شعيرة المشاية .... الأجر والثواب ، والعزة والإباء
شعيرة المشاية .... الأجر والثواب ، والعزة والإباء
علي المالكي
منذ أيام خلت ،
بدا الزحف المليوني لأتباع آل البيت (عليهم السلام) من كل مكان مشيا على
الأقدام باتجاه مدينة كربلاء الإباء ، لتجديد العهد والولاء لسيد الشهداء
في ذكرى الأربعين .
مسيرة الأحرار بدأت من أقصى جنوب العراق ، من محافظة البصرة في مواكب مهيبة
ضمت الكبار والصغار والرجال والنساء والشيوخ والأطفال ، في تقليد سنوي دأب
عليه عشاق الحسين (عليه السلام) من أجل إظهار المظلومية الكبيرة التي تعرض
لها الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته في واقعة طف كربلاء ، عندما
خذله المتشبثون عبثا بلباس الإسلام في ذلك الوقت ، من خلال آلاف الكتب التي
أرسلت إليه تدعوه للمجئ إلى العراق ومحاربة جيش الطاغية يزيد بن معاوية
(لع)... ، وبعد مجيء الإمام (عليه السلام) غدر به الغادرون ، وخاض تلك
المعركة الكبيرة بمفرده وقلة قليلة من أهل بيته وأنصاره ، الذين ذابوا عشقا
بين يديه ، وكانوا يستأنسون بالمنية كاستئناس الرضيع بمحالب أمه ، وبمجرد
استذكار تلك اللحظات ينتاب القلب شعور اللوعة والأسى ، عندما وقف ابن بنت
رسول الله على باب خيمته وهو على مرأى ومسمع الأعداء ينادي هل من ناصر
ينصرنا ، هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله ! ، وسط صمت مطبق أصاب الأمة التي
ختم الله على قلوبهم ، واختاروا سوء العاقبة على الجنة ، التي كانت في
متناول اليد .
وبعد أكثر من ألف عام على تلك الواقعة ، لبى أحباب الحسين ذلك النداء بهذه
الأعداد الغفيرة ، وهرعوا من كل حدب وصوب باتجاه قبلة العاشقين ... ،
وباتجاه ذلك الصوت الذي طالما علا في كربلاء ، دون أن يلقى صدا في آذان من
تحجرت قلوبهم قبل آذانهم ، وحالت بينهم وبين نصرة الحسين ، تلك العقيدة
الفاسدة التي كانت تنصاع دائما لملذات الدنيا ونعيمها الزائف ، واختاروا
ذلة الحياة على عز الآخرة ونعيمها اللامتناهي .
شعيرة المشي على الأقدام تمثل بحد ذاتها ثورة على الطغاة ، ونهضة الحق في
سبيل الحرية المنشودة ، والتي من أجلها ضحى سيد الشهداء... ، لذلك ترى هذه
الشعيرة حوربت منذ زمن مضى ، لكنها عادت بقوة ( أي شعيرة المشي على الأقدام
) بعد أن ولّى من وقف في طريقها حجر عثرة ، وأصبحت السّمة الأبرز التي تميز
أنصار الحسين (عليه السلام) التواقين حباً لسيد الشهداء في كل زمان وفي كل
مكان .
وعلى الرغم من إن قضية الإمام الحسين (عليه السلام) لم تختزل في زمان وفي
مكان ، لكن الله شرف هذه البقعة الطاهرة من أرض العراق ، والتي احتوت بين
طيات ترابها الجسد الطاهر ، وتعطرت بدماء الحسين (عليه السلام) ، فأصبحت
قبلة الأحرار في كل مكان ، وإليها تهفو قلوب الملايين في كل عام .
وتتميز شعيرة المشي على الأقدام لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) بجوانب
إنسانية واجتماعية وضاءة ، لايعرف معانيها إلا من عايشها عن قرب... ، ومن
أبرز مايميز هذه الشعيرة أنها ألغت الفوارق الطبقية بين مكونات المجتمع ،
وجمعت الكل تحت اسم الحسين (عليه السلام) ، ففيها المثقف والواعي ، والجاهل
وكل طبقات المجتمع ، والكل يأكل من طبق واحد وينام في مكان الواحد ... ،
وهذا ما أكد عليه الإمام الحسين (عليه السلام) وثار من أجله ... ، فهو أول
من سعى إلى إلغاء الفوارق الطبقية ، وتذويب المسميات العنصرية تحت اسم
الإنسانية ، التي من أجلها ومن أجل عزتها وكرامتها ضحى الإمام الحسين بكل
مايمكلك ، وطبق الإمام الحسين هذا عمليا عندما وضع خده على خد جون ، وقام
بحمل وهب النصراني ووضعه مع قتلى أهل البيت (عليهم السلام) .
ولم تكن شعيرة المشي على الأقدام لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) بدعة
، على الرغم من كل الصعاب المحيطة بها ، وإنما جاءت الأحاديث الشريفة
والنصوص المروية عن أهل البيت تؤكد أهمية هذه الشعيرة ، وثواب من قام بها .
فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث مع ابن عباس : (( يبن عباس من زار الحسين عارفاً بحقه ، كتب الله له ثواب ألف حجة وألف عمره )) .
عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) : (( يا حسين ؛ من خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين بن علي (عليه السلام) إن كان ماشيا كتب له بكل خطوة حسنة ، ومحي عنه سيئة ، حتى إذا صار في الحير كتبه الله من المفلحين المنجحين ، حتى إذا قضى مناسكه ، كتبه الله من الفايزين ، حتى إذا أراد الإنصراف أتاه ملك فقال : إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرئك السلام ، ويقول لك : استأنف العمل فقد غفر لك ما مضى )) (بحار الأنوار : ج 98 ص 72) .
وعن أبي سعيد القاضي قال : دخلت على أبي عبدالله ( عليه السلام ) في غرفة له فسمعته يقول : (( من أتى قبر الحسين ماشياً ، كتب الله له بكل خطوة وبكل قدم يرفعها ويضعها عتق رقبة من ولد إسماعيل )) (وسائل الشيعة : ج14 ص 425-442 ح [ 19558 ] 6 ) .
والكثير الكثير من
الأحادث التي تبين فضل هذه الزيارة وعظمتها .
وبطبيعة الحال فإن هذه الشعيرة أخذت بالإزدياد والتوسع ، ولم تقتصر على
العراقيين فحسب ، بل الكثير من أتباع أهل البيت من الدول المجاورة والبعيدة
، جاءوا هذا العام إلى البصرة والتحقوا بركب الأحرار وتوجهوا مشيا إلى
كربلاء ، وسط حفاوة كبيرة من أصحاب المواكب والخَدَمَة ، الذين انتشروا على
طول الطريق المؤدي إلى كربلاء ، من البصرة مروراً بباقي المحافظات الأخرى
...
دعاؤنا لهذه
الملايين بالصحة والسلامة والنعمة والأمان عليهم وعلى جميع المؤمنين .
---------------------------------
مراجعة وضبط النص شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي بتصرف .