تأملات حول الآية أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات
بسم الله الرحمن الرحيم ..
أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ..تأملات حول الآية الشريفة من قعر الواقع المرّ
آية مباركة تهتف آناء الليل و أطراف النهار وتصّم آذان الغافلين عن ذكر الله تعالى عزّ وجلّ .
ذكر المولى المترامي الأبعاد و إن جاء اللفظ تحت عنوان إضاعة الصلاة لما تمثله هذه الشعيرة من خصوصية تبدأ معها رحلة التكامل البشري في أسمى مراتبه حيث إنسانية الإنسان وعبوديته و اندكاك صنم النفس والتسليم للمطلق الحق و من حيثية أنها أبرز المصاديق للذكر و إذا أخفق الإنسان في علاقته معها فإنه بالنتيجة يصبح مهزوز العلاقة بلوازمها و ملازماتها ، وحينها تبدأ رحلة عذاباته وابتلاءاته في دار الدنيا لأن منشأ ذلك كله هو الخلل في التعاطي مع هذا التكليف الربّاني ..
وليست الآية الكريمة بصدد بيان إضاعة أوقاتها والتهاون في أدائها في الوقت الموظّف لها فقهيا فقط وفقط و إن كان أحد الوجوه المحتملة قويّاً .
على هذا النحو من التقدير اللغوي; أي أضاعوا أوقات الصلاة أي تهاونوا في تحقيق الواجب ومقدماته و أسسّوا مقدمات مفوتة بسبب اتباعهم لشهواتهم التي ليس لها عدّ و لا حصر ;
و إنما يمكننا التوسّع في التأمل في مدلولاتها و أعتقد و الله العالم بأنهم و إن كانوا يمتثلون و يلتفتون للواجب والوجوب و يُصفُّون أقدامهم لله تعالى و يتجهون للقبلة الشرعية ويعرفون قدراً معتدّاً به من حدودها ورسومها أي أحكامها الظاهرية ولكن قلوبهم منحرفة عن القبلة الحقيقية عزّ وجل و أرواحهم متعلقة بالدنيا هائمة عن حريم اللذة المعنوية و الأنس بلقاء الحق عز اسمه و العروج إليه حبّا وعشقاً .
فهم بسبب انغماسهم في شهواتهم و لذاتهم الآنية و التراكض و اللهث وراء تحقيق آمالهم و إن كانت تحت خانة المباح قد انسلبت منهم حالة حضور القلب التي هي من أشرف محطّات الصلاة وهو في الحقيقة ضياع معنوي و بقدر ميل قلوبهم نحو شهواتهم فإن الضياع يكون بمستوى ذلك الميل أي أن هناك نسبة وتناسب في البين ويمكن الجمع بين الالتفاتتين بقولنا : إن الذين يضيعون أوقات صلواتهم بسبب شهواتهم ويؤجلونها عن عمد لا لعذر و يقدّمون عليها متاع الحياة الدنيا تخيّل معي هذه السلّة من اللهو و اللعب;
التسكع في الأسواق و المنتزهات – مشاهدة التلفاز – اللعب على الآيفون والجلكسي بفئاته صعوداً ونزولاً يميناً وشمالا – الحديث السياسي – الجري خلف آخر تعليقات الموضة والمكياج والعطور – متابعة أسرار الفنانات – أخبار بورصات اللاعبين والأندية الأوربية … و القائمة تطول;
هم حتماً لن يعرفوا حقيقة الصلاة المُشار إليها في القرآن الكريم و روايات أهل بيت العصمة و الطهارة عليهم السلام و بالتالي هم لا يدركون خطورة الوقوف بين يدي الله تبارك وتعالى و إن جميع إدعاءاتهم من قبيل آية ;
إياك نعبد و إياك نستعين ;
هي محض كذب في نظر أرباب القلوب أو على أقل التقادير عبادة خاوية لا روح فيها بل يتعدى الأمر إلى أنهم يعبدون في واقع أمرهم معشوقاتهم التي أضاعوا أوقات صلواتهم من أجلها .
كذلك ينسحب الوضع بالنسبة لنا نحن المدعّون المحافظة على أوقاتها و العالمون بظواهر أحكامها فقهياً ، لكن نشترك مع أولئك في هيام القلب ، نحن أرقى من أولئك في الامتثال للوجوب والواجب و نسبة بعض الأحكام المبثوثة في الرسائل العملية للفقهاء و لكن هناك قواسم مشتركة شئنا أم أبينا لا أقّل في المباحات .
إن إجراء عملية مساءلة جهادية نفسية في ساعة خلوة عن أسباب ومنشئ حرمان حضور القلب و اعتبار الصلاة جبلاً أو جملاً ثقيل التحمل أو الحمل يكشف الخبايا و الأسرار في تدهور العلاقة بيننا وبين الصلاة وبالتالي تدهورها مع الله والنفس و الخلق و إن هذه الآية العظيمة لم تكن تحاكي فئة معينة في زمن معين بل هي أشبه بالضابطة أو الكلية من حين نزول الوحي إلى حين الممات و أنها حيّة ترزق ولكنها تريد أذناً سمعية و ليست سامعة و تريد لساناً مرتّلاً بنغم شجّي يرسلها لقلب واع متدّبر في مداليلها يطبق الكلية على الجزئيات و كأنه قد سمعها تواً غضّة من لسان الخاتم صلى الله عليه و آله وسلم .
