في الشكر.. والشاكرين

في الشُّكر ينطلق القلب إلى ربّه.. ويواصل الانطلاق ما دام حيّاً.
إنّه ـ يا اصدقاءنا ـ لا تصدّه العوائق. لا تصدّه نقمة، ولا يركن إلى نعمة.. فيتوقّف عن الانطلاق. والقلب الشاكر.. قلبٌ مسافر إلى الله، قد رَكِب مركب الشوق، وانطلق إلى محبوبه في سرعةٍ لا تنالُها العقول.
وهو في أثناء رحلته سيَلقى نوعين من العوائق: النعمة.. والنقمة.
إذا ركن إلى النعمة.. نَسِي المنعم. هنالك يتوقف عن السير إلى المنعِم. وإذا ضَعُف أمام النقمة.. عاقَته عن الأنطلاق، فيتوقّف أيضاً عن المسير.
وحقيقةُ الأمر ـ يا أصدقاءنا ـ أنّ القلب في انطلاقه إلى ربِّه.. تتجلّى عليه أمواج الجمال والجلال. فإذا تجلّى اللهُ عليه بأمواج الجمال.. سمّاها الإنسانُ: نعمة. وإذا تجلّى سبحانه عليه بأمواج الجلال.. سمّاها الإنسانُ: نقمة! والقلب الشاكر يواصل المسير إلى ربّه، غير ملتفت إلى النعمة، ولا إلى النقمة.
إذا هبّت عليه أمواج الجمال لم يركن إليها، وعلم أنّها شيء من الله. وإذا عصفت به أمواجُ الجلال لم يقف دونها، بل اقتحمها منطلقاً إلى الله: فلا اقتَحَم العَقَبة ! أي: اقتَحِموا كلَّ العقبات.

* * *

إنّ القلب الشاكر هو الذي يتحقّق بقوله تعالى: لكيلا تأسَوا على ما فاتكُم، ولا تَفرَحوا بما آتاكُم . لا يحزن لشدّة بلاء، ولا يفرح برخاءِ نعمة. هما سواءٌ عنده؛ لأنّ كلاًّ منهما مَظهرُ تجلّي صفةٍ من صفات ربِّه.
وفي الدعاء النبويّ العظيم: « يا مُقَلِّبَ القلوب، ثَبِّتْ قلبي على دينك ». أي: ثَبِّتْ قلبي على دوام التوجّه إليك، وعدم التوقّف بسبب نعمة أو نقمة.
وللشاكر ـ يا اصدقاءنا ـ حنين وأنين.. هما في غاية الإحساس بالسعادة والهناء الروحيّ العجيب.. لو علمه الخلق لهجموا عليه يستأثرون به لأنفسهم! لكنّ أحداً لا يستطيع أن يصل إليه؛ لأنّه سرّ قلبي مخزون مكنون، ولأنّ الشكر حقيقةٌ في قلب الشاكر يعلمها الله تعالى، وسرّ بين العبد وربّه.. نذكر فيه قوله سبحانه: أليس اللهُ بأعلمَ بالشاكرين ؟!