بغض ابن تيمية لأمير المؤمنين (عليه السلام)

 بغض ابن تيمية لأمير المؤمنين ( عليه السلام ) *

السيّد علي الحسيني الميلاني

وأبدأ بحثي بكلمة لابن حجر العسقلاني الحافظ بترجمته من كتاب الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة ، حيث يذكر قضايا مفصّلة بترجمة ابن تيميّة وحوادث كلّها قابلة للذكر ، إلاّ أنّي أكتفي بنقل ما يلي :

يقول الحافظ : وقال ابن تيميّة في حقّ علي : أخطأ في سبعة عشر شيئاً ، ثمّ خالف فيها نصّ الكتاب ... .

ويقول الحافظ ابن حجر : وافترق الناس فيه ـ أي في ابن تيميّة ـ شِيَعاً ، فمنهم مَن نسبه إلى التجسيم ؛ لِمَا ذَكَر في العقيدة الحمويّة والواسطيّة وغيرهما من ذلك ، كقوله : إنّ اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقيّة لله ، وأنّه مستوٍ على العرش بذاته ... .

إلى أنْ يقول : ومنهم مَن ينسبه إلى الزندقة ؛ لقوله : النبيّ ( صلّى الله عليه وسلّم ) لا يُستغاث به ، وأنّ في ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم النبي ( صلّى الله عليه وسلّم ) ... .

إلى أنْ يقول : ومنهم مَن ينسبه إلى النفاق ؛ لقوله في علي ما تقدّم ـ أي قضيّة أنّه أخطأ في سبعة عشر شيئاً ـ ولقوله : إنّه ـ أي علي ـ كان مخذولاً حيثما توجّه ، وأنّه حاول الخلافة مراراً فلم ينلْها ، وإنّما قاتل للرئاسة لا للديانة ، ولقوله : إنّه كان يحبّ الرئاسة ، ولقوله : أسلم أبو بكر شيخاً يدري ما يقول ، وعلي أسلم صبيّاً ، والصبي لا يصحّ إسلامه ، وبكلامه في قصّة خطبة بنت أبي جهل ، وأنّ عليّاً مات وما نسيها .

فإنّه شنّع في ذلك ، فألزموه بالنفاق ؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم : ( ولا يبغضك إلاّ منافق ) .

إلى هنا القدر الذي نحتاج إليه من عبارة الحافظ ابن حجر بترجمة ابن تيميّة في الدرر الكامنة (1) .

والآن أذكر لكم الشواهد التفصيليّة لِمَا نُسب ابن تيميّة إليه من النفاق :

إنّه يناقش في إسلام أمير المؤمنين ، وفي جهاده بين يدي رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) :

* إلى أنْ يقول في موضع من كلامه :

أقرأ لكم هذا المقطع وأنتقل إلى بحث آخر ، يقول : قبل أنْ يبعث الله محمّداً ( صلّى الله عليه وسلّم ) لم يكن أحد مؤمناً من قريش [ لاحظوا بدقّة كلمات هذا الرجل ] لا رجل ، ولا صبيّ ، ولا امرأة ، ولا الثلاثة ، ولا علي . وإذا قيل عن الرجال : إنّهم كانوا يعبدون الأصنام ، فالصبيان كذلك : علي وغيره . [ فعليّ كان يعبد الصنم في صغره !! ] وإنْ قيل : كفر الصبي ليس مثل كفر البالغ . قيل : ولا إيمان الصبي مثل إيمان البالغ . فأولئك يثبت لهم حكم الإيمان والكفر وهم بالغون ، وعلي يثبت له حكم الكفر والإيمان وهو دون البلوغ ، والصبي المولود بين أبوَين كافرين يجري عليه حكم الكفر في الدنيا باتّفاق المسلمين (2) .

أكتفي بهذا المقدار من عباراته في هذه المسألة .

* ويقول :

إنّ الرافضة تعجز عن إثبات إيمان علي وعدالته ... فإنْ احتجّوا بما تواتر من إسلامه وهجرته وجهاده ، فقد تواتر إسلام معاوية ويزيد وخلفاء بني أُميّة وبني العبّاس ، وصلاتهم وصيامهم وجهادهم (3) .

* ويقول في موضع آخر :

لم يُعرَف أنّ عليّاً كان يُبغضه الكفّار والمنافقون (4) .

* ويقول :

كلّ ما جاء في مواقفه في الغزوات كلّ ذلك كذب .

* إلى أنْ يقول مخاطباً العلاّمة الحلّي ( رحمه الله ) يقول :

قد ذكر في هذه من الأكاذيب العظام التي لا تنفق إلاّ على مَن لم يعرف الإسلام ، وكأنّه يخاطب بهذه الخرافات مَن لا يعرف ما جرى في الغزوات (5) .

بالنسبة إلى علوم أمير المؤمنين ومعارفه ، يناقش في جلّ ما ورد في هذا الباب ، في نزول قوله تعالى : ( ... وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) (6) .

* يقول :

إنّه حديث موضوع باتّفاق أهل العلم (7) .

مع أنّ هذا الحديث موجود في :

1 ـ تفسير الطبري .

2 ـ مسند البزّار .

3 ـ مسند سعيد بن منصور .

4 ـ تفسير ابن أبي حاتم .

5 ـ تفسير ابن المنذر .

6 ـ تفسير ابن مردويه .

7 ـ تفسير الفخر الرازي .

8 ـ تفسير الزمخشري .

9 ـ تفسير الواحدي .

10 ـ تفسير السيوطي .

ورواه من المحدّثين :

1 ـ أبو نعيم .

2 ـ الضياء المقدسي .

3 ـ ابن عساكر .

4 ـ الهيثمي ، في مجمع الزوائد .

أكتفي بهذا المقدار (8) .

حديث : ( أنا مدينةُ العلمِ وعليٌّ بَابُهَا ) :

* يقول فيه :

وحديث ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ) أضعف وأوهى ؛ ولهذا إنّما يُعدّ في الموضوعات (9) .

مع أنّ هذا الحديث من رواته :

1 ـ يحيى بن معين .

2 ـ أحمد بن حنبل .

3 ـ الترمذي .

4 ـ البزّار .

5 ـ ابن جرير الطبري .

6 ـ الطبراني .

7 ـ أبو الشيخ .

8 ـ ابن بطّة .

9 ـ الحاكم .

10 ـ ابن مردويه .

11 ـ أبو نعيم .

12 ـ أبو مظفّر السمعاني .

13 ـ البيهقي .

14 ـ ابن الأثير .

15 ـ النووي .

16 ـ العلائي .

17 ـ المزّي .

18 ـ ابن حجر العسقلاني .

19 ـ السخاوي .

20 ـ السيوطي .

21 ـ السمهودي .

22 ـ ابن حجر المكّي .

23 ـ القاري .

24 ـ المُناويّ .

25 ـ الزرقاني .

وقد صحّحه غير واحد من هؤلاء الأئمّة .

وحول حديث : ( أقضاكم علي ) ، يقول :

* فهذا الحديث لم يثبت ، وليس له إسناد تقوم به الحجّة ... لم يروه أحد في السنن المشهورة ، ولا المساند المعروفة ، لا بإسناد صحيح ولا ضعيف ، وإنّما يُروى من طريق مَن هو معروف بالكذب (10) .

هذا الحديث موجود في :

صحيح البخاري في كتاب التفسير ، باب قوله تعالى : ( مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا ) (11) ، كذا في الدرّ المنثور ، وعن النسائي أيضاً ، وابن الأنباري ، ودلائل النبوّة للبيهقي ، وهو في الطبقات لابن سعد ، وفي المسند لأحمد بن حنبل ، وبترجمته ( عليه السلام ) من سنن ابن ماجة ، وفي المستدرك على الصحيحين وقد صحّحه ، وفي الاستيعاب ، وأُسد الغابة ، وحلية الأولياء ، وفي الرياض النضرة ، وغيرها من الكتب (12) .

* يقول :

وقوله : ابن عبّاس تلميذ عليّ كلام باطل (13) .

ويقول المنّاوي في فيض القدير بشرح حديث ( علي مع القرآن والقرآن مع علي ) ، يقول : ولذا كان أعلم الناس بتفسيره ... . إلى أنْ قال : حتّى قال ابن عبّاس : ما أخذتُ مِن تفسيره فَعَن عَلِيٍّ (14) .

* ويقول أيضاً :

وأمّا قوله : قال رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) : ( أقضاكم علي ) والقضاء يستلزم العلم والدين ، فهذا الحديث لم يثبت ، وليس له إسناد تقوم به الحجّة ، وقوله : ( أعلمكم بالحلالِ والحرامِ معاذ بن جبل ) أقوى إسناداً منه ، والعلم بالحلال والحرام ينتظم القضاء أعظم ممّا ينتظم للحلال والحرام (15) .

* يقول :

والمعروف أنّ عليّاً أخذ العلم عن أبي  بكر (16) .

* يقول :

له ـ أي لأمير المؤمنين ـ فتاوى كثيرة تُخالف النصوص (17) .

كانت العبارة هناك سبعة عشر موضعاً ، وعبارة ابن تيميّة هنا : له فتاوى كثيرة تُخالف النصوص من الكتاب والسنّة .

* يقول :

وقد جمع الشافعي ومحمّد بن نصر المروزي كتاباً كبيراً فيما لم يأخذ به المسلمون من قول عليّ ؛ لكون قول غيره من الصحابة أَتْبع للكتاب والسنّة (18) .

والحال أنّ هذا الكتاب الذي ألّفه المروزي هو في المسائل التي خالف فيها أبو حنيفة علي بن أبي طالب في فتاواه ، فموضوع هذا الكتاب ـ كتاب المروزي ـ الفتاوى التي خالف فيها أبو حنيفة عليَّ بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود . لاحظوا ، كم فرق بين أصل القضيّة وما يدّعيه ابن تيميّة !!

* يقول :

وعثمان جمع القرآن كلّه بلا ريب ، وكان أحياناً يقرؤه في ركعة ، وعلي قد اختُلف فيه ، هل حفظ القرآن كلّه أم لا ؟ (19) .

* ويقول :

فإنْ قال الذابُّ عن علي : هؤلاء الذين قاتلهم علي كانوا بُغاة ، فقد ثبت في الصحيح : إنّ النبي ( صلّى الله عليه وسلّم ) قال لعمّار بن ياسر ( رضي الله عنه ) : ( تقتلك الفئة الباغية ) ، وهم قتلوا عمّاراً ، فههنا للناس أقوال : منهم مَن قدح في حديث عمّار ، ومنهم مَن تأوّله على أنّ الباغي الطالب ، وهو تأويل ضعيف ، وأمّا السلف والأئمّة فيقول أكثرُهم كأبي حنيفة ومالك وأحمد وغيرهم : لم يوجد شرط قتال الطائفة الباغية (20) .

ففي قتال علي مع الناكثين والقاسطين والمارقين يقول : إنّ أبا حنيفة ومالكاً وأحمد وغيرهم كانوا يقولون بأنّ شرط البُغاة لم يكن حاصلاً في هؤلاء حتّى يحاربهم علي ( عليه السلام ) .

* يقول :

جميع مدائن الإسلام بلغهم العلم عن الرسول من غير علي (21) .

فإذن ، لم يكن لعلي دور في نشر التعاليم الإسلامية والأحكام الشرعيّة والحقائق الدينيّة أبداً !!

ــــــــــــــــــــــ

* اقتباس وتنسيق : قسم المقالات ، في شبكة الإمامين الحسنَين ( عليهما السلام ) للتراث والفكر الإسلامي ، من كتاب : ابن تيميّة وإمامة علي ( عليه السلام ) ، تأليف : السيّد علي الحسيني الميلاني  ، نَشْر مركز الأبحاث العقائدية ، ص 9 ـ 20 .
(1) الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة : 1 / 154 ـ 155 .
(2) منهاج السنّة : 8 / 285 .
(3) منهاج السنّة : 2 / 62 .
(4) منهاج السنّة : 7 / 461 .
(5) منهاج السنّة : 8 / 97 .
(6) سورة الحاقّة : الآية : 12 .
(7) منهاج السنّة : 7 / 522 .
(8) الآية في سورة الرعد ، فلاحظ التفاسير . ومجمع الزوائد : 1 / 131 . وحلية الأولياء : 1 / 67 .
(9) منهاج السنّة : 7 / 515 .
(10) منهاج السنّة : 7 / 512 .
(11) سورة البقرة : الآية : 106 .
(12) الطبقات الكبرى : ج2 / ق2 / ص102 .
(13) منهاج السنّة : 7 / 536 .
(14) فيض القدير في شرح الجامع الصغير : 4 / 357 .
(15) منهاج السنّة : 7 / 512 ـ 513 .
(16) منهاج السنّة : 5 / 513 .
(17) منهاج السنّة : 7 / 502 .
(18) منهاج السنة : 8 / 281 .
(19) منهاج السنّة : 8 / 229 .
(20) منهاج السنّة : 4 / 390 .
(21) منهاج السنّة : 7 / 516 .