تلازم القرآن مع أهل البيت عليهم السلام
ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأحاديث الشريفة والمستفيضة وقد اتّفق العلماء على بعضٍ منها واختلفوا في البعض الآخر.
ومن الأحاديث المتّفق عليها السلام عند الفريقين هو قوله صلى الله عليه وآله: «عَلِيٌّ مَعَ الْقُرْآنِ وَالْقُرْآنُ مَعَ عَلِيٍّ لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ».(أمالي الطوسي:٤٦٠)
ومن المعلوم أنّ الأئمة عليهم السلام جميعاً نور واحد متشابهون في جميع الخصال والمميّزات.
عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ عليه السلام: أَيُّهُمَا أَفْضَلُ الْحَسَنُ أَوِ الْحُسَيْنُ؟ قَالَ: «إِنَّ فَضْلَ أَوَّلِنَا يَلْحَقُ فَضْلَ آخِرِنَا وَفَضْلَ آخِرِنَا يَلْحَقُ فَضْلَ أَوَّلِنَا فَكُلٌّ لَهُ فَضْلٌ»، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وَسِّعْ عَلَيَ فِي الْجَوَابِ فَإِنِّي وَاللهِ مَا أَسْأَلُكَ إِلاَّ مُرْتَاداً، فَقَالَ: «نَحْنُ مِنْ شَجَرَةٍ بَرَأَنَا اللهُ مِنْ طِينَةٍ وَاحِدَةٍ فَضْلُنَا مِنَ اللهِ وَعِلْمُنَا مِنْ عِنْدِ اللهِ وَنَحْنُ أُمَنَاءُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ وَالْحُجَّابُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، أَزِيدُكَ يَا زَيْدُ؟»، قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: «خَلْقُنَا وَاحِدٌ وَعِلْمُنَا وَاحِدٌ وَفَضْلُنَا وَاحِدٌ وَكُلُّنَا وَاحِدٌ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»، فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِعِدَّتِكُمْ؟ فَقَالَ: «نَحْنُ اثْنَا عَشَرَ هَكَذَا حَوْلَ عَرْشِ رَبِّنَا جَلَّ وَعَزَّ فِي مُبْتَدَإِ خَلْقِنَا، أَوَّلُنَا مُحَمَّدٌ وَأَوْسَطُنَا مُحَمَّدٌ وَآخِرُنَا مُحَمَّدٌ».(غيبة النعماني:٨٦)
فكما أنّ علياً عليه السلام مع الحق والحق مع علي، وعلي عليه السلام مع القرآن والقرآن مع علي، كذلك الحسين عليه السلام مع القرآن والحق وهما معه، والمهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف مع القرآن والحق وهما معه، وهكذا.
فحياة الأئمة عليهم السلام وسلوكهم تجسّد للقرآن الكريم في حقيقته، فهم القرآن الناطق وهم عدل القرآن.
وقد عبّر عنهم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بالثقل الأصغر الذي خلّفه في الأمّة مع الثقل الأكبر الذي هو القرآن الكريم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ الثَّقَلَ الأَكْبَرَ وَالثَّقَلَ الأَصْغَرَ إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لاَ تَضِلُّوا وَلاَ تَبَدَّلُوا وَإِنِّي سَأَلْتُ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ أَنْ لاَ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَأُعْطِيتُ ذَلِكَ»، قَالُوا: وَمَا الثَّقَلُ الأَكْبَرُ وَمَا الثَّقَلُ الأَصْغَرُ؟ قَالَ: الثَّقَلُ الأَكْبَرُ كِتَابُ اللهِ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ وَسَبَبٌ طَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ وَالثَّقَلُ الأَصْغَرُ عِتْرَتِي وَأَهْلُ بَيْتِي».(بصائر الدرجات:١/٤١٤)
وفي قول آخر عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُم بِهِمَا وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْض».(تحف العقول:٤٥٩)
مما لا شكّ فيه أنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى والوحي عبارة عن إدراك معنويّ بعالم الغيب وهو مختص بالأنبياء عليهم السلام حصراً، ويتم من خلاله تبيان الرسالة الإلهية.
فالوحي يحتاج إلى واسطة في بعض الأحيان (مثل الملائكة)، ويستغني عن الواسطة في أحيانٍ أخرى فيختلف المعنى الاصطلاحي للوحي عن معنيَي الإلهام والتحديث.
