الرضاع والحضانة بين الفقه الجعفري وباقي مذاهب اهل السنة
اتفقت جميع المذاهب الإسلامية على أن الرضاع كالنسب سبب من أسباب تحريم الزواج أخذاً بقوله تعالى: {وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم}، وقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، والخلاف بين المذاهب يعود إلى اعتبار بعض الشروط التي لها أثر في التحريم.
الامامية قالوا: لا تتحقق الحرمة بالرضاع إلا بشروط.
الشرط الأول: أن يكون اللبن عن حمل ونكاح صحيح، فلو درت المرأة من غير نكاح، أو بسبب الحمل من الزنا فلا تحريم، لأن اللبن من غير نكاح لا يعتدّ به، والزنا لا حرمة له، ولا يشترط بقاء النكاح واستمراره إلى زمن الرضاع.
فلو طلقت المرأة أو مات زوجها وهي حامل يكون إرضاعها بهذا اللبن كارضاعها وهي في حباله، ويصبح الولد منسوباً بالرضاع إلى المطلق أو الميت كما ينسب إليه قبل الموت أو الطلاق من غير تفاوت.
الشرط الثاني: أن يرضع الصبي من ثدي المرأة حال حبلتها لأن مص الثدي بعد الموت كالشرب من الإناء الجامد.
الشرط الثالث: وأن تكون الرضعات متوالية على نحو يرى الخبيرون من الأطباء أن الطفل نبت لحمه، واشتد عظمه من لبن المرضعة ولا يتحقق ذلك بأقل من إرضاعه يوماً وليلة أو خمس عشرة رضعة من غير أن يفصل بين الرضعات بطعام أو برضاع امرأة أخرى. فالارضاع من الثدي شرط أساسي، والوجر في الحلق أو وصول اللبن إلى الجوف من الأنف لا أثر له عند الامامية.
وعللوا ذلك، بأن الكتاب والسنة منزلان على إفهام العرف، والمفهوم من الرضاع عرفاً هو الالتقام من الثدي، إذ لا يقال لمن شرب اللبن من غير الثدي أنه ارتضع، وإلا ساغ أن نقول لشارب لبن البهيمة أنه رضعها.
الشرط الرابع: أن لا يتجاوز الطفل المرتضع الحولين، فلا أثر لرضاعه بعد بلوغ السنتين، وهذه الشروط الثلاثة عامة لجميع الأصناف، فالأبوة والبنوة والأمومة، والأخوة من الرضاع تنتفي بابتعاد أحدها.
الشرط الخامس: وعبروا عنه باتحاد الفحل فإنه معتبر في صورة واحدة – بالإضافة إلى الشروط السابقة – معتبر في الأخوة بحسب.
مثاله: أرضعت امرأة متزوجة صبياً العدد الكافي، ثم طلقت وتزوجت رجلاً ثانياً، فولدت منه، وأرضعت جارية فلا أخوة بين الصبي والجارية، لتغاير الفحل، مع فرض أن المرأة أم الغلام وزوجها الأول أبوه رضاعاً، والجارية بنت المرأة وبنت الزوج الثاني من الرضاع، أما لو اتحد الفحل وتعددت المرأة فتتحقق الأخوة كما لو كان للرجل زوجتان فأرضعت إحداهما غلاماً والأخرى جارية فهما أخوان بلا ريب، إذن الأخوة من الأم وحدها غير كافية، وتكفي من جهة الأب فحسب استناداً إلى روايات أهل البيت: «لا يحرم من الرضاع أقل من رضاع يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينهما رضعة امرأة غيرها».
ومن الامامية من لا يأخذ بهذا الشرط مكتفياً باتحاد المرضعة.
الحنفية لا يشترطون شيئاً مما تقدم سوى الحولين عند أبي يوسف ومحمد بن الحسن، وعند أبي حنيفة حولان ونصف، فلو وصل من لبن المرأة إلى جوف الطفل قطرة واحدة من أنفه ولو بعد موتها، أو درت له من غير زواج وحمل، أو كان الحمل من الزنا كان الطفل ولداً رضاعياً للمرأة على أن يكون اللبن مانعاً غير مختلط بطعام، مع أن الحنفية جعلوا علة التحريم بالرضاع أنه (سبب نمو الطفل ونبات لحمه وقوة عظمه) وعلى هذا يجب أن لا يكون أي خلاف في الرضاع بين الحنفية والامامية الذين جعلوا من الشروط الأساسية نبات اللحم واشتداد العظم وتتحقق عند الجميع تحريم الاصناف السبعة المحرمة نسباً، الأم وإن علت، والبنت وإن نزلت، والأخت وبناتها، وبنات الأخ، والعمة والخالة وإن علتا.
اتفق الحنفية والامامية على أنه يحرم على المرتضع جميع أولاد صاحب اللبن أي زوج المرضعة، سواء كانوا من المرضعة أم من غيرها، وسواء كانوا أولاداً نسباً أو رضاعاً، وأيضاً يحرم عليه بالاتفاق أولاد المرأة المرضعة نسباً سواء كانوا من صاحب اللبن أم من رجل آخر لأنهم جميعاً أخوة الرضيع، أما لو طلقت المرضعة من الزوج الأول ثم تزوجت وأرضعت طفلا بلبن الثاني فلا حرمة بين المرتضعين عند الامامية لاختلاف الفحل، وعند الحنفية تتحقق الحرمة لعدم اعتبار الشرط كما تقدم.
الامامية قالوا: لا يجوز لأب المرتضع أن يتزوج بنات أصحاب اللبن سواء كن بناته نسباً أم رضاعاً للإخبار عن أهل البيت بأنهن أخوات ولده، وأخو الولد بمنزلة الولد، وأيضاً لا يجوز له أن يتزوج بنات المرأة المرضعة من النسب، ويجوز أن يتزوج بناتها من الرضاع لأنهن لسن بأخوات ولده، فلا يحرمن على الولد، ولا على أبيه بطريق أولى.
وقالت الحنفية: يجوز أن يتزوج أبو المرتضع أخوات ولده من الرضاع، ويتفرع على القولين ما لو أرضعت ولدك الصغير أم زوجتك أي جدته لأمه حرمت عليك زوجتك عند الامامية لأن زوجتك أصبحت بذلك أخت ولدك، ولا أثر له عند الحنفية، أما إذا أرضعت ولدك أمك أي جدته لأبيه فلا يبطل النكاح عند الطرفين.
الحضانة
وهي الولاية على الطفل لفائدة تربوية، والمحافظة على سلامته وصحته.
اتفق المسلمون كافة على أنها تبتدئ أولاً، بالأم لافتقاره إليها، وتوقف حياته غالباً عليها واختلفوا في المدة التي يجب فيها إبقاء الطفل في حضانة أمه، وعدم جواز انتزاعه منها.
الحنفية لم ينقل عن أبي حنيفة التقدير والتحديد، والمعروف عنه أن مدة الحضانة تنتهي باستغناء الطفل عن النساء، وقدرها من تأخر عنه بسبعة أعوام في الغلام وتسعة في الجارية على أن تكون الأم حرة عاقلة قادرة على التربية غير فاجرة، ولا مرتدة، ولا متزوجة بأجنبي عن الصغير، فإن فقدت ولم تجتمع فيها هذه الأوصاف بكاملها انتقلت الحضانة إلى أم الأم، ومنها إلى أم الأب، ثم إلى شقيقة الطفل ثم الأخت لأم، ثم الأخت لأب، وهكذا بحيث لا تصل النوبة إلى الأب إلا بعد فقدان قريبات الصغير جدات وأخوات وعمات وخالات، ومآل ذلك إلى نفي الحضانة عن الأب لاستحالة الفرض، وأثبتوا أجرة الحضانة لحاضنة الطفل (فيجب على الأب أو من تجب عليه النفقة ثلاثة: أجرة الرضاع، وأجرة الحضانة، ونفقة الولد) ولم يستثنوا من ذلك إلا أم الطفل الواجبة النفقة على الأب، فإن طلقت منه وانقضت عدتها كان لها الحق في الثلاثة.
قال الامامية: لا أجرة للأم في مدة حضانتها الواجبة عليها حيث لا أجرة على واجب لمكان التنافي بين الالزام بالشيء، وأخذ العوض عليه، كما قالوا: إن الأم أولى بحضانة الغلام سنتين وحضانة الجارية سبع سنوات بشرط أن تكون عاقلة قادرة سليمة من الأعراض السارية غير فاجرة، ولا مرتدة، ولا كافرة مع إسلام الأب، وتنتقل الحضانة من الأم إلى الأب من غير واسطة فيختار الأب لحضانة ولده من شاء من النساء أجنبية كانت أم ذات رحم للطفل، وإن طلقت أم الطفل لم يبق حقها في الحضانة، ومتى تزوجت كان للأب انتزاعه منها سواء كان الزوج بعيداً أو قريباً، وإن فقد الأب فالأم أولى الناس بحضانة ولدها وإن تزوجت بأجنبي، وإن فقد الأب والأم معاً فأمر الحضانة لأبي الأب ومع فقدانه للأقارب على ترتيب الارث، ولا أجرة للأم على حضانة ولدها حيث تلزم بحضانته سنتين في الصغير وسبع في الصغيرة سواء وجبت نفقتها على أبي الفضل أم لم تجب،وإن انتهت حضانتها بسبب من الأسباب كان مثل الأم كمثل الأجنبية، فإن اختارها أبو الفضل لحضانة ولده تراضياً مجاناً أو يعوض يتفقان عليه.