شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

مشاهد وأخبار.. في شهادة الكاظم (عليه السلام)

0 المشاركات 00.0 / 5

مشاهد وأخبار.. في شهادة الكاظم (عليه السلام)

شبكة الإمام الكاظم(عليه السلام)

انتقلت الإمامة إلى الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) بعد شهادة أبيه الصادق (عليه السلام) سنة 148 هجريّة، فأدرك فيها أواخر أيّام المنصور الذي كان حذراً وذا ريبةٍ من أهل البيت (عليهم السّلام) فضلاً عن بغضه لهم. وقضى الإمام الكاظم (عليه السلام) عشر سنين مدّة عهد المهديّ العباسيّ، فجيء به إلى العراق وحُبس، وتهيّب المهدي من قتله لمّا رأى من المعاجز الكثيرة منه، فأعاده إلى المدينة.

ثمّ أدرك الإمامُ الكاظم (عليه السلام) عهدَ الهادي العبّاسيّ الذي حبسه، فرأى في منامه أميرَ المؤمنين عليّاً (عليه السلام) يقول: ( َهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ )! فانتبه من نومه وأمر بإطلاق الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، ثمّ عاد الهادي العبّاسيّ يتوعّد بقتل الإمام لكنّه هلك قبل ذلك سنة 170 هجريّة.

ولمّا تولّى هارون الرشيد الحكْم أكرمَ الإمامَ وأعظمه في الظاهر، ثمّ أمر بحبسه، وأخذ يدبّر الدسائس لاغتياله(1).

* * *

حجّ هارون الرشيد سنة 179 هجريّة لإحكام سيطرته على المدينة، وكتب إلى الأطراف والنواحي يأمر العلماء والأعيان بالاجتماع في مكّة كي يجدّد البيعة لنفسه، ويأخذَ البيعة لولدَيه: الأمين والمأمون، بولاية العهد.

يروي إبراهيم بن أبي البلاد أنّ يحيى البرمكيّ سمع الرشيد يقول عند قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله، إنّي أعتذر إليك من أمرٍ قد عزمت عليه، فإنّي أُريد أن آخذَ موسى بن جعفر فأحبسه؛ لأنّي قد خشيت أن يُلقيَ بين أمتك حرباً.. ، فلمّا كان من الغد أرسل إليه الفضلَ بن الربيع وهو  أي الإمام (عليه السلام) قائم يصلّي في مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأمر بالقبض عليه وحبسه(2).

وأقبل الناس من كلّ جانب يبكون ويضجّون، فلمّا حُمل (عليه السلام) إلى بين يدَي الرشيد شتمه الرشيدُ وجفاه! فإذا جنّ الليل قيّده، وأمر بهودجَين فهُيّئا، فحُمل موسى بن جعفر (عليه السلام) على أحدهما في خفاء، وأمر حسّانَ السَّرَويّ أن يصيّره في هودج إلى البصرة فيسلّمه إلى عيسى بن جعفر ابن عمّ الرشيد، ووجّه هودجاً آخر علانيةً نهاراً إلى الكوفة؛ ليُوهم الناس في أمر الإمام الكاظم (عليه السلام) إلى أن حُمِل(3).

* * *

والإمام موسى الكاظم (عليه السلام) في حبس عيسى بن جعفر.. كتب الرشيد يأمر بقتله، فلم يجرأ عيسى على ذلك، فلمّا طال الحبس كتب عيسى إلى الرشيد: أنْ خُذْه منّي وسلِّمه إلى مَن شئت، وإلاّ خلّيتُ سبيله؛ فقد اجتهدتُ بأن أجد عليه حجّةً فلم أقدر على ذلك، حتّى إنّي لأتَسمّع عليه إذا دعا لعلّه يدعو علَيّ أو عليك، فما أسمعه يدعو إلاّ لنفسه يسأل الله الرحمة والمغفرة(4).

ثمّ شاعت من الإمام الكاظم (عليه السلام) معجزاتٌ ودلائل وهو في الحبس، فتحيّر الرشيد ودعا يحيى بن خالد البرمكيّ ليقول له: إنطلقْ إليه وأطْلِقْ عنه الحديد، وقُلْ له: يقول لك ابن عمّك: إنّه قد سبق منّي فيك يمين أنّي لا أخلّيك حتّى تُقرّ لي بالإساءة وتسألني العفوَ عمّا سلف منك، وليس عليك في إقرارك عار ولا في مسألتك إيّايَ منقصة.

قال محمّد بن غياث: أخبرني موسى بن يحيى بن خالد البرمكيّ أنّ أبا إبراهيم ( الكاظم ) قال ليحيى: ((أنا ميّت، وإنّما بقيَ مِن أجَلي أُسبوع)).(5).

* * *

وروي أنّ الفضل بن يحيى البرمكيّ لم يَقْدم على قتل الإمام مع إصرار هارون الرشيد على قتله، فأنفذ مسرورَ الخادم إلى بغداد ليستخبر الأمر، ومن هناك كتب مسرور بالخبر إلى الرشيد، فأمر حينها الرشيد بتسليم موسى الكاظم (عليه السلام) إلى السِّنديّ بن شاهَك، ثمّ عاقب الفضلَ بن يحيى وأهانه.

وبلغ يحيى بنَ خالد الخبر ـ وهو والد الفضل ـ فركب إلى الرشيد وقال له: يا أمير المؤمنين، إنّ الفضل حَدِث وأنا أكفيك ما تريد. فانطلق الرشيد مسروراً وعفا عن الفضل. ثمّ خرج يحيى بن خالد البرمكيّ بنفسه إلى بغداد، فماج الناس وأُرجفوا، فأظهر أنّه ورد لتعديل السواد والنظر في أمر العمّال، وتشاغل ببعض ذلك، ثمّ دعا السنديَّ فأمره بأمر الرشيد وتصميمه على الاغتيال(6).

ويتقدّم السنديّ نحو الجريمة العظمى، مُمتثلاً أمر هارون وعاصياً ربَّه، فيُقدّم الرطبَ المسموم أو غيره للإمام الكاظم (عليه السلام)، فإذا سمّه أحضر القضاةَ والأعيان قبل شهادته، وأخرجه إليهم يقول لهم: إنّ الناس يقولون: إنّ أبا الحسن موسى في ضنكٍ وضُرّ، وها هو ذا لا علّةَ به ولا مرض ولا ضُرّ. فالتفت إليه الإمام (عليه السلام) وقال للحاضرين:   ((أشهدوا علَيّ أنّي مقتول بالسمّ منذ ثلاثة أيّام، أشهدوا أنّي صحيح الظاهر لكنّي مسموم.. وسأحمرّ في آخر هذا اليوم حمرةً شديدة منكَرة، وأصفرّ غداً صفرةً شديد، وأبيضّ بعد غدٍ وأمضي إلى رحمة الله ورضوانه)).

* * *

ويقضي الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) شهيداً؛ غِيلةً بيد الجُناة الحاقدين، فيأمر السنديّ منادياً ينادي بجنازة الإمام: هذا إمام الرافضة.. فاعرفوه. وتُوضَع الجنازة في السوق يُنادى عليها: هذا موسى بن جعفر قد مات حتف أنفه.. فانظروا إليه.

يجتمع الناس حول الجثمان الطاهر ينظرون إليه، فلم يروا فيه أثراً من جراحةٍ أو خنقٍ. ويأمر الفقهاءُ والعلماء من حاشية السلطان ووعّاظه الدجّالين أن يشهد الناس على وفاة الإمام وفاة طبيعيّة(7).

لكنّ الأيّام تعود ترفع الحقائق على رؤوس الأشهاد، وتصدع بشهادة الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) مسموماً، مظلوماً، محروماً.. وقد كان أهله في المدينة ينتظرون عودته بعد سنوات غُيّب خلالها في السجون. تُصوّر حالاتهِ زيارةٌ يذكرها السيّد ابن طاووس، هذا نصُّها:

اللهمّ صلِّ على محمّد وأهل بيته، وصلِّ على موسى بن جعفر وصيِّ الأبرار، وإمامِ الأخيار، وعَيبةِ الأنوار، ووارثِ السَّكينة والوَقار، والحِكَم والآثار، الذي كان يُحيي الليلَ بالسهر إلى السَّحَر بمواصلة الاستغفار.

حليفِ السجدة الطويلة، والدموعِ الغزيرة، والمناجاة الكثيرة، والضراعات المتّصلة. ومقرِّ النُّهى والعدل، والخيرِ والفضل، والندى والبذل، ومألفِ البلوى والصبر، والمُضطهَدِ بالظلم، والمقبورِ بالجَور، والمعذَّبِ في قعرِ السجون وظُلَمِ المطامير، ذي الساقِ المرضوض بحَلَقِ القيود، والجَنازةِ المُنادى عليها بذُلِّ الاستخفاف، والواردِ على جَدِّه المصطفى وأبيه المرتضى وأُمِّه سيّدةِ النساء.. بإرثٍ مغصوب، وولاءٍ مسلوب، وأمرٍ مغلوب، ودمٍ مطلوب، وسَمٍّ مشروب...

* * *

وتستمرّ كراماتُ الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) بعد شهادته.. من قضاء الحوائج؛ إذ هو باب الحوائج، إلى إذلال المعادين لآل الله تعالى، إلى نوال الشفاء والسعادة والخير والبركات.

• روي البغدادي بالإسناد عن أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعيّ، قال: سمعتُ الحسنَ بن إبراهيم ( أبا عليّ الخلاّل ) يقول: ما همّني أمرٌ فقصدتُ قبرَ موسى بن جعفر فتوسّلتُ به إلاّ سهّل الله تعالى لي ما أُحبّ(9).

• وحكى ابن شهر آشوب أنّه: رُؤيَ في بغداد امرأةٌ تُهرول.. فقيل لها: إلى أين ؟ قالت: إلى موسى بن جعفر، فإنّه حُبس ابني! فقال لها رجلٌ مستهزئ: إنّ موسى قد مات في الحبس! فقالت: اللهمّ بحقّ المقتول في الحبس، أرِني القدرة. فإذا بابنها قد أُطلِق وأُخذ ابنُ المستهزئ به!(10).

• وعن الحسن بن محمّد بن جُمهور العمّيّ قال: رأيت في سنة 296 هـ ـ وهي السنة التي تقلّد فيها عليّ بن محمّد بن موسى بن الفرات وزارة المقتدر ـ أحمدَ بن ربيعة الأنباريَّ الكاتب، وقد اعتلّت يده العلّة الخبيثة، وعظم أمرُها حتّى اسودّت، وأشار يزيد المتطبّب بقطعها، ولم يشكَّ أحدٌ ممن رآه في تلفه وموته.

فرأى أحمدُ في منامه مولانا أميرَ المؤمنين (عليه السلام)، فقال له: يا أمير المؤمنين، أما تستوهب لي يدي ؟ فقال: امضِ إلى موسى بن جعفر؛ فإنّه يستوهبها لك. فلمّا أصبح قال: ائتوني بمَحمل ووطِّئوا تحتي، واحملوني إلى مقابر قريش. ففعلوا ذلك، فلاذ بالإمام الكاظم (عليه السلام) ودعا، وأخذ مِن تربته وطلى بها يده إلى الكفّ وشدّها.

فلمّا كان من الغد فتحها.. فإذا بها قد انقطعت الرائحة، ثمّ عولج ورجع إلى الديوان، وكتب بيده كما كان، وفيه يقول صالح الديلميّ:

وموسى       قد       iiشفى      الكَفْ  مِن الكاتبِ إذْ زارا(11)

1 ـ عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، لابن عنبة ص 196.

2 ـ عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، للشيخ الصدوق 73:1 / ح 73 ـ الباب 7.

3 ـ عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 85:1 ـ 86 / ح 10 ـ الباب 7.

4 ـ الغَيبة، للطوسيّ 23.

5 ـ الغَيبة، للطوسيّ 19.

6 ـ الغَيبة، للطوسيّ 24.

7 ـ الإرشاد، للشيخ المفيد 302.

8 ـ مصباح الزائر، للسيّد ابن طاووس 288.

9 ـ تاريخ بغداد، للخطيب البغداديّ 120:1.

10 ـ مناقب آل أبي طالب، لابن شهر آشوب 305:4.

11 ـ بحار الأنوار، للشيخ المجلسيّ 6:102 / ح 27 ـ عن الكتاب العتيق، للغرويّ.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية