شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) كان أميا وكان يقرأ ويكتب

0 المشاركات 00.0 / 5

نريد في هذا البحث أن نضع النقاط على الحروف ، حول معنى لفظة (الأُمّيّ) ، لقد وردت هذه اللفظة في الكتاب في ستة مواقع وهي :

ـ (فَإنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمتُ وَجْهِيَ للهِ وَمَنِ اتَّبعَنِ وَقُل للَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ وَالأُمِّيِّينَ أأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلمُوا فَقَدِ اهْتدَوا وَّإِن تَولَّوا فَإِنَّمَا عَليْكَ البَلاغُ واللهُ بَصيرٌ بِالعِبَادِ) (سورة آل عمران/ 20).

ـ (وَمِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطارٍ يُؤَدِّهِ إِليكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِليكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيهِ قَائِماً ذَلكَ بِأَنَّهُم قَالُوا لَيْسَ عَليْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (سورة آل عمران/ 75).

ـ (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِليْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمواتِ والأَرْضِ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيي وَيُمِيتُ فَأَمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولهِ النَّبيّ الأمّيّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلمَاتِهِ وَاتَّبعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (سورة الأعراف/ 158).

ـ (الَّذينَ يَتَّبعُونَ الرَّسُولَ النَّبيّ الأمّيّ الَّذِي يَجدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوراةِ والإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمَ عَنِ المُنكَرِ وَيُحلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهمُ الخَبَائِثَ وَيَضعُ عَنْهُمْ إِصْرهُمْ ... )الآية (سورة الأعراف/ 157).

ـ (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُم يَتْلُوا عَلَيْهَم آيَاتهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) (سورة الجمعة/ 2).

ـ (وَمِنْهُم أمّيّون لاَ يَعْلَمُونَ الكِتابَ إِلاَّ أَمَانيَّ وَأَنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) (سورة البقرة/ 78).

أوّلاً: لنعرف ما معنى كلمة الأُمّيّ التي وردت في الآيات السابقة ، لقد أطلق اليهود والنصارى على الناس الذين لا يدينون بدينهم أي ليسوا يهوداً ولا نصارى لفظ الأُمّيّ ، وجاءت من كلمة غوييم العبرية (الأُمم) ، وهو ما نعبّر عنه اليوم بالدهماء أو الغوغاء أو العامة ؛ لأنّ هؤلاء الناس كانوا جاهلين ولا يعلمون ما هي الأحكام في كتاب اليهود والنصارى ، والنبوات التي جاءت لهم ، ومن هنا جاء لفظ الأُمّيّ التي تعني:

1ـ غير اليهود والنصراني.

2ـ الجاهل بكتب اليهود والنصارى.

وهذا واضح في الآية رقم 20 من آل عمران : (وَقُل للَّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ وَالأُمِّيِّينَ) فالذين أوتوا الكتاب هم اليهود والنصارى والباقي من الناس هم الأُميون.

وهذا المعنى واضح أيضاً في الآية رقم 75 من آل عمران ، عندما ذكر أهل الكتاب اليهود والنصارى فمنهم أي اليهود : (مَّنْ إِن تَأمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِليكَ وَمِنْهُم ) أي النصارى : (مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطارٍ يُؤَدِّهِ إِليكَ) ، فلماذا لا يؤدّي اليهود الأمانات لغيرهم ؟ لأنّهم يعتبرون (الغوييم) الأُمم خدماً لهم ، وأنّهم الدهماء وهؤلاء الأُمِّيُّونَ لا تنطبق عليهم وصايا الربّ ، حيث قال : (ذَلكَ بِأَنَّهُم قَالُوا لَيْسَ عَليْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ).

وفي سورة الأعراف الآية 157 : (الَّذينَ يَتَّبعُونَ الرَّسُولَ النَّبيّ الأمّيّ). أُميّ لأنّه ليس منهم ؛ لأنّه قال : (الَّذِي يَجدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوراةِ والإِنجِيلِ).

وكذلك جاءت في الآية 158 حيث أتبعها بأنّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو رسول الله إلى الناس جميعاً اليهود والنصارى والأُميين ، علماً بأنّه لم يكن أصلاً يهودياً ولا نصرانياً ، بل من الفئة الثالثة وهي الأُميّون.

وبمعنى الجهل في الكتاب قال : (وَمِنْهُم أمّيّون لاَ يَعْلَمُونَ الكِتابَ إِلاَّ أَمَانيَّ) (سورة البقرة 78) أي : الذي لا يعلمون الكتاب ومحتوياته ، هم أُمّيّون بالكتاب ولذا أتبعها : (وَأَنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) (سورة البقرة/ 78).

فإذا قلنا: إنّ فلاناً أُمِّيٌّ دون التعريف.. أُمِّيُّ بماذا ؟ وأراد أن يمحو أُميته فيدخل مدرسة محو الأُمية تحت اسم محمّد بن سعيد ويخرج تحت اسم هارون ، أمّا إذا قلنا فلان أُمِّيُّ وعرفناه بماذا ، فهذا صحيح ونكون قد استعملنا المعنى الوارد في الآية : (وَمِنْهُم أمّيّون لاَ يَعْلَمُونَ الكِتابَ إِلاَّ أَمَانيَّ). فكاتب هذه السطور هو أُمّيّ بعلم البحار مع إنّه دكتور مهندس في الهندسة المدنية ، أي هو لا يعلم في علم البحار إلاّ اللمم ، وعندما يتكلم عن علم البحار فمعلوماته ظنّيّة غير يقينية: (وَأَنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ).

ومن هنا نرى أنّ النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان أُميّاً بمعنى أنّّه غير يهودي وغير نصراني ، وكان أُمّيّاً أيضاً بكتب اليهود والنصارى ، وكانت معلوماته عن كتبهم هي بقدر ما أُوحي إليه بعد بعثته (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

أمّا إسقاط هذا المعنى على أنّ النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان أُمّيّاً لا يقرأ ولا يكتب فهذا خطأ، إنّ الكتابة هي تجميع الأشياء بعضها إلى بعض لإخراج معنى مفيد (موضوع) ، فهل كان النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)  عاجزاً عن تأليف جملة مفيدة أو كتابة كتاب (تأليف) ؟ إنّ الكتاب الذي أرسله النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى كسرى هو كتاب النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ؛ لأنّه هو الذي أملاه وصاغه ، والقراءة تعني العملية التعليمية (تتبع المعلومات) ، ثُمّ القدرة على استقراء نتائج منها ومقارنتها بعضها ببعض ، فالاستقراء والمقارنة جاءا من القراءة ، فهل كان النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يقرأ ؟!

قد يقول البعض ـ وهذه هي الحُجّة التي يوردها كثير من الناس ـ إنّه عندما جاء الوحي إلى محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال له: اقرأ، فأجاب النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ما أنا بقارئ ؛ واستنتجوا إنّه لا يقرأ ، وأقول: إنّه إذا أمر سعيد زيداً أن يذهب ، فقال زيد : (ما أنا بذاهب) فهل هذا يعني بالضرورة أنّ زيداً مشلول أو بلا أقدام ، هل هذا يعني أنّ زيداً لا يستطيع الذهاب أو إنّه لا يريد الذهاب ، ثُمّ هل يعني أنّ جبريل قدّم للنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مادّة مخطوطة لكي يقرأها خطاً ، فهنا خلطنا بإرادة النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للقراءة وبين عدم استطاعته ، وظننا أنّ جبريل قدّم له مخطوطة على قرطاس ليقرأها ؛ لأنّه عندما قال له في المرة الثالثة : أقرأ فأجاب النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : ما أنا بقارئ ؛ فقال جبريل: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (العلق/1)، فسكت النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد هذه الآيات ولم يقل ما أنا بقارئ.

قد يقول البعض : ألم يكن النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أُمّيّاً بمفهومنا الخاطئ للقراءة والكتابة ؟! أقول : نعم لقد كان النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أوّل حياته إلى وفاته أُمّيّاً بالخط ، أي كان لا يخطّ ولا يقرأ المخطوط ، وجاء هذا المعنى في قوله تعالى : (وَمَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَميِنكَ إِذاً لاَّرْتَابَ المُبْطِلُونَ) (العنكبوت48). (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيَّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ وَمَا يَجْحدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الظَّالمُونَ) (العنكبوت/49).

لقد وضحت أُميّة النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في شيئين : أوّلهما أنّ النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يتكلم في حياته قبل البعثة عن أيّ موضوع من مواضيع القرآن ، ولو فعل ذلك لقال له العرب: لقد كنت تتحدّث إلينا عن هذه المواضيع قبل أن تكون نبياً ، أي أنّ النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان أُمّيّاً في مواضيع القرآن تماماً، وقوله : (مِن كِتَابٍ) منكّرة وتعني القرآن ؛ لأنّه أتبعها بقوله : (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيَّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ) أمّا مواضيع أُمّ الكتاب فلم يكن النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أُمّياً بها كلها فمثلاً : الصدق والأمانة والوفاء بالكيل والميزان ، من مواضيع أُمّ الكتاب، أوَ لم يكن النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) صادقاً وأميناً ويوفي الكيل والميزان قبل البعثة ؟! والناحية الثانية التي تقولها الآية : أنّ النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان أُمّيّاً بالخط ، وأميته بالخط استمرت إلى أن توفي (صّلى الله عليه وآله وسلّم).

إنّ السرّ الأكبر في أُمية النَّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من ناحية الخطّ وقراءة المخطوط هي أنّ أساس الكلام الإنساني هو الأصوات وليس الخطوط ، أي أنّ اللغة بالنسبة للنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كانت لساناً وأذناً (كلام وسمع) ؛ لأنَّ أيّ قوم إذا غيّروا أبجديتهم فلا يتأثرون أبداً في كلامهم بين بعضهم وفهمهم للغتهم ، بل يتأثرون بقراءة المخطوط ، علماً بأنّ الكتاب جاء إلى النَّبيّ وحياً ، أي جاءه بصيغة صوتية غير مخطوطة وسمّاه الكتاب.

فإذا سألني سائل : ما معنى قوله تعالى : (وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ) ، (الأعراف145) الألواح هنا قرطاسية ، أي : ما يُخطّ عليه، فأقول : لو قال : (وخططنا له في الألواح) فيأتي السؤال: بأيّ خط ؟ أي بأيّة أبجدية ؟ ولكن قال: (وَكَتَبْنَا لَهُ) فالسؤال هنا : ماذا كتب ؟ ويأتي الجواب مباشرة : (مِن كُلّ شَيءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيءٍ) (الأعراف 145) فهنا بعد فعل (كتبنا) ذكر الموضوع مباشرة.

وإذا سأل سائل : ما معنى فعل (كتب) في آية المداينة في سورة البقرة وهي آية حدودية : (يَا أَيُّهَا الَّذينَ أمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَينٍ إلَى أَجلٍ مُّسمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالعدْلِ...) الآية (البقرة/ 282) هنا (فاكتبوه) بمعنى تسجيل العقود حسب الموضوع، كأن نقول فريق أوّل وفريق ثانٍ، وموضوع العقد هل هو مال أو بيت أو تنفيذ أعمال.. مع الأجل.. إلخ ، حيث إنّ بنود العقد تشمل كُلّ صغيرة وكبيرة ، لذا قال : (فاكتبوه) وهنا ليس بالضرورة أن يكون الكتاب بالعدل خطيّاً أو العقد خطيّاً فيمكن أن يكون العقد شفهياً ، أي أنّ هذه الآية تشمل العقود الخطيّة أو الاتفاقات الشفهية ، لذا قال عن الشهادة : (فَرَجُلٌ وَامرأتَانِ مِمَّن تَرْضَونَ مِنَ الشُّهدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) (البقرة 282) ، فكيف نفهم هذا الشرط في حالة توثيق العقد في كاتب العدل كما نفعل الآن ؛ لأنّه في حالة العقد الخطي بوجود الكاتب بالعدل لا داعي أصلاً أن تضلّ إحداهما لتذكرها الأخرى ، لأنّ محتويات العقد الخطية الموثّقة في كاتب العدل لا تحتاج بعد مدّة من الزمن إلى أي مراجعة ، وهذا الشرط صحيح للكتابة الشفهية للعقد (شروط العقد) ؛ لأنّ أساس التعامل بين الناس والدول هو الاتفاقات الشفهية أولاً ثُمّ تُنسخ أو لا تُنسخ (توثق أو لا توثق).

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية