شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

سالِم مولى بني المدينة

2 المشاركات 04.5 / 5

مَن هو سالم ؟

كان هذا الرجل مولى لبني المدينة، وهم بطنٌ من كلب بن وَبْرَة من القحطانيّة في اليمن ( عرب الجنوب ). وكان كوفيّاً من الشيعة هناك، وقد خرج مع مسلم بن عقيل رضوان الله عليه فيمَن خرج.. حتّى إذا تخاذَل الناسُ عن مسلم واستُشهد، قُبِض على سالمٍ هذا فسُلَّم إلى عبيدالله بن زيا فحبَسَه، فما لَبِث أن أفلَتَ واختفى عند قومه يترقّب الأخبار.. حتّى سمع بوصول الإمام الحسين عليه السّلام إلى كربلاء(1).

 

حطّ الرِّحال

بعد خروج الركب الحسينيّ من قصر بني مُقاتِل.. أخذ أبو عبدالله الحسين عليه السّلام يَتياسَر إلى أن انتهى إلى نَيْنَوى، وإذا براكبٍ على فرسٍ وعليه السّلاح، فانتظروه.. وإذا هو رسولُ عبيدالله بن زياد إلى الحرّ بن يزيد الرياحيّ ( وكان قد رافق الراكبَ الحسينيّ من شَراف يريد به الكوفة )، ومعه كتاب يقول فيه للحرّ: جَعْجِعْ بالحسين حتّى تقرأ كتابي، ولا تُنزِلْه إلاّ بالعَراء على غير ماءٍ وغير حصن!
فقرأ الحرُّ الكتابَ على الإمام الحسين عليه السّلام، فقال عليه السّلام للحرّ:
دَعْنا نَنزِلْ نَينَوى أو الغاضِريّات.. فقال الحرّ: لا أستطيع؛ فإنّ الرجل ( أي المرسَل ) عَينٌ علَيّ ( أي جاسوس )(2).
والتفت الحسينُ عليه السّلام إلى الحرّ قائلاً: سِرْ بنا قليلاً. فساروا جميعاً.. حتّى إذا وصلوا أرض كربلاء، وقف الحرّ وأصحابُه أمام الإمام الحسين عليه السّلام ومَنَعوه عن المسير وقالوا: إنّ هذا المكان قريب من الفرات.
ويقال: بينا هم يسيرون إذْ وقفَ جوادُ الإمام الحسين ولم يتحرّك، كم أوقف الله ناقةَ النبيّ صلّى الله عليه وآله عند الحديبيّة(3).
وعندها سأل الإمامُ الحسين عليه السّلام عن الأرض تلك، فأجابه زهير بن القَيْن: تُسمّى الطفّ، فقال عليه السّلام: فهل لها اسمٌ غيره ؟ قال: تُعرَف كربلاء. فدَمِعَت عيناه وقال: اللهمّ أعوذ بك مِن الكرب والبلاء، ها هنا مَحَطُّ رِكابِنا، وسَفْكُ دمائِنا، ومحلُّ قبورنا! بهذا حدّثني جَدّي رسول الله(4).
وكان نزوله عليه السّلام في كربلاء في الثاني من المحرّم سنة إحدى وستّين هجريّة(5).
وتعتبر هذه الفترة من اليوم الثاني من المحرّم إلى العاشر منه.. قبل أن ينشب القتال، هي فترةَ هدنة تُعرَف بأيّام المُهادَنة، حيث لم يَنْوِ الحرّ أيَّ مكروهٍ للإمام الحسين عليه السّلام، بل قال الإمام الحسين عليه السّلام للحرّ في « شَراف » عندما أذّن الحّجّاجُ بن مسروق لصلاة الظهر: أتصلّي بأصحابك ؟ أجابه الحرّ: لا، بل نصلّي جميعاً بصلاتك. فصلّى بهم الحسين عليه السّلام، ثمّ خطب فيهم بعد الصلاة(6).
وعند مشارف الطفّ، اقترح زهير بن القين فقال: يا ابن رسول الله، إنّ قتال هؤلاء ( أي عسكر الحرّ ) أهوَنُ علينا مِن قتالِ مَن يأتينا مِن بَعدهم، فلَعَمري لَيأتينا ما لا قِبَلَ لنا به! فأجاب الحسين صلوات الله عليه: ما كنتُ لأبدأهم بالقتال(7).
وتلك هي أيّام المهادنة.. وفيها التحق سالم مولى بني المدينة الكلبيّ بالركب الحسينيّ قبل أن ينشب القتال، فانضمّ إلى أصحاب سيّد شباب أهل الجنّة أبي عبدالله الحسين صلوات الله عليه(8).

 

اللقاء.. ثم الارتقاء

ما زال « سالم » رضوان الله عليه مع الإمام الحسين عليه السّلام حتّى نَفَسِه الأخير، وقف إلى جانبه، مُصطفّاً مع أصحابه كأنّهم بنيانٌ مرصوص. وكانت الحملة الأولى، إذ هجم الشمر يقول لأصحابه: احملوا عليهم حملةَ رجلٍ واحد، وأفْنُوهم عن آخِرِهم(9). وفي المقابل حمل أصحابُ الحسين عليه السّلام حملةً واحدة، واقتتلوا ساعة، فكان فيهم مجموعةٌ من الشهداء؛ إذ كانوا عشرات، وكان جنود عمر بن سعد آلافاً مؤلّفة.. وكان مِن بين هؤلاء الشهداء: سالم مولى بني المدينة الكلبيّ رضوان الله عليه(10).

فسلامٌ على هذا الشهيد في الأوفياء،
وسلامٌ عليه في الطيّبين الشهداء،
وسلامٌ عليه من خاتم الأوصياء.. حيث يزوره
الإمام المهديّ عليه السّلام في أصحابه الشهداء يوم عاشوراء:
السلامُ على سالِمٍ مَوْلى بني المَدينةِ الكلْبيّ
(11)

--------------

1 ـ إبصار العين في أنصار الحسين عليه السّلام للشيخ محمّد السماويّ 108؛ العيون العبرى في مقتل سيّد الشهداء للسيّد إبراهيم الميانجيّ 113.
2 ـ الإرشاد للشيخ المفيد 223 ـ 224 و 226 ـ 227.
3 ـ المنتخب للطريحيّ 308.
4 ـ سِيَر أعلام النبلاء للذهبيّ 209:3 ؛ اللهوف في قتلى الطفوف للسيّد ابن طاووس 35.
5 ـ تاريخ الطبريّ 233:6 ؛ الكامل في التاريخ لابن الأثير 20:4 ؛ الإرشاد 227.
6 ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 193:2؛ مقتل الحسين عليه السّلام للخوارزميّ 230:1 ـ عنهما: مقتل الحسين عليه السّلام للسيّد عبدالرزّاق المقرّم الموسويّ 183 ـ 184.
7 ـ الإرشاد 227.
8 ـ إبصار العين 108؛ العيون العبرى 113.
9 ـ مقتل أبي مِخْنَف 101.
10 ـ إبصار العين 108 ـ نقلاً عن: الحدائق الورديّة للمحلّيّ 210، ومناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب. وذكر ذلك الميانجيّ في ( العيون العبرى 113 ).
11 ـ إقبال الأعمال للسيّد ابن طاووس 577.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية