القول بالتقية لا يختص فقط بالشيعة

السؤال:

ما هي التقية ، ولماذا يتم انتقادها من قِبَل السنة ؟

 

الجواب:

التقية هي : أن تقول أو تفعل غير ما تعتقد به لتدفع الضرر عن نفسك أو مالِك ، أو لحفظ كرامتك ، كما لو كنت بين قوم لا يُدينون بما تُدِين ، وقد بلغوا الغاية في التَعَصُّب ، بحيث إذا لم تُجَارِهِم في القول والفعل تعمدوا إلى إضرارك والإساءة إليك ، فَتُمَاشيهم بقدر ما تَصُونُ به نفسك ، وتدفع الأذى عنك ، لأن الضرورة تُقَدَّر بقدرها .

وقد مثَّل فقهاء الشيعة لذلك بأن يصلي الشيعي مُتَكَتِّفاً ، أو يغسل رجليه في الوضوء بدلاً من مسحهما في بِيئة سُنِّية متعصِّبة ، بحيث إذا لم يفعل لَحِقَه الأذى والضرر .

هذه هي التقية في حقيقتها وواقعها عند الشيعة وما هي بالشيء الجديد ، ولا من البدع التي يأباها العقل والشرع .

وقد عبَّر القرآن الكريم عنها بقوله الله تعالى : ( لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ ) آل عمران : ۲۸ .

فالآية صريحة في النهي عن اتخاذ الكافرين أولياء ، إلا في حال الخوف واتقاء الضرر والأذى ، فالآية دليل على جواز التقية .

كما نستدلُّ على جوازها بقوله تعالى : ( مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) النحل : ۱۰۶ .

فقال المفسرون فيها : إن المشركين آذوا عمار بن ياسر ، وأكرهوه على قول السوء في رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأعطاهم ما أرادوا .

فقال بعض الأصحاب : كَفَر عَمَّار .

فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( كلاَّ ، إِنَّ عَمَّاراً يَغمُرُه الإيمانُ من قَرنِه إلى قَدمه ) .

وجاء عمار ( رضوان الله عليه ) وهو يبكي نادماً آسِفاً ، فمسح النبي ( صلى الله عليه وآله ) عينيه ، وقال له : ( لا تبكِ ، إن عَادوا لك فَعُدْ لهم بِمَا قُلتَ ) .

ونستدلُّ أيضاً بقوله تعالى :  ( وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ) غافر ۲۸ .

فَكَتْمُ الإيمان وإظهار خلافه ليس نفاقاً ورياء ، كما زعم من نعت التقية بالنفاق والرياء .

ونستدلُّ أيضاً بقوله تعالى : ( وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) البقرة : ۱۹۵ .

ونستدلُّ من السُّنة الشريفة بحديث : لا ضَرَرَ وَلا ضِرَار .

وأيضاً بحديث روي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : ( رُفِع عن أمَّتي تسعة أشياء : الخَطأ والنِّسيان ، وما استُكْرِهُوا عليه ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطُرُّوا إليه ، والطيرة ، والحسد ، والوَسوَسة في الخُلق  ) .

وهذان الحديثان مرويَّان في كُتُب الصِّحاح عند السُنَّة أيضاً .

وقول الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) : ( وما اضطُرُّوا إليه ) ، صريح الدلالة على أن الضَّرورات تُبِيح المَحذُورات .

وقال الغزالي : إن عِصمة دَم المسلم واجبة ، فمهما كان القصد سَفكُ دمِ مسلمٍ قد اختفى من ظالمٍ فالكذب فيه واجب [ إحياء علوم الدين ج۳ / باب : ما رُخِّص فيه من الكذب ] .

وبعد أن نقل الرازي الأقوال في التقية ، وهو يفسر قوله تعالى : ( إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ) آل عمران : ۲۸ .

قال : رُوي عن الحسن أنه قال : التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة ، وهذا القول أولى ، لأن دفع الضَّرر عن النفس واجب بقدر الإمكان .

ونعى الشاطبي الخوارجَ لإنكارِهِم سورة يوسف من القرآن ، وقولهم بأن التقية لا تجوز في قول أو فعل على الإطلاق والعموم [ الموافقات ۴ / ۱۸۰ ] .

وقال السيوطي : يجوز أكل الميتة في المَخمَصة ، وإساغة اللقمة في الخمر ، والتلفُّظ بكلمة الكفر ولو عَمَّ الحرام قطراً ، بحيث لا يوجد فيه حَلال إلا نادراً ، فإنه يجوز استعمال ما يحتاج إليه [ الأشباه والنظائر ۷۶ ] .

وفسَّر أبو بكر الرازي الجصاص – من أئمة الحنفية – قوله تعالى : ( إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ) آل عمران : ۲۸ .

بقوله : يعني أن تخافوا تَلَفَ النفس ، أو بعض الأعضاء ، فتتَّقُوهم بإظهار الموالاة من غير اعتقاد لها ، وهذا هو ظاهر ما يقتضيه اللفظ ، وعليه الجمهور من أهل العلم .

وقد حدَّثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق المروزي عن الحسن بن أبي الربيع الجرجاني عن عبد الرزاق عن معمر عن قُتادة ، في قوله تعالى : ( لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ ) آل عمران : ۲۸ .

قال : لا يَحلُّ لِمؤمنٍ أن يتخذ كافراً ولياً في دينه ، وقوله تعالى : ( إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ) آل عمران : ۲۸ .

يقتضي جواز إظهار الكفر عند التقية ، وهو نظير قوله تعالى : ( مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكرِهَ وَقَلبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ) النحل : ۱۰۶ .

والقول الآتي يدل على جواز التقية عند أهل السنة :

لما فتح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خيبر قال له حجاج بن علاط : يا رسول الله إن لي بمكة مالاً ، وإن لي بها أهلاً ، وأنا أريد أن آتيهم ، فأنا في حلٍّ إن أنا نِلتُ مِنك وقلتُ شيئاً ؟ فَأذِنَ لَهُ رسول الله أن يقول ما يشاء [ السيرة الحلبية ۳ / ۶۱ ] .

إذاً ما قاله صاحبُ ( السيرة الحلبية ) عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ونقله الجصاص إلى الجمهور من أهل العلم ، هو بعينه ما تقوله الشيعة .

وعليه فالقول بالتقية لا يختص بالشيعة دون السنة ، ولا ندري كيف استجاز لنفسه من يدَّعي الإسلام أن ينعت التقية بالنفاق والرياء وهو يتلو من كتاب الله وسُنة نبيه ( صلى الله عليه وآله ) ما ذكرنا من الآيات والأحاديث .

وأقوال أئمة السنة وهي غيض من فيض مما استدل به علماء الشيعة في كتبهم .