فما هو الفرق بين قلب أبو ذر الغفاري رضي الله عنه و بين قلبي و قلبك هو قد سمعها قبلي وقبلك والشهوات والأماني واللذائذ والآمال و المباحات هي هي قاسم مشترك فيما بيننا و إن كانت النسب متفاوتة من حيث الكم و النوع لكنها على كل حال تندرج تحت العنوان الأشمل.
;; الشهوات;; إن معرفته بحقيقة الصلاة الحقّة جعلت منه نبراساً متألقاً في عالم التوحيد مستوحشاً من لفظ شهوة فضلاً عن التفكير في اقتحام أسوارها . و لأجل ذلك تميّز و تحصص عن غيره ممن كان معه في عصر النص عن غيره من طلاب المجد و الزعامة الباطلة و لم يكن مشمولاً بالآية – العنوان – لقد كان خامة جاهزة للانصهار في هضبات التوحيد الثلاث ; الذاتي و الصفاتي و الأفعالي لأنه وقبل دخوله للإسلام كان يصلّي لله عزّ وجل على طريقة التفكر و التدبر في الملكوت في صحراء غفار .
فكيف للشهوات أن تخرق قلبه و قد استهوته العبادة حتى النخاع ؟ و أسفاه حين نقوم بعملية إسقاط على واقعنا المر في علاقتنا بهذا القربان و ما اقترفته أيدينا ، لبكينا على أوضاعنا بدل الدموع دما و لكن أنّى لنا بالبكاء و قد قست القلوب و جفّت العيون و استحكمت فينا الشهوات حتى أصبحنا أعداءً لمن نتقرب به إلى الله تعالى اسمه ؟ مساكين نحنُ حينما نعتقد بأن النصر أو الانتصار على النفس بداياته مرحلة المجاهدة بينما نحن إلى الآن لم نعرف كيف نتحدث مع الله مقدار عشر دقائق.
أقول : إذا عرف الإنسان كيف يقف بين يدي الله و يهجر الشهوات و يذوب في عشق الصلاة فإن الصلاة كفيلة بأن تجعل منه مجاهداً عظيماً لذلك فإن محاولات مجاهدة النفس لدى كثير من المرتاضين تبوء بالفشل مرّده أنهم لم يفقهوا قوله عز من قال ;إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر و البغي;
نعم من المجاهدة طلاق الشهوات حتى يتحقق التعاطي مع المحافظة على الصلاة ليظهر آثارها على واقع الإنسان و ذلك للملازمة الواضحة ;اهجر الشهوات تصل إلى صلاة نقية ; ;إن اتبعت الشهوات أضعت الصلوات; و بحسب اعتقادي بأن صدور الويلات و الأضرار المعنوية التي تصدر من الإنسان سواء تجاه نفسه أو تجاه ربه أو تجاه غيره منشؤه الغفلة عن استذكار الآية المباركة ;
إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر و البغي “; إن قُبلت قُبل ما سواها و إن رُدت رد ما سواها وهو نحو من اتباع الشهوات و إضاعة لمعاني الصلاة التي من أكبر أهدافها صياغة إنسان ربّاني كامل و تربيته أحسن تربية وفق هدى الله عز وجل .
و كيفما كان هناك أمنية من الكاتب الصغير ألا و هي:
أن تسأل كل الشرائح أنفسها بدءاً بعالم الدين و المرأة الحوزوية و المربي و الأستاذة و الحاكم والوزير و الأم والمدير العام و الزوجة و الزوج و المؤذن و الخطيب الحسيني و انتهاءً بالفقيه بعد قراءة هذه العُجالة : أن يضع نفسه في دائرة الاتهام و ليقل : هل يقصدني هذا الحقير ؟ ولماذا هذه الإثارة ونحن نصلي هل مقصوده فساد عبادتنا من الأصل ؟
هل أن هذه الآية أجنبية عما يدور حولنا من أحداث ؟ أم أنها تضرب في الصميم ؟ أحبائي لم أجد بدّاً من ختم ندائي بمسك غير المسك الذي تضوعت منه عبير حبري غير كتاب الله المنزل على النبي المرسل صلى الله عليه و آله و سلم (بل الإنسان على نفسه بصيرة و لو ألقى معاذيره); لعّلها تحرك حجراً في ماء راكد أو تشحذ همة قلب منكوس فيصلح الخلل ويصيغ روحاً شفافة تدرك معاني الصلاة .
و صلى الله وسلم على سيدنا محمد و آله الهداة .. إلهي مُنَّ علينا بصلاة الخاشعين و أشعل في قلوبنا