الشيعة لغة واصطلاحا

الشيعة لغة : هي المشايعة – أي المتابعة والمناصرة والموالاة ، فالشيعة بالمعنى اللغوي : هم الأتباع والأنصار وقد غلب هذا الاسم على أتباع علي ( ع ) حتى اختص بهم وأصبح إذا أطلق ينصرف إليهم .

ففي ( القاموس ) – وشيعة الرجل بالكسر أتباعه وأنصاره ، والفرقة على حدة ويقع الواحد ، والاثنين والجمع ، والمذكر والمؤنث بلفظ واحد ومعنى واحد . وقد غلب هذا الاسم على كل من يزعم أنه يتولى عليا ( رض ) وأهل بيته حتى صار لهم اسما خاصا ، فإذا قيل فلان من الشيعة عرف أنه منهم ( 1 ) .

وقال صاحب كتاب ( لسان العرب ) : والشيعة القوم الذين يجتمعون على الأمر ، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة ، وكل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأى بعض فهم شيع وقال نقلا عن الأزهري :

والشيعة يهوون هوى عترة النبي ( ص ) ويوالونهم ( 2 ) .

وبهذا المعنى اللغوي استعمل القرآن الكريم لفظة ( الشيعة ) كما في قوله تعالى : ( وإن من شيعته لإبراهيم ) ( 3 ) . أي ممن شايعه على أصول الدين أو شايعه على التصلب في دين الله ومصابرة الكاذبين ( 4 ) وكقوله تعالى : ( فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه ) ( 5 ) أي ممن شايعه على دينه من بني إسرائيل ( 6 ) .

ونرى الزمخشري في شرحه للآية ( ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين ) ( 7 ) يقول في شيع الأولين : فرقهم وطوائفهم والشيعة الفرقة إذا تفرقوا على مذهب وطريقة .

ويقول سبحانه وتعالى : ( ولقد أهلكنا أشياعكم ) ( 8 ) . والخطاب يعني أهل مكة ، وقال عز وجل : ( كما فعل بأشياعكم من قبل ) ( 9 ) .

والمعنى هنا أهل مكة أيضا . وقوله تعالى : ( ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ) ( 10 ) هذا ما يذهب إليه مقاتل بن سليمان من أقدم من فسر القرآن ، وصاحب ( الأشباه والنظائر ) ( 11 ) وهذا يفسر لنا أن لفظة ( شيعة ) قد وردت في الكتاب قبل ظهورها بالفعل .

فلفظ الشيعة إذا ليس مخصوصا بفرقة دون فرقة ، بل يشمل كل فرقة أجمعت أمرها على شئ ، غير أن هذه اللفظة خرجت عن هذا العموم ، وغلبت على من تمسك بأهل البيت الطاهر حتى صارت لهم اسما خاصا يمتازون به عمن عداهم من سائر الفرق الإسلامية .

وكتب ( اللغة ) حافلة بلفظ ( الشيعة ) أمثال : ( المصباح المنير ) و ( الصحاح ) .

الشيعة اصطلاحا : وانطلاقا من كون التشيع اعتقادا بآراء معينة ذهب العلماء والباحثون تبعا لذلك إلى تعريفه على اختلاف بينهم في مدى سعة هذه التعاريف وضيقها وإليك نماذج من تعريفاتهم :

( 1 ) الشيعة : من شايع عليا – أي أتبعه وقدمه على غيره في الإمامة وإن لم يوافق على إمامة باقي الأئمة ، فيدخل منهم الإمامية والجارودية من الزيدية والإسماعيلية غير الملاحدة منهم والواقفية والفطحية ( 12 ) .

( 2 ) الشيعة : هم من شايع عليا وقدمه على أصحاب رسول الله – صلوات الله عليه وآله – واعتقد أنه الإمام بوصية من رسول الله أو بإرادة من الله تعالى نصا كما يرى الإمامية أو وصفا كما يرى الجارودية ( 13 ) .

( 3 ) الشيعة : هم الذين شايعوا عليا على الخصوص وقالوا : بإمامته ، وخلافته ، نصا ووصية أما جليا وأما خفيا . واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده وإن خرجت فبظلم يكون من غيره أو بتقية من عنده ( 14 ) .

( 4 ) الشيعة : هم فرقة علي بن أبي طالب المسمون بشيعة علي في زمن النبي ومن وافق مودة علي ( 15 ) .

( 5 ) والشيعة : هم الذين شايعوا عليا في إمامته واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج عن أولاده ، ويقولون : بعصمة الأئمة من الكبائر والصغائر والقول بالتولي والتبري قولا وفعلا إلا في حال التقية إذا خافوا بطش ظالم ( 16 ) .

ولعل تعريف الشهرستاني أكثر تدقيقا لأنه يؤكد على النص بنوعيه – الجلي والخفي – وهو أمر ضروري لتمييز الشيعة خاصة الإمامية ، عن غيرهم من المسلمين .

ويتناول الشيخ الطوسي الكلام عن النص والوصية ويربط التشيع بالاعتقاد بكون علي إماما للمسلمين بوصية من الرسول وبإرادة من الله ( 17 ) ثم يقسم النص على نوعين : الجلي والخفي .

أما النص الجلي : فقد تفرد بنقله الشيعة الإمامية خاصة – وإن كان في أصحاب الحديث ما رواه على وجه نقل أخبار الآحاد . . .

أما النص الخفي : فيرى الطوسي أيضا أن جميع الأمة تلقته بالقبول ، وإن اختلفوا في تأويله والمراد منه ولم يقدم أحد على إنكاره ممن يعتد بقوله ( 18 ) .

وقد يكون النص الجلي على إمامة علي وصفا لا تسمية ، كما يرى الجارودية من الزيدية . قال الأشعري : إن الجارودية يزعمون أن النبي ( ص ) نص على علي بن أبي طالب بالوصف لا بالتسمية ، فكان هو الإمام من بعده . . . ( 19 )

ويخرج الطوسي السليمانية من الزيدية من فرق الشيعة لأنهم لا يقولون بالنص ، وإنما يقولون : إن الإمامة شورى ، وأنها تصلح بعقد رجلين من خيار المسلمين ، وأنها تصلح في المفضول . . ( 20 ) ولما كان قول الصالحية والبترية من الزيدية في الإمامة كقول السليمانية ( 21 ) ينطبق عليهم ، على رأي الطوسي ، ما ينطبق على السليمانية .

ونختتم التعاريف التي أوردناها للشيعة، بتعريف ابن حزم الذي نعده من أكثر التعاريف شمولا وأقربها للتدقيق.

يقول ابن حزم : ومن وافق الشيعة في أن عليا ( رض ) أفضل الناس بعد رسول الله ( ص ) وأحقهم بالإمامة وولده من بعده فهو شيعي ، وإن خالفهم فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون فإن خالفهم فيما ذكرنا فليس شيعيا ( 22 ) .

ومما حدانا إلى تفضيل تعريف ابن حزم هو أن الاعتراف بأفضلية الإمام علي ( ع ) على الناس بعد رسول الله ( ص ) ، وأنه الإمام والخليفة بعده ، وأن الإمامة في ذريته من فاطمة ( ع ) هو أساس التشيع وجوهره .

ففرق الزيدية التي تساهلت بقضية أفضلية الإمام علي ( ع ) علي سائر الصحابة ، وجماعات الغلاة التي خرجت عن حد الإمامة إلى الربوبية يصعب حشرها في إطار التشيع العام .

ونرى الدكتور الشيبي يناقش بعض العبارات الاصطلاحية التي أدخلها الإسلام مثل الأنصار ، والمهاجرين ، والتابعين ، والشيعة ، فيقول :

فالأنصار تنصرف إلى من ناصروا النبي (ص) من أهل المدينة كما تنصرف العبارات الأخرى إلى دلالاتها المعروفة.

وصارت عبارة ( الشيعة ) مختصة بمشايعي علي ( ع ) وناصريه .

ويخلص الشيبي إلى القول بأصالة عبارة ( الشيعة ) وصدورها عن روح الإسلام وطابعه الجديد في إطلاق الأوصاف على الجماعات التي يجمعها جامع معين ، وتلك الروح العربية تنعكس من طابع العرب وطراز تفكيرهم . وعبارة الإسلام نابعة من هذا المنبع ، والمسلمون هم المنقادون لله ، والأنصار من نصروا النبي ( ص ) ، والمهاجرون من هجروا الأوطان لنصرة النبي ( ص ) . . . والشيعة من شايعوا عليا ، وكل ذلك جار على أسلوب العرب وطابعهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) النهاية : ج 2 ص 246 .
( 2 ) لسان العرب : مادة ( شيع ) ج 1 ص 55 ، و ( تاج العروس ) : مادة ( شيع ) ، ج 5 ص 5 .
( 3 ) سورة الصافات : آية 83 .
( 4 ) الكشاف : ج 2 ص 483 .
( 5 ) سورة القصص : آية 15 .
( 6 ) الكشاف : ج 2 ص 375 .
( 7 ) سورة الحجر : آية 10 .
( 8 ) سورة القمر : آية 51 .
( 9 ) سورة سبأ : آية 54 .
( 10 ) سورة مريم : آية 69 .
( 11 ) الأشباه والنظائر : ص 154 .
( 12 ) شرح اللمعة : ج 2 ص 288 .
( 13 ) موسوعة العتبات المقدسة : المدخل ص 91
( 14 ) الملل والنحل : ج 1 ص 107 .
( 15 ) فرق الشيعة .
( 16 ) دائرة معارف القرن العشرين : ج 5 ص 424 .
( 17 ) تلخيص الشافي : ج 2 ص 56 – 57 .
( 18 ) نفس المصدر : ج 2 ص 56 .
( 19 ) مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين ، ج 1 ص 133 .
( 20 ) نفس المصدر ، ج 1 ص 135 .
( 21 ) الملل والنحل ج 1 ص 42 .
( 22 ) الفصل في الملل والأهواء والنحل : ج 2 ص 113 .