عمرو الجندعيّ
تعريف
هو عمرو بن عبدالله الهَمْدانيّ الجُنُدعيّ(1)، وقد وُفِّق هذا الرجل لأن يلتحق بمعسكر الإمام الحسين عليه السّلام أيّامَ المُهادَنة في طفّ كربلاء(2).
أيّام الهدنة
بعد اجتياز قصر بني مُقاتِل، لم يَزَل الإمامُ الحسين عليه السّلام يَتَياسَر إلى أن انتهى إلى « نَيْنَوى »(3)، وإذا براكبٍ هو رسولُ عُبيدالله بن زياد إلى الحُرّ، ومعه كتابٌ يقول فيه: جَعْجِعْ بالحسين حين تقرأ كتابي، ولا تُنْزِلْه إلاّ بالعَراء على غيرِ ماءٍ وغير حِصن. فقرأ الحرُّ الكتابَ على الإمام الحسين عليه السّلام، فقال له: دَعْنا نَنزِلْ نَيْنَوى أو الغاضِريّات أو شفيّة، فقال الحرّ: لا أستطيع؛ فإنّ الرجل عيَنٌ علَيّ(4).
فقال زُهير بن القَين: إنّي ـ والله ـ ما أراه يكونُ بعدَ الذي تَرَون إلاّ أشدَّ ممّا تَرَون يا ابن رسول الله، إنّ قتال هؤلاءِ القوم الساعةَ أهوَنُ علينا مِن قتالِ مَن يأتينا مِن بعدهم، فلَعَمْري لَيأتينا بعدَهم ما لا قِبَل لنا به!
فقال الحسين عليه السّلام: ما كنتُ لأبدأهم بالقتال.
ثمّ نَزَل عليه السّلام، وذلك يوم الخميس وهو الثاني من المحرّم سنة إحدى وستّين، فلمّا كان مِن الغد قَدِم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقّاص من الكوفة في أربعة آلاف فارس، فنزل بنَينوى..(5)
وإلى اليوم العاشر من المحرّم لم يكُنْ قتال، بل كانت خُطَب واحتجاجات، وخلال تلك الأيّام التَحَق بعضُ الأصحاب بسيّد الشهداء عليه السّلام وانضَمُّوا إلى ركبه الشريف، ليدخلوا في ملحمة عاشوراء العظمى، ويُكتَبوا في عِداد الشهداء الأبرار.
الالتحاق
بعد التحاقه بمعسكر الإمام الحسين عليه السّلام، بقي عمرو بن عبدالله الجُندُعيّ ثابتاً في صفوف الأصحاب ينتظر الساعةَ التي ينتصر فيها لإمامه، فإذا كان اليومُ العاشر، وكانت الحملة الأُولى التي حمَلَ فيها الأصحابُ حملةً واحدة، دخل عمرو في غِمارهم، وقد اقتَتَلوا ساعةً، حتّى انجَلَت الغُبرة عن خمسين صريعاً مِن أصحاب أبي عبدالله الحسين عليه السّلام، ما بين قتيلٍ طريح، ومُرْتَثٍّ جريح(6).
وكان عمرو بن عبدالله الهَمْدانيّ الجُنْدُعيّ مِن بين الصَّرعَى الجَرحى، فوقع مُرْتَثّاً بالجراحات، إثْر ضربةٍ وَقَعت على رأسه فبَلَغتْ منه مبَلغَها، فحمَلَه قومُه، فبقيَ مريضاً من تلك الضربة طريحَ الفراش سنةً كاملة، حتّى تُوفّي على رأس تلك السنة رضي الله عنه(7).
ويشهد لعمرو بن عبدالله أنّه جُرِح في ساحة الطفّ ولم يُستَشهَد إلاّ بعد سنة كاملة، ما ورد في زيارة الإمام المهديّ سلام الله عليه لشهداء كربلاء، حيث يقول فيها: السلامُ على الجريح المأسور سَوّارِ بنِ أبي حُمَير الفَهْميِّ الهَمْدانيّ. السلامُ علَى المُرْتَثِّ معه عمروِ بنِ عبدِاللهِ الجُندُعيّ(8).
وارتُثّ في اللّغة: حُمِل من المعركة، بعد أن قاتَلَ وأُثخِن بالجِراح، فأُخرِج من أرض القتال وبه رَمَق(9).
فسلامٌ عليه صريعاً في المجروحين،
وسلامٌ عليه مريضاً في الآلمين،
وسلامٌ عليه في الشهداءِ الملتحقين.
-----------------
1 ـ من جُنُدع بن مالك، بطنٌ مِن هَمْدان ـ عرب الجنوب في اليمن.
2 ـ ذكره: ابن شهرآشوب في « مناقب آل أبي طالب 113:4 »، والشيخ المجلسيّ في « بحار الأنوار 73:45 ».
3 ـ وهي مِن قُرى الطفّ.
4 ـ الإرشاد للشيخ المفيد 226ـ 227.
5 ـ الإرشاد 227.
6 ـ مقتل الحسين عليه السّلام لأبي مخنف 101 ـ 102؛ بحار الأنوار للشيخ المجلسيّ 12:45 ـ عن المورّخ محمّد بن أبي طالب الموسويّ.
7 ـ الحدائق الورديّة لحميد الشهيد بن أحمد المحلّيّ 212. ويظنّ ابن شهرآشوب في « مناقب آل أبي طالب 113:4 » أنّه في عِداد شهداء الحملة الأولى.
8 ـ إقبال الأعمال للسيّد ابن طاووس 577.
9 ـ ينظر: المُغرِب للمطرّزيّ 184:1 ؛ والقاموس المحيط للفيروزآباديّ 167:1 ؛ ولسان العرب لابن منظور 457:2.