دور الإمام الباقر (عليه السلام) في بناء الجماعة الصالحة


دور الإمام الباقر (عليه السلام) في  بناء الجماعة الصالحة

عبَّاس أحمد عبَّاس

الإمام الباقر (عليه السلام) وبناء الشخصية الإسلامية المتكاملة تعدد الأدوار ووحدة الهدف:

بعد وفاة النبي الأكرم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) انتقل الدور إلى الأئمة المعصومين الاثني عشر لقـــيادة هذه الأمة والمجتمع الإسلامي.

  ويقسّم الشهيد الصدر حياة الأئمة (عليهم السلام) وأدوارهم في المجتمع الإسلامي إلى مراحل ثلاث:

ـ المرحلة الأُولى: وهي مرحلة تفادي الانحراف وصدمته بعد وفاة رسول اللّه (ص) ، فقاموا بالتحصينات اللازمة وحافظوا على الرسالة الإسلامية بقدر الإمكان.

 ـ المرحلة الثانية: مرحلة بناء الجماعة الصالحة الشاعرة بكل حدود وأبعاد المفهوم الإسلامي ، هذا العمل مارسه الإمام الباقر (عليه السلام) على مستوى القمة ، واستمر إلى زمن الصادق والكاظم (عليهما السلام).

 ـ المرحلة الثالثة: لم تُحدَّد من قبل الأئمة (عليه السلام) أنفسهم ، بل حدَّدها بشكل بارز ، موقف الحكم المنحرف من الأئمة ، بعد أن بدا للخلفاء أنّ قيادة أهل البيت (عليه السلام) أصبحت على مستوى تسلُّم زمام الحكم ، والعود بالمجتمع الإسلامي إلى حظيرة الإسلام.

المنهج الصحيح للتفكير له تأثير في إيجاد التقدُّم أو الانحطاط:

المنهج الذي اتبعه الإمام الباقر (عليه السلام) اهتمَّ ببناء الجماعة الصالحة الواعية ، عن طريق تفجير الحركة الفكرية والثقافية ، وتقدُّم النهضة العلمية ؛ لأنّ المعرفة والفهم الدقيق لِمَا يعتقده الإنسان ، هو الذي يُحدِّد قيمته.

وبدراستنا للمنهج الذي اتبعه الإمام الباقر (عليه السلام) ، والتعرُّف على النماذج والوجوه التي تخرَّجت من مدرسته الفكرية ، والنتائج التي تمخَّضتْ عن هذا المنهج ، يمكننا أن نخرج اليوم بأطروحةٍ ومنهجٍ يمكن اتباعه لبناء جيلٍ واعٍ ، قويٍ صلبٍ ، محبٍّ لله ، يُدرك عقيدته ويمكنه أن يُحدث التغييرات الصحيحة في مجتمعه وأُمَّته.

من هو الإمام الباقر (عليه السلام):

ولادته و نشأته هو أول امتزاج لأطهر عنصرين ؛ ففيه التقت شخصيتا الإمامين الحسن المجتبى والحسين الشهيد (عليهما السلام) . من خلال الأب ، وهو الإمام زين العابدين (عليه السلام) ، والأُمّ السيدة الزكية فاطمة بنت الإمام الحسن ، وتُكنَّى أُمّ عبد الله ، وكانت من سيِّدات نساء بني هاشم ، يقول فيها الإمام أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): (كانت صدِّيقة ، لم تدرك في آل الحسن مثلها).

وُلِد في يثرب ، يوم الجمعة ، الثالث من شهر صفر ، سنة ( 56 هـ ) . وقيل: سنة ( 57 هـ ) في غرة رجب . سمَّاه جدُّه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بمحمّد ، ولقّبه بالباقر قبل أن يُولد بعشرات السنين ، مبشِّراً من وراء الغيب بما سيقوم به سبطه ، من نشر العلم وإذاعته بين الناس ، كما حمل له تحيَّاته على يد الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري.

 كنيته : أبو جعفر.

