لمحة إجمالية في أدلة انقطاع النيابة الخاصة في الغيبة الكبرى ...

 لمحة إجمالية

في أدلّة انقطاع النيابة الخاصّة في الغيبة الكبرى

واستمرار الانقطاع حتّى الصيحة والسفياني (*)

الشيخ محمّد السند

 المدخل :

تُطرح في الآونة الأخيرة تساؤلات حول موقعيّة شخصيّات الظهور ، حيث ينتحل أدعياء ـ بين الفينة والأخرى ـ أسماءهم ، فهل لتلك الشخصيّات ـ وهي نجوم سنة الظهور ـ صفة رسميّة من قِبل الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) ، كأنْ يكونوا نوّاباً خاصّين له وسفراء للناحية ، أو غير ذلك من السمات التي لها طابع الحجّية والتمثيل القانوني ، مع أنّه قد قامتْ الضرورة في روايات أهل البيت (عليهم السّلام) على نفي النيابة الخاصّة والسفارة في الغيبة الكبرى للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ، وكذلك في تسالم وإجماع علماء الإماميّة .

وهذه النجوم لمسرح سنة الظهور ممّا قد جاءتْ أسماؤهم في روايات علامات الظهور ، مثل : اليماني ، والخراساني ( الحسني ) ، وشعيب الصالح ، والنفس الزكيّة ، وغيرهم .

وذُكرتْ لهم ملاحم ممهّدة في نفس سنة الظهور ، فهل يُستفاد منها أيّ صفة معتبرة نافذة ، أَمْ أنّ النعوت الواردة فيهم لا يُستفاد منها أكثر من مديح عام ، من دون أنْ يصل إلى درجة الحجّية الرسميّة ؟

وقبل الخوض في دلالة الروايات الواردة في شأنهم نتعرّض إلى لمحة إجماليّة في أدلّة انقطاع النيابة الخاصّة في الغيبة الكبرى ، واستمرار الانقطاع حتّى الصيحة والسفياني .

وقد بسط علماء الإماميّة الحديث عن الانقطاع مطوّلاً في الكتب المؤلّفة في غيبته (عجّل الله فرجه) من الجيل المعاصر للأئمّة السابقين (عليهم السّلام) ، مروراً بالذين عاصروا غيبته الصغرى ، والتقوا بالنوّاب الأربعة ، كـ : الكليني ، وعليّ بن بابويه ، وسعد بن عبد الله الأشعري ، والنوبختي ، وغيرهم .

إلى الجيل الأوّل من الغيبة الكبرى ، كـ : الصدوق ، وابن قولويه ، والنعماني ، ومحمّد بن الحسن الخزّاز ، وغيرهم . ثمّ : المفيد ، والمرتضى ، والطوسي ، والكراجكي .

وتتابع طبقات العلماء في كتبهم الكلاميّة والحديثيّة الروائيّة ، وقد أودعوا في ذلك من طوائف الروايات المرويّة عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وعن أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، إلى بقيّة الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام) .

ونشير إلى جملة من تلك الأدلّة :

* الدليل الأوّل :

التوقيع المبارك الصادر من الناحية المقدّسة منه (عجّل الله فرجه) على يد النائب الرابع عليّ بن محمّد السمري قبل وفاة النائب بستّة أيّام : ( يا عليّ بن محمّد السمري ، اسمع . أعظم الله أجر إخوانك فيك ؛ فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام ، فأجمع أمرَك ، ولا توصِ إلى أحدٍ يقوم مقامك بعد وفاتك ؛ فقد وقعتْ الغيبة التامّة ، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى ذِكْرُه ، وذلك بعد طول الأمد ، وقسوة القلوب ، وامتلاء الأرض جوراً ، وسيأتي من شيعتي مَن يدّعي المشاهدة ، أَلاَ فَمَنْ ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتَرٍ ، ولا حول ولا قوّة إِلاّ باللهِ العليّ العظيمِ ) .

قال : فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده ، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه ، فقيل له : مَن وَصِيُّكَ مِن بعدك ؟ فقال : لله أمر هو بالغه وقضى . فهذا آخر كلام سُمع منه (رضي الله عنه وأرضاه) .

وقد روى التوقيع كلٌّ من الصدوق في إكمال الدين(1) ، والطوسي في الغيبة(2) ، والنعماني في كتابه الغيبة(3) ، والطبرسي في الاحتجاج(4) ، والراوندي في الخرائج والجرائح(5) ، رواه عن الصدوق أيضاً .

وقد رواه الشيخ الطوسي ، قال : أخبرنا جماعة ـ يعني جماعة مشايخه ـ عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه : ( الصدوق ) ، قال : حدّثني أبو محمّد الحسن بن أحمد المكتب .

وقد رواه الصدوق في إكمال الدين عن أبي محمّد الحسن بن أحمد المكتب ، وهو من مشايخ الصدوق ، وقد ترحّم عليه في كتابه إكمال الدين ، هذا وقد ذكر الشيخ الطوسي في ( الغيبة ) ـ عند تعرّضه لترجمة وبيان حال النوّاب والنائب الرابع ( السمري ) ـ خمس روايات لانقطاع السفارة بخمسة طرق ، منها :

قوله : وأخبرني محمّد بن محمّد بن النعمان ( المفيد ) ، والحسين بن عبيد الله ( الغضائري ) ، عن أبي عبد الله محمّد بن أحمد الصفواني ( شيخ الطائفة ، تلميذ الكليني ) ومعاصر للنائب الرابع ، وذكر حضور الشيعة عند النائب الرابع ، وأنّه لم يوصِ إلى أحدٍ بعده . وهذا الطريق صحيح أعلائي ، بل هو قطعي الصدور .

ودلالة التوقيع الشريف على الانقطاع في موضعين :

الموضع الأوّل :

قوله (عجّل الله فرجه) : ( فأجمع أمرك ، ولا توصِ إلى أحدٍ يقوم مقامك بعد وفاتك ؛ فقد وقعتْ الغيبة التامّة ، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى ذِكْرُهُ ) ، فنهاه عن الوصيّة إلى أحد بعده ، فلا يقوم أحد مقام النائب الرابع ، وكذلك قوله (عجّل الله فرجه) : ( فقد وقعتْ الغيبة التامّة ) ، دلالة على أنّ فترة النوّاب الأربعة لم تكن غيبة تامّة ، وإنّما هي صغرى لا تامّة كبرى ، حيث إنّ النوّاب الأربعة كانوا حلقة وصل بينه وبين شيعته ، ممّا يدلّ على أنّ معنى الغيبة التامّة ، وهي الكبرى التي وقعت بعد الصغرى ، هي أنْ ينقطع فيها مقام النيابة الخاصّة ، وأنّها ممتدّة ، فلا ظهور حتّى الصيحة وخروج السفياني .

الموضع الثاني :

قوله (عجّل الله فرجه) : ( وسيأتي من شيعتي مَن يدّعي المشاهدة ، أَلاَ فَمَنْ ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب مفتَرٍ ) ، والظاهر من ادّعاء المشاهدة هو السفارة والنيابة بقرينة السياق والصدور على يد النائب الرابع ، حيث أَمَرَهُ بعدم الوصيّة لأحد أنْ يقوم مقامه في النيابة ، ولا سيّما وأنّ ادّعاء ذلك هو وسيلة لأجل ادّعاء الوساطة بين الإمام (عجّل الله فرجه) والناس ، والتحايل على الآخرين بإمكانه القيام بحلقة وصل بين الإمام وبينهم ، وهو معنى السفارة والنيابة الخاصّة .

ثمّ إنّ صريح هذا التوقيع الشريف الذي تطابقت عليه الطائفة ، أنّ انقطاع النيابة الخاصّة والسفارة يمتدّ إلى الصيحة من السماء بصوت جبرئيل (عليه السّلام) التي هي من علامات الظهور الحتميّة الواقعة في نفس سنة الظهور ، وهي : ( أَلاَ إنّ الحقّ في عليّ وشيعته ، ثمّ ينادي إبليس في آخر النهار : أَلاَ إنّ الحقّ في عثمان وشيعته ، فعند ذلك يرتاب المبطلون ) ، كما جاء في الروايات عنهم (عليهم السّلام)(6) ، وفي بعضها أنّ النداء هو في شهر رمضان ، وفي بعض الروايات(7) أنّه في رجب ، والظاهر أنّها نداءات متعدّدة بمضامين متعدّدة .

ومقتضى دلالة هذا التوقيع الشريف هو نفي النيابة الخاصّة والسفارة إلى حدّ سماع الصيحة من السماء في سنة الظهور ، وأيّ مدّعٍ للنيابة والاتّصال والارتباط مع الحجّة (عجّل الله فرجه) قبل الصيحة فهو كذّاب ومفترٍ ، أيّاً كان هذا المدّعي ، ولو تقمّص بأيّ اسم وعنوان ، سواء ادّعى أنّه سيظهر من اليمن أو من خراسان أو من غيرهما .

وكذلك وقّت الحدّ والأمد ، مضافاً إلى الصيحة إلى خروج السفياني ، والمراد من خروجه ليس مجرّد وجوده ، بل قيام السفياني بتأسيس دولته في الشام ، وخوضه في الحروب لتوسعة دولته .

* الدليل الثاني :

الروايات المتواترة التي رواها الصدوق في إكمال الدين ، والطوسي في الغيبة ، والنعماني في الغيبة ، والكليني في الكافي ، والتي مفادها وقوع غيبتَين للإمام (عجّل الله فرجه) ، وهذه الروايات قد رُويت عن الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، وعن أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، وعن بقيّة الأئمّة (عليهم السّلام) ؛ فقد روى الشيخ الطوسي بسنده عن أبي عبد الله (عليه السّلام) ـ في حديث ـ : ( أَمَا أنّ لِصَاحِبِ هَذَا الأَمْرِ فِيْهِ غَيْبَتَيْنِ : واحدة قصيرة ، والأُخرى طويلة )(8) .

وروى النعماني في الغيبة بسنده عن أبي عبد الله الصادق (عليه السّلام) ، قال : ( إنّ لِصاحبِ هذا الأمرِ غيبتَين : إحداهما تَطولُ حتّى يقول بعضهم : مَاتَ ، وبعضهم يقول : قُتِلَ ، وبعضهم يقولُ : ذَهَبَ ، فلا يبقى على أَمْرِهِ مِنْ أَصحابِهِ إِلاّ نَفَرٌ يَسِيْرٌ ، لا يطلع على مَوْضِعِهِ أحدٌ مِن وليّ ولا غَيْرِهِ إِلاّ المَوْلَى الذي يلي أَمْرَهُ )(9) .

وتقريب دلالة هذه الطائفة على انقطاع السفارة هو ما ذكره النعماني ، قال : ( هذه الأحاديث التي يُذكر فيها أنّ للقائم (عليه السّلام) غيبتَين أحاديثٌ قد صحّتْ عندنا ـ بحمد الله ـ , وأوضح الله قول الأئمّة (عليهم السّلام) ، وأظهر برهان صدقهم فيها .

فأمّا الغيبة الأُولى فهي الغيبة التي كانت السفراء فيها بين الإمام (عليه السّلام) وبين الخلق ، قياماً منصوبين ظاهرين , موجودي الأشخاص والأعيان ، يخرج على أيديهم غوامض العلم ، وعويص الحكم ، والأجوبة عن كلّ ما كان يُسأل عنه من المعضلات والمشكلات ، وهي الغيبة القصيرة التي انقضتْ أيّامها ، وتصرّمتْ مدّتها .

والغيبة الثانية هي التي ارتفع فيها أشخاص السفراء والوسائط ؛ للأمر الذي يريده الله تعالى ، والتدبير الذي يمضيه في الخَلْق ، ولوقوع التمحيص والامتحان , والبليّة والغربلة والتصفية على مَن يدّعي هذا الأمر ، كما قال الله عزّ وجلّ : ( ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ )(10) .

وهذا زمان ذلك قد حضر ، جعلنا الله فيه من الثابتين على الحقّ ، وممّن لا يخرج في غربال الفتنة ، فهذا معنى قولنا : ( له غيبتان ) ، ونحن في الأخيرة نسأل الله أنْ يقرّب فرج أوليائه منها )(11) .

ودلالة تثنية الغيبة على اختلاف الغيبتَين القصيرة عن الطويلة بيّنة واضحة ، وإلاّ لكانت معاً غيبة واحدة لا غيبتان ، واختلاف الغيبتَين ليس إلاّ بوجود السفراء والنوّاب الأربعة في الأولى دون الثانية .

ومن هذا القبيل ما في صحيح عبد الله بن سنان ، قال : دخلتُ أنا وأبي على أبي عبد الله (عليه السّلام) ، فقال : ( كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى ولا علماً يُرى ، فلا ينجو من تلك الحيرة إلاّ مَن دعا بدعاء الغريق ؟ ) . فقال أبي : هذا والله البلاء ، فكيف نصنع ـ جعلتُ فداك ـ حينئذٍ ؟ قال : ( إذا كان ذلك ـ ولنْ تدركه ـ فتمسّكوا بما في أيديكم حتّى يتّضح لكم الأمر )(12) .

وقال النعماني في ذيل الفصل الذي أورد الحديث فيه ( وفي قوله في الحديث الرابع من هذا الفصل ـ حديث عبد الله بن سنان ـ : ( كيف أنتم إذا صرتم في حال لا تَرَونَ فيها إمامَ هدىً ولا عَلَمَاً يُرَى ) دلالة على ما جرى ، وشهادة بما حدث من أمر السفراء الذين كانوا بين الإمام (عليه السّلام) وبين الشيعة من ارتفاع أعيانهم ، وانقطاع نظامهم ؛ لأنّ السفير بين الإمام في حال غيبته وبين شيعته هو العلم ، فلمّا تمّتْ المحنة على الخلق ارتفعتْ الأعلام ، ولا تُرى حتّى يظهر صاحب الحقّ (عليه السّلام) ، ووقعتْ الحيرة التي ذكرتْ , وآذننا بها أولياء الله ، وصحّ أمر الغيبة الثانية ... )(13) .

* الدليل الثالث :

الروايات المستفيضة الآمرة بالانتظار وبالصبر والمرابطة ، وعدم الانزلاق مع كلّ منادٍ لشعار إقامة الحقّ والعدل ، وكذلك بروايات التمحيص والامتحان ، ومقتضاها انقطاع السفارة والاتّصال كما سنبيّن .

 مثل : ما رواه النعماني في كتابه ( الغيبة ) بسنده عن عبد الرحمان بن كثير ، قال : كنت عند أبي عبد الله (عليه السّلام) يوماً وعنده مهزم الأسدي , فقال : جعلني الله فداك ! متى هذا الأمر الذي تنتظرونه ، فقد طال علينا ؟ فقال : ( يا مهزم ، كذّب المتمنّون ، وهلك المستعجلون ، ونجا المسلِّمون ، وإلينا يصيرون )(14) .

وروى عن أبي المرهف أيضاً قال : قال أبو عبد الله (عليه السّلام) : ( هلكت المحاضير ) . قال : قلتُ : وما المحاضير ؟ قال : ( المستعجلون ، ونجا المقرّون )(15) . ومفادها ظاهراً وقوع المستعجلين لأمر ظهوره (عليه السّلام) في الهلكة والضلال ، وكذلك الذين يعيشون عالم التمنّي لتوقيت ظهوره ، ممّا يحدو بهم إلى العفويّة في الانسياق وراء كلّ ناعق .

وهذه الحيرة والاضطراب ليست إلاّ للانقطاع وفَقْد الاتّصال ، وهو مقتضى الصبر والانتظار والترقّب ؛ لأنّه في مورد فَقْد الاتّصال وانقطاع الخبر وعدم وسيلة للارتباط . وكذلك مفاد روايات التمحيص والامتحان بسبب شدّة المحنة في غيبته بفَقْد واسطة الارتباط ، فتزداد الريبة بوجوده حتّى يرجع أكثر القائلين بإمامته عن هذا الاعتقاد ، لا سيّما مع كثرة الفتن والمحن والبلاء .

فقد روى النعماني بسنده عن أبي بصير ، قال : قال أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السّلام) : ( إنّما مثل شيعتنا مثل أندر ـ يعني : بيدراً ـ فيه طعام فأصابه آكِل ـ أي السوس ـ فَنُقّي ، ثمّ أصابه آكِل ـ أي السوس ـ فَنُقِّي حتّى بقي منه ما لا يضرّه الآكِل ، وكذلك شيعتنا يميزون ويمحّصون حتّى تبقى منهم عصابة لا تضرّها الفتنة )(16) .

وفي رواية أُخرى عن منصور الصيقل ، قال : دخلتُ على أبي جعفر الباقر (عليه السّلام) وعنده جماعة ، فبينا نحن نتحدّث وهو على بعض أصحابه مقبل ؛ إذ التفتَ إلينا وقال : ( في أيّ شيء أنتم ، هيهاتَ هيهاتَ ! لا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تُمحّصوا . هيهاتَ ! ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تُميّزوا ، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تُغَرْبَلوا ، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم إلاّ بعد إياس ، ولا يكون الذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى يَشقى مَن شقي ، ويَسعد من سعد )(17) . ويستفاد منها الحذر من الخفّة والانجرار وراء كلّ مدّعي ؛ وذلك بسبب قلّة الصبر والضعف عن الثبات في الفتن لقلّة البصيرة .

* الدليل الرابع :

قيام الضرورة لدى الطائفة الإماميّة وتسالمهم على انقطاع النيابة الخاصّة والسفارة ، فهو من ضرورة المذهب ، حتّى إنّ علماء الطائفة حكموا بضلال المدّعين للسفارة ولَعْنهم والتبرّي منهم ، والطرد لهم عن الطائفة ، وهذا الموقف تبعاً لِمَا صدر من التوقيعات من الناحية المقدّسة حول بعضهم . وإليك بعض أقوالهم :

الأوّل :

قال الشيخ سعد بن عبد الله الأشعري القمّي ـ وقد كان معاصراً للإمام العسكري (عليه السّلام) ، وكان شيخ الطائفة وفقيهها ـ في كتابه المقالات والفِرق ، بعد أنّ بيّن لزوم الاعتقاد بغيبة الإمام (عجّل الله فرجه) ، وانقطاع الارتباط به : ( فهذه سبيل الإمامة ، وهذا المنهج الواضح ، والغرض الواجب اللازم ، الذي لم يزل عليه الإجماع من الشيعة الإماميّة المهتدية (رحمة الله عليها) ، وعلى ذلك إجماعنا إلى يوم مضى الحسن بن عليّ رضوان الله عليه )(18) .

وقريب من هذه العبارة ذكر متكلّم الطائفة وفيلسوفها الحسن بن موسى النوبختي(19) .

الثاني :

وحكى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن الشيخ أبي القاسم بن محمّد بن قولويه ـ صاحب كتاب كامل الزيارات ، وهو أُستاذ الشيخ المفيد ، وكان زعيم الطائفة في وقته معاصراً للصدوق في أوائل الغيبة الكبرى ـ قال : ( إنّ عندنا أنّ كلّ مَن ادّعى الأمر بعد السمري ـ وهو النائب الرابع ـ فهو كافر منمّس ، ضالّ مضلّ )(20) .

الثالث :

الشيخ الصدوق في كتابه ( إكمال الدين ) في الباب الثاني والأربعين ـ ما روي في ميلاد القائم (عجّل الله تعالى فرجه) ـ وبعد ما ذكر نوّابه الأربعة ، قال : ( فالغيبة التامّة هي التي وقعتْ بعد مضيّ السمري رضي الله عنه )(21) .

ثمّ روى في الباب اللاحق توقيع الناحية بانقطاع السفارة والنيابة الخاصّة . وقد صرّح في أوّل كتابه أنّ الذي دعاه إلى تأليف الكتاب هو حيرة بعض الشيعة بسبب الغيبة ، ووَجَدَهُم قد عدلوا عن طريق التسليم والتمسّك بالأخبار الواردة إلى الآراء والمقاييس .

وقد صرّح الشيخ النعماني صاحب كتاب الغيبة ـ وهو معاصر للصدوق وتلميذ الكليني ـ في عدّة مواضع منه بانقطاع السفارة في الغيبة الكبرى ، وقد تقدّم نبذة من كلماته واستدلاله بالروايات )(22) .

الرابع :

وقال الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد في باب ذكر القائم (عجّل الله فرجه) : ( وله قبل قيامه غيبتان : إحداهما أطول من الأخرى كما جاءتْ بذلك الأخبار ؛ فأمّا القصرى منهما منذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته , وعدم السفراء بالوفاة . وأمّا الطولى فهي بعد الأُولى ، وفي آخرها يقوم بالسيف )(23) . ونظير هذا التعبير صرّح به الطوسي في الغيبة(24) .

وقد تضافرت كلمات علماء الإماميّة في كتبهم ممّا يجدها المتتبّع في مظانّها .

بل إنّ علماء سنة الخلافة وجماعة السلطان قد اشتهر بينهم عن الإماميّة ذلك ، وأخذوا يصيغون الإشكالات ـ بانعدام الإمام (عجّل الله فرجه) مع انقطاعه عن شيعته ـ في أكثر كتبهم الكلاميّة والمؤلّفة في الملل والمذاهب .

وهذه الضرورة القائمة عند الطائفة الإماميّة توالت عليها أجيالها قرناً بعد قرن ، ودأبتْ الطائفة في إقصاء وطرد جماعات الانحراف أدعياء السفارة كلّما ظهر لهم راية .

هذا ومقتضى الأدلّة السابقة هو بطلان مدّعي النيابة الخاصّة وأدعياء السفارة ، ومَن يزعم أيّ صفة رسميّة خاصّة للتمثيل عن الإمام المنتظر (عليه السّلام) إلى سماع النداء والصيحة من السماء ، واستيلاء السفياني على الشام .

ـــــــــــــــــ

* اقتباس وتنسيق قسم المقالات في شبكة الإمامين الحسنَين (عليهما السّلام) للتراث والفكر الإسلامي ، من دراسة للمؤلّف : الشيخ محمّد السند ، نُشرت ضمن سلسلة : شخصيّات عصر الظهور ، من قِبل مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي (عليه السّلام) .

(1) إكمال الدين : الصدوق : 2 ، 516 .

(2) الغيبة : الطوسي : 395 .

(3) لم نجده فيه .

(4) الاحتجاج : 2 ، 478 . إعلام الورى : الطبرسي : 445 .

(5) الخرائج والجرائح : 3 ، 128 و129 .

(6) الغيبة : الطوسي : 435 ، ح 425 . وبحار الأنوار : 52 ، 290 .

(7) الغيبة : النعماني : 181 ، ح 28 .

(8) الغيبة : الطوسي : 162 ، ح 123 .

(9) الغيبة : النعماني : 171 و 172 ، الباب العاشر : ح 5 .

(10) سورة آل عمران : الآية : 188 .

(11) الغيبة : النعماني : 173 و174 ، ح 9 .

(12) الغيبة : النعماني : 159 : ح 4 .

(13) الغيبة : النعماني : 161 .

(14) الغيبة : النعماني : 198 ، باب 11 ، ح 8 .

(15) المصدر المتقدّم : 196 ، باب 11 ، ح 5 .

(16) الغيبة : النعماني : 211 ، باب 11 ، ح 18 .

(17) الغيبة : النعماني : 208 ، باب 11 ، ح 16 .

(18) المقالات والفرق : الأشعري .

(19) كتاب فِرق الشيعة : 109 .

(20) الغيبة : الطوسي : 412 ، ح 385 .

(21) كمال الدين : الصدوق : 423 – 433 .

(22) الغيبة : النعماني : 158 – 161 .

(23) الإرشاد : المفيد : ج 2 ، 340 .

(24) الغيبة : الطوسي : 61 ، ح 60 .