شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

فاطمة في أوروبا

1 المشاركات 02.0 / 5

فاطمة في أوروبا

طلال النعيمي (*)

خواطر
قبل عدة سنوات ، عرض التلفزيون الإيراني ولأول مرة، الفلم الوثائقي (مدينة فاطمة) الذي يكشف حقيقة ظهور السيدة فاطمة الزهراء في مدينة برتغالية في أوائل القرن العشرين لثلاثة أطفال وظهور معجزة هناك مما أدى إلى بناء كنيسة هناك والناس تزور المدينة كل عام .. وقتها انتابني شعور بالفرح والاعتزاز، لم يلبث أن امتزج بعدة تساؤلات، راحت تنقر في رأسي بإلحاح متزايد؛ تبغي جواباً ... أول سؤال قفز إلى مخيلتي هو ما مدى مصداقية الفلم، والحدث الذي وثق له؟ .. وأسئلة أخرى، ولكن ثمة سؤال من هذه الأسئلة عذبني قليلاً ..! وبث في قلبي شيئاً من الحسرة .. وهو:
لماذا ظهرت فاطمة (سلام الله عليها) في أوربا وتحديداً في البرتغال على النصارى، ولم تظهر في بلد من بلداننا الإسلامية، لتكون هذه المفخرة لنا? .. فنحن أولى بفاطمة من غيرنا!

فكرت كثيراً في هذا السؤال .. وذهب تفكيري مذاهب شتى .. وراح بعيداً ... بعيداً جداً ... فمررت بالضلع الكسير .. وتوقفت قليلاً عند بيت الأحزان ، ثم عند أمير المؤمنين وهو يهوي أرضا بعدما ضربه أشقى الأولين والآخرين .. فنادى أن (( فزت ورب الكعبة )) ثم عند الطف، وعند غريب خراسان .. وعند الجسر .. وعند السرداب في سامراء .. وعند الدولة الفاطمية .. وعند الاضطهاد العثماني .. و ، و ... وفكرت حتى كاد رأسي أن ينفجر .. ولم اهدأ وأرتاح قليلاً إلا بعد لقائي بأخ عزيز، فتناقشنا معاً حول المسألة، وفجأة رأيته ينهض إلى جهاز الحاسوب وبلحظات معدودة وبضع ضغطات على لوحة المفاتيح ، صرخ: (اللهم صل على محمد وآله) فصليت وراءه وسألته عما دفعه لهذه الصرخة .. فأشار إلى الحاسوب وقال هل تدري أن يوم ظهور المعجزة للأطفال يصادف يوم 24 من ذي الحجة ، يوم مباهلة نصارى نجران؟ .. فرحت كثيراً، واتصلنا بمؤسسة الزهراء فشكرونا على ذلك وثبتوا ذلك في ملفاتهم .. وقد أسفت أشد الأسف لأني لم أقم بتسجيل الفلم .. وقد اتصلت بالتلفزيون الإيراني وتوسلت بهم أن يعيدوا عرض الفلم .. وكان ألمي شديداً حين علمت أنهم أعادوه في اليوم الثاني ـ ظهراً ـ وأن ليس بإمكانهم إعادته .. وانتظرت سنة كاملة على أمل عرض الفلم الذي عرض في مناسبة مولد الزهراء (عليها السلام) وكانت مفاجئة كبيرة لي ولكل المنتظرين لمشاهدة الفلم ... أنّ الفلم لم يعرض .. ومرت المناسبة واتصلت بالتلفزيون لكنه لم يقدم لي إجابة وسد الموضوع .. والمفاجأة المريرة التي آلمتني هي انتشار إشاعة تكذب الفلم والحدث معاً ، تألمت ولكن فجأة لمعت في رأسي فكرة .. فقفزت وتناولت المنجد في الأعلام وبحثت فيه .. ولا تدري أيها القارئ مدى سروري حين وجدت اسم مدينة فاطمة فيه .. إذن مدينة فاطمة حقيقة لاتقبل النقاش .. بعد عامين تقريبا كنت وعائلتي في استانبول .. وفي ليلة كنت جالساً لوحدي أمام التلفزيون في ليلة عيد رأس السنة الميلادية .. وفتحت قنوات أوربا .. وإذا بي أرى فلماً سينمائياً حول مدينة فاطمة .. والأحداث التي جرت على الأطفال .

بعدها جاءتني ابنتي فاطمة يوما بأطلس العالم وهي فرحة ومسرورة جداً .. احتضنتني وقبلتني عدة قبل متتالية في وجهي ورأسي وهي تقول ( بابا أنا أشكرك وأشكر أمي لأنكما سميتموني باسم فاطمة الزهراء ، انظر) وفتحت الأطلس وأرتني مدينة فاطمة على الخارطة .. نظرت إلى الخارطة .. نظرت بإمعان شديد ..وإذا بقلبي يخفق كإيقاعات مجنونة .. .

ما رأيته في الخارطة بعد طول تمعن بها، أوضح لي حقيقة، جعلتني أقف عندها متفكراً، وسرعان ما تبددت بعض الغيوم التي تراكمت في سماء فكري .. وبات التعمق في البحث أكثر ضرورة وأهمية عندي .. فاندفعت إليه، وتعمقت فيه بنشوة عظيمة، مكللة بالفخر لانتمائي الشيعي .. وبالاعتزاز لانتسابي إلى الشجرة المحمدية الفاطمية .. ...

وقبل توضيح ما رأيته في الخارطة، أُكمل الحديث حول المدينة. ... فقبل بضعة أشهر وفي أثناء تجوالي في سوق شعبي في مدينة ( ميونيخ) للكتب المستخدمة، ورحت انظر في الكتب .. وبينما أنا كذلك، إذ برق أمام عيني عنوان كبير كتب باللون الأحمر، لكتاب متوسط الحجم .. إنّه كتاب (Fatima )

تلقفت الكتاب بشوق كبير لم استطع إخفاءه .. ودون أن أتصفحه لأرى ما به، قلت للبائعة التي لاحظت اهتمامي بالكتاب: ( كم قيمة الكتاب ؟ )، قالت مبتسمة، دون أن تستغل ما رأت من اهتمامي بالكتاب؛ لرفع السعر: ( 50 سنتاً )، أعطيتها الثمن، ولو طلبت أضعاف ذلك لأعطيتها ..! ... أخذت الكتاب فرحاً، وعدت إلى البيت ،ولكن صدمتي كانت كبيرة، حين عرفت ما في الكتاب من تشويه متعمد للحقيقة .. وأهم هذا التشويه وأخبثه؛ اعتبار فاطمة على أنها مريم، فالكاتب يؤكد أن السيدة مريم العذراء(عليها السلام) هي التي ظهرت للأطفال الثلاثة، لا فاطمة الزهراء (عليها السلام).
وهنا قررت أن ابحث جيداً ، لرفع هذه الشبهة ..

فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) هي التي ظهرت وليست مريم (عليها السلام)
السؤال الأول الذي يمكن طرحه على من يدعي أن ؛ فاطمة هي مريم (عليهما السلام) هو لماذا كان الاسم فاطمة وليس مريم .. ورجعت إلى التوراة والإنجيل ـ العهد القديم والعهد الجديد ـ وكذلك إلى دائرة المعارف البريطانية، والى العديد من الموسوعات العربية والأجنبية، فما وجدت من يطلق على السيدة مريم (عليها السلام ) اسم فاطمة ! .. فعلى أي شيء استند من يدعي ذلك وبالخصوص مؤلف الكتاب .. لا جواب ، سوى تشويه الحقيقة وحرف التفكير المسيحي عن كرامة ومنزلة السيدة فاطمة الزهراء ـ بنت نبي الإسلام محمد ( صلى الله عليه واله) ـ الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى الاعتراف بالدين الإسلامي . وهذا مايرفضه الفاتيكان وبقية المؤسسات المسيحية بالتأكيد ( ؟!!)
الشيء الآخر :
أنّ السيدة أو الملاك - حسب تعبير المصادر المسيحية ـ التي ظهرت للأطفال في المدينة البرتغالية، أطلقوا عليها اسم (السيدة ذات السبحة)، وهناك تمثال كبير في واجهة الكنيسة التي بنيت بأمر من (البابا) في مكان ظهور المعجزة ، وكذلك العديد من التماثيل الأخرى المنصوبة في المدينة، وحتى التماثيل الصغيرة التي تباع في المدينة على أساس أنها السيدة فاطمة ذات السبحة، تظهر السيدة وبيدها سبحة طويلة.. وهذه باعتقادي إشارة إلهية، تؤكد أنّ السيدة ـ الملاك ـ هي فاطمتنا (عليها السلام) لاغير بقرينة علاقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بالسبحة، والكل يعرف أنها عملت لها سبحة من تراب حمزة سيد الشهداء؛ لتسبح بها التسبيحات التي تعلمتها من أبيها محمد (صلى الله عليه وآله) والتي هي من التعقيبات الضرورية لصلاتنا المفروضة .. والذي نسميه بتسبيح الزهراء.

