فلسفة السجود لله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.

قال تعالى في سورة النحل آية (49 ): (وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ) .

إنّ الله تبارك وتعالى قد خلق الخلق وأمرهم بعبادته، لا لأجل أنّه محتاج إلى تلك العبادة, ولكن لأجل فوز المطيعين برحمته الخاصة التي لا تنال إلاّ بالطاعة، والتي أصدق صورها العبادة, فالطاعة هي السبيل الوحيد التي من خلالها ينال العبد أعلى المراتب وأجلها, قد يسأل سائل ما الفرق بين الطاعة والعبادة؟

والجواب: هو بمنتهى الوضوح, فالطاعة هي الدائرة الأوسع التي تشتمل على العبادة, وأنّ الله تبارك وتعالى ينظر أولاً إلى الطاعة، ومن ثمّ ينظر إلى العبادة. وأعطيك أمثلة واضحة على ذلك:

فمثلاً (كما ورد في عديد من الروايات) أنّ إبليس اللعين كان من عباد الله الصالحين, وقد عبد الله تبارك وتعالى في صلاة واحدة ثلاثة آلاف عام، وفي بعض الروايات 5 و 6 و سبعة آلاف عام.

ولكن هذه العبادة لم تنفعه عندما أمره الله تبارك وتعالى بالسجود لخليفته على الأرض سيّدنا آدم (عليه السلام)، وأصبح في أسفل السافلين، وإبليس-لعنه الله- كان جنّيّاً ولم يكن مَلكاً, بمعنى أنّه كان مُكلفاً.

إذن العبادة الغير مقرونة بالطاعة ليس منها فائدة.

مثال آخر يوضح ما أرمي إليه:

هل تنفع عبادة المرائي والمنافق؟؟

بالطبع لا, لماذا؟؟ ألم نسأل أنفسنا لماذا لا تقبل صلاة وصيام المنافقين والمرائين؟

الجواب: هو أنّ هذه الصلاة، أو أي عبادة أخرى، تكون النية فيها مشتركة بين الله تبارك وتعالى وبين من يريد أن ينافق هذا المصلى أمامه، والصلاة الصحيحة هي التي يجب أن تكون مقرونة بنية التقرب إلى الله تعالى ولا لأحد سواه جلّ وعلا.

إذن نفهم مما تقدّم أنّ الله تبارك وتعالى ينظر أوّلاً إلى الطاعة ومقدارها وقوّتها وصحّتها، وعندئذٍ ينظر سبحانه إلى العبادة, فكم من عبادة خالية من طاعة تلعن صاحبها وتكون وبالاً عليه.

إنّ أبرز العبادات التي تتمثل بها الطاعة هي الصلاة, فقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (إنّ الصلاة عمود الدين, إن قبلت قبل ما سواها، وإن رُدّت ردّ ما سواها). فالصلاة أعظم مصداق للعبودية, وأفضل عبادة تتمثل بها الطاعة.

 

(وهذه مقدمة أولى)

(أمّا المقدمة الثانية):

الإنسان هو سيد المخلوقات وأعظمها, وكلّ ما عداه ليس سوى وسيلة لخدمة هذا الإنسان, فالنباتات والحيوانات، والأرض والسماوات، والليل والنهار، والكون كله خلقه الله تعالى لخدمة هذا الخليفة في الأرض، ويتكوّن هذا المخلوق (أي الإنسان) من عدّة أجزاء وأعضاء، كلّ منها يمثل وظيفة ومهمة معنية, ولكن هناك جزء من بدن الإنسان يمثل كرامة وشرف وعظمة وشموخ الإنسان، وكبريائه وشخصيته وجبروته وكلّ وجوده وهو (الجبهة)، أي جبهة الإنسان وهي مقدمة الرأس وأعلاه وتاجه، ولو جمعنا بين هاتين المقدمتين, قد نصل إلى وصفين من فلسفة السجود لله.

فالصلاة هي لُبُّ الطاعة، والجبهة هي المعاني العظيمة للإنسان, ولو جمعناهما نجد أنّ في السجود لله بالصلاة، وهي أعظم العبادات على جبهة الإنسان، وأشرف جزء في بدنه, وأرقى وأعظم وأجلّ معاني الطاعة, حينما ينحني هذا الإنسان بأشرف جزء من بدنه وذاته ووجدانه على التراب أمام خالقه العظيم، تلبية لندائه واستجابة لحُكمه سبحانه وتعالى.

أليس من الهين أن يسجد الإنسان لصنم قد صنعه بنفسه؟!

أليس من الهين أن يضع بعض الحمقى من الوثنيين، وعُبّاد الحيوانات؛ بول بقرة على جبهته؟! أقول هذه اختراعات العقول المنحرفة, وذاك أمر الله تبارك وتعالى.

وإنّ بعض الكفار في مكّة كانوا يطلبون من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يلغي السجود من عبادته، ويدخلون في الإسلام، معتقدين أنَّ هذا الدين قد شكّله وصنَعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم), ويستنكفون أن يُعلنوا بأنّه دين ربّ العالمين.

قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): (أكثر السجود فإنّه يحطّ الذنوب، كما تحطّ الريح ورق الشجر) (جامع أحاديث الشيعة ج5 ص227).

هذه كلمة قصيرة في فلسفة السجود لله تبارك وتعالى.

------------------------------------------

مراجعة وضبط النص شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام للتراث والفكر الإسلامي