الإمام الباقر عليه السلام ومنهجه العلمي
ليس بالغريب أن يمتلك العلوم من تربى في مدرسة أهل البيت عليهم السلام، إنه كوكب من كواكب الإسلام جمع فأوعى، وعاش الإيثار بكل معانيه، وعشق التضحية بأجلى معانيها فخاض جميع العلوم في بحوث ألقاها على العلماء في الجامع النبوي، الذين كانوا يتدفقون إليه ويتحلقون حوله كما تتحلق مجموعات النحل لتمتص أريج العسل الصافي من الزهور.
لقد خاض عدة علوم يحتاج الشرح عنها عدة مجلدات، لكن سوف نعددها بإيجاز بإذن الله.
العلوم الفقهية
إن روايات الأئمة الأطهار عليهم السلام التي أُثرت عنهم في عالم التشريع والأحكام الفقهية لا تتناول آراءهم الخاصة وإنما هي امتداد لأقوال الرسول صلّى الله عليه وآله ولذلك ألحقت بالسنة الشريفة.
قال الإمام الباقر عليه السلام في ذلك في حديث مع جابر بن يزيد الجعفي: «يَا جَابِرُ وَاللهِ لَوْ كُنَّا نُحَدِّثُ النَّاسَ أَوْ حَدَّثْنَاهُمْ بِرَأْيِنَا لَكُنَّا مِنَ الْهَالِكِينَ وَلَكِنَّا نُحَدِّثُهُمْ بِآثَارٍ عِنْدَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله يَتَوَارَثُهَا كَابِرٌ عَنْ كَابِرٍ نَكْنِزُهَا كَمَا يَكْنِزُ هَؤُلاَءِ ذَهَبَهُمْ وَفِضَّتَهُمْ…».(بصائر الدرجات:١/٣٠٠)
الحديث الشريف
اهتم الإمام عليه السلام اهتماماً بالغاً في الأحاديث الواردة عن جده رسول الله صلّى الله عليه وآله وعن آبائه الأئمة الطيبين عليهم السلام وهي تعد المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم.
فالكتاب تولى العناوين والعموميات والحديث اختص بشرح العموميات وتقييد المطلقات، وبيان ناسخه من منسوخه، ومجمله من مبنيه، كما يعرض لأحكام الفقه من العبادات والمعاملات، وإعطاء القواعد الكلية التي يتمسك بها الفقهاء في استنباطهم الحكم الشرعي.
إلى جانب هذا كله فإن فيه فصولاً مشرقة لآداب السلوك، وقواعد الاجتماع، وتنظيم الأسرة وصيانتها من التلوث بالآثام، إلى غير ذلك مما يحتاج إليه الناس في حياتهم الفردية والاجتماعية.
ولذلك وجدنا الإمام عليه السلام يهتم بالحديث ويتبناه، ويؤكد على فهمه والوقوف على معطياته.
وقد جعل المقياس في فضل الراوي فهمه للحديث ومعرفة مضامينه.
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ زَيْدٍ الزَّرَّادِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: «قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: يَا بُنَيَّ، اعْرِفْ مَنَازِلَ الشِّيعَةِ عَلَى قَدْرِ رِوَايَتِهِمْ وَمَعْرِفَتِهِمْ؛ فَإِنَّ الْمَعْرِفَةَ هِيَ الدِّرَايَةُ لِلرِّوَايَةِ، وَبِالدِّرَايَاتِ لِلرِّوَايَاتِ يَعْلُو الْمُؤْمِنُ إِلَى أَقْصَى دَرَجَاتِ الإِيمَانِ؛ إِنِّي نَظَرْتُ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَوَجَدْتُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ قِيمَةَ كُلِّ امْرِئٍ وَقَدْرَهُ مَعْرِفَتُهُ؛ إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُحَاسِبُ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ مَا آتَاهُمْ مِنَ الْعُقُولِ فِي دَارِ الدُّنْيَا…».(الأصول الستة عشر:٣٦)
فوعي الراوي للحديث ووقوفه على معناه مما يستدل به على سمو منزلته العلمية.
وأحاديث الإمام الباقر عن جديه رسول الله صلّى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين عليه السلام على قسمين: الأولى مرسلة، والثانية مسندة.
فالمرسلة: ينسب فيها الإمام الحديث مباشرة إلى النبي صلّى الله عليه وآله أو الإمام عليه السلام دون أن يذكر رجال السند.
وَرُوِيَ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْحَدِيثِ يُرْسِلُهُ وَلاَ يُسْنِدُهُ فَقَالَ: «إِذَا حَدَّثْتُ الْحَدِيثَ فَلَمْ أُسْنِدْهُ فَسَنَدِي فِيهِ أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله عَنْ جَبْرَئِيلَ عليه السلام عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ».(إرشاد المفيد:٢/١٦٧)
والمسندة: هي التي يذكر فيها سنده عن آبائه الطاهرين عن رسول الله صلّى الله عليه وآله؛ وسواء كانت روايته مرسلة أم مسندة فهي حجة بلا خلاف.
أولاً: أحاديثه عليه السلام في الفقه
١. روى الإمام الباقر عليه السلام عن آبائه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنه قال: «فَضْلُ الْعِلْمِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ فَضْلِ الْعِبَادَةِ وَأَفْضَلُ دِينِكُمُ الْوَرَعُ».(الخصال:١/٤)
لقد فضّل العلم على العبادة لأنّ العبادة لا ينتفع بها إلاّ صاحبها بينما العلم ينتفع به صاحبه والناس.
كما حثّ على الورع عن محارم الله، فالورع يكون في أعلى مراتب التقى لأنّه يكون قد تجنب السقوط في المآثم التي تؤدي إلى الانحراف عن الطريق القويم، ويصبح في وقاية تامة.
٢. روى عليه السلام عن آبائه عن رسول الله أنه قال صلّى الله عليه وآله: «مَا جُمِعَ شَيْءٌ إِلَى شَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ حِلْمٍ إِلَى عِلْمٍ».(أمالي الصدوق:٢٩٥)
إنّ الاتصاف بالعلم أمر مهم لكنّ اقترانه بالحلم أمر أهم؛ لأنّ الحلم صفة حضارية عظيمة تفيد عن نضوج الإنسان الفكري وارتقائه في فهم الحياة الإنسانية الراقية، وسعادة الإنسان تكتمل في هذه الدنيا إذا أحسن استعمال علمه فسخره لسعادته وسعادة الآخرين، أمّا إذا اكتفى بالعلم دون الحلم فيصبح كالجاهل أو كالغني البخيل الذي يكنز المال فلا يستفيد هو ولا يفيد غيره، أما جمع العلم إلى الحلم فإنهما يرفعان من مستوى الإنسان ويميزانه عن غيره من الناس.
٣. وقال عليه السلام: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «الإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالأَرْكَانِ».(الخصال:١٧٨)
القلب هو مستودع الأسرار ولب الإنسان إن صلح صلح المرء وإن فسد فسد المرء والإيمان ليس لفظة يتفوه بها اللسان وإنّما هو أمر مستقر في أعماق القلب، ودخائل النفس، يدفع بالإنسان إلى العمل عن يقين وإخلاص.
وما اللسان إلا ترجمان عن القلب يتكلم بوحيه ويعمل بأمره، والترجمة الحقيقية عن القلب المؤمن واللسان النظيف، العمل بالأركان، فالعمل الصالح إفراز عن القلب الصالح.
ثانياً: الأحاديث الاجتماعية
١مجلة الوارث - العدد 95. قال عليه السلام: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: رَأْسُ الْعَقْلِ بَعْدَ الإِيمَانِ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ التَّحَبُّبُ إِلَى النَّاسِ».(الخصال:١/١٥)
حديث حكيم ورائع وجليل يجمع صفات عدة تصب كلها في نتيجة واحدة هي التحبب إلى الناس، ولا يحصل هذا إلاّ عن طريق السلوك الحسن والأخلاق الرفيعة والذوق الجليل في التعاطي مع الآخرين، فالتحبب إلى الناس يتم بقضاء حوائجهم أو جلب الخير لهم، ودفع الظلم عنهم ومعاملتهم باللطف والإحسان، كل ذلك يوجب شيوع المحبة بين الناس ويربط الهيئة الاجتماعية بروابط الوئام والسلام.
٢. وقال عليه السلام: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: أَلاَ إِنَّ شَرَّ أُمَّتِي الَّذِينَ يُكْرَمُونَ مَخَافَةَ شَرِّهِمْ أَلاَ وَمَنْ أَكْرَمَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ فَلَيْسَ مِنِّي».(تحف العقول:٥٨)
ما رأوه بالأمس وما نراه اليوم إنّ شرار هذه الأمّة هم الوجهاء والزعماء الذين يكرمون ويعظمون لا لفضيلة فيهم أو إحسان أسدوه إلى غيرهم، وإنّما كان التكريم لاتقاء شرورهم ومخافة ظلمهم.
إنّ مثل هؤلاء الإسلام منهم براء وهم ليسوا منه في شيء لأنّ الإسلام جاء بالرحمة فالله عزّ وجل رحمان رحيم وأمرنا أن نرحم بعضنا والإسلام جاء بالعمل الصالح والإحسان إلى الناس جميعاً من كل عرق ولون، والإسلام أمر بالصدق في المعاملة الحسنة لا خوفاً من عقاب ولا طمعاً بمكافأة بل اندفاعاً من الذات لمن يستحقون.
٣. وقال عليه السلام: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي إِذَا صَلَحَا صَلَحَتْ أُمَّتِي وَإِذَا فَسَدَا فَسَدَتْ أُمَّتِي، قِيلَ يَا رَسُولَ اللهِ وَمَنْ هُمَا؟ قَالَ: الْفُقَهَاءُ وَالأُمَرَاءُ».(أمالي الصدوق:٣٦٦)
إنّ صلاح أي مجتمع وفي أي عصر يتوقف على صلاح هذين العنصرين، فإذا صلحا فقد سعدت الأمّة وازدهرت مرافقها وحقّقت كلّ ما تصبو إليه من أهداف إنسانية سامية، أمّا إذا فسدا أو شذا عن سنن الحق وانحرفا عن طريق العدل والصواب أصيبت الأمّة بتدهور سريع في جميع مجالاتها الاقتصادية والاجتماعية والأدبية والحضارية، وغير ذلك.
سئل أحد الفقهاء: كيف تقوم صلاح أمّة من الأمم؟ فقال: تكون الأمّة في أشقى حالاتها وأسوأ أحوالها عندما تجد فقهاءها على أبواب أمرائها وعلماءها على أبواب ملوكها.
كرّم الله عزّ وجل العلماء وفضلهم ومنحهم منزلة اجتماعية عالية لا تضاهيها منزلة أخرى فقد وضعهم سبحانه وتعالى بعد الأنبياء والأئمة والأوصياء.
٤. قال عليه السلام: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: مَنْ وَاسَى الْفَقِيرَ مِنْ مَالِهِ وَ أَنْصَفَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ فَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ حَقّاً.(الكافي:٢/١٤٧)
إن مؤاساة الفقراء واجب شرعي وعامل اجتماعي من خلاله تولد المحبة بين أفراد المجتمع وتتوثق الروابط الاجتماعية فيما بينهم، ومساعدة الفقراء قد تكون مادية وقد تكون معنوية وهي دليل واضح على قوة الإيمان وتكامله وحسن الأخلاق ونبلها.
فالمؤمن هو أخ المؤمن يشاركه في السراء والضراء وقد أوصى الله عز وجل المؤمنين بمناصرة بعضهم، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.[الحجرات:١٠]
ومن جانب آخر فإنّ إنصاف النّاس آية على سمو الإنسان وتجرده من الأنانية وسائر الأمراض النفسية، وهو بلا ريب واقع الإيمان وجوهر الإسلام.
٥. قال عليه السلام: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ فَسَعُوهُمْ بِأَخْلاَقِكُمْ».(من لا يحضره الفقيه:٤/٣٩٤)
حكمة رائعة يرشح منها نور المحبة وصفاء الألفة، فتوحد بين مشاعر أفراد المجتمع الواحد وتزكي عواطفهم.
وسلطان المال لا يمكنه وحده من تحقيق ذلك، لكن الأخلاق الحسنة هي أقوى مؤثر في بناء المجتمع الراقي وإقامته على أسس إنسانية سليمة.
٦. قال عليه السلام: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: مُجَالَسَةُ أَهْلِ الدِّينِ شَرَفُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ».(الكافي:١/٩٥)
يقول علماء الاجتماع إنّ الحياة الاجتماعية تأثّر وتأثير فكل إنسان يتأثّر بمن يعاشر ويؤثّر فيمن حوله من رفاق وأصحاب وأهل، ومن الطبيعي أن مزاملة الأخبار من رجال الدين تؤثّر فيمن يتصل بهم تأثيراً مباشراً فتصونهم من الرذائل والخبائث من الصفات وتحبب لهم الخير، وبذلك ينالون شرف الدين والآخرة.
الأحاديث التي رواها عليه السلام عن جدّه أمير المؤمنين عليه السلام
روى الإمام الباقر عليه السلام طائفة من الأحديث تعد حكماً خالدة عن جده أمير المؤمنين عليه السلام صاحب النهج وإمام البلاغة ومنهل الأدب، وعميد الفقه في التشريع الإسلامي، وهذه بعض منها:
أولا: الأحاديث الفقهية
قال الإمام الباقر عليه السلام: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: قِوَامُ الدِّينِ بِأَرْبَعَةٍ: بِعَالِمٍ نَاطِقٍ مُسْتَعْمِلٍ لَهُ، وَبِغَنِيٍّ لاَ يَبْخَلُ بِفَضْلِهِ عَلَى أَهْلِ دِينِ اللهِ، وَبِفَقِيرٍ لاَ يَبِيعُ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ، وَبِجَاهِلٍ لاَ يَتَكَبَّرُ عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ، فَإِذَا كَتَمَ الْعَالِمُ عِلْمَهُ، وَبَخِلَ الْغَنِيُّ بِمَالِهِ، وَبَاعَ الْفَقِيرُ آخِرَتَهُ بِدُنْيَاهُ، وَاسْتَكْبَرَ الْجَاهِلُ عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ، رَجَعَتِ الدُّنْيَا إِلَى وَرَائِهَا الْقَهْقَرَى فَلاَ تَغُرَّنَّكُمْ كَثْرَةُ الْمَسَاجِدِ وَأَجْسَادُ قَوْمٍ مُخْتَلِفَةٍ؛ قِيلَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَيْفَ الْعَيْشُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ؟ فَقَالَ: خَالِطُوهُمْ بِالْبَرَّانِيَّةِ يَعْنِي فِي الظَّاهِرِ وَخَالِفُوهُمْ فِي الْبَاطِنِ لِلْمَرْءِ مَا اكْتَسَبَ وَهُوَ مَعَ مَنْ أَحَبَّ وَانْتَظِرُوا مَعَ ذَلِكَ الْفَرَجَ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ».(الخصال:١/١٩٧)
هؤلاء الأصناف هم أركان الحياة فإذا قاموا بمسؤولياتهم وأداء ما عليهم من واجب شرعي صلحت الدنيا وازدهرت الحياة وأخصبت ثمارها، وأمّا إذا انحرفوا عن ذلك فإنّ الحياة العامّة يخبو بريقها وتضيق طرق العيش فيها ويصعب معاشرة أفرادها وتصاب بتدهور وانحطاط في جميع مرافقها المثلى وقيمها العليا.
ثانياً: الأحاديث الاجتماعية:
١ـ قال الإمام الباقر (عليه السلام): قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (الفتن ثلاث: حب النساء، وهو سيف الشيطان، وشرب الخمر، وهو مخ الشيطان، حب الدينار والدرهم وهو سهم الشيطان، فمن أحب النساء لم ينتفع بعيشه، ومن أحب الأشربة حرمت عليه الجنة، ومن أحب الدينار والدرهم فهو عبد الدنيا.
وأضاف (عليه السلام): يقول: قال عيسى ابن مريم بالدينار رداء الدين، والعالم طبيب الدين فإذا رأيتم الطبيب يجر الداء على نفسه فاتهموه، واعلموا أنه غير ناصح لغيره)(الخصال ص١٠٩).
ولا ريب أن الوقاية من هذه الآفات الثلاث: سيف الشيطان، ومخ الشيطان وسهم الشيطان أفضل بكثير من الوقوع في أحوالها والتلوث بآثامها، وبذلك يكون الإنسان في وقاية من الشيطان، لأن هذا الخبيث يفتش عن أي فراغ ليدخل فيه ويفعل فعلته الشيطانية. أما المؤمن المتحصن بالإسلام فهو في وقاية من الشيطان، فلا يستطيع غوايته أو إبعاده عن الطريق السليم. لكن طبيب الدين الذي يجر الداء على نفسه يكون الشيطان قد لعب لعبته الخبيثة معه وعلق في حباله، ولا فائدة عندها من علمه.
٢ ـ وقال (عليه السلام):
سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) كم بين الحق والباطل؟ فقال (عليه السلام): أربع أصابع ووضع يده على أذنه وعينه وقال: ما رأته عيناك فهو حق، وما سمعته أذناك فأكثره باطل (الخصال ص١٠٩).
فتأمل هذا المثل الواقعي الحسي، فعلى الإنسان المدرك العاقل أن لا يتكلم إلا بما يرى وليس بما يسمع وذلك للتأكد من صحة الكلام.