شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

محبة أهل البيت عليهم السلام

0 المشاركات 00.0 / 5

محبة أهل البيت عليهم السلام
سماحة السيد كمال الحيدري

من الواضح بأن متابعة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) فيما جاء به من الشريعة السمحاء ضرورة أساسية ، وأنّ هذه المتابعة كاشف إنّيّ عن حبّ العبد لمولاه ، وشرط حتميّ لمحبوبية المولى للعبد .

ومن الواضح أيضا بأنّ متابعة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) تعني الالتزام بأقواله وأفعاله ، التي منها أوامره المتتابعة بالتمسّك بالعترة الطاهرة ، وبذلك خلص لدينا أنّ متابعة النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) ومحبّتهم جميعاً ، كاشف عن الحبّ الحقيقيّ الذي يحمله العبد لمولاه ، وأنّ تلك المتابعة والمحبّة موجبة لتحقّق محبوبية المولى للعبد .

والآن نريد أن نقف قليلاً عند حقيقة هذا الحبّ وكيفية ترجمته ؟ بعبارة أخرى : لماذا هذا الحبّ ؟ وأيّ درجة منه تُطلب من المحبّ ؟

تقدّم منّا أنّ الإنسان خُلق مفطوراً على حبّ الكمال والسعي لاكتسابه ، وأنّ هذا الحبّ يمثّل درجة شديدة في وجوده ، فهو أمرٌ وجوديّ ذاتيّ شديد ، فلا يحتاج إلى تعليل ؛ لأنّ الذاتي لا يُعلّل ، والسؤال عنه هو بعينه سؤال عن أصل وجوده .

وفي ضوء ذلك يتبيّن لنا ، أنّ جميع الموارد والمواطن الكمالية ـ سواء كانت مُلكية أو ملكوتية (1) ، إنسية أو ملائكية ـ تقع هدفاً أمام سير الإنسان التكاملي ، يتزوّد بحسب مراتبها للوصول إلى الغاية العُليا ، وهي الكمال المطلق ، إذا أضفنا إلى ذلك أنّ الإنسان بحدّ ذاته هو مظهر من مظاهر أسماء الله الحُسنى ، حيث تجلّت فيه القدرة الإلهية والعلم والحياة والإبداع وغير ذلك .

ولاشكّ أنّ الإنسان كلّما حاز كمالات أكثر ، وبمراتب أعلى وأشدّ وأكبر ، فإنّ مظهرية الأسماء الحسنى فيه تشتدّ ، والعكس بالعكس .

ولاشكّ أنّ كلّ إنسان حائز على كمالات يكون محلّ جذب واستقطاب الآخرين له ، هذا فضلاً عمّن حاز كمالات أكثر وأشدّ وأكبر ، فكيف بمن خلت ساحته من أيّ قصور أو نقص ، سوى الفقر إلى الله تعالى ، فلا ريب أنّه سوف يكون قطب الرُّحى ، والنقطة الفريدة في مركز دائرة عالم الإمكان ، وهو الجوهر المنظور إليه من جميع أفلاك عالم الإمكان .

فإذا تعيّن لنا ـ كما هو ثابت في محلّه ـ أنّ أهل البيت (عليهم السلام) هم المصداق الأوّل والأشدّ لكلّ ما تقدّم ، وأنّهم حازوا كلّ الكمالات الوجودية السامية ، وأنّهم الأقرب إلى الكمال المطلق ، والفاقدون لكلّ مفقود سوى الفقر للغنيّ الفاقد لكلّ مفقود(2) ، ومن ينحدر عنهم السيل ولا يرقى إليهم الطير (3) , عُلم أنّ متابعة ومحبّة أهل البيت (عليهم السلام) قضية فُطر الناس عليها ، فالمتمسّك بهم ، والداعي لهم يكون عاملاً في ضوء فطرته الأولى .

وهكذا يتّضح لنا سبب حبّ أهل البيت (عليهم السلام) ، وأنّه أمرٌ وجوديّ فينا تبعاً لحبّ الكمال المتّصل بهم ، وعندئذ ينقطع السؤال عن سبب هذه المحبّة ، كانقطاعه عن أصل طلب الكمال وحبّه .

في ضوء ذلك سوف تنفتح أمامنا أسرار كثيرة وطلاسم (4) وفيرة ، لعلّ من أبرزها اشتراط الإقرار بالنبوّة للنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، والإمامة لعليّ وأهل بيته (عليهم السلام) على سائر الأنبياء السابقين ، والالتزام بولايتهم ، كما جاء في الأخبار المستفيضة (5) .

وهكذا سوف نعرف وجهاً آخر للحديث النبوي المعتبر (( يا عليّ أنت قسيم النار ، تقول هذا لي وهذا لكِ )) (6) ، وفي رواية أخرى : (( أنتَ قسيم الجنّة والنار ، في يوم القيامة تقول للنار : هذا لي ، وهذا لكِ )) (7) .

فهو الكمال المأمول ، من بلغه كان نصيبه الجنّة ، فطوبى لمن تمسّك بركبه وسار على نهجه ، وذلك هو الفوز العظيم ، والبؤس والحسرات لمن ضاقت نفسه ، وعجزت عن إراءة ذلك الكمال السامي لنفسه ، ولم يتّبع ما أنزل إليه من ربِّه ، فأولئك (( يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَـهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ )) (8) ، وأيّ حسرات تلك ! إنّها حسرات تتحطّم على جنباتها جبال الأرض ، وتلتهب منها نيران جهنّم ، على ما فرّط به وما أبداه من سخرية واستهزاء ، (( أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ المُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ المُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ )) (9) ، وهنالك يفرح المؤمنون ، ويخسر المبطلون .

عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنّه قال : (( أنا عين الله ، وأنا يد الله ، وأنا جنب الله ، وأنا باب الله )) (10) ، وعن الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) في قول الله عزّ وجلّ : (( يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ )) ، قال: (( جنب الله : أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وكذلك ما كان بعده من الأوصياء بالمكان الرفيع ، إلى أن ينتهي الأمر إلى آخرهم )) (11) .

وربّ قائل يقول : إذا كانت محبّة أهل البيت (عليهم السلام) أمراً فطريّاً ، فُطر عليه الإنسان في أصل وجوده ، فلماذا نرى أعداءهم كثيرين قد امتلأت بهم صفحات التأريخ ؟

والجواب هو : أنّ الإنسان قد تُرك له الخيار في الحياة الدُّنيا ، في تحديد من يتولاّهم أو يتبرّأ منهم ، وهذا لا ينافي فطرية أصل الشيء ، كما هو الحال في معرفة الله تعالى وتوحيده ، فإنّ الله تعالى قد خلق الخلق مفطورين على معرفته وتوحيده ، ولكنّنا مع ذلك نجد أنّ نسبة الملحدين والمشركين في الأرض من مجموع سكّانها ليست قليلة (12) ، ولا ريب أنّهم قد اعتقدوا وعملوا وفق إرادتهم الشخصية ، واختيارهم خلافاً لما فطروا عليه .

وقد تقدّم منّا ، أنّه لا منافاة بين فطرية الشيء ، واختيار الفاعل لغيره ، وفي ذلك أمثلة كثيرة لا يسع المقام لذكرها ، ونكتفي بما تقدّم من مثال معرفة الله وتوحيده .

____________________________

(1) أي سواء كانت من عالم الملك أو الملكوت ، والملك هو عالم الشهادة والمادّة والحسّ ، والملكوت هو عالم الغيب ، انظر : لطائف الأعلام في إشارات أهل الإلهام ، ص551 . 

(2) جاء في بعض الأدعية المأثورة عن أهل البيت (عليهم السلام) : (( وشاهد كلّ مشهود ، ومُوجد كلّ موجود ، ومُحصي كلّ معدود ، وفاقد كلّ مفقود ، ليس دونك من معبود ... )) .

