التحذير من عدم معرفة أهل البيت (عليهم السلام)

1 – رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية ( 1 ) .

2 – عنه ( صلى الله عليه وآله ) : من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية ( 2 ) .

3 – عنه ( صلى الله عليه وآله ) : من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ( 3 ) .

4 – عنه ( صلى الله عليه وآله ) : من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ( 4 ) .

5 – عنه ( صلى الله عليه وآله ) : من مات وليس له إمام من ولدي مات ميتة جاهلية ، ويؤخذ بما عمل في الجاهلية والإسلام ( 5 ) .

6 – أبان بن أبي عياش عن سليم بن قيس الهلالي أنه سمع من سلمان ومن أبي ذر ومن المقداد حديثا عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، أنه قال : من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية . ثم عرضه على جابر وابن عباس فقالا : صدقوا وبروا ، وقد شهدنا ذلك وسمعناه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وإن سلمان قال : يا رسول الله ، إنك قلت : من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية ، من هذا الإمام ؟ قال : من أوصيائي يا سلمان ، فمن مات من أمتي وليس له إمام منهم يعرفه فهي ميتة جاهلية ، فإن جهله وعاداه فهو مشرك ، وإن جهله ولم يعاده ولم يوال له عدوا فهو جاهل وليس بمشرك ( 6 ) .

7 – عيسى بن السري : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : حدثني عما بنيت عليه دعائم الاسلام ، إذا أنا أخذت بها زكا عملي ، ولم يضرني جهل ما جهلت بعده ، فقال : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، والإقرار بما جاء به من عند الله ، وحق في الأموال من الزكاة ، والولاية التي أمر الله عز وجل بها ولاية آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ، قال الله عز وجل : * ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) * ( 7 ) فكان علي ( عليه السلام ) ، ثم صار من بعده حسن ، ثم من بعده حسين ، ثم من بعده علي بن الحسين ، ثم من بعده محمد بن علي ، ثم هكذا يكون الأمر . إن الأرض لا تصلح إلا بإمام ، ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ( 8 ) .

8 – الإمام الباقر ( عليه السلام ) : من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله جل وعز ظاهرا عادلا أصبح ضالا تائها ، وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق ( 9 ) .

9 – الإمام الصادق ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من مات وهو لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ، فعليكم بالطاعة ، قد رأيتم أصحاب علي ، وأنتم تأتمون بمن لا يعذر الناس بجهالته ، لنا كرائم القرآن ، ونحن أقوام افترض الله طاعتنا ولنا الأنفال ، ولنا صفو المال ( 10 ) .

10 – عنه ( عليه السلام ) : من مات وليس في رقبته بيعة لإمام مات ميتة جاهلية ( 11 ) .

11 – الإمام الكاظم ( عليه السلام ) : من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ، وحوسب بما عمل في الاسلام ( 12 ) .

12 – الإمام الرضا ( عليه السلام ) : من مات ولم يعرفهم – أي الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) – مات ميتة جاهلية ( 13 ) .

 

تحقيق حول أحاديث التحذير

يتفق المسلمون قاطبة على صحة الأحاديث التي تبين أن الموت بدون إمام ميتة جاهلية ، وليس بوسع أحد منهم التشكيك بصدور هذا المضمون عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وإن اختلفوا في المقصود منه ، وقد بلغت هذه الأحاديث حدا من الشهرة والاعتبار ، أضحى من المتعذر معه – حتى على أئمة الجور – إنكارها وجحودها ، ولذا لجأوا إلى استغلالها عن طريق تحريفها وتزييفها .

ويقول العلامة الأميني ( قدس سره ) بعد نقل هذه الأحاديث عن صحاح أهل السنة ومسانيدهم : ” هذه حقيقة راهنة أثبتتها الصحاح والمسانيد ، فلا ندحة عن البخوع لمفادها ، ولا يتم إسلام مسلم إلا بالنزول لمؤداها ، ولم يختلف في ذلك اثنان ، ولا أن أحدا خالجه في ذلك شك ، وهذا التعبير ينم عن سوء عاقبة من يموت بلا إمام وأنه في منتأى عن أي نجاح وفلاح ، فإن ميتة الجاهلية إنما هي شر ميتة ، ميتة كفر وإلحاد ” ( 14 ) .

ولتفسير هذا الحديث الشريف لا بد من بيان المقصود من عصر الجاهلية : فقد طرح القرآن الكريم وكذلك الأحاديث الإسلامية عصر رسالة النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) على أنه عصر علم وهداية ، وما سبق عهد البعثة على أنه عصر جهل وضلالة .

ذلك أن الناس – وبحكم ما طرأ على الأديان السماوية من تحريف وتزوير – لم يكونوا ليستهدوا سبل الهداية والرشاد . وأن ما هيمن على المجتمعات البشرية آنذاك باسم الدين لم يكن سوى ركام من الأوهام والخرافات . ولطالما كانت الأديان المحرفة والعقائد الواهية أداة بيد حكومات الجور والترف ، تتحكم من خلالها بمصير الانسان ، وهذا ما يؤكده تاريخ ما قبل الاسلام .

عند ذلك بزغت شمس عصر العلم بالبعثة المباركة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . حيث كان من أهم مسؤولياته ( صلى الله عليه وآله ) محاربة الخرافات والأباطيل واستجلاء الحقائق للناس ، فكان يرى من شخصه الكريم أبا لهذه الأمة يزكيها ويعلمها ، وهو يقول : إنما أنا لكم مثل الوالد ، أعلمكم ( 15 ) .

وقد كان ( صلى الله عليه وآله ) يرى نبوته موائمة لموازين العقل والعلم ، وسيتسنى للعلماء – إن هم تحروا دراستها – الوقوف بكل بساطة على صدق مدعاه في ارتباطه بعالم الغيب : * ( ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ) * ( 16 ) .

وقد كان ( صلى الله عليه وآله ) يحذر الناس وينذرهم من اتباع ما يرفضه العلم وتأباه المعرفة ، وهو يتلو عليهم كلام الله : * ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) * ( 17 ) .

بعد بيان هذه المقدمة يتضح لنا أن المقصود من ضرورة معرفة إمام كل عصر ليس هو قضية شخصية فحسب ، وأن الفرد المسلم إن مات وهو لا يعرف إمامه وقائده فهو ليس بمسلم حقيقي ، ومن ثم فإن إسلامه وكفره سيان ، بل إن القضية الأكثر أهمية التي تشير إليها هذه الأحاديث هي أن عصر العلم الذي بزغت شمسه ببعثة النبي ( صلى الله عليه وآله ) لا يمكنه الاستمرار إلا بمعرفة المسلمين – في أي عصر كانوا – لإمامهم واقتدائهم به .

وبعبارة أخرى : إن الإمامة هي الضامن والكفيل لاستمرار عصر العلم أو عصر الاسلام الأصيل . ومع فقدان هذا الضمان فإن المجتمع الإسلامي سيؤوب إلى ما كان عليه من جاهلية قبل الاسلام . وفي الحقيقة إن هذا الحديث هو إلهام للنظرة الثاقبة لهذه الآية : * ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ) * ( 18 ) .

ويبين النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حديث له يؤكد فيه على ضرورة معرفة الإمام : كيف يمكن أن تقهقر الأمة الإسلامية لتسقط في أوحال الجاهلية السابقة للإسلام ؟ ويبين إمكان وقوع هذه الظاهرة الخطيرة بالتخلي عن الإمامة والقيادة .

 

معرفة أي إمام ؟

ولربما أغنانا قليل من التأمل في مضمون الحديث – خصوصا مع ما مر من الشرح السابق – عن الإجابة عن هذا السؤال ، وأن إمامة أي إمام تضمن استمرار الاسلام الأصيل ، وأن فقدان المجتمع الإسلامي لأية إمامة هو تراجع إلى زمان الجاهلية .

فهل يمكننا أن نظن بأن مقصود النبي ( صلى الله عليه وآله ) هو وجوب معرفة واتباع أي شخص أخذ بزمام الأمور في المجتمع الإسلامي ؟ ! وأن من لم يعرف إماما كهذا ابتلي بالميتة الجاهلية ، دونما توجه إلى إمكان اتصاف هذا ” الإمام ” بالظلم ، فيغدو من أئمة النار حسب التعبير القرآني ؟ !

وبطبيعة الحال فقد حاول أئمة الجور ، في طول التاريخ الإسلامي ، أن يستندوا إلى هذا الحديث لتثبيت أركان حكومتهم وتبرير وجوب إطاعة الناس لهم . ولذا فإننا نرى أن معاوية بن أبي سفيان هو نفسه ممن روى هذا الحديث ( 19 ) .

ومن الطبيعي كذلك أن يعمد وعاظ السلاطين – بنفس تلك الدواعي – إلى تفسير كلام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لينطبق على إمامة أئمة الجور . غير أن من الواضح أن ذلك تلاعب بالألفاظ ، لا سوء استنباط من الحديث أو نقص دراية .

إنه لا يمكن أبدا أن نتصور أن عبد الله بن عمر – كما جاء في شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة – يحجم عن مبايعة الإمام علي ( عليه السلام ) لضعف بصيرته وسطحية تفكيره ، ثم يهرع ليلا – وتمسكا بحديث ” من مات بغير إمام ” الذي يعد هو من رواته – إلى الحجاج بن يوسف لمبايعة خليفة زمانه عبد الملك بن مروان ، لأنه يخشى أن يبيت ليلة بدون إمام !

يقول ابن أبي الحديد : إن عبد الله بن عمر امتنع من بيعة علي ( عليه السلام ) ، وطرق على الحجاج بابه ليلا ليبايع لعبد الملك كي لا يبيت تلك الليلة بلا إمام .

زعم لأنه روى عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : من مات ولا إمام له مات ميتة جاهلية ، وحتى بلغ من احتقار الحجاج له واسترذاله حاله أن أخرج رجله من الفراش ، فقال : أصفق بيدك عليها ( 20 ) !

أجل ، إن من لا يبايع أمير المؤمنين عليا ( عليه السلام ) – لأنه لا يعده إماما – لا بد أن يرى عبد الملك بن مروان إماما ، يوجب ترك بيعته الكفر والعودة إلى الجاهلية . ولا بد كذلك أن يصفق تحت جنح الظلام – خفة وصغارا – على رجل عامله السفاح الحجاج بن يوسف الثقفي ! هذا وقد آل الأمر بعبد الله بن عمر إلى أن يرى يزيد بن معاوية – مع كل ما جنت يداه بحق الاسلام وعترة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) – مصداقا للإمام في حديث ” من مات بغير إمام ” توجب مناوأته الكفر والارتداد .

روي أن أهل المدينة في سنة 63 ه‍ ثاروا على يزيد بن معاوية ، بعد فاجعة كربلاء في سنة 61 ه‍ ، وأدت ثورتهم هذه إلى نشوب واقعة الحرة ، فذهب عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع قائد قريش في هذه الثورة ، فأمر ابن مطيع بوسادة ودعا ابن عمر إلى الجلوس ، فقال له ابن عمر : لم آت لأجلس ، بل أتيت لأروي لك حديثا سمعته عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ( 21 ) .

فانظر أيها القارئ الكريم كيف يحرف كلام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بدهاء إلى الجهة المعاكسة للمقصود منه ! وذلك هو الداء الخبيث الذي حذر منه ( صلى الله عليه وآله ) في هذا الحديث وعشرات الأحاديث الأخرى ، ودعا الناس إلى إطاعة أئمة الحق والهدى .

