روايات في الخصائص الأخلاقية للإمام علي (ع) 3

زينة الزهد

1 – رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا عليّ ، إنّ الله تعالى قد زيّنك بزينة لم تُزيّن العبادُ بزينة أحبّ إلى الله تعالى منها ؛ هي زينة الأبرار عند الله عزّ وجلّ : الزهد في الدنيا ، فجعلك لا ترزأ ( 1 ) من الدنيا شيئاً ، ولا تزرأ الدنيا منك شيئاً ، ووهب لك حبّ المساكين ، فجعلك ترضى بهم أتباعاً ، ويرضون بك إماماً ( 2 ) .

2 – عنه ( صلى الله عليه وآله ) : يا عليّ ، إنّ الله قد زيّنك بزينة لم يَتزيّن العبادُ بزينة أحبّ إلى الله منها ؛ الزهد في الدنيا ، فجعلك لا تَنال من الدنيا شيئاً ، ولا تَنال الدنيا منك شيئاً ، ووهب لك حبّ المساكين ، فرضوا بك إماماً ، ورضيت بهم أتباعاً ، فطوبى لمن أحبّك وصدّق فيك ، وويلٌ لمن أبغضك وكذب عليك ؛ فأمّا الذين أحبّوا وصدّقوا فيك فهم جيرانك في دارك ، ورفقاؤك في قصرك ، وأمّا الذين أبغضوك وكذبوا عليك فحقّ على الله أن يوقفهم موقف الكذّابين يوم القيامة ( 3 ) .

3 – عنه ( صلى الله عليه وآله ) – لعليّ ( عليه السلام ) – : إنّ الله زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بشيء أحبّ إلى الله منها ، ولا أبلغ عنده منها ؛ الزهد في الدنيا ، وإنّ الله قد أعطاك ذلك ، جعل الدنيا لا تَنال منك شيئاً ، وجعل لك من ذلك سيماء تعرف بها ( 4 ) .

4 – الإمام عليّ ( عليه السلام ) – في كتابه إلى عامله على البصرة عثمان بن حنيف – : ألا وإنّ لكلّ مأموم إماماً يقتدي به ، ويستضئ بنور علمه ، ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطِمرَيه ( 5 ) ، ومن طُعمه بقُرصَيه ، ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك ، ولكن أعينوني بورع واجتهاد ، وعفّة وسداد . فوَالله ما كنزتُ من دنياكم تِبراً ( 6 ) ، ولا ادّخرتُ من غنائمها وَفْراً ( 7 ) ، ولا أعددتُ لبالي ثوبي طِمراً .

بلى ! كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السماء ، فشَحّت عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس قوم آخرين ، ونِعْمَ الحكمُ الله . وما أصنعُ بفدك وغير فدك ، والنفسُ مظانُّها في غد جَدَث ، تنقطعُ في ظلمته آثارها ، وتغيبُ أخبارها ، وحفرةٌ لو زِيدَ في فُسحتها ، وأوسعت يَدا حافرها ، لأضغطها الحجر والمدر ، وسَدّ فُرجها التراب المتراكم .

وإنّما هي نفسي أروضها بالتقوى ؛ لتأتي آمنةً يوم الخوف الأكبر ، وتثبتُ على جوانب المزلق . . . .

ولو شئتُ لاهتديتُ الطريق إلى مصفّى هذا العسل ، ولُبابِ هذا القمح ، ونَسائج هذا القزّ ، ولكن هيهاتَ أن يغلبني هواي ، ويقودني جشعي إلى تَخيّر الأطعمة ، ولعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ، ولا عهد له بالشبع ، أو أبيت مبطاناً وحولي بُطونٌ غرثى وأكبادٌ حرّى ، أو أكون كما قال القائل :

وحَسبُكَ داءً أن تَبيتَ بِبِطنة * وحَولُك أكبادٌ تَحِنُّ إلى القِدِّ

أأقنع من نفسي بأن يقال : هذا أمير المؤمنين ، ولا أُشاركهم في مكاره الدهر ، أو أكون أُسوةً لهم في جشوبة العيش ! فما خُلقتُ ليشغلني أكل الطيّبات ، كالبهيمة المربوطة ؛ همّها علفها ، أو المُرسَلة ؛ شغلها تَقمُّمها ، تكترش من أعلافها ، وتلهو عمّا يُراد بها ، أو أُترك سدىً ، أو أُهمل عابثاً ، أو أجرّ حبل الضلالة ، أو أعتسفُ طريق المتاهة ! . . .

إليكِ عنّي يا دنيا ، فحبلكِ على غاربكِ ، قد انسللتُ من مخالبكِ ، وأفلَتُّ من حبائلكِ ، واجتنبتُ الذهاب في مداحضِك ، أين القرون الذين غَررتِهم بمَداعبك ! أين الأُمم الذين فتنتِهم بزَخارفكِ ! فها هم رهائن القبور ، ومضامين اللحود . والله لو كنتِ شخصاً مرئيّاً ، وقالباً حسّيّاً ، لأقمتُ عليكِ حدود الله في عباد غررتِهم بالأماني ، وأُمم ألقيتِهم في المهاوي ، وملوك أسلمتِهم إلى التلف ، وأوردتِهم موارد البلاء ، إذ لا ورد ولا صدر ! هيهات ! من وَطئ دَحضكِ زَلق ، ومن ركب لججك غرق ، ومن ازوَرَّ عن حبائلكِ وُفّق ، والسالم منك لا يُبالي إن ضاق به مناخُه ، والدنيا عنده كيوم حان انسلاخُه .

اعزُبي عنّي ! فوَالله لا أذلّ لك فتستذلّيني ، ولا أسلسُ لك فتقوديني . وأيم الله – يميناً استثني فيها بمشيئة الله – لأروضنّ نفسي رياضةً تهشُّ معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوماً ، وتقنعُ بالملح مأدوماً ، ولأَدعنّ مقلتي كعين ماء نضب معينُها ، مستفرغةً دموعها .

أتمتلئ السائمة من رعيها فتبرك ، وتشبع الربيضة من عشبها فتربض . ويأكل عليٌّ من زاده فيهجع ؟ ! قرّت إذاً عينه إذا اقتدى – بعد السنين المتطاولة – بالبهيمة الهاملة ، والسائمة المرعيّة .

طوبى لنفس أدّت إلى ربّها فرضَها ، وعَرَكت ( 8 ) بجنبها بؤسها ، وهجرت في الليل غُمضَها ، حتى إذا غلب الكَرى عليها افترشَت أرضَها ، وتَوسّدت كفّها ، في معشر أسهر عيونَهم خوفُ معادهم ، وتجافَت عن مضاجعهم جنوبُهم ، وهَمهَمت بذِكر ربّهم شفاهُهم ، وتقشّعت بطول استغفارهم ذنوبهم ؛ ( أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ( 9 ) .

فاتّقِ الله يا بن حنيف ، ولتكفُف أقراصُك ، ليكون من النار خلاصُك ( 10 ) .

5 – عنه ( عليه السلام ) : والله ما دنياكم عندي إلاّ كسفر على منهل حلّوا ، إذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا ، ولا لذاذَتها في عيني إلاّ كحميم أشربه غسّاقاً ، وعلقم أتجرّعه زُعاقاً ، وسمّ أفعى أُسقاه دهاقاً ، وقلادة من نار أُوهقها ( 11 ) خناقاً .

ولقد رَقعتُ مِدرعتي هذه حتى استحييتُ من راقعها ، وقال لي : اقذف بها قذف الأُتُن ، لا يرتضيها ليرقعها . فقلت له : اغرُب عنّي فعند الصباح يحمد القوم السرى ( 12 ) ، وتنجلي عنّا علالات الكرى .

ولو شئت لتسربلت بالعبقريُ المنقوش من ديباجكم ، ولأَكلتُ لُبابَ هذا البُرّ بصدور دجاجكم ، ولشربتُ الماء الزلال برقيق زجاجكم ، ولكنّي أصدّق الله جلّت عظمته حيث يقول : ( مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَلَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى الآَخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ ) ( 13 ) .

فكيف أستطيع الصبر على نار لو قذفت بشررة إلى الأرض لأحرقت نبتَها ! ولو اعتصمت نفس بقُلّة لأنضجها وهج النار في قُلّتها ! وأيّما خير لعليّ أن يكون عند ذي العرش مقرّباً ، أو يكون في لظى خسيئاً مُبعداً مسخوطاً عليه بجُرمه مكذّباً ! ( 14 )

6 – عنه ( عليه السلام ) : دنياكم هذه أزهد عندي من عفطةِ عنز ( 15 ) .

7 – عنه ( عليه السلام ) : والله لَدنياكم هذه أهون في عيني من عُراقِ ( 16 ) خنزير في يدِ مجذوم ( 17 ) .

8 – عنه ( عليه السلام ) : إنّ دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة ، تَقضِمُها ، ما لعليٍّ ولنعيم يفنى ، ولذّة لا تبقى ! ( 18 ) .

9 – عنه ( عليه السلام ) – حين عزموا على بيعة عثمان – : والله لأُسلمنّ ما سَلمت أُمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلاّ عليَّ خاصّة ؛ التماساً لأجر ذلك وفضله ، وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه ( 19 ) .

10 – المحاسن عن حبّة العرني : أُتي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بخِوان ( 20 ) فالوذج ، فوُضع بين يديه ، فنظر إلى صفائه وحسنه ، فوَجأ بإصبعه فيه حتى بلغ بأسفله ، ثمّ سلّها ولم يأخذ منه شيئاً ، وتلمّظ إصبعه ، وقال : إنّ الحلال طيّب ، وما هو بحرام ، ولكنّي أكره أن أُعوّد نفسي ما لم أُعوّدها ، ارفعوه عنّي ، فرفعوه ( 21 ) .

11 – شرح الأخبار عن الزهري : لقد بلغنا أنّه [ عليّ ( عليه السلام ) ] اشتهى كبداً مشويّة على خبزة لبنة ( 22 ) ، فأقام حولاً يشتهيها . ثمّ ذكر ذلك الحسن ( عليه السلام ) يوماً وهو صائم ، فصنعها له ، فلمّا أراد أن يفطر قرّبها إليه ، فوقف سائل بالباب ، فقال : يا بنيّ احملها إليه ؛ لا تُقرأ صحيفتنا غداً ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَتِكُمْ فِى حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا ) ( 23 ) ( 24 ) .

12 – الإمام عليّ ( عليه السلام ) – حين رُئي عليه إزار خَلق مرقوع فقيل له في ذلك – : يخشع له القلب ، وتذلّ به النفس ، ويقتدي به المؤمنون . إنّ الدنيا والآخرة عدوّان متفاوتان ، وسبيلان مختلفان ، فمن أحبّ الدنيا وتولاّها أبغض الآخرة وعاداها ، وهما بمنزلة المشرق والمغرب وماش بينهما ؛ كلّما قرب من واحد بعد من الآخر ، وهما بعد ضرّتان ( 25 ) .

13 – الزهد عن أبي النوار بيّاع الكرابيس : أتاني عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ومعه غلام له ، فاشترى منّي قميصَي كرابيس ، ثمّ قال لغلامه : اختَر أيّهما شئت . فأخذ أحدهما ، وأخذ عليّ ( عليه السلام ) الآخر ، فلبسه ، ثمّ مدّ يده ، ثمّ قال : اقطع الذي يفضل من قدر يدي ، فقطعه ، وكفّه فلبسه ثمّ ذهب ( 26 ) .

14 – الإمام عليّ ( عليه السلام ) : والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها ، ولقد قال لي قائل : ألا تَنبذها عنك ؟ فقلت : اغرب عنّي ، فعند الصباح يحمد القوم السُّرى ( 27 ) .

15 – تاريخ دمشق عن العلاء : خطب عليّ ( عليه السلام ) ، قال : أيّها الناس ، والله الذي لا إله إلاّ هو ، ما رزأتُ من مالكم قليلاً ولا كثيراً إلاّ هذه – وأخرج قارورةً من كُمّ قميصه فيها طيب ، فقال : أهداها إليَّ دهقان – ( 28 ) .

16 – الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ما اعتلج على عليّ ( عليه السلام ) أمران لله قطّ إلاّ أخذ بأشدّهما ، وما زال عندكم يأكل ممّا عملت يده ، يؤتى به من المدينة . وإن كان ليأخذ السويق فيجعله في الجراب ، ثمّ يختم عليه ؛ مخافة أن يزاد فيه من غيره . ومن كان أزهد في الدنيا من عليّ ( عليه السلام ) ! ( 29 )

17 – عنه ( عليه السلام ) : حدّثني محمّد بن عليّ بن الحسين ( عليه السلام ) قال : لمّا تجهّز الحسين ( عليه السلام ) إلى الكوفة أتاه ابن عبّاس ، فناشده الله والرحم أن يكون هو المقتول بالطفّ ، فقال : [ أنا أعرف ] ( 30 ) بمصرعي منك ، وما وكدي من الدنيا إلاّ فراقها .

ألا أُخبرك يا بن عبّاس بحديث أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والدنيا ؟ فقال له : بلى ، لعمري إنّي لأُحبّ أن تحدّثني بأمرها .

فقال أبي : قال علي بن الحسين ( عليه السلام ) : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : حدّثني أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، قال : إنّي كنت بفدك في بعض حيطانها ، وقد صارت لفاطمة ( عليها السلام ) – قال : – فإذا أنا بامرأة قد قَحمت عليّ وفي يدي مسحاة وأنا أعمل بها ، فلمّا نظرت إليها طار قلبي ممّا تداخلني من جمالها ، فشبّهتها ببثينة بنت عامر الجمحي – وكانت من أجمل نساء قريش – .

فقالت : يا بن أبي طالب ، هل لك أن تتزوّج بي فأُغنيك عن هذه المسحاة ، وأدلّك على خزائن الأرض ، فيكون لك الملك ما بقيت ولعقبك من بعدك ؟ فقال لها علي ( عليه السلام ) : من أنتِ حتى أخطبكِ من أهلك ؟ فقالت : أنا الدنيا . قال لها : فارجعي واطلبي زوجاً غيري ، وأقبلتُ على مسحاتي ، وأنشأت أقول :

لقد خاب من غَرّتْهُ دنيا دنيّةً * وما هيَ إن غَرّتْ قروناً بنائلِ

أتَتنا على زِيِّ العزيز بثينة * وزينتها في مثل تلك الشَّمائلِ

فقلت لها غُرّي سوايَ فإنّني * عَزوفٌ عن الدنيا ولستُ بجاهلِ

وما أنا والدنيا فإنّ محمّداً * أُحلّ صريعاً بين تلكَ الجَنادلِ

وهَبْها أتَتْني بالكُنوز ودُرِّها * وأموال قارون وملك القَبائلِ

أليسَ جَميعاً للفناءِ مَصيرُها * ويطلبُ من خُزّانها بالطَّوائلِ

فغُرِّي سِوايَ إنّني غيرُ راغب * بما فيكِ من مُلك وعِزٍّ ونائلِ

فقد قنعت نفسي بما قد رُزقته * فشَأنكِ يا دُنيا وأهلَ الغَوائلِ

فإنّي أخاف الله يوم لقائهِ * وأخشى عذاباً دائماً غير زائلِ ( 31 )

فخرج من الدنيا وليس في عنقه تبعة لأحد ، حتى لقي الله محموداً غير ملوم ولا مذموم ، ثمّ اقتدت به الأئمّة من بعده بما قد بلغكم ، لم يتلطّخوا بشيء من بوائقها ، عليهم السلام أجمعين ، وأحسن مثواهم ( 32 ) .

18 – المناقب لابن شهر آشوب – في الإمام علي ( عليه السلام ) – : سأله أعرابي شيئاً ، فأمر ( عليه السلام ) له بألف ، فقال الوكيل : من ذهب أو فضّة ؟ فقال ( عليه السلام ) : كلاهما عندي حجران ، فأعطِ الأعرابي أنفعهما له ( 33 ) .

19 – الكامل في التاريخ : إنّه [ عليّاً ( عليه السلام ) ] أخرج سيفاً له إلى السوق ، فباعه ، وقال : لو كان عندي أربعة دراهم ثمنَ إزار لم أبِعه .

وكان لا يشتري ممّن يعرفه ، وإذا اشترى قميصاً قدّر كمّه على طول يده وقطع الباقي ( 34 ) .

20 – مكارم الأخلاق عن مجمع : إنّ عليّاً ( عليه السلام ) أخرج سيفه ، فقال : من يرتهن سيفي هذا ؟ أما لو كان لي قميص ما رهنتُه . فرهنه بثلاثة دراهم ، فاشترى قميصاً سنبلانيّاً ، كمّه إلى نصف ذراعيه ، وطوله إلى نصف ساقيه ( 35 ) .

21 – خصائص الأئمّة ( عليهم السلام ) : قال [ عليّ ] ( عليه السلام ) يوماً على منبر الكوفة : ” من يشتري منّي سيفي هذا ، ولو أنّ لي قوت ليلة ما بعتُه ” ، وغلّة صدقته تشتمل حينئذ على أربعين ألف دينار في كلّ سنة ( 36 ) .

22 – الإمام الحسن ( عليه السلام ) – بعد شهادة أبيه ( عليه السلام ) – : ما ترك على أهل الأرض صفراء ولا بيضاء إلاّ سبعمائة درهم ؛ فضلتْ من عطاياه ، أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله ( 37 ) .

23 – الاستيعاب : قد ثبت عن الحسن بن عليّ ( عليهما السلام ) من وجوه أنّه قال : لم يترك أبي إلاّ ثمانمائة درهم أو سبعمائة فضلت من عطائه ، كان يعدّها لخادم يشتريها لأهله . وأمّا تقشّفه في لباسه ومَطعمه فأشهَر ( 38 ) .

24 – مروج الذهب : قال بعضهم : ترك لأهله مائتين وخمسين درهماً ، ومصحفه ، وسيفه ( 39 ) .

25 – مقتل الإمام أمير المؤمنين عن قبيصة بن جابر : ما رأيت أزهد في الدنيا من عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ( 40 ) .

26 – الكامل في التاريخ عن الحسن بن صالح : تذاكروا الزهّادَ عند عمر بن عبد العزيز ، فقال عمر : أزهدُ الناس في الدنيا عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ( 41 ) .

27 – شرح نهج البلاغة : وهو الذي كان يكنس بيوتَ الأموال ، ويصلّي فيها .

وهو الذي قال : يا صفراء ويا بيضاء غرّي غيري . وهو الذي لم يخلّف ميراثاً ، وكانت الدنيا كلّها بيده إلاّ ما كان من الشام ( 42 ) .

28 – شرح نهج البلاغة : أمّا الزهد في الدنيا فهو سيّد الزهّاد ، وبدل الأبدال ، وإليه تُشدّ الرحال ، وعنده تنفض الأحلاس ، ما شبع من طعام قطّ ، وكان أخشن الناس مأكلاً وملبساً .

قال عبد الله بن أبي رافع : دخلت إليه يوم عيد ، فقدّم جراباً مختوماً ، فوجدنا فيه خبز شعير يابساً مرضوضاً ، فقُدّم ، فأكل . فقلت : يا أمير المؤمنين ، فكيف تختمه ؟ قال : خفتُ هذين الولدَين أن يلُتّاه ( 43 ) بسمن أو زيت .

وكان ثوبه مرقوعاً بجلد تارة ، وليف أُخرى ، ونعلاه من ليف . وكان يلبس الكرباس الغليظ ، فإذا وجد كُمّه طويلاً قطعه بشفرة ، ولم يُخِطه ، فكان لا يزال متساقطاً على ذراعيه حتى يبقى سدىً لا لُحْمَة له .

وكان يأتدم – إذا ائتدم – بخلّ أو بملح ، فإن ترقّى عن ذلك فبعض نبات الأرض ، فإن ارتفع عن ذلك فبقليل من ألبان الإبل . ولا يأكل اللحم إلاّ قليلاً ، ويقول : ” لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوان ” . وكان مع ذلك أشدّ الناس قوّةً ، وأعظمهم أيداً ( 44 ) ، لا ينقض الجوع قوّته ، ولا يُخوِّن ( 45 ) الإقلال منّته .

وهو الذي طلّق الدنيا ، وكانت الأموال تُجبى إليه من جميع بلاد الإسلام إلاّ من الشام ، فكان يفرّقها ويمزّقها ، ثمّ يقول : هذا جنايَ وخيارُه فيه * إذ كُلّ جان يَده إلى فيه ( 46 ) ( 47 )
ـــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) ما رَزَأْنا منه : ما نَقَصْنا منه شيئاً ، ولا أخذنا ( النهاية : 2 / 218 ) .
( 2 ) حلية الأولياء : 1 / 71 ، ذخائر العقبى : 179 ، شواهد التنزيل : 1 / 517 / 548 نحوه إلى ” المساكين ” وكلّها عن عمّار .
( 3 ) تاريخ دمشق : 42 / 281 وص 282 نحوه ، أُسد الغابة : 4 / 96 / 3789 ، المعجم الأوسط : 2 / 337 / 2157 ، المناقب للخوارزمي : 116 / 126 كلاهما نحوه ، المناقب لابن المغازلي : 106 / 148 ، الفردوس : 5 / 319 / 8311 نحوه وكلاهما إلى ” منك شيئاً ” ؛ الأمالي للطوسي : 181 / 303 ، بشارة المصطفى : 98 ، شرح الأخبار : 1 / 151 / 87 والثلاثة الأخيرة نحوه وكلّها عن عمّار ، روضة الواعظين : 479 وفيه إلى ” من الدنيا شيئاً ” .
( 4 ) المحاسن : 1 / 454 / 1046 ، مشكاة الأنوار : 207 / 560 كلاهما عن أبي أيّوب الأنصاري .
( 5 ) الطِّمْر : الثوب الخَلَق ( النهاية : 3 / 138 ) .
( 6 ) التِّبْر : هو الذهب والفضّة قبل أن يُضربا دنانير ودراهم ، وقد يطلق التِّبْر على غيرهما من المعدنيّات ؛ كالنحاس والحديد والرصاص ، وأكثر اختصاصه بالذهب ( النهاية : 1 / 179 ) .
( 7 ) الوَفْر : المال الكثير ( النهاية : 5 / 210 ) .
( 8 ) عرك البعيرُ جنبَه بمرفقه : إذا دلكه فأثّر فيه ( النهاية : 3 / 222 ) .
( 9 ) المجادلة : 22 .
( 10 ) نهج البلاغة : الكتاب 45 .
( 11 ) الوَهَق : حبل كالطِّوَل ؛ تُشدّ به الإبل والخيل لئلاّ تنِدّ ( النهاية : 5 / 233 ) .
( 12 ) عند الصباح يحمد القوم السُّرى : مثلٌ يُضربُ للرجل يحتمل المشقّة رجاء الراحة ( مجمع الأمثال : 2 / 318 / 2382 ) .
( 13 ) هود : 15 و 16 .
( 14 ) الأمالي للصدوق : 718 / 988 عن المفضّل بن عمر عن الإمام الصادق عن آبائه ( عليهم السلام ) .
( 15 ) نهج البلاغة : الخطبة 3 ، معاني الأخبار : 362 / 1 ، علل الشرائع : 151 / 12 ، الإرشاد : 1 / 289 والثلاثة الأخيرة عن ابن عبّاس ، الأمالي للطوسي : 374 / 803 عن زرارة عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) عن ابن عبّاس وعن الإمام الباقر عن أبيه عن جدّه عنه ( عليهم السلام ) ، نثر الدرّ : 1 / 275 وفيه ” أهون ” بدل ” أزهد ” .
( 16 ) العَرْق : العظم إذا أُخذ عنه معظم اللحم ، وجمعه : عُراق ( النهاية : 3 / 220 ) .
( 17 ) نهج البلاغة : الحكمة 236 .
( 18 ) نهج البلاغة : الخطبة 224 ، الأمالي للصدوق : 722 / 988 عن المفضّل بن عمر عن الإمام الصادق عن آبائه ( عليهم السلام ) عنه ( عليه السلام ) وفيه ” ولذّة تنتجها المعاصي ” بدل ” ولذّة لا تبقى ” ؛ تذكرة الخواصّ : 156 عن ابن عبّاس وفيه إلى ” جرادة ” .
( 19 ) نهج البلاغة : الخطبة 74 .
( 20 ) الخِوَان : هو ما يوضع عليه الطعام عند الأكل ( النهاية : 2 / 89 ) .
( 21 ) المحاسن : 2 / 178 / 1502 ، المناقب لابن شهر آشوب : 2 / 99 نحوه .
( 22 ) كذا في المصدر ، ولعلّ الصحيح : ” ليّنة ” .
( 23 ) الأحقاف : 20 .
( 24 ) شرح الأخبار : 2 / 362 / 720 .
( 25 ) نهج البلاغة : الحكمة 103 ، خصائص الأئمّة ( عليهم السلام ) : 96 .
( 26 ) الزهد لابن حنبل : 165 ، فضائل الصحابة لابن حنبل : 1 / 544 / 911 ، أُسد الغابة : 4 / 97 / 3789 ، شرح نهج البلاغة : 9 / 235 ؛ عوالي اللآلي : 1 / 278 / 109 كلاهما نحوه .
( 27 ) نهج البلاغة : الخطبة 160 ، مجمع البيان : 9 / 133 ، غرر الحكم : 7345 ، إرشاد القلوب : 19 ، المناقب لابن شهر آشوب : 2 / 101 نحوه وفيها ” اعزب ” بدل ” اغرب ” .
( 28 ) تاريخ دمشق : 42 / 480 ، حلية الأولياء : 1 / 81 نحوه ، البداية والنهاية : 8 / 2 ، كنز العمّال : 13 / 168 / 36510 ؛ خصائص الأئمّة ( عليهم السلام ) : 79 نحوه وراجع أنساب الأشراف : 2 / 372 وحلية الأولياء : 9 / 53 .
( 29 ) الغارات : 1 / 81 ؛ شرح نهج البلاغة : 2 / 201 كلاهما عن معاوية بن عمّار .
( 30 ) ما بين المعقوفين سقط من المصدر وأثبتناه من بحار الأنوار .
( 31 ) وقع تصحيف في بعض الألفاظ فصحّحناها من بحار الأنوار .
( 32 ) كشف الريبة : 89 ، بحار الأنوار : 75 / 362 / 77 وراجع المناقب لابن شهر آشوب : 2 / 102 .
( 33 ) المناقب لابن شهر آشوب : 2 / 118 .
( 34 ) الكامل في التاريخ : 2 / 443 ، البداية والنهاية : 8 / 3 ، تاريخ دمشق : 42 / 482 كلاهما عن مجمع التيمي ، المناقب للخوارزمي : 121 / 135 عن مجمع التميمي وفيها إلى ” لم أبِعه ” .
( 35 ) مكارم الأخلاق : 1 / 247 / 733 .
( 36 ) خصائص الأئمّة ( عليهم السلام ) : 79 وراجع المناقب لابن شهر آشوب : 2 / 72 .
( 37 ) المستدرك على الصحيحين : 3 / 189 / 4802 عن عمر بن عليّ عن أبيه الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) ، مسند ابن حنبل : 1 / 426 / 1720 ، فضائل الصحابة لابن حنبل : 1 / 548 / 922 كلاهما عن عمرو بن حبشي وص 549 / 926 عن الشعبي وكلّها نحوه ، مروج الذهب : 2 / 426 كلاهما من دون إسناد إلى المعصوم ، المصنّف لابن أبي شيبة : 7 / 502 / 42 ، الطبقات الكبرى : 3 / 38 ، المعجم الكبير : 3 / 79 / 2719 وص 80 / 2723 والأربعة عن هبيرة بن يريم ، مسند البزّار : 4 / 180 / 1341 عن أبي رزين ؛ الكافي : 1 / 457 / 8 عن أبي حمزة عن الإمام الباقر عنه ( عليهما السلام ) ، الأمالي للطوسي : 270 / 501 عن أبي الطفيل ، الأمالي للصدوق : 397 / 510 عن حبيب بن عمرو وكلاهما نحوه ، الإرشاد : 2 / 8 عن أبي إسحاق وغيره ، مسائل عليّ بن جعفر : 328 / 818 عن عمر بن عليّ ( عليه السلام ) .
( 38 ) الاستيعاب : 3 / 211 / 1875 وراجع مسند البزّار : 4 / 179 / 1340 ومسند أبي يعلى : 6 / 169 / 6725 .
( 39 ) مروج الذهب : 2 / 426 .
( 40 ) مقتل أمير المؤمنين : 108 / 98 ، المناقب للخوارزمي : 122 / 137 .
( 41 ) الكامل في التاريخ : 2 / 443 ، تاريخ دمشق : 42 / 489 ، مقتل أمير المؤمنين : 108 / 99 عن الحسن بن حيّ نحوه ، المناقب للخوارزمي : 117 / 128 عن الحارث بن حصيرة وفيه ” ما علمنا أنّ أحداً كان في هذه الأُمّة بعد النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) أزهد من عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ” .
( 42 ) شرح نهج البلاغة : 1 / 22 وراجع شرح الأخبار : 2 / 361 / 717 .
( 43 ) لَتَّ السَّويقَ والأقِطَ ونحوهما يَلُتُّهُ : جَدَحَه ، وقيل : بَسَّهُ بالماء ونحوه ( تاج العروس : 3 / 124 ) .
( 44 ) الأيْدُ والآدُ : القوّة ( لسان العرب : 3 / 76 ) .
( 45 ) التَّخَوُّن : التنقُّص ( لسان العرب : 13 / 145 ) .
( 46 ) هذا مثل ، أراد أنّه لم يتلطّخ بشيء من فيء المسلمين بل وضعه مواضعه ( النهاية : 1 / 310 ) .
( 47 ) شرح نهج البلاغة : 1 / 26 .