انظر : مصباح المتهجّد لشيخ الطائفة الطوسي ، نشر مؤسّسة فقه الشيعة ، الطبعة الأولى ، 1411هـ ، بيروت : ص804 .

(3) جاء في الخطبة الشقشقية لأمير المؤمنين (عليه السلام) : (( ينحدر عنّي السيل ولا يرقى إليَّ الطير ... )) ، نهج البلاغة ، تحقيق محمد عبده : ج1 ص31 .

(4) جمع طلسم ، وهو اسم للسرّ المكتوم ، انظر : تاج العروس من جواهر القاموس ، لمحمّد مرتضى الزبيدي ، نشر مكتبة الحياة ، بيروت : ج8 ص381 .

(5) قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) يوم أسري به : (( أتاني ملك فقال لي : يا محمّد ، سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بُعثوا ؟ قلت : على ما بُعثوا ؟ قال : على ولايتك وولاية عليّ بن أبي طالب )) ، انظر : معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري ، نشر دار الآفاق الجديدة ، بيروت ، الطبعة الرابعة ، 1400هـ : ص96 .

وأيضاً : مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ، طبع مكتبة الحيدرية ، 1956م ، النجف الأشرف : ج1 ص247 .

مئة منقبة من مناقب أمير المؤمنين ، للشيخ محمّد بن أحمد بن الحسن بن شاذان القمّي ، نشر وتحقيق مدرسة الإمام الهادي ، الطبعة الأولى ، 1407 هـ ، قم : ص150 .

كنز الفوائد للكراجكي ، نشر مكتبة المصطفوي ، الطبعة الأولى ، قم : ص258.

الصراط المستقيم لعليّ بن يونس العاملي ، تحقيق محمد باقر البهبودي ، نشر المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية ، الطبعة الأولى ، 1384 هـ : ج2 ص240.

المحتضر لحسن بن سليمان الحلّي ، نشر المطبعة الحيدرية ، الطبعة الأولى ، 1951م ، النجف الأشرف : ص125.

الاستنصار لأبي الفتح الكراجكي ، نشر دار الأضواء ، الطبعة الثانية ، 1405 هـ ، بيروت : ص36 .

 بحار الأنوار : ج15 ص247 ، ج18 ص297 ، ج26 ص301- 307، 318 .

الغدير للأميني : ج1 ص388 .

مناقب الخوارزمي : ص312 .

شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ، تحقيق محمد باقر البهبودي ، نشر مجمع إحياء التراث الإسلامي ، إيران : ج2 ص223 .

تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ، تحقيق علي شيري ، نشر دار الفكر ، 1415 هـ ، بيروت : ج42 ص241 .

بشارة المصطفى لمحمّد بن علي الطبري ، تحقيق جواد القيّومي ، نشر مؤسسة النشر الإسلامي ، الطبعة الأولى ، 1420 هـ ، قم: ص311 ، وكتب أخرى يطول المقام بذكرها . 

(6) تفسير القمّي لأبي الحسن علي بن إبراهيم القمّي ، مؤسّسة دار الكتاب ، الطبعة الثالثة ، 1404هـ ، قم : ج2 ص389 .

(7) الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي ، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف ، نشر شركة الطباعة الفنّية المتّحدة ، 1965م، القاهرة : ص75 .

جدير بالذكر أنّ هذا الحديث النبويّ الشريف ورد بشكل مستفيض في كتب الفريقين ، ولشهرته يقول ابن أبي الحديد : ( فقد جاء في حقّه الخبر الشائع المستفيض أنّه قسيم النار والجنّة ، وذكر أبو عبيد الهروي في الجمع بين الغريبين : إنّ قوماً من أئمّة العربية فسّروه فقالوا : لأنّه لمّا كان محبّه من أهل الجنّة ، ومبغضه من أهل النار ، كان بهذا الاعتبار قسيم النار والجنّة ، قال أبو عبيد : وقال غير هؤلاء : بل هو قسيمهما بنفسه في الحقيقة ، يُدخل قوماً إلى الجنّة ، وقوماً إلى النار ، وهذا الذي ذكره أبو عبيد أخيراً ، هو ما يطابق الأخبار الواردة فيه ، يقول للنار : هذا لي فدعيهِ ، وهذا لكِ فخذيه ) .

نهج البلاغة شرح ابن أبي الحديد : ج9 ص165.

وقد سُئل أحمد بن حنبل عن الحديث ( يا أبا عبد الله ! ما تقول في هذا الحديث الذي يُروى أنّ عليّاً قال : أنا قسيم النار ؟ فقال أحمد : وما تنكرون من هذا الحديث ؟ أليس روينا أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وسلم) قال : (( يا عليّ ! لا يحبّك إلاّ مؤمن ،  ولا يبغضك إلاّ منافق ؟ ) قلنا : بلى ، قال : فأين المؤمن ؟ قلنا : في الجنّة ، قال : فأين المنافق ؟ قلنا : في النار ، قال : فعليّ قسيم النار . انظر : الغدير : ج3 ص299 .

ولشهرة هذا الحديث النبويّ ، جاء في الأذكار والأدعية والزيارات والأشعار ، حتّى اشتهر على الألسن بيتان من الشعر منسوبان للإمام الشافعي ، حيث كان ينشد قائلاً :

علي حُبّه جُنّة *** قسيم النار والجنّة

وصيّ المصطفى حقّاً *** إمام الإنس والجِنّة

انظر : ينابيع المودّة للحافظ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي ، منشورات الشريف الرضيّ ، الطبعة الثانية ، 1417هـ ، قم : ص98 ، علماً أنّ الحافظ القندوزي قد عقد باباً مستقلاًّ لهذا الحديث في كتابه هذا ، حيث بيّن فيه أنّ عليّاً (عليه السلام) هو قسيم النار والجنّة .

ورحم الله تعالى نقيب الطالبيين الشريف الرضي حيث كان يقول :

قسيم النـار جـدّي يـوم يـلفى ***  به باب النجاة من الـعذابِ

وساقي الخلق والمهجات حرّى *** وفاتحة الصراط إلى الحسابِ

انظر : حقائق التأويل في متشابه التنزيل للشريف الرضي ، شرح محمد الرضا آل كاشف الغطاء ، نشر دار المهاجر ، بيروت : ص73 .

(8) البقرة : 167.

(9) الزمر: 56 ـ 59.

(10) أصول الكافي : ج1، ص145، ح8 . 

(11) المصدر السابق: ج1، ص145، ح9.

والجنب هو القُرب ، وقوله : (( علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ )) ، أي في قرب الله . انظر : لسان العرب : ج1 ص275 .

وقد كنّي عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) بالجنب لشدّة قربه من الله تعالى ، وهذا هو المعنى الذي كان سيّدنا الأستاذ بصدد تعريفه وإيصاله ، وهو أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ، هو الكمال المُوصل إلى الكمال المطلق بلا فاصلة ، فهو جنب الله وفي جواره .

(12) ففي الصين ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ يُوجد زهاء مليار إنسان غير موحِّد (وثنيّ) ، ونصف هذا العدد تجده في الهند ، فضلاً عن الغالبية العظمى من سكّان اليابان والكوريتين ، وجملة من دول أفريقيا ، فكلّ هؤلاء لم يخرجوا عن أصل فطرة التوحيد في خلقهم ، ولكنّهم اثّاقلوا إلى الأرض ، بعدما أُمروا بالنظر في أمور دينهم ، ولعلّهم لم تصل إليهم المعارف كما ينبغي ، والتي لا تخرج عن كونها منبّهات لذلك الأمر الفطري ، الذي غيّبه الركون إلى الدنيا ، والانغماس في ملذّاتها .

---------------------------------

مراجعة وضبط النص شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) للتراث والفكر الإسلامي .

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية