المستشرقون وشبهة الأخطاء النحوية في القرآن
على الرغم من قول المستشرقين بأنّ اللغة التي نزل بها القرآن الكريم هي أصح لغات العرب ؛ لكن تعصّبهم وإصرارهم دفعهم إلى القول بوجود بعض الأخطاء النحوية في القرآن .
الرد على الشبهة :
من الأمور المُسَلّمة هي : إنّ إعراب الكلمات في اللغة العربية قد جاءنا من الذين نطقوا بها ، وبعبارة أخرى : إنّ طريقة التلفّظ جاءت عن طريق النقل ، فنحن نلفظ كما لفظ آباؤنا وأجدادنا ، وهذه المسألة لا تحتاج إلى بحث عقلي .
ولزيادة التوضيح نقول : كان العرب في صدر الإسلام يرفعون الفاعل وينصبون المفعول ، والمتتبعون للأدب العربي دوّنوا هذه الحركات بحسب الاستقراء ، ووضعوها ضمن القواعد النحوية .
ولو كان العرب ينصبون الفاعل ويرفعون المفعول ، لأصبحت القواعد النحوية المعمول بها حالياً مغلوطة وغير صحيحة ، ولهذا سيكون قياس القرآن بالقواعد النحوية المعاصرة عملاً غير صحيح لماذا ؟ لأنّ القواعد النحوية مأخوذة من القرآن ، ولا يصح قياس القرآن بها .
إنّ القواعد النحوية المعمول بها في الوقت الحاضر ، وضعها علماء اللغة بعد انتشار اللهجات للحفاظ على سلامة اللغة ، وتحاشي الوقوع في الأخطاء ، وحتّى كلام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الذي اعتبر فيه كل فاعل مرفوع ، وكل مفعول منصوب ، وكل مضاف إليه مجرور ، يُعتبر نقطة تحوّل في مجال تدوين قواعد اللغة العربية ، وصولاً إلى النصوص النحوية السليمة ، ولا يقاس هذا الكلام بالقرآن الكريم ، الذي جمع كل آداب اللغة العربية .
إذن فإنّ ظهور علم النحو ، كان بعد تتبع التراكيب والاستعمالات الموجودة في القرآن الكريم ، ومن ثم تدوينها ، فالقرآن عند النحويين هو الحجّة ، وهو الحاكم ، وليس النحويون هم الحجّة على القرآن ، وهو ما تصوّره بعض المستشرقين والقساوسة .
ولو فرضنا جدلاً بأنّ أحداً من الناس وجد في بعض جمل القرآن ما يخالف قواعد النحو ، فإنّ هذا الشخص سيحكم نفسه بنفسه ؛ لأنّ كلامه لا يتعدّى اثنين ، أمّا أنّه لا يفهم ولا يتدبّر ما يقول ، أو أنّه إنسان مغرِض ، لأنّ كل ما جاء في القرآن من الاستعمالات اللغوية ـ حتّى الشواذ ـ اعتبره العلماء من إعجازات القرآن الكريم ، وقد أشاروا إليه في كتبهم .
بعد هذا البيان نقول : إنّ ما قاله المستشرقون في هذه الشبهة ناتج عن جهلهم ، وعدم إحاطتهم العلمية بآداب اللغة العربية وقواعدها ، فتصبح هذه الشبهة وأمثالها عند أصحاب الإطلاع شيئاً يدعو إلى الضحك والتندر .