شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

النصوص على إمامة الحسن العسكري((عليه السلام))

0 المشاركات 00.0 / 5

النصوص على إمامة الحسن العسكري((عليه السلام))

يواجه الباحث في هذا الموضوع ـ كما هو الحال في تناول النصوص الواردة في آباء الإمام العسكري ((عليه السلام)) ـ ثلاثة أنواع من النصوص، يمكن تصنيفها كما يلي :

أ ـ النصوص الواردة عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) .

ب ـ النصوص الواردة عن الأئمة بعد رسول الله، والسابقين على أبيه الإمام الهادي ((عليه السلام)) .

ج ـ النصوص الواردة عن أبيه الإمام الهادي ((عليه السلام)) والتي ثبتت إمامته أيضاً؛ بالنصوص والمعجزات، والتي كان منها إمامته المبكّرة كأبيه وهو بعدُ لمّا يبلغ الحلم . حيث استطاع أن يجيب على كل التحدّيات الّتي أثيرت بالنسبة لإمامته، وخرج من كل الحوارات والاحتجاجات ظافراً مؤيّداً من عند الله .

أ ـ نصوص الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله):

وهي النصوص التي رواها الصحابة والأئمة (عليهم السلام) والتي اشتملت على ذكر أسماء الأئمة الإثني عشر، وما وعد الله ـ على لسان رسوله (صلى الله عليه وآله) ـ المصدقين بهم والتابعين لهم، بالخير والسعادة في الدارين، وما توعد به الناصبين لهم العداء، والمخالفين من العذاب، والخزي فيهما أيضاً .

ولم تُبتلَ الاُمة الإسلامية بالتجزئة، والخضوع للاستكبار العالمي، والحيرة، والتيه، وسوء الظروف التي تمرّ بها الاُمة الاسلامية؛ إلاّ بسبب هذه القطيعة الحاصلة بينها وبين أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ونورد هنا جملة من أحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله) في هذا الاتجاه :

1 ـ روى الصدوق، عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق (رضي الله عنه) قال : حدثنا محمد بن همام : حدثنا أحمد بن مابنداذ قال : حدثنا أحمد بن هلال، عن محمد ابن أبي عميرة، عن المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، عن أمير المؤمنين ((عليه السلام)) قال :(( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

لما اُسري بي إلى السماء أوحى إلي ربي جلّ جلاله فقال : يامحمد إني اطّلعت على الأرض اطّلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبياً وشققت لك من اسمي اسماً . فأنا المحمود وأنت محمد، ثم اطّلعت الثانية فأخترت منها علياً وجعلته وصيك وخليفتك وزوج ابنتك وأبا ذريتك وشققت له اسماً من أسمائي فأنا العلي الأعلى وهو علي، وخلقت فاطمة والحسن والحسين من نوركما، ثم عرضت ولايتهم على الملائكة فمن قبلها كان عندي من المقربين .

يامحمد لو أن عبداً عبدني حتى ينقطع ويصير كالشنّ البالي ثم أتاني جاحداً لولايتهم فما أسكنته جنتي ولا أظللته تحت عرشي .

يامحمد تحب أن تراهم ؟

قلت : نعم يارب .

فقال عزّ وجلّ : ارفع رأسك .

فرفعت رأسي وإذا أنا بأنوار عليّ وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي و (م ح م د) بن الحسن القائم في وسطهم كأنه كوكب درّي، قلت: يارب، ومن هؤلاء ؟

قال : هؤلاء الأئمة، وهذا القائم الذي يحلل حلالي ويحرم حرامي، وبه أنتقم من أعدائي، وهو راحة لأوليائي، وهو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين... )).

2 ـ وعن محمد بن علي بن الفضل بن تمام الزيات (رحمه الله) قال : حدثني محمد بن القاسم، قال : حدثني عباد بن يعقوب، قال : حدثني موسى بن عثمان قال : حدثني الأعمش، قال : حدثني أبو إسحاق، عن الحارث وسعيد بن قيس، عن علي بن أبي طالب((عليه السلام)) قال :(( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أنا واردكم على الحوض، وأنت ياعلي الساقي، والحسن الذائد، والحسين الآمر، وعلي بن الحسين الفارض، ومحمد بن علي الناشر، وجعفر بن محمد السائق، وموسى بن جعفر محصي المحبين والمبغضين وقامع المنافقين، وعلي بن موسى مزين المؤمنين، ومحمد بن علي منزل أهل الجنة في درجاتهم وعلي بن محمد خطيب شيعته ومزوجهم الحور (العين) والحسن بن علي سراج أهل الجنة يستضيئون به، والقائم شفيعهم يوم القيامة حيث لا يأذن الله إلاّ لمن يشاء ويرضى)).

