الإنسان يفعل باختياره

السؤال:

ما مدى صحة هذا الحديث الذي معناه أن الإنسان يكتب أجَله بنفسه ، وأن الإنسان تُكتب له السعادة والشقاء وهو في بطن أُمِّه .

فهل أن الله سبحانه وتعالى يحدِّد مُسبقاً كون الإنسان شقي أو سعيد ، وذلك لمعرفته تعالى بما سيصنع هذا الإنسان في حياته .

وما هو تفسيركم لهذه الآية الكريمة : ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ) الحديد ۲۲ .

 

الجواب:

ما نعتقده في هذه المسألة هو أن الإنسان يكتب مصيره بنفسه ، وأن ما يصدر منه من أفعال حسنة أو سيئة فهي صادرة بِمَحض اختياره ، وليس مجبوراً عليها .

فلا يمكن أن نعتبر أن حركة نبض الإنسان ودقَّات قلبه مثل حركة قيامه ومشيه ، بل الإنسان يدرك بشكل واضح أن حركة القلب والنبض ليس له أي اختيار فيها .

فليس صدورها متوقفاً على إرادة واختيار الإنسان بل هي تصدر سواء أراد أو لم يَرِد .

وهكذا بخلاف حركة قيامه وذهابه وأكله ونحو ذلك ، فإنها أفعال اختيارية ، إن شاءَ أتَى بها ، وإن شاء تركها .

فإرادته واختياره هو الذي يرجح الفعل على الترك أو بالعكس .

وعلى هذا الأساس صحَّ العقاب والثواب ، فإن عقاب الله تعالى الإنسانَ على فعلٍ لم يختَرْه ولا إرادةَ لَهُ فيه قَبيحَة ، ولا يمكن أن يصدر من خالق حكيم .

وحيث أن الثواب والعقاب ثابتان جزماً على جملة ما يصدر من الإنسان ، فلا بُدَّ من فرض أنها اختارية ، وأنها لم تكتب عليه بحيث لا يمكنه التَخلُّف عنها .

إذاً فالإنسان بإرادته يحدِّدُ مصيره ومآله .

فقال الله تعالى : ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) الإنسان ۳ .

وقال أيضاً : ( فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) الكهف ۲۹ .

ونعتقد أيضاً وفي نفس الوقت بأن الله سبحانه وتعالى عالم لا حَدَّ لعلمه :

( إِنَّ اللهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) فاطر ۳۸ .

فهو تعالى يعلم بكل ما يحدث ، ومن ذلك أفعال الناس وما يصدر منه ، إلا أنَّ تعلّمه بذلك لا ينافي الاختيار ، مثلَ معلِّم التلاميذ الحاذق ، فإنه يستطيع أن يشخص من ينجح من طلابه ومن يفشل ، ويعلم بذلك من دون أن يكون لعلمه هذا أي أثر في نجاح أو فشل الطالب .

واما الآية الشريفة فالمراد بها – والله العالم – أن كل ما يجري من مصائب في الأرض مثل السَّيل والزلزلة ، وكذا في الأنفس مثل الموت والمرض ، فكلُّه مدَوَّن في اللوح المكتوب فيه ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة .

ومن الواضح أن معظم هذه الأمور ليست أفعالاً للإنسان ، فيمكن أن نفرض فيها التقدير وننسبها إلى الله سبحانه ، إذ ليس للإنسان أي علاقة بحدوثها ، فهي تختلف عن الأفعال الاختيارية المتقدمة .