الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في نهج البلاغة
من اهم ميزات الدين الاسلامي على غيره من الاديان بل والمشارب الاجتماعية هو اعتناؤه الزائد بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمراد بهذين الاصلين الدعوة الى شرائف الاخلاق ومحاسن الصفات ومحمود السجايا ومستحسن الطرائق والتنديد بالرذائل والمفاسد والاوصاف الذميمة والاخلاق المرذولة والسجايا الساقطة والعادات المنحطة وبالآخرة الدعوة الى تربية النفس تربية تعود معها الحياة كما يريد الانسان العاقل لنفسه ولغيره.
فجاء في طليعة من خلق الامام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ذاك الفحل الهدّار الذي وصل به نبوغه أن يكون اعجوبة في كل شيء، فكم غذّيت الارواح بجليل وعظه ومتين بيانه فقال(يا أيها الانسان ما جرأك على ذنبك وما غرك بربك وما آنسك بهلكة نفسك أما من دائك بلول ام ليس من نومك يقظة أ ما ترحم من نفسك ما ترحم من غيرك فلربما ترى الضاحي من حر الشمس فتظله او ترى المبتلي بالم يمض جسده فتبكي رحمة له فما صبرك على دائك وجلدك على مصابك وعزاك عن البكاء على نفسك وهي أعز الانفس عليك وكيف لا يوقظك خوف بيات نقمة وقد تورطت بمعاصيه مدارج سطواته فتداو من داء الفترة في قلبك بعزيمة ومن كرى الغفلة في ناظرك بيقظة وكن للّه مطيعاً وبذكره آنساً).
وظائف المصلحين
والمصلحون فرق لا فريق واحد وان كانت الغاية من الاصلاح للجميع فذة:
الفريق الاول: العلماء الروحيون
والوظائف التي أعدوا انفسهم لتحملها تقضي عليهم ان يخدموا جامعة الانسان لا ان يخدموا أنفسهم بتحصيل العظمة لها ولو كانت مصنوعة مرتجلة: وخدمة جامعة الانسان من هذا الفريق لازمها ان يكونوا متقاربين في القلوب وان اختلفوا عقيدة فان الاختلاف العقائدي لا يكون الا في الفروع والجزئيات ويستحيل ان يختلف التي مع العاقل والعالم مع العالم في الاصول الكلية لان كليات المسائل وامهات المطالب وحتى لو حصل في الفروع لا يجوز ان يكون مولد عداء وفتنة فان العلم من روابط الاتصال لا من دواعي الانفصال.
الفريق الثاني: الاساتذة والمعلمون
والوظائف التي تحملها هذا الفريق وفرضها على نفسه بطبيعة مهنته وطابع عنصره هي توجيه الافراد الى منابع الخير والبركات وهو العلم، وهذا الفريق لو قام بمهمته كما هو موظف به لما رأيت في الدنيا هذا الارتباك المزعج والانحراف الواسع لكنه جعل هذا العلم الذي به حياة النفوس مدعاة لاغوائها وطريقاً الى تلفها فأخذ يكثر التعليم في الرذائل بصبغة انها فضائل فانه اخذ يحور معنى الحريات الصادقة الى معنى دنيء ساقط وهو دعوته الافراد الى الاستهتار والخلاعة والتبذل الممقوت ويريهم ان ذلك هو الحرية المنشودة للنوع واول من يبدأ بها عملا هو باعتبار انه استاذ تتأسى به تلاميذه علما وعملا .
الفريق الثالث: الكتّاب والمؤلفون
والوظائف التي تحملها هؤلاء هي عين الوظائف التي فرضها على نفسه الاستاذ والمعلم ولكن بصورة ادق واوسع بل انما كتب الكاتب والمؤلف ليحشرا أنفسهما في زمرة الخالدين فكان من لوازم الكاتب والمؤلف ان يفعم كل ما يكتبه ويؤلفه بالحريات الصادقة فكراً وقلما فلا يكتب الا ما تذعن به نفسه المتحررة المتعلمة فلوكان المتاع الكتبي في الدنيا طبق هذه الصورة لما رأيت في أبنائها عوجاً ولا امتاً ولكن يا للأسف لا نرى في الكتب والكتاب الاّ خلاف ما يفرضه المنطق فعاش جملة منهم على اجارة اقلامهم كالنائحة بالباطل لا تقول القول الا عن رغبة غيرها او على مماشاة الهوى النفسي المنحط كما في نوع الكتب الروائية المغرية بالجهل او على الانتصار للنزعة الطائفية البغيضة كما في جملة من الكتب الحديثية والكلامية او على نصرة الانتهازيين وتحقيق خطتهم او نزولا على حكم الوهم والخيال.
الفريق الرابع الشعراء
الشعر ابلغ وسيلة لضبط افكار الناس وضم شوارد عقلياتهم وهواحدّ سلاح للحكيم الذي يحاول تركيز دولة فكرية صحيحة مكان دولة قشرية متفككة لان جيده يحفظ لأول مرة من سماعه وتتأثر به النفس دفعة واحدة ، وهذه الحربة القوية يجب ان تقع بيد حرّ عالي النفس والتفكير، همه وهدفه الاصلاح وايقاظ الهمم واستفزاز العواطف الانسانية، وان يكون مقصده النهائي خلق جامعة مثقفة ترود الحقائق خدمة للحق وتطلب المعالي بالعمل الصالح والفعل البريء عن المظالم والاهواء.
وظائف الافراد المراد اصلاحهم
وشرط الفرد الذي يرام اصلاحه عدة أمور:
الاول: ان يكون حاضراً لتلقي المعارف من حكيم يزوده بها لأجل حفظ حياته وتأمين بقائه وصون حقوقه فان الذي يهوى ان يعيش لا ابالياً شأن الطرقية والسفلة الذين يعمدون الى الاهمال والتسيب ويقصدون مواقع البؤس والشقاء والتذبذب لا يكون بصدد التفهم عن المصلحين والتعلم من الاساتذة المدربين الا ان هذا الفريق في الناس قليل جداً لان التذبذب لا حياة معه والانهيار لا بقاء فيه وجملة الناس يريدون حياة منظمة وعيشة راضية.
الثاني: ان يدرك ان هضم الحياة محاطة بابتلاآت جمة منشأ الغالب فيها نفس الافراد المنشعثة أهواؤهم المختلفة ميولهم وان احراز الحياة الصحيحة لا يكون الا بعاملين قويين العلم والعمل به وبدون ذلك لا تتيسر ايّة حياة تفرض والقيام بكلا العاملين من ناحيته سهل عليه بعد أن يرصد لهما نفسه.
وقد ألفت القرآن نظر الانسان الى ذلك حيث يقول: ( قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ). وقال تعالى: ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ). الى غير ذلك فان جميع زوايا الكون في السماء والارض في الحيوان والانسان والنبات والجماد وجميع ما يمت الى ذلك من حركة وسكون وفعل وانفعال وخلق وعادة محشوة بمبادئ التعلم والمعرفة للمتحسس الذي ينظر الى الشيء نظر مستفيد متميز لا نظر عابر مستطرق.
وكل ما يراه الانسان في مضامير القرن العشرين من علوفي الصناعات والانتاجات ودقة وكثرة في العلوم كالفيزياء والكيمياء والهندسة والحساب وما الى ذلك فانه نتيجة التبحر وحسن الالتفات الى ما في بطون الطبيعة وظواهرها وليس ابداعاً صرفاً او ايجاداً من غير سابقة وجود.
واما العمل فان العلم باي شيء يفرض لا قيمة له الا بالعمل بل العلم اصولا من المقدمات التي يتطرق اليها بداعي العمل واستحصال النتائج فاذا لم يصدق الانسان في قوله ولم يرفق بأخيه ولم يخجل مما لا يليق بالعاقل ولم يعن على النوائب ولم يصن عرضه وعرض غيره.
فالأفراد اذا لم يتخذوا من وعظ الواعظ واصلاح المصلح وهدي الهادي برنامجاً عملياً يسيرون عليه في عاداتهم واجتماعاتهم ومعاملاتهم لا يعودون حافظين لوجود المصلحين-اولا-لان المصلح انما يغض النظر عن اتعابه اذا استثمر منها ثماراً تهون عليه المشاق فاذا فقد الثمرة اخلد الى الراحة: ولا واجدين للرفاه الحيوي-ثانياً-فان الحياة لا تتيسر الا بالعمل المطابق للبرنامج العلمي.