وألقابه كثيرة ، منها: الشبيه ؛ لأنّه كان يشبه جدَّه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) , الأمين ، الشاكر , الهادي ، والباقر ، وهو أشهر ألقابه . ويكاد يُجمع المؤرِّخون والمترجمون للإمام ، على أنّه إنّما لُقِّب بالباقر لأنّه بَقَر العلم ، أي شقَّه ، وتوسَّع فيه ، فعَرَف أصلَه وعَلِم خفيَّه.

ملامح العصر الذي عاش فيه الإمام الباقر (عليه السلام):

 عاش الإمام الباقر في الفترة من 57 ـ 114 هـ ، في زمنِ استيلاء الأمويين على السلطة ، وبسط نفوذهم بالقوة والمكر ، وكل أشكال الانحرافات الأخرى.

لقد سعوا بكل الوسائل والأساليب لتشييد مُلكهم العضوض ، وجعْلِه كالطود الهائل الذي تتكسر على جوانبه كل حركات الإصلاح وثورات التغيير . طود ظاهره الدين والحكم باسم الإسلام ، وباطنه الفسق والفجور والانحلال . لقد سعوا للقضاء على العلم ، وإشاعة الجهل والأفكار الضالة والمنحرفة ، والتضييق على منارات العلم ، بل القضاء على أصوات الحق كلَّما ارتفعت لتفضح جوْرَهُم وظلمهم ، فشاع في زمنهم كل أنواع الانحرافات.

وتتلخَّص أساليبهم في الأمور التالية:

ـ تحريف العقيدة ؛ بإضفاء صبغة الشرعية الدينية على حكم بني أمية ، باختلاق الأحاديث المكذوبة ، وتفسير الآيات بروايات مدسوسة بفضائلهم ، وأنَّهم مختارون من قبل الله عزّ وجلّ . فاحْتَمُوا بذلك ، وعصموا مُلكهم من التعرُّض للانهيار على أيدي المطالبين بالعودة إلى القرآن وسُنَّة الرسول.

ذكر الواقدي أنَّ معاوية خاطب أهل الشام ـ أثناء رجوعه بعد تنازل الحسن ـ ، فقال: أيُّها الناس ، إنّ رسول الله قال: (إنَّك ستلي الخلافة من بعدي ، فاختر الأرض المقدَّسة) وقد اخترتُكم ، فالعنوا أبا تراب ، فلعنوه ، فلمَّا كان من الغد ، كتب كتاباً ثمَّ جمعهم فقرأه عليهم.

 وفيه: هذا كتاب كتبه أمير المؤمنين معاوية ، صاحب وحي الله الذي بعث محمداً نبياً ، وكان أميّاً لا يقرأ ولا يكتب ، فاصطفى له من أهله وزيراًً ، وكاتباً أمينا ، فكان الوحي ينزل على محمد،  وأنا أكتبه ، وهو لا يعلم ما أكتب . فلم يكن بيني وبين الله أحد من خلقه.

 فقال له الحاضرون كلُّهم: صدقت يا أمير المؤمنين.

 سُبّ الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) على المنابر حتى تولَّى الخلافة عمر بن عبد العزيز ، فأبطل هذه السُنّة التي سنّها معاوية ومَن حكم بعده.

وذكر الطبري أنّ معاوية بذل لسمرة بن جندب مئة ألف درهم حتى يروي أنّ هذه الآية أُنزلت في علي: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ

الفَسَادَ) ، وأنّ الآية الثانية نزلت في ابن ملجم ، وهي قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) ، فلم يقبل . فبذل له مئتي ألف درهم ، فلم يقبل . فبذل له أربعمئة ألف ، فقبله وروى ذلك.

ـ هدموا مبدأ الخلافة‌ في‌ الإسلام‌ ، فلم‌ تقم‌ لها من‌ بعده‌ إلى اليوم‌ قائمة ‌، وحوَّلوه إلى مُلك عضوض يتوارثه الأبناء عن الآباء.

 ـ أشغلوا الناس بالفتوحات ظاهراً ، وفي الحقيقة هي وسيلة للتخلُّص من المناوئين ، ومصدر للاستيلاء على ثروات هذه البلاد.

ـ تبذير لأموال المسلمين وصرفها في غير مواضعها المشروعة ، فأغدقوا العطايا والمناصب على الوصوليين الانتهازيين.

ـ حوَّلوا نشاط الوعَّاظ والخطباء إلى وعظ الرعايا المسلمين ، وحثهم على التذرُّع بالصبر ، والطاعة والخضوع للأوضاع السياسية القائمة.

ـ بثّوا العقائد الباطلة كالجبر والتفويض والإرجاء خدمةً لسلطانهم ; لأنّ هذه المفاهيم تستطيع أن تجعل الأمة مستسلمة للحكام الطغاة ، ما دامت تُبررّ طغيانهم وعصيانهم لأوامر الله ورسوله.

ـ وأشاعوا بين المسلمين روح التعصّب ، فقرّبوا العرب ، وأبعدوا غير العرب . وأثاروا الشعوبية ، فمزّقوا بذلك وحدة الصف الإسلامي.

ـ حبسوا الحقوق عن مستحقيها ، خاصة سهم ذوي القربى عن بني هاشم ؛ إمعاناً في إضعافهم ، وإبعاد الناس عنهم . ثمَّ حرّفوا وبدّلوا ، فقالوا: إنَّما ذوي القربى قرابةَ الخليفة منه . وأنَّ لا قرابة لرسول الله يرثونه ، إلاَّ أولاد أمية .. وحتى صعد الحجّاج بن يوسف يوماً أعواد منبره ، وقال على رؤوس الأشهاد: أرسولك أفضل أم خليفتك ؟ يعرض بأنّ عبد الملك بن مروان أفضل من رسول الله.

ـ انتشار وشيوع الانحراف الأخلاقي والاجتماعي في أوساط الأمة ، بدءً من بيوت حكّام بني أمية ، حيث اشتهر يزيد بن معاوية بفسقه ، وشرب الخمر ، واللعب بالكلاب ، والقرود ، ومروان بن الحكم أيضاً فاحشاً بذيئاً ، كما كان أولاده وأحفاده على شاكلته.

ـ ابتعادهم عن الدين والعقيدة تماماً ، كأنّ الدين والقرآن والعبادات حكراً على الطبقة الفقيرة والمحرومة ؛ للصبر على ما هم فيه ، حتى إن مَن يُذكِّرهم بالله ، يكون مصيره القتل.

 حجّ عبد الملك بن مروان بالناس في عام ( 75 هـ ) فقال : (لست بالخليفة المستضْعَف (يعني عثمان) ، ولا بالخليفة المُداهِن (يعني معاوية) ، ولا بالخليفة المأفون (يعني يزيد) ، ألا وإنّي لا أُداري هذه الأمة إلاّ بالسيف حتى تستقيم لي قناتكم.. والله ، لا يأمرني أحد بتقوى الله ـ بعد مقالي هذا ـ إلاَّ ضربتُ عنقه ، ثمَّ نزل).

ـ القضاء على خصومهم بأشد أنواع التنكيل والقتل ؛ تحت ذريعة الخروج على الخليفة ، والزندقة . فمِن واقعة الطف ، فالحرة واستباحة المدينة المنورة ، بل امتد القتل والتنكيل إلى الجميع ، ولو بالاشتباه لانتمائه وحبه لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).

 (استدعى معاوية بسر بن أبي أرطاة ـ وكان بسر قاسي القلب ، فظَّاً ، سفَّاكاً للدماء ، لا رأفة عنده ولا رحمة ـ فأمره أن يأخذ طريق الحجاز والمدينة ومكة ، حتى ينتهي إلى اليمن . وقال له: لا تنزل على بلد أهله على طاعة علي ، إلاَّ بسطت عليهم لسانك حتى يروا أنّهم لا نجاة لهم ، وأنّهم محيط بهم . ثمَّ اكْفُفْ عنهم وادعهم إلى البيعة . فمَن أبى ، فاقتله . واقتل شيعة علي حيث كانوا ... ورحم الله عمر بن عبد العزيز حين نظر إلى (ولاة) المسلمين في بعض أيَّام حكومة بني أمية ، فقال: الوليد بالشام ، والحجاج بالعراق ، وقده بن شريك بمصر ، وعثمان بن يوسف باليمن ،؛ امتلأت الأرض ـ والله ـ جوراً.

 في هذه الظلمات المطبِقة بعضها فوق بعض ، كان أهل البيت (عليهم السلام) يحملون مشعل الهداية لكل الناس . ففي السنوات الأربع الأولى من حياته ، عاش الإمام الباقر (عليه السلام) في ظلّ جدّه الحسين (عليه السلام) ، فشهد الحوادث ، وأدرك ما يجري من خَطبٍ فادح على

الإسلام . حتى إذا كان عاشوراء سنة 61هـ ، شهد مصرع أهل بيته ، وشارك السبايا فيما جرى عليهم ، وعاش المحن التي توالت على المسلمين ، من قتلٍ وتشريدٍ ونهب للأموال ، كما عاش محنة سبّهم لجدّه الإمام علي (عليه السلام) على المنابر ستة عقود ، وسلب حقوقهم.

وفي المرحلة التي عاشها في ظلّ أبيه الإمام زين العابدين (عليه السلام) ، كان العمل منصبّاً على إعادة بناء المجتمع الإسلامي ، وتشييد دعائم العقيدة الإسلامية القويمة ، من خلال بثّ القيم العقائدية والأخلاقية ، عِبْرَ الأدعية ، والتذكير الدائم بمصائب أهل البيت ، وما جرى عليهم.

وقبل وفاته ، وجّه الإمام زين العابدين (عليه السلام) أهل بيته وشيعته ، إلى الإمام من بعده . فحينما سأله ابنه عمر عن سرّ اهتمامه بالباقر (عليه السلام) ، أجابه: (أنّ الإمامة في ولْده إلى أن يقوم قائمنا (عليه السلام) ، فيملأها قسطاً وعدلاً ، وأنّه الإمام أبو الأئمة...).

وإنْ كان النص الذي رواه جابر بن عبد الله الأنصاري قد سبق من رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) [النص فيه] على الإمام الباقر والأئمة من بعده . وقد جاء في هذا النص ما يلي: (فقال: يا رسول الله ، وَمَنْ الأئمة من ولد علي بن أبي طالب؟ قال: (الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة ، ثمَّ سيد العابدين في زمانه عليّ بن الحسين ، ثمَّ الباقر محمد بن عليّ ـ وستدركه يا جابر ـ فإذا أدركته ، فاقرأه منّي السلام ).

من جهوده لنشر العلم والمعرفة:

 حضور المحافل العامة ؛ ليحدّث الناس ويرشدهم . كما كان يفسّر القرآن ، ويعلّم الناس الأحاديث النبويّة الشريفة ، ويثقّفهم بالسيرة النبويّة المباركة . وأظهر الله على لسانه من معارف الدين ما أشاد به الجميع ، حتى قال الشيخ المفيد (قدِّس سرِّه): لم يَظهر عن أحدٍ من ولد الحسن والحسين (عليهما السلام) من علم الدين والآثار ، وعلم القرآن والسيرة ، وفنون الآداب ، ما ظهر عنه.

كان العلماء يقصدونه من كل أفق ؛ بحثاً عن علمه الإلهي ، حتى روي عن عبد الله بن عطاء أنّه قال: (ما رأيتُ العلماء عند أحدٍ قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) . ولقد رأيتُ الحكم بن عتيبة ـ مع جلالته في القوم ـ بين يديه كأنّه صبي بين يدي معلمه).

وكم حاجج من المخالفين وأعادهم إلى الصواب .

 ربّى طائفة عظيمة من الفقهاء والمفسِّرين ، من أمثال: جابر بن يزيد الجعفي ، ومحمد بن مسلم ، وأبان بن تغلب . كما أنّه نشر العلم عبر مَن روي عنه من علماء عصره ، من أمثال: المبارك ، والزهري ، والأوزاعي ، وأبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي.

 قد فجّر بركان الإصلاح الذي قضى على عقود من الظلم الأموي ، من قلب البيت الأموي ، وعلى يد أحد حكَّامها ، وهو عمر بن عبد العزيز ، الذي أحدث تغييرات مهمة وخطيرة في سياسة الحكم الأموي ، لا يتَّسع المجال للبحث وراء دوافعها ، لكن هذه التغييرات لا شك أنَّها كانت الحكم على النظام الأموي بالإعدام ، بعد أن كشف زيفه للناس ، وفضح ممارساته البعيدة والمخالفة للدين ، ولكل الأعراف الإنسانية ، بل وكشف حقائق التاريخ لكل المخدوعين بمقولة الصحابة العدول ، فهزَّ صروح الكذب والافتراء على النبي وآل البيت.

 هذه الجهود الإصلاحية ، وهذا التغيّر الذي حدث في شخصية هذا الفتى الأموي ، لا يمكن أن نعزوه إلى الصدفة ، أو تأثير ثقافة منحرفة خالفها هو بعد ذلك ، وكشف زيفها وانتهاكاتها ، بل إلى منهجِ حقٍ أثَّر وتأثَّر به . وكانت أولى قرارات عمر بن عبد العزيز بعد تولِّيه الحكم:

ـ سحْب الحملة الأموية عن أسوار القسطنطينية ، محذِّراً عامله على خراسان عبد الرحمن بن نعم بقوله: (فلا تغْزُ بالمسلمين ، فحسبهم الذي قد فتح الله عليهم) ، مخالفاً بذلك سيرة الخليفة الثالث ، وحكَّام بني أمية.

ـ أبطل ضريبة الأرض ، ومنع أخذ الجزية من غير العرب بعد إسلامهم ، قائلاً:(إنّ الله أرسل محمداً هادياً ، ولم يُرسله جابياً).

ـ ألغى الهِبَات الممنوحة لبني مروان ، كما ألغى المُرتَّبات الخاصة لهم.

ـ أوقف سبّ الإمام علي (عليه السلام) وأبناءه من على المنابر ، بعد عقود من هذا الأذى الشنيع لآل البيت (عليهم السلام).

ـ ردَّ المظالم التي كانت للناس عند بني أمية ، بل وعند أسلافهم ، حتى ردّ فدك إلى ورثتها الشرعيين ، وردَّ عليهم سهم الخمس.

 روي أنَّه لمّا ردّ عمر بن عبد العزيز فدكاً على ولْد فاطمة (عليها السلام) ، اجتمع عنده قريش ، ومشايخ أهل الشام من علماء السوء ، وقالوا له: نقمت على الرجلين فعلهما ، وطعنت عليهما ، ونسبتهما إلى الظلم والغصب؟!

فقال:

(قد صحّ عندي وعندكم أنّ فاطمة بنت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ادّعت فدكاً ، وكانت في يدها ، وما كانت لتكذب على رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ، مع شهادة عليّ (عليه السلام) وأم أيمن وأم سلمة . وفاطمة (عليها السلام) عندي صادقة فيما تدّعي وإن لم تُقِم البينة ، وهي سيدة نساء الجنّة . فأنا اليوم أردّ على ورثتها ، وأتقرّب بذلك إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ، وأرجو أن تكون فاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) يشفعون لي يوم القيامة . ولو كنتُ بدل أبي بكر ، وادّعت فاطمة (عليها السلام) ، كنتُ أُصدِّقها على دعوتها).

فسلّمها إلى الباقر (عليه السلام).

 إنَّنا نجد في شخصية عمر بن عبد العزيز مثالاً لمَن يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه ، وقد استمع إلى المثل الذي ضربه الله عزَّ وجلَّ في محكم كتابه للمؤمنين:( وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنّةِ وَنَجّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ) (التحريم/10 ـ 11).

إنّه العلم الذي فجّرهّ الإمام الباقر (عليه السلام) ، فبَقَرَ به خاصرة الباطل حتى أخرج الحقّ منه.