إنّه ثقتي من أهل بيتي
من الشخصيّات البارزة في النهضة الحسينيّة والتي احتلّت مكانة خاصّة عند الإمام الحسين عليه السلام مبعوثه وسفيره لأهل الكوفة مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليهم السلام.
وإنّ التعرّف على جوانب من حياة هذه الشخصيّة وأهمّ ما كانت تمتاز به من صفات وخصائص له الدور الكبير في معطيات الدروس والعبر سواء على مستوى الفرد, أو الأمّة الإسلامية ومستقبلها.
من هو مسلم؟
نشأ مسلم في بيت والده عقيل بن أبي طالب عليه السلام, ذلك الرجل الذي كان يحبّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وقاتل معه وشاركه في حروبه ضدّ المشركين جنباً إلى جنب أخيه عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
وبعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان قد كُفَّ بصره ومع ذلك كان صلباً في مواجهة الأعداء فأرسل إلى أخيه الإمام عليّ عليه السلام يخبره باستعداده لتوجيهاته في مواجهة الأمويّين, فأجابه الإمام عليه السلام برسالة يعذره فيها ويطيّب خاطره.
وكان عقيل عليه السلام عالماً بأنساب قريش وأيّامها, ومن الطبيعيّ أن يكون عالماً حينئذٍ بصاحب النسب الصحيح من غيره, ومحاسن القوم ومساوئهم, لذا كان بعضهم يبغضه لأنّه كان يعدّ مساوئَهم.
وفي هذا البيت المحاط بالمجد من جنباته، جدّ كأبي طالب المدافع الأوّل عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم, وعمٌّ كأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام, وأب صلب وحازم وشجاع كعقيل بن أبي طالب, نشأ مسلم نشأة الرجل الواعي, والعالم الخبير بأيّام العرب, والحروب والأجواء المحيطة في عصره.
مسلم وأسرته
اقترن مسلم برقيّة بنت الإمام عليّ عليه السلام وغيرها, وكان لديه أربعة أبناء أو خمسة على اختلاف بين المؤرّخين, قضى منهم اثنان بين يدي أبي عبد الله الحسين عليه السلام في كربلاء, كما قضى ثلاثة من إخوته وآخرون من بني عقيل.
وعندما أعذرهم الإمام الحسين عليه السلام وأحلَّهم من بيعته بعد شهادة مسلم فقال لهم: «حسبكم من القتل بمسلم اذهبوا فقد أذنت لكم»؛ أبوا ذلك قالوا له: إذاً ما يقول الناس وما نقول لهم؟ إنّا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن برمح ولم نضرب بسيف ولا ندري ما صنعوا؟ لا والله لا نفعل ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا, نقاتل معك حتّى نرد موردك, فقبّح الله العيش بعدك!!(الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد:2/92)
وكانت رقيّة زوجة مسلم مع أخيها الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء وقد شاهدت ما جرى على أخيها وأهل بيته وأصحابه وشاركتهم في تقديم التضحيات وسبيت فيمن سبي مع النساء.
ولوفاء هؤلاء فقد حفظ الإمام زين العابدين عليه السلام لهم ذلك, فكان يوليهم عناية خاصّة, ففي بعض الروايات أنّه عليه السلام كان يميل إلى ولد عقيل، فقيل له: ما بالك تميل إلى بني عمّك هؤلاء دون آل جعفر؟ فقال: «إنّي أذكر يومهم مع أبي عبد الله الحسين بن عليّ عليهما السلام فأرقّ لهم».(كامل الزيارات:107)
حبّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعقيل
رُوي عن ابن عبّاس أنّه قال: قال عليّ عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا رسول الله، إنّك لتحبّ عقيلاً؟ قال: «إي والله إنّي لأحبّه حبّين: حبّاً له، وحبّاً لحبّ أبي طالب له، وإنّ وَلَدَه لمقتول في محبّة ولدك، فتدمع عليه عيون المؤمنين، وتصلّي عليه الملائكة المقرّبون»، ثمّ بكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتّى جرت دموعه على صدره، ثمّ قال: «إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي».(أمالي الصدوق:129)
مسلم مع عمه أمير المؤمنين عليهما السلام
في الفتوح لابن أعثم أنّ أمير المؤمنين عليه السلام جعل على ميمنته في صفّين الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر ومسلم بن عقيل, وعلى الميسرة محمّد بن الحنفيّة ومحمّد بن أبيّ وهاشم بن عتبة المرقال4.(وقعة صفين:193)
قال العلّامة السيّد عبد الرزّاق المقرّم رحمه الله: إنّ رجلاً يراه عمّه أمير المؤمنين عليه السلام جديراً بقيادة الجيش يوم صفّين فيجعله على الميمنة في صفّ ولديه الإمامين السبطين عليهما السلام وابن أخيه عبد الله بن جعفر, ويجده سيّد الشهداء عليه السلام قابلاً لأهليّة الولاية على أعظم حاضرة في العراق (الكوفة) فيحبوه بالنيابة الخاصّة في الدينيّات والمدنيّات, لا بدّ وأن يكون أعظم رجل في العقل والدّين والأخلاق حتّى لا يقع الغمز والطعن فيمن يمثّل موقف الإمامة.(الشهيد محمد بن عقيل:175)
الإمام الحسين عليه السلام وسفيره
قال الشيخ المفيد في معرض ذكره لرسائل أهل الكوفة إلى الإمام الحسين عليه السلام: وتلاقت الرسل كلّها عنده، فقرأ الكتب وسأل الرسل عن الناس، ثمّ كتب مع هانئ بن هانئ وسعيد بن عبد الله وكانا آخر الرسل: «بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن عليّ إلى الملأ من المسلمين والمؤمنين؛ أمّا بعد: فإنّ هانئاً وسعيداً قدما عليّ بكتبكم، وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم، وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جلّكم: (أنّه ليس علينا إمام فأقبل لعلّ الله أن يجمعنا بك على الهدى والحقّ)؛ وإنّي باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي، فإنّ كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجا والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم، أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله؛ فلعمري ما الإمام إلاّ الحاكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحقّ، الحابس نفسه على ذات الله، والسلام».(الإرشاد:2/39)
بهذه الكلمات الصغيرة في حجمها, الكبيرة في معناها, أوضح الإمام الحسين عليه السلام مكانة مسلم عنده, فهو أخوه وابن عمّه وثقته من أهل بيته.
أهمّ مميّزات شخصية مسلم وموقفه عليه السلام
جاء في زيارته: «السلام عليك أيها العبد الصالح».(المزار الكبير:178)
الطاعة لله ورسوله والأئمّة عليهم السلام
في زيارته أيضاً نقرأ: «المطيع لله ولرسوله ولأمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام».(المزار الكبير:177)
الشجاعة وتنفيذ المهمّة مع بقائه وحيداً
وهذه صفة اكتسبها من عمّه أمير المؤمنين عليه السلام الذي روي عنه قوله: (والله لو لقيتهم فرداً وهم ملأ الأرض ما باليت ولا استوحشت وإنّي من ضلالتهم التي هم فيها والهدى الذي نحن عليه لعلى ثقة وبيّنة ويقين وبصيرة وإنّي إلى لقاء ربّي لمشتاق ولحسن ثوابه لمنتظر).(الغارات:1/211)
الصبر والثبات والتحمّل حتّى النهاية والشهادة
لقد قاتل مسلم بن عقيل بكل جدارة وبكل قواه فقيل: (وكان من قولته يأخذ الرجل من محزمه ويرمي به فوق البيت).(نفس المهموم:57)
فممن شهد على ذلك حينما أنفذ محمد بن الأشعث لعنه الله إلى ابن مرجانة اللعين يستمده الرجال فبعث إليه: (إنا أرسلناك إلى رجل واحد لتأتينا به فثلم في أصحابك هذه الثلمة فكيف لو أرسلناك إلى غيره).(الشهيد مسلم بن عقيل للمقرم:208)
فأرسل إليه ابن الأشعث: (أيّها الأمير أتظن أنك أرسلتني إلى بقال من بقالي الكوفة أو جرمقان من جرامقة الحيرة وإنّما وجهتني إلى سيف من أسياف محمد بن عبد الله، فأمدّه بخمسمائة فارس).(رياض المصائب:266)
محبّته وعشقه ومواساته لسيّد الشهداء عليه السلام
وهذا ما أشارت إليه الرواية عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مخاطباً لأمير المؤمنين عليه السلام: «وإنّ ولده لمقتول في محبّة ولدك».(إثبات الهداة بالنص والمعجزات:1/301)
وقد تجسّد هذا العشق والحبّ عندما دمعت عيناه وقد أخذ أسيراً: فقيل له: إنّ من يطلب مثل الذي تطلب، إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك. فقال عليه السلام: (إنّي والله ما لنفسي بكيت، ولا لها من القتل أرثي، وإن كنت لم أحبّ لها طرفة عين تلفاً، ولكن أبكي لأهلي المقبلين إليّ، أبكي للحسين عليه السلام وآل الحسين).(روضة الواعظين:1/176)
وكذلك مواساته للحسين عليه السلام في القتل عطشاً, وحمل رأسه إلى يزيد في الشام.
وقيل في حقه:
بكتك دماً يا بن عمّ الحسين | مدامع شيعتك السافحه | |
ولا برِحت هاطلات العيون | تُحييِّك غاديةً رائحه | |
لأنّك لم تُروَ من شَربةٍ | ثناياك فيها غدت طائحه |