الشباب وثورات الفيس بوك
مازلنا نتابع بفخر وإعجاب حراك الشباب السياسي في الشارع العربي، وانفجار الألغام الفتيّة بعد سنين القمع والظلم، واستبسالهم دفاعاً عن شرف العزّة والكرامة، بركان يلفظ حمم الضعف والهوان المكبل لإرادتها الحرة.
إنه المشهد الحضاري المعبّر عن ثقافة أصيلة مغروسة في نسيج الشاب العربي المسلم الذي استسقى قيم الفداء والشهامة من معين أجداده الثوّار فأشعل فتيل الصحوة من جديد ليحطم أصنام جبابرة جثمت على صدور الشعوب المستضعفة سنين طويلة، حناجر شابة تستنكر كل صور العمالة والظلم والاستبداد، داعية إلى نهضة شاملة ترقى بالإنسان العربي المظلوم إلى فردوس الديمقراطية، إنها تباشير مستقبل مشرق تسرج ملامحه سواعد شابة قررت أن تخوض التجربة حتى آخر قطرة دم.
فكان الانتصار لإرادة الشباب المسلم الذي استقرأ واقعه الجامد عبر صفحات (الفيس بوك) بعد استخفافه بزيف الإعلام وأكاذيبه فقرر التغيير السياسي مستثمراً الآليات الإلكترونية لتحقيق هدفه المشروع، بعيداً عن صور العنف والتبجح بشعارات زائفة تفتقد إلى المضامين الواقعية، فقد خاض هؤلاء الشباب التجربة السياسية بدهاء وذكاء فاق الكبار المتحصنين بخنادق من نار، ففي وقت كان الساسة يخططون لدمارهم بالبطالة والفساد، حفر هؤلاء الأبطال أقدار خلاصهم بروح وثّابة وعقول خلاّقة، فالحوارات السياسية والفكرية على صفحات الفيس بوك فجّرت الوعي في العقول الصدئة لينجلي عنها الجهل التراكمي ولتنهل من قيم الإسلام الناصعة التي غيبتها الأنظمة الطاغية وميعتها حركات التغريب، حينما كرسّت ثقافة الاستسلام والهزيمة في أذهان الشباب تحت عناوين المفاوضات والمعاهدات.
فالشرارة انطلقت عبر صفحات الفيس بوك ومنها تبلورت ملامح ثورة قائمة على مفاهيم حضارية تُرجمت كحراك سلمي في الشارع تغذيه قناعات عقائدية راسخة وإيمان عميق بمطالب مشروعة، وقد أثبتت مصداقيتها على أرض الواقع، إذ تقدّم الثوّار أمام الآلة العسكرية عراة الصدور في توق إلى الشهادة بلا خوف أو تردد، طوفان فاجأ الأنظمة التي طالما استخفت بإرادة شباب واعِ قد تحرّك الآن بشكل مقنن ومنظم لا بانفعال طارئ فيه من الفوضوية والعشوائية كما تصوره بعض أجهزة الإعلام الكاذبة، فالمنتديات الثقافية والمواقع الإلكترونية والفيس بوك والمدونات والتويتر كانت تغلي على صفيح ساخن، وتستعد بجهوزية كاملة لإشعال الشرارة في الأوطان المظلومة.
ولماذا الشباب؟
لأن الشباب هم المعيار لقوى الشعوب ونهضة الأمم، وحراكهم الواعي يبعث الروح في المجتمعات الهرمة، فالشباب هم أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مطلع الدعوة الإسلامية، في حين حاربه الكهول، الشباب هم دينامو الثورات وعصب حركات التغيير في العالم، ولهذا كانت سياسات هذه الأنظمة دوماً أن تشغل الشباب بالفن الرخيص والجنس والبطالة والمخدرات والجلوس في المقاهي البطّالة لتعطيل طاقاتهم وشلّ إرادتهم، إنها سياسة التمييع والتخدير والتغريب بل وطمس الهوية، ليبقى ذليلاً وعاجزاً عن أي محاولة تغيير.
لكن اقتضت إرادة الله عز وجل أن ينصر هؤلاء الشباب بمدد غيبي ويثبت أقدامهم فكانوا أمثولة في القوة والشجاعة والصبر..
وتلك هي سنة الله عز وجل في خلقه حيث يحق الحق ويزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً.