عصمة الأنبياء(عليهم السلام) عند الإمامية

السؤال:

نذهب نحن الشيعة إلى عصمة الأنبياء والرسل(عليهم السلام) فإذا سلّمنا بذلك، فما هو تفسير خروج أبينا آدم وأُمّنا حوّاء من الجنّة؟

وما هو تفسير بقاء نبي الله يونس في بطن الحوت مدّة من الزمن، وكذلك قصّة نبي الله موسى، ألا ينافي ذلك عصمة الأنبياء؟ أودّ معرفة الإجابة بمزيدٍ من التفصيل.

 

الجواب:

يشير الشيخ المفيد(قدس سره) إلى رأي الإمامية حول عصمة الأنبياء(عليهم السلام) بقوله: «إنّ جميع أنبياء الله(عليهم السلام) معصومون من الكبائر قبل النبوّة وبعدها، وما يستخفّ فاعله من الصغائر كلّها، وأمّا ما كان من صغير لا يستخفّ فاعله فجائز وقوعه منهم قبل النبوّة وعلى غير تعمّد، وممتنع منهم بعدها على كلّ حال، وهذا مذهب جمهور الإمامية، والمعتزلة بأسرها تخالف فيه»(۱).

وعلى هذا، يمكن توجيه خروج أبينا آدم(عليه السلام) وأُمّنا حوّاء من الجنّة، بأنّ الخروج من الجنّة ليس عقاباً على معصيتهما وهما منزّهان منها؛ لأنّ سلب اللذّات والمنافع ليس بعقوبة، وإنّما العقوبة هي الضرب والألم الواقعان على سبيل الاستخفاف والإهانة، وكيف يكون من تعبّدنا الله فيه بنهاية التعظيم والتبجيل، مستحقّاً منّا ومنه تعالى الاستخفاف والإهانة؟

فإن قيل: فما وجه الخروج إن لم يكن عقوبة؟

قلنا: لا يمتنع أن يكون الله تعالى علم أنّ المصلحة تقتضي بقاء آدم(عليه السلام) في الجنّة وتكليفه فيها متى لم يتناول من الشجرة، فمتى تناول منها تغيّرت الحال في المصلحة، وصار إخراجه عنها وتكليفه في دار غيرها هو المصلحة.

وإنّما وصف إبليس بأنّه مخرج لهما من الجنّة ﴿فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾(۲) من حيث وسوس إليهما، وزيّن عندهما الفعل الذي يكون عند الإخراج.

ثمّ لا يخفى أنّ المعصية هي مخالفة الأمر، والأمر من الحكيم تعالى قد يكون بالواجب والمندوب معاً، فلا يمتنع على هذا أن يكون آدم(عليه السلام) مندوباً إلى ترك التناول من الشجرة، ويكون بمواقعتها تاركاً نفلاً وفضلاً وغير فاعل قبيحاً، وليس يمتنع أن يُسمّى تارك النفل عاصياً، كما يُسمّى بذلك تارك الواجب.

وفي هذا المجال نذكر هذه الرواية الشريفة: روى الشيخ الصدوق(قدس سره): «لمّا جمع المأمون لعليّ بن موسى الرضا(صلى الله عليه وآله) أهل المقالات من أهل الإسلام، والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وسائر أهل المقالات، فلم يقم أحد إلّا وقد ألزمه حجّته كأنّه قد ألقم حجراً، قام إليه عليّ بن محمّد بن الجهم، فقال له: يابن رسول الله، أتقول بعصمة الأنبياء؟ قال: بلى، قال: فما تعمل في قول الله عزّ وجل: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾(۳)، وقوله عزّ وجل: ﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ﴾(۴)… .

فقال مولانا الرضا(عليه السلام): «ويحك ـ يا علي ـ اتّق الله، ولا تنسب إلى أنبياء الله الفواحش، ولا تتأوّل كتاب الله برأيك، فإنّ الله تعالى يقول: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾(۵).

أمّا قوله عزّ وجلّ في آدم(عليه السلام): ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ فإنّ الله عزّ وجلّ خلق آدم حجّة في أرضه، وخليفة في بلاده، لم يخلقه للجنّة، وكانت المعصية من آدم في الجنّة لا في الأرض، تتمّ مقادير أمر الله عزّ وجلّ، فلمّا أُهبط إلى الأرض، وجُعل حجّة وخليفة عُصِمَ بقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾(۶).

وأمّا قوله تعالى: ﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ إنّما ظنّ أنّ الله عزّ وجلّ لا يضيق عليه رزقه، ألا تسمع قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ﴾([۷]) أي ضيّق عليه، ولو ظنّ أنّ الله تبارك وتعالى لا يقدر عليه لكان قد كفر»(۸).

وأمّا يونس(عليه السلام) إنّما بقي في بطن الحوت إلى مدّة من الزمن، لا لمعصية صدرت منه، ولا لذنب ارتكبه والعياذ بالله، وإنّما لكونه خرج من قومه ـ وهو معرضاً عنهم، ومغضباً عليهم، بعد أن دعاهم إلى الله تعالى فلم يجيبوه إلّا بالتكذيب والردّ ـ ولم يعد إليهم ظانّاً أنّ الله تعالى لا يضيّق عليه رزقه، أو ظانّاً أن لن يُبتلى بما صنع حتّى وصل إلى البحر وركب السفينة، فعرض لهم حوت فلم يجدوا بدّاً من أن يلقوا إليه واحداً منهم يبتلعه، وتنجو السفينة بذلك، فقارعوا فيما بينهم، فأصابت يونس(عليه السلام) فألقوه في البحر، فابتلعه الحوت ونجت السفينة.

ثمّ إنّ الله سبحانه وتعالى حفظه حيّاً في الحوت مدّة من الزمن، ويونس(عليه السلام) يعلم أنّها بلية ابتلاه الله بها، مؤاخذة بما فعل من عدم رجوعه إلى قومه، بعد أن آمنوا وتابوا، فأخذ ينادي في بطن الحوت: ﴿أن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾(۹) ـ قيل أي لنفسي بالمبادرة إلى المهاجرة ـ فاستجاب الله له ونجّاه من الحوت.

وأمّا قتل موسى(عليه السلام) للقبطي، فلم يكن عن عمد ولم يرده، وإنّما اجتاز فاستغاث به رجل من شيعته على رجل من عدوّه بغى عليه وظلمه وقصد إلى قتله، فأراد موسى(عليه السلام) أن يخلّصه من يده، ويدفع عنه مكروهه، فأدّى ذلك إلى القتل من غير قصد إليه، وكلّ ألم يقع على سبيل المدافعة للظالم من غير أن يكون مقصوداً فهو حسن غير قبيح، ولا يستحقّ عليه العوض به، ولا فرق بين أن تكون المدافعة من الإنسان عن نفسه، وبين أن يكون عن غيره في هذا الباب، والشرط في الأمرين أن يكون الضرر غير مقصود، وأنّ القصد كلّه إلى دفع المكروه، والمنع من وقوع الضرر، فإن أدّى ذلك إلى ضرر فهو غير قبيح.

_____________________
۱ـ أوائل المقالات: ۶۲٫
۲ـ البقرة: ۳۶٫
۳ـ طه: ۱۱۹٫
۴ـ الأنبياء: ۸۷٫
۵ـ آل عمران: ۷٫
۶ـ آل عمران: ۳۳٫
۷ـ الفجر: ۱۶٫
۸ـ الأمالي للصدوق: ۱۵۰٫
[۹]ـ الأنبياء: ۸۷٫