المعنى اللغوي للوحي
الوحي: هو إعلام سريع خفيّ، سواء أكان بإيماءة أم بهمسة أم بكتابة في سرّ، وكلّ ما ألقيته إلى غيرك في سرعة خاطفة حتى فَهِمه فهو وحيٌ. وأصل الوحي: الإشارة السريعة، ولتضمّن السرعة قيل: أمرٌ وحِيٌّ (أي سريع)، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرّد عن التركيب، وبإشارة ببعض الجوارح، وبالكتابة.(مفردات ألفاظ القرآن:٨٥٨)
والوحي: يدلّ على إلقاء علم في إخفاء أو غيره، والوحي: الإشارة، والوحي: الكتاب والرسالة، وكلّ ما ألقيتَه إلى غيرك حتّى عَلِمَه فهو وحي.(معجم مقاييس اللغة:٦/٩٣)
المعنى الاصطلاحي للوحي
عرّف الشيخ الطوسي الوحي بأنّه: (البيان الذي ليس بإيضاح, نحو الإشارة والدلالة, لأنّ كلام المَلَك كان للرسول صلى الله عليه وآله على هذا الوجه).(تفسير التبيان:٤/١٤٢)
وفي موضع آخر قال بأنّ: (الإيحاء إلقاء المعنى في النفس على وجه يخفى, وهو ما يجيء به من دون أن يرى ذلك غيره من الخلق).(تفسير التبيان:٥/٤٤٣)
ويتّضح من خلال التحديدين السابقين أنّهما ناظران إلى أكثر أنحاء الوحي وروداً في القرآن الكريم, وهو طريق وحي القرآن الكريم نفسه, عبر إرسال مَلَك, وهو جبرائيل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله، قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ}.[الشعراء:١٩٣-١٩٤]
وحدّد السيّد الطباطبائي الوحي بأنّه: (إلقاء المعنى بنحو يخفى على غير من قُصِدَ إفهامه).(تفسير الميزان:١٢/٤٩٢)
ويشمل هذا التحديد كلّ أنحاء الوحي، فيدخل فيه الوحي المباشر (بلا واسطة) والوحي غير المباشر (كالوحي بواسطة مَلَك)؛ وقد قرّر الأدب الديني في الإسلام أن لا يطلق الوحي على غير ما عند الأنبياء والرسل عليهم السلام من التكليم الإلهي.(تفسير الميزان:١٢/٤٩٨)
ولما كان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم قد ساوى بين القرآن وهو كلام الله تعالى المنزل على قلب النبي صلى الله عليه وآله والعترة الطاهرة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فإنّ أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله ينطبق عليهم ما ينطبق على القرآن الكريم بدليل التساوي بينهما.
فالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم جاء منذراً بالقرآن الكريم وبيّن أنّ هذا القرآن ليس بمفرده بل مع أهل البيت عليهم السلام، فلن يفترقا إلى يوم القيامة حتى يردى على النبي صلى الله عليه وآله.
إذن هناك ملازمة بين القرآن الكريم وبين أهل البيت عليهم السلام ولا انفكاك بينهما أبداً.
مجلة الوارث - العدد 94فمن يأخذ بالقرآن دون أهل البيت عليهم السلام فهذا خلاف قول النبي صلى الله عليه وآله ومن يأخذ بأهل البيت عليهم السلام دون القرآن لا يرى الحقيقة كما هي.
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ شَهِدَ الْمَوْسِمَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله فَلَمَّا احْتَفَلَ النَّاسُ فِي الطَّوَافِ وَقَفَ بِبَابِ الْكَعْبَةِ وَأَخَذَ بِحَلْقَةِ الْبَاب وَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ – ثَلاَثاً وَاجْتَمَعُوا وَوَقَفُوا وَأَنْصَتُوا – فَقَالَ: مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي فَأَنَا أَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ أُحَدِّثُكُمْ بِمَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله سَمِعْتُهُ يَقُولُ حِينَ احْتُضِرَ: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي فَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ كَهَاتَيْنِ»، وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ الْمُسَبِّحَتَيْنِ مِنْ يَدَيْهِ وَقَرَنَهُمَا وَسَاوَى بَيْنَهُمَا وَقَالَ: «وَلاَ أَقُولُ كَهَاتَيْنِ» وَقَرَنَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ الْوُسْطَى وَالْمُسَبِّحَةِ مِنْ يَدِهِ الْيُمْنَى، «لأَنَّ إِحْدَاهُمَا تَسْبِقُ الأُخْرَى أَلاَ وَإِنَّ مَثَلَهُمَا فِيكُمْ مَثَلُ سَفِينَةِ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَمَنْ تَرَكَهَا غَرِقَ».(دعائم الإسلام:١/٢٨)
إنّ حديث النبي صلى الله عليه وآله سارٍ في جميع الأزمان من يوم خلق آدم على نبيّنا وآله وعليه السلام وحتى يوم القيامة، فمن حديثه الشريف صلى الله عليه وآله يتبيّن ما يلي:
– الاستمساك بالقرآن والعترة عليهم السلام معاً هو سبيل النجاة.
– عدم افتراق القرآن الكريم والعترة النبوية الطاهرة عن بعضهما البعض.
– عدم تقدّم أحدهما على الآخر، وعدم أسبقية القرآن على العترة أو العترة على القرآن.
– ورود القرآن والعترة عليهما السلام على النبي معاً على الحوض.
– ضرب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله مثل سفينة نوح لتقريب المعنى للمسلمين.
– لما كان القرآن الكريم وحياً، فإنّ كلام العترة الطاهرة أيضا هو وحي إلهي، بدليل أنّهم نفس النبي «أولهم محمد وأوسطهم محمد وآخرهم محمد».
إنّ قصة نبي الله نوح على نبيّنا وآله وعليه السلام من القصص المعروفة والمشهورة وقد ذكر ما جرى على قوم نوح على نبيّنا وآله وعليه السلام من الغرق، حيث أغرق الله تعالى كل من كان خارج السفينة، التي صنعها، طيلة عمره.
فلم ينجُ أحد من الغرق إلا من كان داخل السفينة، وكذلك لم ينجُ أحد من البشر إلا من استمسك بسفينة القرآن والعترة النبوية الطاهرة.
بعض التشابه بين القرآن والحسين عليه السلام
عصمة القرآن من الخطأ والزلل
لا شكّ أنّ القرآن الكريم بمنزلة كلام الله المجيد، وكلام الله تعالى ليس فيه خطأ ولا زلل ولا نسيان ولا شبهة وترديد وشك.
كذلك فإنّ الإمام المعصوم عليه السلام وهو خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله هو معصوم عن الخطأ والزلل والنسيان والشبهة والترديد والشك وما شابه ذلك.
فوجه التشابه في العصمة بين القرآن والحسين عليه السلام واحد، إنّ القرآن كلام إلهي أنزل به الأمين جبرئيل عليه السلام على قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكلام الحسين عليه السلام كذلك ممنوع من الخطأ والنسيان والسهو، فبذلك يكون كلامه عليه السلام معصوماً عن الخطأ والزلل.
القرآن هدىً ورحمة
مجلة الوارث - العدد 94كما أنّ القرآن هدىً ورحمة للناس أجمعين كذلك الإمام المعصوم عليه السلام أيضاً هدىً ورحمة للعالمين.
قال الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.[الأعراف:٥٢]
وقال عزّ وجل: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}.[التوبة:٣٣]
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}.[يونس:٥٧]
وقوله تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاَءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}.[النحل:٨٩]
عندما خلق الله تبارك وتعالى الخلق أرسل الهداية أيضاً وذلك لحكمته ورحمته على البشر، فلم يجعله من دون هادٍ، فالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان المنذر للناس وقد جاء بالقرآن الكريم الكتاب السماوي الذي جعله الله تبارك وتعالى هدىً ورحمة للناس.
هذا الكتاب السماوي فيه قوانين وتشريعات للتكامل البشري والسير نحو الأمام والتقدّم في العلوم، فهنا جاء دور الهادي ألا وهو الإمام المعصوم عليه السلام الذي خلّفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتطبيق هذه القوانين والأسس التشريعية ولهداية الناس، أي أن يأخذ بيد البشر إلى الحياة الأبدية.
فمن هنا تتبين علاقة الإمام الحسين عليه السلام بالقرآن وملازمته عليه السلام بكتاب الله عزّ وجل.
قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}.[يونس:٣٥]
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلاَلَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}.[النحل:٣٦]
وقال عزّ وجل: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}.[الرعد:٧]
وقال تعالى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧١) وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآَخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً}.[الإسراء:٧١-٧٢]
فعن العباس بن هلال عن الرضا عليه السلام أن رجلاً أتى عبد الله بن الحسن فسأله عن الحج، فقال له: هذاك جعفر بن محمد قد نصب نفسه لهذا فاسأله، فأقبل الرجل إلى جعفر بن محمد عليه السلام فسأله فقال له: «لقد رأيتك واقفاً على عبد الله بن الحسن فما قال لك؟»، قال: سألته فأمرني أن آتيك وقال: هذاك جعفر بن محمد نصب نفسه لهذا، فقال جعفر بن محمد عليه السلام: «نعم أنا من الذين قال الله في كتابه {أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ} سل عما شئت»، فسأله الرجل فأنبأه عن جميع ما سأله.(تفسير العياشي:١/٣٦٩)
عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ: {لَمَّا أُنْزِلَتْ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ} قَالَ الْمُسْلِمُونَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَسْتَ إِمَامَ النَّاسِ كُلِّهِمْ أَجْمَعِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله: «أَنَا رَسُولُ اللهِ إِلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ وَلَكِنْ سَيَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ عَلَى النَّاسِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي مِنَ اللهِ يَقُومُونَ فِي النَّاسِ فَيُكَذِّبُونَهُمْ وَيَظْلِمُونَهُمْ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَالضَّلاَلِ وَأَشْيَاعُهُمْ أَلاَ فَمَنْ وَالاهُمْ وَاتَّبَعَهُمْ وَصَدَّقَهُمْ فَهُوَ مِنِّي وَمَعِي وَسَيَلْقَانِي، أَلاَ وَمَنْ ظَلَمَهُمْ وَأَعَانَ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَكَذَّبَهُمْ فَلَيْسَ مِنِّي وَلاَ مَعِي وَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ».(المحاسن:١/١٥٥)
فهناك الكثير من الروايات المستفيضة والمتواترة بخصوص أئمة أهل البيت عليهم السلام، وأنّ لرسول الله صلى الله عليه وآله خلفاء أئمة يهدون إلى الله وإلى الصلاح.
فالقرآن الكريم هو كلام الله عزّ وجل أرسله هادياً ورحمةً للبشرية، وكذلك المعصوم عليه السلام أيضاً هو الهادي والرحمة الإلهية للبشرية.
شفاعة القرآن الكريم
كما أنّ أهل البيت عليهم السلام لهم الشفاعة فهم يشفعون لشيعتهم ومواليهم ومحبيهم، كذلك القرآن له الشفاعة، فهو يشفع لقارئيه والعاملين بأوامره والتاركين لنواهيه والمنتهجين نهجه.
ذلك لأنّ أهل البيت عليهم السلام يأمرون بما أمر القرآن الكريم، وينهون عما نهى عنه القرآن كذلك.
فإذا كان التلازم بهذا القدر، فكيف لا يكون هناك شفاعة للقرآن ولأهل البيت عليهم السلام معاً، فمن عمل بالقرآن الكريم كأنّه عمل بما أراده أهل البيت عليهم السلام.
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: «كُلُّ شَيْءٍ مَرْدُودٌ إِلَى كِتَابِ اللهِ وَالسُّنَّةِ وَكُلُّ حَدِيثٍ لاَ يُوَافِقُ كِتَابَ اللهِ فَهُوَ زُخْرُفٌ».(الكافي:١/٦٩)
وقد ورد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللهِ أنّه قال: قَالَ الصَّادِقُ جعفر بن محمد عليهما السلام: «إِذَا وَرَدَ عَلَيْكُمْ حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ فَاعْرِضُوهُمَا عَلَى كِتَابِ اللهِ فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللهِ فَخُذُوهُ وَمَا خَالَفَ كِتَابَ اللهِ فَرُدُّوه».(وسائل الشيعة:٢٧/١١٨)
يتضّح مما ورد أنّ القرآن الكريم وأهل البيت عليهم السلام متلازمان لا يفترقان عن بعضهما البعض، فمن أنكر أهل البيت عليهم السلام فقد أنكر القرآن ومن أنكر القرآن فقد أنكر أهل البيت عليهم السلام.