شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

نظرة على شعائر عاشوراء عند المسلمين الشيعة

0 المشاركات 00.0 / 5

نظرة على شعائر عاشوراء عند المسلمين الشيعة (*)

د. الشيخ يوسف عمرو

ثواب إقامة المجالس الحسينية

أخرج الشيخ الصدوق في كتابه ثواب الأعمال وعقاب الأفعال عن أبيه بإسناده إلى أبي هارون المكفوف قال : قال لي أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) : (( يا أبا هارون ، أنشدني في الحسين عليه السلام )) ، فأنشدته ، قال : فقال (( أنشدني كما يُنشِدون )) ، يعني بالرِّقة ، قال : فأنشدته هذا الشعر:

أمرر على جدث الحسينِ ** فقل لأعظمه الزكيّة

قال: فبكى ، ثُمَّ قال : (( زدني )) ، فأنشدته القصيدة الأخرى قال : فبكى .

وسمعت البكاء من خلف الستر ، قال: فلمّا فرغت قال : (( يا أبا هارون من أنشد في الحسين (عليه السلام) ، شِعراً فبكى وأبكى عشرة ، كُتِبَ لهم الجنَّة، ومن أنشد في الحسين (عليه السلام) ، فبكى وأبكى خمسة ، كُتِبَ لهم الجنَّة ، ومن أنشد في الحسين (عليه السلام) ، فبكى وأبكى واحداً ، كُتِبَ لهم الجنَّة ، ومن ذكر الحسين (عليه السلام) ، عنده فخرج من عينيه مِقدار جناح ذبابة ، كان ثوابه على الله عزّ وجل ، ولم يرض له بدون الجنَّة)) .

وأخرج الشيخ الصدوق أيضاً بإسناده عن ابن سنان قال : سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: (( زيارة قبر الحسين (عليه السلام) ، تعدل عُمرةً مبرورة مقبولة )) (1).

واستحقاق الإمام الحسين (عليه السلام) ، لهذا ولغيره من الثواب العظيم ، لأنّه قدّم نفسه الزكية ونفوس أهل بيته وأصحابه وأنصاره ، وكلَّ ما يملكه ، في سبيل الله تعالى ، حتى قال الشاعر حاكياً حال الحسين (عليه السلام) في كربلاء:

إن كان دين مُحمّد لم يستقم  *** إلا بقتلي فيا سيوفُ خذيني

ويقول الشيخ محمّد مهدي شمس الدين (ره) ، عن نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) ، وآثارها على تأريخ الإسلام وحقوق الإنسان : إذاً الحسين لم يكن متمرداً ، ولم يكن عاصياً كما حاول بعض وعّاظ السلاطين في ذلك الحين أن يصوروه ، وإنّما كان ثائراً على نظام غير عادل وصوّر وعبّر (عليه السلام) عن ثورته ، وعن نهجه في كلامه المشهور إلى أخيه محمّد بن الحنفية (ره) حينما كتب إليه كتابه المشهور ، الذي غدا من أعظم الوثائق التأريخيّة في الثورة الحسينيّة : (( إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ، ولا مُفسداً ولا ظالماً ، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي (صلى الله عليه وآله) ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر )) .

إذاً كان هناك معروف متروك ، وكان هناك منكر رائج ، المعروف المتروك لم يكن الصلاة ولم يكن الصيام ، ولم يكن الحجّ .

بل المعروف والمنكر هما المعروف السياسيّ والمنكر السياسيّ ، والمعروف الاقتصاديّ ، والمنكر الاقتصاديّ والمعروف الإنسانيّ ، والمنكر الإنسانيّ ، كان هناك إخلال بالمسألة السياسيّة ، وبالمسألة الإقتصاديّة وبكرامة الإنسان .

كما قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، وهو في طريقه إلى حرب الجمل: (( وإنّ هؤلاء القوم قد جعلوا مال الله دولاً وعباده خولاً ، والصالحين حرباً ، والفاسقين حزباً )) .

إذاً هناك ملازمة دائمة بين الثورة وبين العدالة ، حين تكون هناك عدالة ؛ لا تكون ثورة ، وحينما تكون ثورة عادلة ومستقيمة ؛ لا يكون هناك ظلم ، وعدوان وتسلّط . (2)

قال أبو العلاء المعريّ:

وعلى الدهر من دماءِ الشهيدين      عـلـيّ  ونـجـله iiشـاهدانِ
فـهما  في أواخر الليل iiفجران      وفــي أولـيـاته iiشـفـقانِ
ثبتا  في قميصه ليجيء iiالحشر      مـسـتعدياً  إلـى iiالـرحمانِ

ومنها القصيدة العينية لشاعر العراق الكبير محمّد مهديّ الجواهريّ ، وغيرها من القصائد . 

مع الإمام عليَّ بن الحسين زين العابدين (عليه السلام):

يقول الشّيخ عبد الحليم محمود ، شيخ الأزهر الراحل (ره) ، في كتابه ، سيّدنا زين العابدين : خرج عليّ بن الحسين (ره) من محنته ذات الصلة بالدولة ، ولكنها تركت آثاراً عميقة في نفسه ، ولقد ذكروا أنَّه كان كثير البكاء ، فقيل له في ذلك ، فقال : (( إنّ يعقوب (عليه السلام) ، بكى حتى ابيضت عيناه على يوسف ولم يعلم أنّه مات ، وإني رأيت بضعة عشر من أهل بيتي يذبحون في غداة واحدة ، فترون حزنهم يذهب من قلبي أبداً )) (3) ، وإذا كان البكاء أثراً من آثار الكارثة ، فإنَّ آثاراً أخرى كثيرة يمكن الحديث عنها :

لقد رأى زين العابدين (عليه السلام) الحياة تُنتزع في لحظات من هؤلاء الّذين كانوا يحيطون به ، وتُنتزع في نوع من اللامبالاة ، ونوع من الجرأة على إزهاق الروح بالباطل ، حينما تنتهي الحياة ؛ ينقطع عمل ابن آدم إلا عن ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له .

ولقد رأى زين العابدين (عليه السلام) أنّ النّاس قد انصرفوا عن أعمال الآخرة ، فكان كُلُّ همهم ، إنّما هو الجري وراء الملك والسلطان ، والجاه والاستعلاء والغلبة ، وهم في سبيل ذلك يأتون ما يأتون دون مراعاة لدين أو لحقٍّ ولا لفضيلة ، ويستمرون في غيهم سادرين... (4) .

لقد عاش الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) بعد استشهاد أبيه (عليه السلام) ، أربعةً وثلاثين عاماً ، كان في كل يوم منها ؛ يُذكِّرُ النّاس بملحمة كربلاء وما جرى على أبيه وأهل بيته وأصحابهم من مآس وآلام ، من قبل بني أُميّة وشيعتهم من أهل الكوفة .

ونتيجة لمواقفه الحسينيّة (عليه السلام) ؛ ولإقامته المجالس على أبيه وأهل بيته (عليه السلام) ، أصبحت ملحمة كربلاء في ماضي الإسلام وحاضره ، كما يقول العلاّمة الشيخ عبد الله العلايلي (ره) قِبلةَ كلّ حُر وغيور يريد الكرامة لنفسه ولشعبه ، إذ قال :

فـيا كـربلا كـهفَ الإباءِ مُجسَّماً      ويـا كـربلا كهفَ البُطولة iiوالعُلا
ويـا  كـربلا قد حُزْتِ نفساً iiنبيلةً      وصُيِّرْت بعد اليوم رمزاً إلى السما
ويـا كربلا، قد حُزت مجْداً iiمُؤثلاً      وحُزت  فخاراً ينقضي دونه المَدى
فـخارٌ لـعمري سـطَّرتْه iiضحيّة      فـكان  لمعنى المجدِ أعظم iiمُجتلى
فـللمُسلم الأسـمى شـعارٌ iiمقدَّس      هـما قِـبْلتَان لـلصَّلاة iiولـلإباء
  *** فـأكرِم  بـبيْتٍ كان للنّاس شِرْعَةً      ومُـنبَثَقاً مـن خُطّة النبل iiوالفدى
فِـداءٌ  لَـعمري ظَـلّ تمثال نُهية      يُـقَدِّسُهُ الـرُّواد مـن كل iiمُنْتَحى
يـطوفون  فـي أرجـائِه iiبقَداسة      كـأنَّ  لها وحياً إلى النفس iiوالنهى
كـذلك  سـرُّ الـكبرياء إذا سمت      وذلـك  سـر العبقريِّ إذا iiانتضى(5)

ويقول شاعر أهل السُنّة في العراق الأديب الكبير حسن بن عبد الباقي بن أبي بكر الموصلي المتوفى ببغداد سنة 1157م من قصيدة طويلة يبكي بها الحسين (ع):

أيّ  أمّ تـكونُ فاطمة iiالزهراء      أو  والـد على الحوض iiساقي
أيّ جـدّ يكون أفضلَ خلق الله      والـمجتبى  عـلى الإطـلاقِ
هـل  عـلمتم بما أُهيمُ iiجُنوبا      ولـماذا  تـأسفي iiواحـتراقي
يوم قتل الحسين كيف استقرت      هذه  الأرض بل وسبع الطباق
أيها  الأرض هل بقى لي عين      ودمـاء الـحسين iiبـالإحراق
كـيف لا تنسفُ الشوامخ iiنسفا      ويـحـنُّ الـوجود لـلإمحاق
أغـرق الله آل فـرعون iiلكن      لـم  يـكن عندهم كهذا iiالنفاق
إنّ قـلبي يـقول قد كان أولى      مـن  سبي القانتات iiبالإغراق
يـا سماءُ قد زُيّنت iiواستنارت      وبـها الـبدر زائـد iiالإشراق
هـكذا  يوم كربلاء كان iiيزهو      فرقد  فيك والنجوم iiالبواقي(6)

دمعة مسيحيّ على الحسين (عليه السلام) :

لقد نظم القاضي والأديب اللبناني الكبير بولس سلامة ، ملحمة شعريّة تحت عنوان: عيد الغدير ، وذلك بتشجيع من الإمام الشريف السيّد عبد الحسين شرف الدين (ره) في أعقاب خريف سنة 1947م .

وَيُنشد ولده الأستاذ رشاد بولس سلامة قصيدة أخرى لأبيه لم تُنشر بعد ، بمناسبة ذكرى أربعين الإمام الحسين (عليه السلام) ، في 18 أيار 2000م . والتي جاء في نهايتها :

أبـناءُ  طـه فـيا أرضُ ازفـري أسفا      ويـا هـلال الـعشياتِ الـصِّباحِ iiغِبِ
بـكيتُ  حـتى وسـادي نش من iiحرق      وضـجّ فـي قـلمي إعـوالُ مُـنتحبِ
أنـا الـمسيحيُّ أبـكاني الـحسينُ iiوقد      شـرقت بـالدمع حـتى كاد يشرق iiبي
لا يـستوي فـي لـقاء الـنَّار iiشاهدها      والمرتمي فوقها جذعاً من الحطبِ...

كلمة في أحياء المجالس الحسينيّة :

يرى المرجع السيّد محمد سعيد الحكيم ، في كتابه فاجعة الطّف ، أن هناك عناية إلهية رافقت هذه النهضة للسبط الشهيد (عليه السلام) ، وتخطيط إلهي كان من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، كمقدمة لها. وكذلك في إحياء ذكراه (عليه السلام) ، طيلة أربعة عشر قرناً ، وقد ساق على ذلك أدلة كثيرة ومنها قوله: (( ... حيث يكشف ذلك عن أهميته عند الله تعالى في الدعوة إليه ، حتى أطلع عليه أنبياءهُ كما أطلعهم على رسالة النبيّ (صلى الله عليه وآله) الخاتمة للرسالات ، والتي تتضمن دين الإسلام الخاتم للأديان ، والذي يكون هذا الحدث من الأحداث المهمة المتعلقة به )) .

وذلك يرجع إلى أن سيّد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) قد أُعِدّ لمهمة إلهية تتناسب مع هذا الإعلام الإلهي المكثف ، ومع حجم التضحية التي يُقدم عليها.

وهو المناسب لأهمية دين الإسلام العظيم في الدعوة إلى الله تعالى ، لكونه خاتم الأديان وأكملها ، وبه بقاء الدعوة لله عزَّ وجل ، وخلودها في الأرض ، حيث تكتسب الأحداث المؤثرة فيه أهمية تتناسب مع أهميته ، ولا سيما أنّ هذا الحدث لم يكن نصراً لدين الإسلام فحسب ؛ با هو انتصار للأديان السماوية بمجملها.. ولعلّه إلى هذا يشير كتابه (عليه السلام) الذي كتبه في مكة المكرمة ، وهو يعد العدة لنهضته إلى بني هاشم في المدينة المنوّرة : (( بسم الله الرحمن الرحيم ، من الحسين بن عليّ إلى مُحمَّد بن عليّ ومن قبله من بني هاشم ، أمّا بعد : فإن من لحق بي استشهد ، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح ، والسلام )) .

حيث لا يبعد أن يكون مراده (عليه السلام) في كتابه هذا أن في نهضته التي تنتهي به وبمن معه للقتل والشهادة ؛ فتحاً للدين وللدعوة إلى الله تعالى ، يتناسب مع حجم التضحية التي تحصل فيها (7).

ـــــــــــــــــــــ

هوامش:

(*) مجلة نور الإسلام العدد: 137-138.

(1) ثواب الأعمال وعقاب الأفعال ، للشيخ الصدوق : ص 83-84 .

(2) عاشوراء محمد مهدي شمس الدين : ج1 ص 143- 144 .

(3) سيّدنا زين العابدين، د. عبد الحليم محمود، ص 13-14.

(4) الإمام الحسين، للشيخ عبد الله العلايلي، ص 108-109 .

(5) مجلة الموسم الصادرة في أمستردام، هولندا، العدد 12، ص 340، سنة 1991م .

(6) الإمام الحسين (ع) وعاشوراء في الفكر الإنساني، ص: 79-80 .

(7) فاجعة الطّف، للسيد محمد سعيد الحكيم، ص 45-46 .

---------------------------------

مراجعة وضبط النص شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي .

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية