الأدلّة على عصمة الأنبياء(عليهم السلام)

السؤال:

إنّي من القائلين بعصمة الأنبياء، وأطلب منكم شاكراً معرفة أدلّة عصمة الأنبياء، وعلاقتها مع الآية التالية: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾(۱)

 

الجواب:

إنّ الأدلّة على عصمة الأنبياء(عليهم السلام) كثيرة، فقد ذكر العلّامة الحلّي ثلاثة منها في «كشف المراد»(۲)، وأضاف إليها القوشجي دليلين آخرين في «شرح التجريد»(۳)، وذكر الإيجي تسعة أدلّة في «المواقف»(۴).

ونقتصر في هذا المجال على ذكر دليلين، هما:
۱ـ الوثوق فرع العصمة.

إنّ التبليغ يعمّ القول والفعل، فكما في أقوال النبيّ تبليغ فكذلك في أفعاله، فالرسول معصوم عن المعصية وغيرها؛ لأنّ فيها تبليغاً لما يناقض الدين، وهو معصوم من ذلك.

ولا يفتقر ذلك على زمن البعثة فقط، وإنّما يشمل ما قبلها أيضاً لأنّه لو كانت سيرة النبيّ غير سليمة قبل البعثة، فلا يحصل الوثوق الكامل به، وإن صار إنساناً مثاليّاً.

إذاً، فتحقّق الغرض الكامل من البعثة، رهن عصمته في جميع فترات عمره.
۲ـ التربية رهن عمل المربّي.

إنّ الهدف العام الذي بُعث الأنبياء لأجله، هو تزكية الناس وتربيتهم، ومعلوم أنّ فاقد الشيء لا يعطيه، فلذا لا بدّ من التطابق بين مرحلتي القول والعمل، وهذا الأصل التربوي يجرّنا إلى القول بأنّ التربية الكاملة المتوخّاة من بعثة الأنبياء، لا تحصل إلّا بمطابقة أعمالهم لأقوالهم، فإنّ لسوابق الأشخاص وصحائف أعمالهم الماضية تأثيراً في قبول الناس كلامهم وإرشاداتهم.

أمّا ما ذكرته بالنسبة للآية المباركة من سورة القصص، فإنّ الأصل في الأنبياء العصمة، والأدلّة من القرآن والسنّة والعقل صريحة بالعصمة، وكلّ ما ورد بحيث يكون ظاهره منافٍ للعصمة، فلا بدّ من البحث عن التأويل له وفهم معناه.

فقد روى الشيخ الصدوق(قدس سره) بسنده عن عليّ بن محمّد بن الجهم قال: «حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا عليّ بن موسى(صلى الله عليه وآله)، فقال له المأمون: يابن رسول الله، أليس من قولك: الأنبياء معصومون؟ قال: بلى… .

قال:… فأخبرني عن قول الله عزّ وجل: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾.

قال الرضا(عليه السلام): إنّ موسى(عليه السلام) دخل مدينةً من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها، وذلك بين المغرب والعشاء، فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوّه فاستغاثه الذي الذي من شيعته على الذي من عدوّه، فقضى موسى على العدوّ، وبحكم الله تعالى ذكره ﴿فَوَكَزَهُ﴾ فمات، ﴿قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾، يعني الاقتتال الذي وقع بين الرجلين، لا ما فعله موسى(عليه السلام) من قتله، إنه ـ يعني الشيطان ـ عدوّ مضلّ مبين.

فقال المأمون: فما معنى قول موسى: ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي﴾ ؟

قال: يقول: إنّي وضعت نفسي غير موضعها بدخول هذه المدينة، ﴿فَاغْفِرْ لِي﴾ ؛ أي استرني من أعدائك لئلّا يظفروا بي فيقتلوني، فغفر له إنّه هو الغفور الرحيم.

قال موسى: ربّ بما أنعمت عليَّ من القوّة حتّى قتلت رجلاً بوكزه، فلن أكون ظهيراً للمجرمين، بل أجاهد سبيلك بهذه القوّة حتّى ترضى…»(۵).

_____________________
۱ـ القصص: ۱۵ ـ ۱۶٫
۲ـ كشف المراد: ۴۷۱٫
۳ـ شرح تجريد العقائد: ۳۵۸٫
۴ـ المواقف: ۳۵۹٫
۵ـ عيون أخبار الرضا ۲/۱۷۴٫