شيء آخر:
أن العديد من الموسوعات ودوائر المعارف المختصرة التي وصلت إلى يدي لم تذكر اسم مريم ضمن ذكرها لمدينة فاطمة .. ولو كان ذلك قائماً على أساس علمي وواقعي لذكر .. وفي متابعة لهذا الرأي المشوّه رأيته لايتعدى الرأي والتحليل الشخصي مثلما فعل صاحب كتاب (Fatima) في كتابه.

من ناحية أخرى لم يثبت أو يسجل أي كلام للسيدة الملاك، ضمنته شيئاً عن الدين المسيحي أو السيد المسيح أو السيدة مريم .. بل كان مجمل كلامها لايتعدى النصائح العامة، المقبولة من جميع الأديان والعقائد .. وربما هذا ما فات على مشوّهي الحقيقة تحريفه لصالحهم.
ويمكننا إضافة هذا كدليل آخر على صحة رأينا من أنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي السيدة الملاك .. لكنه دليل يتصل بمادة أخرى من المقال سأوضحه في مكانه أدناه ... ثم أنّ أهالي المدينة أطلقوا على السيدة الملاك اسم فاطمة بنت النبي .. ولو سألنا أي شخص مهما كانت ثقافته واطئة من أي دين غير الدين الإسلامي: من هي فاطمة بنت النبي؟ لأجاب فوراً: أنها بنت نبي الإسلام، وينسب لرجل دين مسيحي هذا القول أيضاً.

لماذا ظهرت فاطمة -عليها السلام - في أوربا ؟!
عندما نظرت إلى الخارطة بإمعان .. خفق قلبي .. وأنا أرى قرب المدينة من مثلث برمودا .. فإذا صح اعتقادنا بأنّ الجزيرة الخضراء التي يتواجد فيها الإمام المهدي وأعوانه هي في هذا المثلث .. فإنّ وجود مدينة فاطمة سيكون أفضل معرف للإمام (روحي فداه) ... إنّ جميع الروايات الإسلامية تؤكد أنّ الإمام المهدي هو من سلالة فاطمة (عليها السلام) وعند ظهوره الشريف وتقدّمه نحو أوربا وبالتحديد ( روما) حيث الفاتيكان لابد أنّه سيصرح أنّه ابن فاطمة، وفاطمة هي التي يقدسها ويتبرك بها ملايين المسيحيين من خلال زيارتهم للمدينة خاصة في أكتوبر من كل عام .. ولعل هذا ما يساعدهم في فهم حركة الإمام (عجل الله فرجه) ولعل هذا أيضاً العامل الأساسي الذي يجعل الأوربيين يعقدون صلحاً مع الإمام المهدي (عليه السلام) كما تذكر روايات الظهور(1)

دليل على أنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي سيدة نساء العالمين، وليست سيدة نساء أهل الجنة.
نعتقد نحن الشيعة أنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي سيدة نساء العالمين .. اعتقادنا هذا مبني على أساس العديد من الروايات المعتبرة لائمتنا (عليهم السلام) ففي كتاب (معاني الأخبار .. ج1 . ص 121):
عن المفضل بن عمر، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله في فاطمة؛ أنها سيدة نساء العالمين: أهي سيدة نساء عالمها؟.
فقال: ((ذلك لمريم كانت سيدة نساء عالمها .. وفاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين )) بينما يصر علماء الوهابية خاصة ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وابن باز وابن عثيمين ومن هم على شاكلتهم وطريقتهم الضالة، على أنّ فاطمة هي سيدة نساء أهل الجنة .. ولكن ظهور فاطمتنا (عليها السلام) في أوربا وإقامة مدينة باسمها إنما هو كرامة من كراماتها تضاف إلى كرامات لاتحصى، ودليل على أنّها (عليها السلام) سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، ففاطمة ليست لنا فقط إنّها لكل البشر .. هي للعالمين فلا عجب لظهورها في أوربا وفي مناطق أخرى.
ـــــــــــــــــــــــــ
* قاص عراقي مقيم في ميونيخ.
(1) راجع كتاب عصر الظهور للكوراني.

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية