، أورده عن أحمد وابن حميد، وقال: بسندٍ جيّد، وعن ابن راهويه وقال: وهو سندٌ جيد. وذلك في كتابه (جواهر العقدَين:236، 238).
12. ابن حجر الهيتمي المكّي الشافعي ( ت 973 هـ ) في كتابه ( الصواعق المحرقة:439 ـ ط مؤسّسة الرسالة ببيروت ).
13. الشيخ أحمد البكري المصري ( ت 1048 هـ ) في كتابه ( طُرز الوفا:195 ـ دار الكتاب الإسلامي ).
14. الألباني ( ت 1420 هـ ) في كتابه ( سلسلة الأحاديث الصحيحة 356:4 )، و ( صحيح الجامع 482:1 ).
15. السقّاف ( معاصر )، في ( صحيح شرح العقيدة الطحاويّة:654 )، وكتاب ( صحيح صفة صلاة النبيّ ).
وغيرهم كثير.

 

تعليقات لافتة

مشيرةٌ إلى دلالة حديث الثقلين الشريف، إذ لابدّ من استخراج مفهومٍ علميٍّ وعمليّ منه، وتلك هي الفقاهة في الدين، وقد دعا الله تبارك وتعالى إليها في محكم كتابه حيث قال: فَلَولا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرقةٍ مِنْهم طائفةٌ لِيتفقَّهُوا في الدِّينِ ولِيُنْذِروا قَومَهُم إذا رَجَعُوا إلَيهِم لَعلَّهُم يَحذَرُون [ سورة التوبة:122 ].
والذي تثبّت عليه فقهاء الشيعة أنّ حديث الثقلين دالٌّ بصريح اللفظ وواضح العبارة على معنى إمامة أهل البيت عليهم السلام، ووجوب التمسّك بولايتهم وضرورة ذلك، من محبّتهم ومودّتهم، والتسليم لهم والأخذ عنهم، واتّباعهم ومتابعتهم. هذا هو الثابت المشهور، فماذا لدى علماء أهل السنّة ؟
1 ـ قال السمهودي الشافعي بعد سرده لأحاديث الثقلين: قد تضمّنت الأحاديث المتقدّمة الحثَّ البليغ على التمسّك بأهل البيت النبوي... فأيُّ حثٍّ أبلغُ مِن هذا وآكدُ منه ؟! ( جواهر العقدين:256 ـ 257 ).
وقال أيضاً: إنّ ذلك يُفهِم وجود مَن يكون أهلاً للتمسّك من أهل البيت والعترة الطاهرة في كلّ زمانٍ وُجدوا فيه إلى قيام الساعة، حتّى يتوجّه الحثّ المذكور إلى التمسّك به، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك. ( جواهر العقدين:244 ).
2 ـ قال ابن حجر المكّي الشافعي: وهذان كذلك [ أي الكتاب وأهل البيت ]؛ إذ كلٌّ منهما مَعدِنٌ للعلوم اللدنيّة، والأسرار والحِكم العليّة، والأحكام الشرعيّة، ولذا حثّ صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم على الاقتداء والتمسّك بهم، والتعلّم منهم. ( الصواعق المحرقة:442 ).
وقال أيضاً: وفي أحاديث الحثّ عالى التمسّك بأهل البيت إشارةٌ إلى عدم انقطاع متأهِّلٍ منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض. ( الصواعق المحرقة:442 ).
3 ـ وقال التفتازاني بعد ذكره حديث الثقلين: ألا يُرى أنّه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم قَرَنهم بكتاب الله، في كون التمسّك بهما مُنقذاً من الضلالة، ولا معنى للتمسّك بالكتاب إلاّ الأخذ بما فيه من العلم والهداية، فكذا في العترة. ( شرح المقاصد 303:5، أو 303:2 من الطبعة القديمة سنة 1305 هـ ).
4 ـ وقال الملاّ علي القاري: المراد بالأخذ بهم: التمسّكُ بمحبّتهم، ومحافظة حرمتهم، والعمل برواياتهم، والاعتماد على مقالتهم... ومعنى التمسّك بالعترة: محبّتهم، والاهتداء بهديهم وسيرتهم... قلت: إطلاقُه صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم إشعارٌ بأنّ مَن يكون من عترته في الحقيقة لا يكون هَدْيه وسيرته إلاّ مطابقاً للشريعة والطريقة. ( مرقاة المفاتيح 530:10 ـ 531 ).
5 ـ وقال حسن السقّاف: والمراد بالأخذ بآل البيت والتمسّك بهم هو محبّتهم، والمحافظة على حرمتهم، والتأدّب معهم، والاهتداء بهديهم وسيرتهم، والعمل برواياتهم، والاعتماد على رأيهم ومقالتهم واجتهادهم، وتقديمُهم في ذلك على غيرهم. ( صحيح شرح العقيدة الطحاويّة:654 ).
6 ـ وقال الشيخ أبو الفتوح التليدي: هكذا يذكّرنا نبيُّنا نبيّ الإسلام صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم بأنّه سيُجيب داعيَ ربّه، وسيترك فينا أمرَينِ هامَّين، عظيمين ثقيلين، هما: كتاب الله المقدَّس، وعترته الطاهرة، وأمَرَنا بالتمسّكِ بهما، والاهتداءِ بهديهما، والاهتمام بشأنهما. ( الأنوار الباهرة:16 ).
7 ـ وقال ابن الأثير الجزري: سمّاهما ثَقَلَين؛ لأنّ الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل، ويُقال لكلّ خطيرٍ نفيسٍ ثِقْل، فسمّاهما ثقلين إعظاماً لقدرهما، وتفخيماً لشأنهما. ( النهاية في غريب الحديث والأثر 216:1 ).
8 ـ وقال النووي: سُمِّيا ثقلين لعُظْم قَدْرهما، وكبير شأنهما، وقيل: لثقل العمل بهما. ( شرح صحيح مسلم 180:15 ).

 

ماذا يُستفاد من ذلك ؟

يستشعر المرء المسلم بعد هذا أنّنا لم نعش أزمةً علميّة بقَدْر ما نعيش المشكلة الطائفيّة، حيث وَلّدت عند الكثير حالة الحساسيّة والعناد، وأدّت إلى المغالطات الفكرية.. وفي هذا المورد الذي نحن بصدده نقف على أمرين:
الأوّل ـ أنّ حديث الثقلين هو من الأحاديث المتواترة المشهورة التي تُعرّف بأنّها قطعيّة الصدور عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقد ملأت كتب الحديث، وقُوبلت من الجميع بالتسليم والتوثيق والتصحيح.
الثاني ـ أنّ هذا الحديث الشريف المبارك واضح الدلالة بيّن الغرض والقصد والمعنى، لا يحتاج إلى تأويل وطول شرحٍ أو بيانٍ أو تفسير، حيث يفهم مؤداه كلُّ عربي، وهو مفصح عن: وجوب، ودعوة لازمة، وأمرٍ خطير إن أُخذ به أدّى إلى النجاة والفوز، وإن تُرك أدّى إلى الضلال والهلاك والعذاب!
وهذا ما أشارت إليه التعليقات الصريحة لعلماء أهل السنّة، وفيها ما فيها من الإقرار بولاية أهل البيت عليهم السلام، تلك الولاية الواجبة التي تعني وجوبَ محبّتهم، ووجوبَ اتّباعهم والاهتداءِ بهديهم وسيرتهم، والأخذَ عنهم لا عن مخالفيهم، كما تعني مودّتَهم والتسليم لهم لا لغيرهم، وبعبارة أوضح: الإقرار بإمامتهم قولاً وعملاً.
فأين من ذلك أصحاب العقل والعلم والتقوى والأنصاف ؟!
وأين منه أدعياء الحقّ وطلاّب الحقيقة، والراغبون في نوال مرضاة الله والنجاة من الحساب العسير والفوز بالنعيم الأبديّ ؟!