الوطن والمواطنة
مما يتعلق بحب الوطن ويتفرع على عنوان المواطنة الصالحة هو إقامة الدولة التي تدير هذا الوطن، وبيان نوعها وما يوجب زوالها أو بقاءها، وهذا ما سنتعرض له على النحو التالي:
إنّ للدولة عمراً ومدة وأجلاً كما لغيرها، وهذا ما أكده أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: «لكل دولة برهة».(عيون الحكم والمواعظ:401)
وفي قوله هذا دلالة على أن الدولة هي الحكومة التي تدير البلد، فهي من نوع المتغيرات التي لا دوام لها فلذا ورد عنه عليه السلام: «الدولة تقبل وتدبر».(ميزان الحكمة:3/305،ح6339)
وقد بيّن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أن الحكومات والدول تتصف تارة بكونها دولة أو حكومة حسنة وعادلة وتارة أخرى قبيحة وجائرة، وهذا مما ينعكس على الحاكم والمواطن معاً فلذا نجده يقول: «دولة الأكابر من أفضل المغانم، دولة اللئام مذلّة الكرام».(عيون الحكم والمواعظ:249)
ويقول عليه السلام: «دولة الكريم تظهر مناقبه، دولة اللئيم تكشف مساويه ومعايبه».(ميزان الحكمة:3/305،ح6342)
ففي القول الأول تكون الدولة والحكومة القبيحة مذلة للكرام، وفي القول الثاني يظهر أن نوع الدولة والحكومة لها الأثر الكبير على ذات الحاكم قبل المحكوم، ولذا يجب أن يتحلى الحاكم بصفات المواطن الصالح لكي لا يوصف باللئم والفجور.
فحذر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من قيام دولة الأشرار والفجار والأوغاد لما في ذلك من آثار سلبية في قيامها وهذا ما أشارت إليه الأحاديث الشريفة الآتية:
من الآثار السلبية لدولة الأشرار وقوع الأشراف والأخيار في حيرة وآلام وهذا ما صرح به الإمام عليه السلام بقوله: «دول الأشرار محن الأخيار».(تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم:348)
ومنها ما يصيب الأبرار المؤمنين من مذلة ظاهرية وانتهاك للحرمات كما في قوله عليه السلام: «دول الفجّار مذلّة الأبرار».(ميزان الحكمة:3/305،ح6347)
فقيام الدول القبيحة ووقوع الآلام والمصائب على المواطنين الصالحين يرجع على فقدان المواطنة الصالحة وعدم حب الوطن والمواطنين.
وينصح أمير المؤمنين عليه السلام الأمة بعدم السماح للأوغاد أن يصلوا إلى سدة الحكم أو يؤسسوا الدولة لما في ذلك من فساد وجور، وهذا ما يشير إليه عليه السلام بقوله: «دولة الأوغاد مبنية على الجور والفساد».(غرر الحكم ودرر الكلم:367)
ففي تسلط هؤلاء الأوغاد يقع الفساد بكل أنواعه كالفساد الأخلاقي والفساد المالي والفساد الاقتصادي والفساد السياسي، لأن الأوغاد مواطنون غير صالحين، وغير محبين لوطنهم، بل حبهم لمصالحهم وشهواتهم فوق حبهم لوطنهم ومواطنيهم بل فوق دينهم إذا كان لهم دين.
وقد نصح الإمام عليه السلام الحكام التي تحرص على دوام حكوماتها ودولها أن تلتزم بمجموعة نصائح وإلاّ تزول هذا الدول وتندحر الحكومات، ولكي نقف على هذه النصائح نورد لكم هذه الأحاديث الشريفة:
مما يوجب زوال الدولة هو تقديم الأراذل وتأخير الأفاضل، وترك الأصول والاهتمام بالفروع وهذا هو نص قوله عليه السلام: «يستدل على إدبار الدول بأربع: تضييع الأصول، والتمسك بالفروع، وتقديم الأراذل، وتأخير الأفضال».(ميزان الحكمة:3/306،ح6350)
وجود غوغاء القوم وسقاطهم، ومن هو خسيس في كيان الدولة أو تأتي به إلى الحكم فهذا مما يوجب زوالها وسرعة سقوطها وهو ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام: «زوال الدول باصطناع السفل».(عيون الحكم والمواعظ:275)
ومما يوجب بقاء الدولة ونجاحها أداء الحقوق بين الراعي والرعية، وبين الحاكم الحق والمحكوم، وشياع العدل والحفاظ على الدين وشكر النعم، وهذا ما أشارت إليه الأحاديث التالية:
– ما يشير إلى أداء الحقوق قوله عليه السلام: «وأعظم ما افترضه سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية وحق الرعية على الوالي… فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقّه وأدّى الوالي إليها حقها عزّ الحق بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على أذلالها السنن، فصلح بذلك الزمان، وطمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء».(ميزان الحكمة:3/306،ح6353)
ــ ما يشير إلى أن العدل يديم بقاء الدولة قوله عليه السلام: «ثبات الدول بإقامة سنن العدل».(ميزان الحكمة:3/306،ح6355)
ــ ما يشير إلى أن الحفاظ على الدين يساعد على استمرار الدولة وأنّ الشكر يوجب البقاء أيضاً قوله عليه السلام: «صيّر الدين حصن دولتك، والشكر حرز نعمتك، فكل دولة يحوطها الدين لا تغلب، وكل نعمة يحرزها الشكر لا تسلب.(غرر الحكم ودرر الكلم:419)
وأشار الإمام عليه السلام إلى أمر مهم جداً يحافظ على استمرار الدولة الصالحة وبقائها مدة أطول من الدولة الطالحة ألا وهو النباهة والفطنة لحراسة الدولة بقوله عليه السلام: «من أمارات الدولة اليقظة لحراسة الأمور».(ميزان الحكمة:3/306،ح6360)
فكل ما تقدم يعود في أصله إلى حب الوطن والتحلي بصفات المواطن الصالح.