الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) بطل الإسلام ورمز العدالة
الإمام علي بن أبي طالب (عليه السّلام)
بطل الإسلام ورمز العدالة(*)
بقلم : صباح البهبهاني ـ بتصرف
بسم الله
الرحمن الرحيم
(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(المائدة / 55) , (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)(العنكبوت / 69)
ونعم ما قيل في إمام المتقين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) :
يا قالعَ البابِ
الذي عن هزِّها ** عجزت أكفٌّ أربعون وأربعُ
واللهِ لولا حيدرٌ ما كانت الـ ** ـدنيا ولا جمعَ البريةَ مجمعُ
أهواك حتّى في حشاشةِ مهجتي ** نارٌ تشبُّ على هواك وتلذعُ
إنّ الإيمان والعقيدة الراسخة التي كان يتحلى بها إمام المتقين (عليه السّلام) بلغا القمة في ذلك ، كما ينبئ عنه قوله (عليه السّلام) : (( والله , لو كُشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً )) .
وقال ابن العودي بحق الإمام علي (عليه السّلام) :
ومَن ذا يُساميه
بمجدٍ ولم يزل ** يقول سلوني ما يحل ويحرمُ
سلوني ففي جنبيَّ علمٌ ورثته ** عن المصطفى ما فاه منّي به الفمُ
فكانت سيرته (سلام الله عليه) تطبيقاً حيّاً للفناء في المعبود حتّى انصهرت وذابت طبيعته البشرية ، فكان همّه الوحيد تحمّل مسؤوليته بالنحو الأكمل ؛ ولذلك تنوّعت مواقفه خلال مسيرة حياته المضنية بما ينسجم مع ما تمليه المسؤولية بحسب كل مرحلة مر بها (عليه السّلام) .
كان (عليه السّلام) يريد بيان الأحكام لجميع المكلّفين من الرعية ؛ وبذلك كان يعرف مَن هو المستحق للمؤاخذة والعقاب . والكريم إذا خلى من الحكمة جاز له أن يبني القصور المشيّدة والنمارق المُمهَّدة , ولكنّ الإمام علياً (عليه السّلام) كان زاهداً ، وهو الشخصيّة الفقهية المعروفة في زمانه , ويعرف صبغة العبودية لله والإخلاص والصدق والتقوى وطهارة النفس والقلب .
فمن بطولات جهادية متتالية , إلى صمت وصبر واعتزال قرابة ربع قرن ، وانتهاء بتصميم راسخ على تطبيق العدالة الإلهية بكلِّ ثقلها عندما آبت إليه الاُمّة ؛ حيث قدّم النموذج الأمثل للحاكم الإسلامي الحريص على العدالة وإنصاف الرعية وتطبيق التعاليم الإسلاميّة .
قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( أمرني ربِّي بحبِّ أربعة , وأخبرني أنه سبحانه يحبهم ؛ علي وأبو ذر , والمقداد وسلمان )) .
وفي اُسد الغابة بأسانيده إلى أنس أنه قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( إنّ الجنّة تشتاق إلى ثلاثة ؛ علي وعمّار وسلمان )) .
طاعته المطلقة لله (سبحانه وتعالى) والرسول (صلّى الله عليه وآله)
على الرغم من مواهبه ومميّزاته الشخصية التي انبهرت بها الأجيال المتعاقبة ، إلاّ أنه كان التابع المطيع لقائدة ؛ حيث لم يُعهَد منه (عليه السّلام) أي اعتراض أو تلكؤ في تطبيق إرشادات الرسول محمّد (صلّى الله عليه وآله) وأوامره ، ويمكننا القول : إنّه رائدُ تلك المدرسة التي ينتمي إليها العديد من الصحابة ؛ مثل المقداد وسلمان , وأبي ذر وعمار , وحذيفة والصحابة التابعين الذين كانوا السبّاقين إلى طاعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والخضوع له ، في مقابل العصبة التي كانت تعترض أحياناً وتجتهد اُخرى في مقابل النص .
زهد الإمام (عليه السّلام) وشخصيته العبقرية
وشخصية الإمام علي (عليه السّلام) متميزة ، حيث كان (عليه السّلام) بالإضافة لسموّ الصفاء الروحي الذي يتميّز به قمةً في الفضائل الأخلاقية ، وآيةً في الإبداعات العلمية المتنوّعة ؛ فكان في غاية الخضوع لله في جميع دنياه . وهنا يقول ضرار بن ضمرة : دخلت على معاوية بعد شهادة الإمام علي (عليه السّلام) , فقال لي معاوية : يا ضرار , صف لي علياً . فقلت : اعفني من ذلك . فقال : أقسمت عليك لتصفه إليَّ . فقال ضرار : إن كان لا بدّ من ذلك فإنه والله بعيدُ المدى , شديدُ القوى , يقول فصلاً ويحكم عدلاً , يتفجّر العلم من جوانبه , وتنطق الحكمة من لسانه , يستوحش من الدنيا وزهرتها , ويأنس بالليل ووحشته .
وكان غزير الدمعة , طويل الفكرة , يعجبه من اللباس ما خشن , ومن الطعام ما جشب , وكان فينا كأحدنا ؛ يجيبنا إذا سألناه , ويأتينا إذا دعوناه , ونحن والله مع تقريبه إيّانا وقربنا منه لا نكاد نكلّمه هيبةً له . يُعظّم أهل الدين , ويُحب المساكين , لا يطمع القوي في باطله , ولا ييأس الضعيف من عدله .
وأشهد بالله يا معاوية , لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله , وغارت نجومه ؛ قابضاً على لحيته الشريف , يتململ تململ السليم , ويبكي بكاء الحزين , وهو يقول : (( إليك عنّي يا دنيا , غرِّي غيري ، إليَّ تعرّضت أم إليَّ تشوّقت ؟ هيهات هيهات ! فإنّي قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة لي فيك ؛ فعمرك قصير ، وخطرك كبير , وعيشك حقير )) .
ثم بكى , وبكى معاوية وقال : رحم الله أبا الحسن , كان والله كذلك . ثم قال : فكيف حزنك عليه يا ضرار ؟ قال : حزنُ مَن ذُبح ولدها في حجرها ؛ فهي لا ترقي لها دمعة , ولا تسكن لها زفرة .
وأمّا زهده (عليه السّلام) عن الدنيا وزبرجها فكانت مواقفه تطبيقاً لخطابه للدنيا : (( إليكِ عنّي يا دنيا ؛ فحبلك على غاربك ، قد انسللت من مخالبك ، وأفلتّ من حبائلك ، واجتنبت الذهاب في مداحظك . أين القرون الذين غررتهم بمداعبك ؟! أين الاُمم الذين فتنتهم بزخارفك ؟! ها هم رهائن القبور ، ومضامين اللحود ! والله لو كنتِ شخصاً مرئياً , وقالباً حسياً , لأقمت عليك حدودَ الله في عباد غررتهم بالأماني , واُمم ألقيتهم في المهاوي , وملوك أسلمتهم إلى التلف , وأوردتهم موارد البلاء ؛ إذ لا ورد ولا صدر . هيهات ! مَن وطئ دحضك زلق , ومَن ركب لُججك غرق , ومَن اُزور عن حبالك وفّق , والسالم منك لا يبالي إن ضاق به مناخه , والدنيا عنده كيوم حال إنسلاحه )) .
وقد عرف الإمام (عليه السّلام) عجز الاُمة عن مجاراته في زهده ، فوجّههم لما هو أدنى من ذلك قائلاً : (( أما إنكم لا تقدرون على ذلك , ولكن أعينوني بورع واجتهاد , وعفّة وسداد )) .
رأفته واهتمامه البالغ بمصالح المسلمين جميعاً ، وحرصه على ما يُصلحهم
ويكفي شاهداً على ذلك مراجعة ما حُفظ لنا من وصاياه ومواعظه للمسلمين جميعاً ، لنجدها طافحةً بحنوه وحرصه عليهم ، حتّى ورد عنه (عليه السّلام) قوله : (( أيها الناس , إنّي قد بثثت لكم المواعظ التي وعظ بها الأنبياء اُممهم ، وأدّيت لكم ما أدّت الأوصياء إلى مَن بعدهم )) .
إسلامه (عليه السّلام)
روى شعبة عن سلمة بن كهيل , عن العرني , وهو كوفي من أصحاب الإمام (عليه السّلام) ، قال : سمعت علياً يقول : (( أنا أوّل مَن صلّى مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) )) .
وقال زيد بن أرقم : أوّل مَن آمن بالله بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هو علي بن أبي طالب .
وعن أنس بن مالك قال: استنبئ النبي (عليه السّلام) يوم الإثنين ، وصلّى علي يوم الثلاثاء .
وروي أنّ أبا طالب (رضوان الله عليه) عثر على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وعلياً (عليه السّلام) يوماً وهما يصلّيان , فقال لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) : يابن أخي ، ما هذا الدين الذي أراك تدين به ؟ قال : (( أي عم ، هذا دين الله ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا إبراهيم )) . وقال لعلي (عليه السّلام) : أي بني ، ما هذا الدين الذي أنت عليه ؟ فقال : (( يا أبتِ ، آمنت برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وصدّقته بما جاء به ، وصلّيت معه لله تعالى ، واتبعته )) . فقال له : أما إنه لم يدعك إلاّ إلى خيرٍ , فألزمه .
هو أفضل هذه الاُمّة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)
إنّ علياً (عليه السّلام) أفضل هذه الاُمّة مناقب ، وأجمعها سوابق ، وأعلمها بالكتاب والسنة ، وأكثرها إخلاصاً لله تعالى , وعبادة له , وجهاداً في سبيل دينه ، فلولا سيفه لما قام الدين ، ولا انهدّت صولة الكافرين .
روي عن سلمان الفارسي (رضوان الله عليه) أنه قال : قال رسول (صلّى الله عليه وآله) : (( أوّلكم وروداً عليَّ الحوض أوّلكم إسلاماً علي بن أبي طالب )) .
وروى الترمذي ... عن سعد بن أبي وقاص أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السّلام) : (( أنت مني بمنزلة هارون من موسى )) .
والحديث عن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) طويل لا تسعه المجلّدات ، ولا تحصيه الأرقام ، حتّى قال ابن عباس : لو أنّ الشجرَ أقلامٌ ، والبحرَ مدادٌ ، والإنس والجن كتّاب وحسّاب ما أحصوا فضائل أمير المؤمنين (عليه السّلام) .
إمامته (عليه السّلام)
اختلفت الاُمّة في إمامته بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) , وقالت شيعته , وهم : بنو هاشم كافة , وسلمان المحمدي وعمّار , وأبو ذر والمقداد , وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين , وأبو أيوب الأنصاري , وجابر بن عبد الله , وأبو سعيد الخدري وأمثالهم من أجلّة المهاجرين والأنصار : إنه كان الخليفة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ؛ لما اجتمع له من صفات الفضل والكمال والخصائص التي لم تكن في غيره ؛ من سبقه إلى الإسلام , ومعرفته بالأحكام , وحُسن بلائه في الجهاد , وبلوغه الغاية القصوى في الزهد والورع والصلاح , وما كان له حقُّ القربى , ثمّ للنص الوارد في القرآن , وهو قوله تعالى : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) , ولقول النبي (صلّى الله عليه وآله) بثبوت ولايته (عليه السّلام) يوم الدار , وقوله في غدير خم .
فكانت إمامته (عليه السّلام) بعد النبي (صلّى الله عليه وآله) ثلاثين سنة ؛ منها أربع وعشرون سنة وأشهر ممنوعاً من التصرف , آخذاً بالتقية والمداراة , محلأً عن مورد الخلافة , قليل الأنصار كما قال : (( وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ , أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ )) .
ومنها خمس سنين وأشهر ممتحناً بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين , مضطهداً بفتن الضالين , واجداً من العناء ما وجده رسول الله (صلّى الله عليه وآله) طوال الثلاث عشرة سنة من نبوته حينما كان ممنوعاً من أحكامها , خائفاً ومحبوساً , وهارباً ومطروداً لا يتمكن من جهاد الكافرين , ولا يستطيع الدفاع عن المؤمنين .
ألقابه (عليه السّلام)
كان (عليه السّلام) يكنّى أبا الحسنين , وأبا الريحانتين , وأبا السبطين , وأبا تراب , وأمير المؤمنين , ويعسوب الدين , ومبيد الشرك والمشركين , وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين , ومولى المؤمنين , وشبيه هارون , والمرتضى , ونفس الرسول , وزوج البتول , وسيف الله المسلول , وأمير البررة , وقاتل الفجرة , وقسيم الجنّة والنار , وصاحب اللواء , وسيد العرب , وخاصف النعل , وكشّاف الكرب , والصدّيق الأكبر , وذا القرنين , والهادي , والفاروق الأعظم , والداعي , والشاهد , وباب المدينة , وغرة المهاجرين , وصفوة الهاشميِّين , والكرار غير الفرار , وصنو جعفر الطيار , ورجل الكتيبة والكتائب , ورأد المعضلات , وأبا الأرامل والأيتام , وهازم الأحزاب , وقاصم الأصلاب , قتّال الاُلوف , ومذلّ الأعداء , ومعزّ الأولياء , وأخطب الخطباء , وقدوة أهل الكساء , وإمام الأئمة الأتقياء , والشهيد أبا الشهداء , وأشهر أهل البطحاء , ومثكل اُمّهات الكفرة , ومفلق هامات الفجرة , والحيدرة , ومميت البدعة , ومحيي السنة , وسيد العرب بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) , وموضع العجب , ووارث علم الرسالة والنبوة , وليث الغاب , والحصن الحصين , والخليفة الأمين , والعروة الوثقى , وابن عمِّ المصطفى , وغيث الورى , ومصباح الدجى , والضرغام , والوصي الولي , والهاشمي المكّي المدني , الأبطحي الطالبي , والرضي المرضي .
وهذا قليل من كثير . ونعم ما قيل في الإمام (عليه السّلام) :
وصيُّ النبيِّ المصطفى وابنُ عمّه ** وفكّاك أغلالٍ وقاضي مغارم
وقال عبد الله بن أبي
سفيان بن الحرث بن عبد المطلب :
ومنّا عليٌّ ذاك
صاحبُ خيبرٍ ** وصاحبُ بدرٍ يوم سالت كتائبُهْ
وصيُّ النبيِّ المصطفى وابنُ عمِّهِ ** فمن ذا يُدانيه ومَن ذا يُقاربُهْ
وقال عبد الرحمن بن حنبل :
لعمري لقد
بايعتمُ ذا حفيظةٍ ** على الدين معروف العفاف موفّقا
علياً وصيَّ المصطفى وابن عمِّه ** وأوّلَ مَن صلّى ، أخا الدين والتقى
وقال أبو الهيثم بن التيهان , وكان بدرياً :
قل للزبيرِ وقل
لطلحة إننا ** نحنُ الذين شعارنا الأنصار
إنّ الوصيَّ إمامنا وولينا ** برح الخفاءُ وباحت الأسرار
وقال رجل من الأزد يوم الجمل :
هذا عليٌّ وهو
الوصي ** أخاه يوم النجوة النبي
وقال هذا بعديَ الولي ** وعاه واعٍ ونسى الشقي
وقال زياد بن لبيد الأنصاري يوم الجمل :
كيف ترى الأنصارَ
في يوم الكلبْ ** إنّا اُناسٌ لا نبالي مَن عطبْ
ولا نبالي بالوصي مَن غضبْ ** وإنّما الأنصار جدٌ لا لعبْ
هذا عليٌّ وابنُ عبد المطلبْ ** ننصره اليوم على مَن قد كذبْ
مَن يكسب البغي فبئسما اكتسبْ
وقال حجر بن عدي الكندي ، وهو صحابي جليل :
يا ربَّنا سلّم
لنا عليّا ** سلّم لنا المبارك المضيّا
المؤمن الموحد التقيّا ** لا خطل الرأي ولا غويّا
بل هادياً موفّقاً مهديّا ** واحفظه ربي واحفظ النبيّا
فيه فقد كان له وليّا ** ثم ارتضاه بعده وصيّا
وقال زحر بن قيس الجحفي يوم الجمل :
أضربكم حتّى
تُقرّوا لعلي ** خيرِ قريشٍ كلِّها بعد النبي
مَن زانه اللهُ وسمّاه الوصي ** إنّ الوليَّ حافظٌ ظهرَ الولي
كما الغوي تابعٌ أمر الغوي
وهذه كلها وثائق تاريخيّة أنشدها الصحابة في حق الإمام علي (عليه السّلام) .
وكيف كان فإنه لا يقاس بآل محمّد (صلّى الله عليه وآله) من هذه الاُمّة أحد ، ولا يسوّي بهم مَن جرت نعمتهم عليه أبداً ؛ فهم أساس الدين ، وعماد اليقين , إليهم يفيئ الغالي ، وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص الولاية ، وفيهم الوصية والوراثة ...
ويروي الإمام أحمد بإسناده عن أنس بن مالك ، قال : قلنا لسلمان : سل النبي (صلّى الله عليه وآله) عن وصيه . فقال له سلمان : يا رسول الله ، مَن وصيك ؟ قال : (( يا سلمان ، مَن كان وصي موسى ؟ )) . قال : يوشع بن نون .
قال : (( فإن وصييِّ ووارثي يقضي ديني ، وينجز موعدي علي بن أبي طالب ))(1) .
عمره الشريف (سلام الله عليه)
مضى أمير المؤمنين (عليه السّلام) وهو ابن خمس وستّين سنة , ونزل الوحي وله اثنتا عشرة سنة , وأقام بمكة مع النبي (صلّى الله عليه وآله) ثلاث عشرة سنة , ثم هاجر فأقام معه بالمدينة عشر سنين , وأقام بعده ثلاثين سنة , واستشهد (عليه السّلام) في ليلة الجمعة إحدى وعشرين من شهر رمضان المبارك سنة أربعين من الهجرة , وقد دفنه ابنه الإمام الحسن (عليه السّلام) في الغري ، وأخفى قبره مخافة الخوارج ومعاوية ، وهو اليوم ينافس السماء سمواً ورفعة ، وعلى أعتابه يتكدس الذهب ، ويتنافس المسلمون في زيارته من جميع العالم الإسلامي .