فيما نذكره من علل التشريف بتكليف الصيام

فيما نذكره من علل التشريف بتكليف الصيام(*)

اعلم أنّ أصل علّة التكليف أنّه تشريف لعبادة من يستحق العبادة ؛ لأنّه (جلّ جلاله) أهل لها . فهذه العلة الأصليّة في التكاليف الإلهيّة .

وأمّا تعيين وجه اختيار الله (جلّ جلاله) من العبد أن تكون خدمته له بجنس من الطاعات , وعلى وجه متعيّن في بعض الأوقات ، فهذا طريقه عن العالم بالغائبات على لسان رسله (عليهم السّلام) ، وعلى لسان ملائكته , ومن شاء من خاصته (عليهم أفضل الصلوات) .

فممّا رويناه في علّة التشريف بالصيام بطرق كثيرة في عدة أحاديث , منها : ما رويناه بإسنادنا إلى جدّي أبي جعفر الطوسي ، بإسناده إلى الشيخين المعتمدين علي بن حاتم القزويني في كتابه علل الشريعة ، إلى الشيخ أبي جعفر محمّد بن بابويه مما ذكره في كتاب مَن لا يحضره الفقيه ، فقالا جميعاً بإسنادهما إلى هشام بن الحكم أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السّلام) عن علّة الصيام , فقال : (( إنّما فرض الله الصيام ليستوي به الغني والفقير ؛ وذلك إنّ الغني لم يكن ليجد مسّ الجوع فيرحم الفقير ؛ لأنّ الغني كلّما أراد شيئاً قدر عليه ، فأراد الله (عزّ وجلّ) أن يسوّي بين خلقه ، وأن يُذيق الغني مسّ الجوع والألم ؛ ليرقّ على الضعيف ويرحم الجائع ))(1) .

ومن ذلك بالإسناد المشار إليه من كتاب ابن بابويه أيضاً ، فيما رواه عن مولانا الحسن بن علي بن أبي طالب (صلوات الله عليهما) , قال : (( جاء نفر من اليهود إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فسأله أعلمهم عن مسائل ، فكان فيما سأله أن قال له : لأي شيء فرض الله (عزّ وجلّ) الصوم على اُمّتك بالنهار ثلاثين يوماً ، وفرض على الاُمم أكثر من ذلك ؟

فقال النبي (صلّى الله عليه وآله) : إنّ آدم (عليه السّلام) لمّا أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوماً ، ففرض الله على ذرّيّته الجوع والعطش . والذي يأكلونه بالليل تفضّلٌ من الله (عزّ وجلّ) عليهم ، وكذلك كان على آدم ، ففرض الله ذلك على اُمّتي . ثمّ تلا هذه الآية : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ)(2) .

قال اليهودي : صدقت يا محمّد , فما جزاء من صامها ؟

فقال النبي (صلّى الله عليه وآله) : ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتساباً إلاّ أوجب الله (عزّ وجلّ) له سبع خصال ؛ أوّلها : يذوب الحرام في جسده ، والثانية : لا يُبعد من رحمة الله تعالى ، والثالثة : يكون قد كفّر خطيئة أبيه آدم ، والرابعة : يهوّن الله (عزّ وجلّ) عليه سكرات الموت ، والخامسة : أمان من الجوع والعطش يوم القيامة ، والسادسة : يعطيه الله (عزّ وجلّ) براءة من النار ، والسابعة : يطعمه الله من طيّبات الجنة .

قالت اليهود : صدقت يا محمّد ))(3) .

ـــــــــــــــ
(*) تجدر الإشارة إلى أنّ هذا المقال مقتبس من كتاب إقبال الأعمال ـ للسيد ابن طاووس , مع مراجعة وضبط النص (موقع معهد الإمامين الحسنين) .
1 ـ الفقيه 2 / 73 ، علل الشرايع / 378 ، فضائل الأشهر الثلاثة / 102 ، عنهم الوسائل 10 / 7 .
2 ـ سورة البقرة / 183 .
3 ـ الفقيه 2 / 74 ، الخصال 2 / 530 .