وهكذا يحور إنذار النبي ( صلى الله عليه وآله ) على يد أرباب الزيف والدجل وأذنابهم ، ليستفاد من الحديث في الجهة المقابلة له ، وتستخدم نصوص الاسلام لهدم الاسلام . وهكذا ينقضي عصر العلم والإسلام في الأمة الإسلامية ، بتنكرها لمكانة أئمة الهدى وتناسيها لوصايا رسولها الكريم ( صلى الله عليه وآله ) ، لتؤوب إلى الكفر والجاهلية المقيتة .

وعلى هذا سيكون المقصود – بلا ريب – من الروايات التي تؤكد أن الموت بلا إمام ميتة جاهلية هو الإنذار من ترك التمسك بولاية أهل البيت ، التي جاءت بها أحاديث الثقلين والغدير ومئات الروايات الأخرى .
ـــــــــــــــــــــــ
( 1 ) مسند ابن حنبل : 6 / 22 / 16876 ، المعجم الكبير : 19 / 388 / 910 ، الملاحم والفتن : 153 كلها عن معاوية ، مسند أبي داود الطيالسي : 259 عن ابن عمر ، تفسير العياشي : 2 / 303 / 119 عن عمار الساباطي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، الاختصاص : 268 عن عمر بن يزيد عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) .
( 2 ) الكافي : 1 / 397 / 1 عن سالم بن أبي حفصة عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) ، وأيضا : 8 / 146 / 123 عن بشير الكناسي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، المعجم الأوسط : 6 / 70 / 5820 ، مسند أبي يعلى : 13 / 366 / 7375 كلاهما عن معاوية ، المعجم الكبير : 10 / 289 / 1687 عن ابن عباس .
( 3 ) الكافي : 2 / 20 / 6 ، ثواب الأعمال : 244 / 1 ، المحاسن : 1 / 252 / 475 كلها عن عيسى بن السري عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) .
( 4 ) صحيح مسلم : 3 / 1478 / 1851 ، السنن الكبرى : 8 / 270 / 16612 كلاهما عن عبد الله بن عمر ، المعجم الكبير : 19 / 334 / 769 عن معاوية .
( 5 ) عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 2 / 58 / 214 عن أبي محمد الحسن بن عبد الله الرازي التميمي عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن آبائه ( عليهم السلام ) ، كنز الفوائد : 1 / 327 .
( 6 ) كمال الدين : 413 / 15 .
( 7 ) النساء : 59 .
( 8 ) الكافي : 2 / 21 / 9 ، وراجع تفسير العياشي : 1 / 252 / 175 عن يحيى بن السري .
( 9 ) الكافي : 1 / 375 / 2 عن محمد بن مسلم .
( 10 ) المحاسن : 1 / 251 / 474 عن بشير الدهان .
( 11 ) أعلام الدين : 459 عن أبي بصير .
( 12 ) المناقب لابن شهرآشوب : 4 / 295 عن أبي خالد .
( 13 ) عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 2 / 122 / 1 عن شاذان بن جبرئيل ، وراجع الكافي : 1 / 376 باب من مات وليس له إمام من أئمة الهدى و 371 / 5 و 378 / 2 و 397 / 1 ، و : 8 / 146 / 123 ، المحاسن : 1 / 251 باب 22 من لا يعرف إمامه ، البحار : 23 / 76 باب 4 وجوب معرفة الإمام ، وراجع القسم الخامس / مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) / الفصل الأول ص 242 / 535 .
( 14 ) الغدير : 10 / 360 .
( 15 ) مسند ابن حنبل : 3 / 53 / 7413 ، سنن النسائي : 1 / 38 ، سنن ابن ماجة : 1 / 114 / 313 ، الجامع الصغير : 1 / 394 / 2580 .
( 16 ) سبأ : 6 .
( 17 ) الإسراء : 36 .
( 18 ) آل عمران : 144 .
( 19 ) راجع : ص 103 / 133 و 134 من كتابنا هذا .
( 20 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 13 / 242 .
( 21 ) صحيح مسلم : 3 / 1478 / 1851 وراجع : 103 / 136 من كتابنا هذا .