3 ـ وروى الصدوق، عن محمد بن موسى بن المتوكل (رضي الله عنه) قال، حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال حدثنا موسى بن عمران النخعي، عن عمّه الحسين بن يزيد، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال :(( قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : حدثني جبرئيل، عن ربّ العزة جلّ جلاله أنه قال : من علم أن لا إله إلاّ أنا وحدي، وأن محمداً عبدي ورسولي، وانّ علي بن أبي طالب خليفتي، وأن الأئمة من ولده حججي، أدخلته الجنة برحمتي ونجيته من النار بعفوي . ومن لم يشهد بذلك، ولم يشهد أن علي بن أبي طالب خليفتي، أو شهد بذلك ولم يشهد أن الأئمة من ولده حججي؛ فقد جحد نعمتي، وصغر عظمتي، وكفر بآياتي، إن قصدني حجبته، وإن سألني حرمته، وإن ناداني لم أسمع نداءه، وإن دعاني لم أستجب دعاءه، وإن رجاني خيبته، وذلك جزاؤه مني، وما أنا بظلاّم للعبيد .

فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال : يارسول الله ومن الأئمة من ولد علي ابن أبي طالب ؟

((قال : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ثم سيد العابدين في زمانه علي بن الحسين ثم الباقر محمد بن علي، وستدركه ياجابر، فإذا أدركته فأقرئه مني السلام

ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم الكاظم موسى بن جعفر، ثم الرضا علي بن موسى، ثم التقي محمد بن علي، ثم النقي علي بن محمد ثم الزكي الحسن بن علي، ثم ابنه القائم بالحق مهدي اُمتي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً .

هؤلاء ياجابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي من أطاعهم فقد أطاعني ومن عصاهم فقد عصاني، ومن أنكرهم أو أنكر واحداً منهم فقد أنكرني، بهم يمسك الله عزّ وجلّ السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه، وبهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها)) . 

4 ـ وعن عبد الله بن العباس قال : دخلت على النبي (صلى الله عليه وآله) والحسن على عاتقه والحسين على فخذه يلثمهما ويقبلهما ويقول :

((اللهم والِ من والاهما وعادِ من عاداهما)) ثم قال : ((يابن عباس كأني به وقد خضبت شيبته من دمه، يدعو فلا يجاب ويستنصر فلا يُنصر)) .

قلت : من يفعل ذلك يارسول الله ؟

قال :(( شرار اُمتي، ما لهم ؟ لا أنالهم الله شفاعتي)) ثم قال :(( يابن عباس من زاره عارفاً بحقه، كتب له ثواب ألف حجة وألف عمرة، ألا ومن زاره فكأنما زارني ومن زارني فكأنما زار الله، وحق الزائر على الله أن لا يعذبه بالنار، ألا وإن الإجابة تحت قبّته والشفاء في تربته والأئمة من ولده)) .

قلت : يارسول الله فكم الأئمة بعدك ؟

قال : ((بعدد حواري عيسى وأسباط موسى ونقباء بني إسرائيل)) .

قلت : يارسول الله فكم كانوا ؟

قال : ((كانوا اثني عشر والأئمة بعدي اثنا عشر، أولهم علي بن أبي طالب وبعده سبطاي الحسن والحسين، فإذا انقضى الحسين فابنه عليّ، فإذا انقضى علي فابنه محمد، فاذا انقضى محمد فابنه جعفر فإذا انقضى جعفر فابنه موسى، فإذا انقضى موسى فابنه علي فإذا انقضى علي فابنه محمد فإذا انقضى محمد فابنه علي فإذا انقضى علي فابنه الحسن فإذا انقضى الحسن فابنه الحجة)) .

قال ابن عباس : قلت يارسول الله أسامي لم أسمع بهن قط !

قال لي : ((يابن عباس هم الأئمة بعدي وإنهم اُمناء معصومون نجباء، أخيار . يابن عباس، من أتى يوم القيامة عارفاً بحقهم أخذت بيده فأدخلته الجنة، يابن عباس من أنكرهم أو ردّ واحداً منهم فكأنما قد أنكرني وردني، ومن أنكرني وردني فكأنما أنكر الله وردّه .

يابن عباس سوف يأخذ الناس يميناً وشمالاً، فإذا كان كذلك فاتبع علياً وحزبه، فإنه مع الحق والحق معه، ولا يفترقان حتى يردا عليّ الحوض .

يابن عباس، ولايتهم ولايتي وولايتي ولاية الله، وحربهم حربي، وحربي حرب الله، وسلمهم سلمي وسلمي سلم الله)) .

ثم قال ((عليه السلام)) :(( ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلّا أَن يُتِمّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) )). 

5 ـ وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

((ولما عرج بي إلى السماء، رأيت على ساق العرش مكتوباً لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله، أيدته بعلي ونصرته به، ورأيت اثني عشر اسماً مكتوباً بالنور، فيهم علي بن أبي طالب وسبطيّ، وبعدهما تسعة أسماء، علياً علياً علياً ثلاث مرات ومحمد محمد مرتين، وجعفر وموسى والحسن، والحجة يتلألأ من بينهم .

فقلت : يارب أسامي من هؤلاء ؟

فناداني ربي جل جلاله : هم الأوصياء من ذرّيّتك، بهم اُثيب وبهم اعاقب)) . 

6 ـ وعن سهل بن سعد الأنصاري قال : سُئلت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الأئمة فقالت :

((كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي ((عليه السلام)) : ياعلي أنت الإمام والخليفة بعدي، وأنت أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضيت فابنك الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى الحسن فابنك الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى الحسين فابنك علي بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسم، فإذا مضى عليّ فابنه محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى محمد فابنه جعفر أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى جعفر فابنه موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى موسى فابنه علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى علي فابنه محمد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى محمد فابنه علي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا مضى علي فابنه الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم فإذا مضى الحسن، فالقائم المهدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، يفتح الله تعالى به مشارق الأرض ومغاربها، فهم أئمة الحق وألسنة الصدق، منصور من نصرهم مخذول من خذلهم)).

7 ـ وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي ابن أبي طالب ((عليه السلام)) :

((ياعلي أنا نذير اُمتي وأنت هاديها، والحسن قائدها، والحسين سائقها وعلي بن الحسين جامعها، ومحمد بن علي عارفها، وجعفر بن محمد كاتبها، وموسى بن جعفر محصيها، وعلي بن موسى معبّرها ومنجيها وطارد مبغضيها ومدل مؤمنيها، ومحمد بن علي قائمها وسائقها، وعلي بن محمد ساترها وعالمها، والحسن بن علي مناديها ومعطيها، والقائم الخلف ساقيها ومناشدها، إن في ذلك لآيات للمتوسمين ياعبد الله)). 

8 ـ وعن عائشة أ نّها قالت : كان لنا مشربة وكان النبي (صلى الله عليه وآله) إذا أراد لقاء جبرئيل ((عليه السلام)) لقيه فيها، فلقيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرة فيها، وأمرني أن لا يصعد إليه أحد، فدخل عليه الحسين بن علي (عليهما السلام)، فقال جبرئيل :(( من هذا ))؟

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ((ابني))، فأخذه النبي فأجلسه على فخذه، فقال له جبرئيل :(( أما أنه سيقتل)).

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :(( ومن سيقتله))؟

قال :(( اُمّتك تقتله)).

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :(( تقتله ))؟ ! !

قال:(( نعم، وإن شئت أخبرتك بالأرض التي يُقتل فيها، وأشار الى الطفّ بالعراق، وأخذ منه تربة حمراء فأراه إياها .

وقال : هذه من مصرعه )).

 فبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) .

فقال له جبرئيل:(( يارسول الله، لا تبكِ فسوف ينتقم الله منهم بقائمكم أهل البيت))، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :(( حبيبي جبرئيل، ومن قائمنا أهل البيت ))؟

قال :(( هو التاسع من ولد الحسين، كذا أخبرني ربي جلّ جلاله أنه سيخلق من صلب الحسين ولداً وسمّاه علياً خاضعاً لله خاشعاً، ثم يخرج من صلب علي ابنه وسمّاه عنده محمداً قانتاً لله، ثم يخرج من صلبه ابنه وسمّاه عنده جعفراً ناطق عن الله صادق في الله، ويخرج من صلبه ابنه وسمّاه عنده موسى، واثق بالله محب في الله، ويخرج الله من صلب ابنه وسمّاه عنده علياً الراضي بالله والداعي الى الله عزّ وجلّ، ويخرج من صلبه ابنه وسمّاه عنده محمداً، المرغب في الله والذاب عن حرم الله، ويخرج من صلب ابنه وسمّاه عنده علياً، المكتفي بالله والوليّ لله، ثم يخرج من صلبه ابنه وسمّاه الحسن، مؤمن بالله مرشد إلى الله، ويخرج من صلبه كلمة الحق ولسان الصدق، ومظهر الحق حجة الله على بريته، له غيبة طويلة، يظهر الله تعالى به الإسلام وأهله، ويخسف به الكفر وأهله)).

 محمد بن يعقوب، عن رجاله قالوا : كان أحمد بن عبيدالله بن خاقان على الضياع والخراج بقمّ، وكان شديد النصب والانحراف عن أهل البيت، فجرى في مجلسه ذكر العلويّة يوماً فقال : ما رأيت ولا عرفت من العلويّة مثل الحسن بن عليّ بن محمد بن الرضا في هديه وسكونه، وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته وبني هاشم كافّة، وتقديمهم إيّاه على ذوي السنّ منهم والخطر، وكذلك كانت حاله عند القوّاد والوزراء وعامّة الناس، وأذكر أنّي كنت يوماً قائماً على رأس أبي إذ دخل حجّابه فقالوا : أبو محمد ابن الرضا بالباب، فقال بصوت عال : إئذنوا له، فتعجّبت من جسارتهم أن يُكنّوا رجلاً بحضرة أبي ولم يكن يكّنى عنده إلاّ خليفة أو وليّ عهد أو من أمر السلطان .

فدخل رجل أسمر، حسن القامة، جميل الوجه، حديث السنّ، له جلالة وهيئة حسنة، فلمّا نظر إليه قام يمشي إليه خطاً ـ ولا أعلمه فعل هذا بإحد من بني هاشم والقوّاد ـ فلمّا دنا منه عانقه وقبّل وجهه وصدره، وأخذ بيده وأجلسه على مصلاّه الذي كان عليه، وجلس إلى جنبه مقبلاً عليه بوجهه، وجعل يكلّمه ويفديه بنفسه، وأنا متعجّب ممّا أرى منه، إذ دخل الحاجب فقال : الموفقّ قد جاء .

وكان الموفّق إذا دخل على أبي يقدّمه حجّابه وخاصّة قوّاده، فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدار سماطين إلى أن يدخل ويخرج، فلم يزل أبي مقبلاً على أبي محمد حتّى نظر إلى غلمان الخاصّة فقال حينئذ : إذا شئت جعلت فداك، ثمّ قال لحجّابه : خذوا به خلف السماطين لايراه هذا ـ يعني الموفّق ـ .

فقام وقام أبي وعانقه ومضى، فلم أزل يومي ذلك متفكّراً في أمره وأمر أبي، وما رأيته منه حتّى كان الليل، فلمّا صلّى العتمة، وجلس، جلست بين يديه وليس عنده أحدٌ، فقال، يا أحمد ألك حاجة؟

قلت : نعم يا أبه، من الرجل الذي رأيتك بالغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال والتبجيل وفديته بنفسك وأبويك؟

فقال : يا بنيّ ذلك إمام الرافضة الحسن بن عليّ المعروف بابن الرضا، ثمّ سكت ساعة وأنا ساكت، ثمّ قال : يا بنيّ، لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العبّاس ما استحقّها أحدٌ من بني هاشم غيره لفضله وعفافه، وهديه وصيانته، وزهده وعبادته، وجميل أخلاقه وصلاحه، ولو رأيت أباه رأيت رجلاً جزلاً نبيلاً فاضلاً .

فازددت قلقاً وتفكّراً وغيظاً على أبي، ولم تكن لي همّة بعد ذلك إلاّ السؤال عن خبره، فما سألت أحداً من بني هاشم والقوّاد والكتّاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس إلاّ وجدته عنده في غاية الإجلال والإعظام والمحلّ الرفيع والتقديم له على جميع أهل بيته، فعظم قدره عندي، إذ لم أجد له وليّاً ولا عدوّاً إلاّ وهو يحسن القول فيه والثناء عليه .

فقال له بعض الحاضرين : فما خبر أخيه جعفر؟

فقال : ومن جعفر فيسأل عن خبره، أو يقرن الحسن بجعفر! إنَّ جعفراً معلن الفسق، فاجر شرّيب للخمور، أقلّ من رأيته من الرجال وأهتكهم لنفسه .

ولقد ورد على السلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسن ابن عليّ ما تعجّبت منه وما ظننت أنّه يكون وذلك أنّه لمّا اعتلّ بُعث إلى أبي : أنّ ابن الرضا قد اعتلّ، فركب من ساعته فبادر إلى دار الخلافة ثمّ رجع مستعجلاً ومعه خمسة من خدم أمير المؤمنين كلّهم من ثقاته وخاصّته فيهم نحرير، وأمرهم بلزوم دار الحسن، وتعرّف خبره وحاله، وبعث إلى نفر من المتطبّبين وأمرهم بالاختلاف إليه وتعاهده صباحاً ومساءً .

فلمّا كان بعد يومين أو ثلاثة أُخبر أنّه ضعف، فأمر المتطّببين بلزوم داره، وبعث إلى قاضي القضاة فأحضره مجلسه، وأمره أن يختار عشرة ممّن يوثق بهم، وبعث بهم إلى دار الحسن، وأمرهم بلزومه ليلاً ونهاراً، فلم يزالوا هناك حتّى توفّي (عليه السلام)، فلمّا ذاع خبر وفاته صارت سرّ من رأى ضجّة واحدة، وعطّلت الأسواق، وركب بنوهاشم والقوّاد وسائر الناس إلى جنازته، فكانت سرّ من رأى يومئذ شبيهاً بالقيامة .

فلمّا فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلى أبي عيسى بن المتوكّل فأمره بالصلاة عليه، فلمّا وضعت الجنازة للصلاة دنا أبو عيسى منه فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلويّة والعبّاسيّة، وعلى القوّاد والكتّاب والقضاة والمعدّلين فقال : هذا الحسن بن عليّ بن محمد بن الرضا مات حتف أنفه، على فراشه، وحضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان، ومن المتطببين فلان وفلان، ومن القضاة فلان وفلان، ثمّ غطّى وجهه وصلّى عليه وأمر بحمله .

فلمّا دفن جاء جعفر بن عليّ إلى أبي فقال له : اجعل لي مرتبة أخي وأنا اُوصل إليك في كلّ سنة عشرين ألف دينار، فزبره أبي وأسمعه ما كره وقال له : يا أحمق، إنّ السلطان جرّد سيفه في الذين زعموا أنّ أباك وأخاك أئمّة ليردّهم عن ذلك فلم يتهيّأ له ذلك، فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماماً

فلا حاجة بك إلى سلطان يرتّبك مراتبهم ولا غير سلطان، وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بنا، ثمّ أمر أبي أن يحجب عنه، ولم يأذن له في الدخول عليه حتّى مات أبي، وخرجنا وهو على تلك الحال، والسلطان يطلب أثراً لولد الحسن بن عليّ إلى اليوم ولا يجد إلى ذلك سبيلاً، وشيعته مقيمون على أنّه مات وخلّف ولداً يقوم مقامه في الإمامة  .

محمد بن يعقوب، عن عليّ بن محمد، عن محمّد بن إسماعيل العلوّي قال : حُبس أبو محمد عند عليّ بن أوتامش وكان شديد العداوة لآل محمد عليهم السلام، غليظاً على آل أبي طالب، وقيل له : افعل به وافعل .

قال : فلما أقام إلاّ يوماً حتّى وضع خدّيه له، وكان لا يرفع بصره إليه إجلالاً له وإعظاماً، وخرج من عنده وهو أحسن الناس بصيرة وأحسنهم فيه قولاً  .

وبهذا الاَسناد أيضاً قال : دخل العبّاسيّون على صالح بن وصيف عندما حبس أبو محمد (عليه السلام) فقالوا له : ضيّق عليه، فقال لهم صالح : ما أصنع به وقد وكّلت به رجلين شرّ من قدرت عليه فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام على أمر عظيم .

ثمّ أمر بإحضار الموكّلين فقال لهما : ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟ فقالا : ما تقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كلّه، لا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة، وإذا نظرنا إليه أرعدت فرائصنا، وداخلنا مالا نملكه من أنفسنا .

فلمّا سمع ذلك العبّاسيّون انصرفوا خائبين .

وبهذا الإسناد، عن جماعة من أصحابنا قالوا : سلّم أبو محمد إلى نحرير وكان يضيّق عليه ويؤذيه، فقالت له امرأته : اتّق الله فإنّك لا تدري من في منزلك، وذكرت له صلاحه وعبادته، فقال: والله لأرمينه بين السباع، ثم استأذن في ذلك فأُذن له، فرمى به إليها، ولم يشكّوا في أكلها له، فنظروا إلى الموضع فوجدوه (عليه السلام) قائماً يصلّي وهي حوله، فأمر بإخراجه إلى داره .

وكان مرضه (عليه السلام) الذي توفّي فيه في أوّل شهر ربيع الأول سنة ستّين ومائتين، وتوفّي (عليه السلام) يوم الجمعة لثمان خلون من هذا الشهر، وخلّف ولده الحجّة القائم المنتظر لدولة الحقّ، وكان قد أخفى مولده؛ لشدّة طلب سلطان الوقت له، واجتهاده في البحث عن أمره، فلم يره إلاّ الخواصّ من شيعته على ما نذره بعد .

وتولّى أخوه جعفر أخذ تركته، وسعى إلى السلطان في حبس جواري أبي محمّد (عليه السلام)، وشنّع على الشيعة في انتظارهم ولده وقطعهم بوجوده واعتقادهم لإمامته، وجرى بسبب ذلك على مخلفة أبي محمد (عليه السلام) وشيعته كلّ بلاء ومحنة، من حبس واعتقال وشدّة، واجتهد جعفر في القيام مقامه فلم يقبله أحدٌ من الطائفة، بل تبرّؤوا منه ولقّبوه الكذّاب  .

 يدلّ على إمامته (عليه السلام) ـ بعد طريقتَي الاعتبار والتواتر اللتين ذكرناهما في إمامة من تقدمه من آبائه عليهم السلام ـ :

ما رواه محمد بن يعقوب، عن عليّ بن محمد، عن جعفر بن محمد الكوفيّ، عن بشّار بن أحمد البصري، عن عليّ بن عمر النوفلي قال : كنت مع أبي الحسن (عليه السلام) في صحن داره فمرّ بنا محمد ابنه، فقلت : جعلت فداك، هذا صاحبنا بعدك؟

فقال:(( لا، صاحبكم، بعدي ابني الحسن))  .

وبهذا الإسناد، عن بشّار بن أحمد، عن عبدالله بن محمد الاصفهانيّ قال: قال أبو الحسن (عليه السلام): (( صاحبكم بعدي الذي يصلي عليّ )) .

قال : ولم نكن نعرف أبا محمد (عليه السلام) قبل ذلك، فلّما مات أبو الحسن (عليه السلام) خرج أبو محمد (عليه السلام) فصلّى عليه .

وبهذا الاِسناد، عن بشّار بن أحمد، عن موسى بن جعفر بن وهب، عن عليّ بن جعفر قال : كنت حاضراً أبا الحسن (عليه السلام) لما توفي ابنه محمد فقال للحسن :(( يا بنيّ أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً ))  .

محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبدالله بن مروان الأنباريّ قال : كنت حاضراً عند مضيّ أبي جعفر محمد بن عليّ، فجاء أبو الحسن (عليه السلام) فوضع له كرسيّ فجلس عليه وحوله أهل بيته، وأبو محمد قائم في ناحية، فلمّا فرغ من أمر أبي جعفر التفت إلى أبي محمد (عليه السلام) فقال : (( يا بنيّ أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً )) .

وعنه، عن عليّ بن محمد، عن محمد بن أحمد القلانسيّ، عن عليّ ابن الحسين بن عمرو، عن عليّ بن مهزيار قال : قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : إن كان كونٌ ـ وأعوذ بالله ـ فإلى من؟

قال : (( عهدي إلى الأكبر من ولدي )) يعني الحسن (عليه السلام)  .

وعنه، عن عليّ بن محمد، عن أبي محمد الاسترابادي، عن عليّ بن عمرو العطّار قال : دخلت على أبي الحسن وأبو جعفر ابنه ـ أعني محمداً ـ في الأحياء، وأنا أظنّه هو القائم من بعده، فقلت له : جعلت فداك، من أخصّ من ولدك؟

فقال : (( لا تخصّوا أحداً حتّى يخرج إليكم أمري )) .

قال : فكتب إليه بعد فيمن يكون هذا الأمر؟ قال : فكتب إلي : (( في الأكبر من ولدي )) .

قال : وكان أبو محمد أكبر من جعفر  .

وعنه، عن محمد بن يحيى وغيره، عن سعد بن عبدالله، عن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحسين الأفطس : أنّهم حضروا يوم توفّي محمد بن عليّ بن محمد دار أبي الحسن (عليه السلام) ليعزّوه وقد بسط له في صحن داره والناس جلوس حوله، قالوا : فقدّرنا أن يكون حوله يومئذ من آل أبي طالب، وسائر بني هاشم، وقريش مائة وخمسون رجلاً، سوى مواليه وسائر الناس، إذ نظر إلى الحسن بن عليّ ابنه وقد جاء مشقوق الجيب حتّى قام عن يمينه ونحن لا نعرفه، فنظر إليه أبو الحسن (عليه السلام) ساعة ثمّ قال له : (( يا بنيّ أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً ))فبكى الفتى واسترجع وقال : (( الحمد لله رب العالمين)) .

وقدرنا أن له في ذلك الوقت عشرين سنة، فيومئذ عرفناه وعلمنا أنّه قد أشار إليه بالإمامة وأقامه مقامه .

وعنه، عن عليّ بن محمد، عن إسحاق بن محمد، عن شاهويه بن عبدالله الجلاب قال : كتب إليّ أبو الحسن (عليه السلام) : (( أردت أن تسأل عن الخلف بعد أبي جعفر وقلقت لذلك، فلا تقلق، فإنّ الله لا يضلّ قوماً بعد إذ هداهم حتّى يتبيّن لهم ما يتّقون، وصاحبك بعدي أبو محمد ابني، وعنده ما تحتاجون إليه ))  . الحديث بطوله .

وبهذا الإسناد، عن إسحاق بن محمد، عن محمد بن يحيى، عن أبي بكر الفهفكي قال : كتب إليّ أبو الحسن (عليه السلام) : (( أبو محمد ابني أصحّ آل محمد غريزة، وأوثقهم حجّة، وهو الأكبر من ولدي، وهو الخلف، وإليه تنتهي عرى الإمامة وأحكامها، فما كنت سائلي عنه فسله عنه، فعنده ما تحتاج إليه ومعه آلة الإمامة)) .

وعنه، عن عليّ بن محمد، عن محمد بن أحمد النهدي، عن يحيى بن يسار القنبري قال : أوصى أبو الحسن (عليه السلام) إلى ابنه الحسن قبل مضيّه بأربعة أشهر، وأشار إليه بالأمر من بعده، وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي  .

وفي كتاب أبي عبدالله بن عيّاش، حدّثني أحمد بن محمد بن يحيى قال : حدّثنا سعد بن عبدالله قال : حدّثني محمد بن أحمد بن محمد العلوّي العريضي قال: حدّثني أبو هاشم داود بن القاسم الجعفريّ قال : سمعت أبا الحسن (عليه السلام) صاحب العسكر يقول : (( الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف )) .

قلت : ولَم جعلت فداك؟

قال : (( لاَنّكم لا ترون شخصه، ولا يحّل لكم تسميته، ولا ذكره باسمه )) .

قلت : كيف نذكره؟

قال :  ((قولوا : الحجّة من آل محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم ))

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية