مصير الأطفال يوم القيامة
تكليف الأطفال في القيامة:
والقول الجدير بأن نتوقف عنده هو القول الثاني الذي تبناه بعض المحدثين، ومفاده: إن الله سبحانه يأمر بتأجيج نار عظيمة ثم يأمر الأطفال بالدخول فيها، فمن استجاب ودخل أنجاه الله من الاحتراق، ثم أدخل الجنة، وأمّا من لم يلق بنفسه فيها فيعتبر عاصياً ويدخله الله النار، وقد وردت بهذا الرأي عدة روايات: منها: صحيحة هشام عن أبي عبد الله جعفر الصادق عليه السلام: (ثلاثة يحتجَّ عليهم: الأبكم، والطفل، ومن مات في الفترة، فترفع لهم نار فيقال لهم: ادخلوها، فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً، ومن أبى قال تبارك وتعالى: هذا قد أمرتكم فعصيتموني). إلا إنّ بالإمكان أن نسجَّل على هذا الرأي عدة ملاحظات:
أولاً: أن يوم القيامة هو يوم انقطاع التكليف، ففي نهج البلاغة عن الإمام علي عليه السلام: (اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل).. فكيف يُكَلَّف هؤلاء الأطفال في يوم ارتفاع التكاليف، مع أنهم لم يكلّفوا في عالم التكليف والتشريع؟! وهذه الملاحظة سجَّلها جمعٌ من علماء الكلام، قال الشيخ الصدوق رحمه الله: (إن قوماً من أصحاب الكلام ينكرون ذلك ـ أعني تكليف الأطفال ـ ويقولون: إنه لا يجوز أن يكون في دار الجزاء تكليف، ودار الجزاء للمؤمنين إنما هي الجنة، ودار الجزاء للكافرين إنما هي النار، وإنما يكون هذا التكليف من الله عزَّ وجل في غير الجنة والنار، فلا يجوز أن يكون كلّفهم في دار الجزاء).
ويزداد المشهد أو الموقف غرابةً في أمر هذا التكليف، إذا لاحظنا أن الطفل ربما كان صغيراً جداً ـ كالرضيع مثلاً ـ فهل يوجَّه إليه تكليفٌ بإلقاء نفسه في النار، وإذا لم يمتثل يحشر في جهنم مع العصاه المجرمين؟!
وثانياً: لو أراد الله سبحانه أن يختبرهم ويمتحنهم، فإنه يختبرهم بتكليف عقلائي، كما نختبر أبناءنا في الدنيا، أما اختبارهم بإلقاء أنفسهم في النار، ولا سيما أنها نار عظيمة كما وصفت بعض الروايات، فهو تكليف غريب وليس منطقياً، ولهؤلاء الأطفال أن يحتجوا على الله، بأنك كلّفتنا بأمر شاق لا يمكن تحمله، بينما كلّفت أهل الدنيا بتكاليف ليس فيها مشقة ولا عسر!
وثالثاً: لو تعقّلنا توجّه مثل هذا التكليف إلى هؤلاء الأطفال والصّغار، إلا أنّ عدم امتثالهم لهذا التكليف قد لا يُمثّل تمرداً على الله سبحانه وتعالى، فضلاً عن أن يعتبر ذلك كفراً به، إذ ربما تملَّك الخوف هؤلاء الأطفال من الاحتراق في هذه النار المرعبة والعظيمة، فامتنعوا عن إلقاء أنفسهم فيها، ولا سيما بملاحظة أن الإنسان بطبيعته يفر من النار. وعليه، فلو أراد الله محاسبتهم، فليكن حكم هؤلاء الأطفال حكم العصاة من المؤمنين الذين قد يشملهم العفو الإلهي أو تنالهم شفاعة أحد الأولياء، وليس حكم الكفرة الذين يُخَلَّدون في النار.
هذه الملاحظات تبعث على التأمل الكبير في شأن الروايات المذكورة، الأمر الذي يحول دون حصول الوثوق بها والاستناد إليها في قضية عقدية كالتي نبحثها. وفي ضوء ذلك كله، يتَّضح أن القول الأول المتقدم، والذي يقضي بدخول أطفال المشركين والكافرين إلى جنات النعيم، هو أصح الأقوال وأقربها إلى حكم العقل والمنطق، وهذا يعني أنه ليس ثمة فرق بين أطفال المؤمنين وأطفال الكافرين في أن الجميع يدخلون الجنة بغير تكليف ولا حساب.