أسلوب قراءة القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد قلنا مراراً: إن تلاوة القرآن بنحو ممتاز وصوت جميل ولحن بديع وصحيح، من الأسباب التي تعمل على تشجيع الناس في الإقبال على القرآن بقلوبهم وأرواحهم وأفكارهم، وهذا لا يعد تسلية أو عملاً زائداً، بل لو أدركنا ما نقوم به بعلمنا انه نشاط منطقي وراسخ في إشاعة فهم القرآن ومعرفته. واني إنما أتوجه بهذا الكلام إليكم أيها القرّاء الأعزاء بوصفكم جميعاً من المتعلّقين والمتمسكين بالقرآن تلاوة ونغمة، كي تضاعفوا من نشاطكم في هذا المجال وترسخوا دعائمه، وطبعاً من خلال سماعي لتلاوتكم في هذا اليوم أدركت أنها غدت أفضل مما كانت عليه في العام المنصرم، مما يدل على اننا في حالة تقدّم.
وطبعاً إن هذا النشاط كغيره من النشاطات، متوقّف على شروط، فلابد من استلهام دقائق هذا الفن من الأساتذة، فان التربية الذاتية والتلقائية تؤدي إلى هدر الطاقات والقابليات، فلابد من مراعاة جميع الجوانب من القراءة الصحيحة -وبحمد الله فقد أضحى التجويد جيداً عند شبابنا، وان الدقة الموجودة في ذلك عند شبابنا لا أجدها أحيانا حتى عند المصريين من القراء الثانويين- والأصوات، وهي جيدة جدّاً بين أبنائنا.
والإشكال الكبير في تلاوتنا -وهو آخذ بالزوال ولله الحمد- عدم التفات القارئ إلى مضمون ما يقرأ من الآيات، فأنكم لو تدبّرتم في معنى الآية التي تتلونها، فان هذا التدبر سيترك آثاره في أسلوب قراءتها، وطريقة تقطيعها، بل وتؤثر على اللحن والصوت والنغمة وحتى على حركاتكم الظاهرية، ومن ثم تترك تأثيرها على المستمع والمخاطب، ونظير ذلك نجده في قراءة الأشعار والمراثي. ولذلك نجد تلاوة المصريين أوقع لحناً وأعذب نغمة، وذلك لمراعاتهم هذا الجانب، فلابد من الالتفات الى ذلك، ولابد من مراعاة الوقف والابتداء وما شاكل ذلك لوقوعه مؤثّراً أيضاً.
ومما لاحظته في هذا الاجتماع ويُعدّ من حسناته، عدم الإصرار على قراءة الآية بنَفَس طويل دون انقطاع، وهذا شيء جيد، فلا ينبغي للقارئ أن يثبت أن نَفَسه طويل، فان النَفَس الطويل إنما يقع نافعاً في المورد الذي يؤدي فيه قطع الآية إلى اختلال معناها: فان لم يكن النَفَس طويلاً واجه عقبة في مثل هذا المورد، ولكن مع ذلك يمكن التغلّب على هذهِ المشكلة، حيث نشاهد بين القرّاء المصريّين من الدرجة الأولى من لا يمتلك نفساً طويلاً منهم، من قبيل عبد الفتاح أو غيره، دون أن يعدّ ذلك عيباً فيه، حيث يتمكن هذا القارئ بمهارته الخاصة من تقطيع الآية بما يتيح له نَفَسُه ومتابعتها بشكل لا يترك لدى المستمع أدني إحساس بوجود قطع في غير محله، وهكذا الأمر بالنسبة إلى أكثر القدماء من القرّاء، بيد أن الجدد منهم والذين يأتون إلى إيران قد ابتلى اغلبهم بهذه الظاهرة، فتراه يكابد ويتعرّق ويبذل مجهوداً كبيراً دون أن يتوقف! مع أن هذا لا يعد حسنة إلا في مورده، فعليكم من خلال الوقف عليها أو تكرارها، أو ايصال المعنى من خلال كلمة واحدة، فلابد من مراعاة جميع ذلك.
ومن بين مسائل التلاوة، مسألة موسيقى التلاوة وأنغامها الصحيحة، والتي لابد من أدائها بشكل صحيح، وهي مسألة مهمة جدّاً، ولها أساليبها وطرقها المخصوصة، وقد وجدت طبعاً إنها تحسنت حالياً بين قرّائنا، فلم تكن كذلك سابقاً، فلابد من تعلم الألحان والأنغام القرآنية، وطبعاً إن اغلبها ذوقيّ، تابع لذوق القارئ نفسه، بمعنى أن القارئ حتى إذا لم يدرس النغمات والألحان، يدرك بذوقه السليم ما ينبغي عليه فعله في هذا المجال، حيث يؤدّي به ذوقه إلى أداء اللحن الصحيح والمناسب.
والأفضل لكم أن تتجنبوا التقليد والمحاكاة في هذا المجال.
اللهم أسألك بحق محمد وآل محمد أن تحينا بالقرآن وتحشرنا مع القرآن، وان تخصّنا بفهم القرآن، وان لا تفرّق بيننا وبين القرآن، وان تشملنا بأدعية بقية الله (عج).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته