العدل الإلهي عند الشيعة الإمامية بشكل مختصر وموجز
العدل
ويراد به : الاعتقاد بأن الله سبحانه لا يظلم أحدا ، ولا يفعل ما يستقبحه العقل السليم . وليس هذا في الحقيقة أصلا مستقلا ، بل هو مندرج في نعوت الحق ووجوب وجوده المستلزم لجامعيته لصفات الجمال والكمال ، فهو شأن من شؤون التوحيد ، ولكن الأشاعرة لما خالفوا العدلية ، وهم المعتزلة والإمامية ، فأنكروا الحسن والقبح العقليين ، وقالوا : ليس الحسن إلا ما حسنه الشرع ، وليس القبح إلا ما قبحه الشرع ، وأنه تعالى لو خلد المطيع في جهنم ، والعاصي في الجنة ، لم يكن قبيحا ، لأنه يتصرف في ملكه [ لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون ].
حتى أنهم أثبتوا وجوب معرفة الصانع ، ووجوب النظر في المعجزة لمعرفة النبي من طريق السمع والشرع لا من طريق العقل ، لأنه ساقط عن منصة الحكم ، فوقعوا في الاستحالة والدور الواضح .
أما العدلية فقالوا : إن الحاكم في تلك النظريات هو العقل مستقلا ، ولا سبيل لحكم الشرع فيها إلا تأكيدا وإرشادا ، والعقل يستقل بحسن بعض الأفعال وقبح البعض الآخر ، ويحكم بأن القبيح محال على الله تعالى لأنه حكيم ، وفعل القبيح مناف للحكمة ، وتعذيب المطيع ظلم ، والظلم قبيح ، وهو لا يقع منه تعالى . وبهذا أثبتوا لله صفة العدل ، وأفردوها بالذكر دون سائر الصفات إشارة إلى خلاف الأشاعرة ، مع أن الأشاعرة في الحقيقة لا ينكرون كونه تعالى عادلا ، غايته : أن العدل عندهم هو ما يفعله ، وكل ما يفعله فهو حسن ، نعم أنكروا ما أثبته المعتزلة والإمامية من حكومة العقل ، وإدراكه للحسن والقبح على الحق جل شأنه ، زاعمين أنه ليس للعقل وظيفة الحكم بأن هذا حسن من الله وهذا قبيح منه .
والعدلية بقاعدة الحسن والقبح العقليين المبرهن عليها عندهم أثبتوا جملة من القواعد الكلامية : كقاعدة اللطف ، ووجوب شكر المنعم ، ووجوب النظر في المعجزة . وعليها بنوا أيضا مسألة الجبر والاختيار ، وهي من معضلات المسائل التي أخذت دورا مهما في الخلاف ، حيث قال الأشاعرة بالجبر أو بما يؤدي إليه ، وقال المعتزلة : بأن الانسان حر مختار له حرية الإرادة والمشيئة في أفعاله .
غايته : أن ملكة الاختيار وصفته كنفس وجوده من الله سبحانه ، فهو خلق العبد وأوجده مختارا ، فكلي صفة الاختيار من الله ، والاختيار الجزئي في الوقائع الشخصية للعبد ومن العبد ، والله جل شأنه لم يجبره على فعل ولا ترك ، بل العبد اختار ما شاء منهما مستقلا ، ولذا يصح عند العقل والعقلاء ملامته وعقوبته على فعل الشر ، ومدحه ومثوبته على فعل الخير ، وإلا لبطل الثواب والعقاب ، ولم تكن فائدة في بعثة الأنبياء وإنزال الكتب والوعد والوعيد .
ولا مجال هنا لأكثر من هذا ، وقد بسطنا بعض الكلام في هذه المباحث في آخر الجزء الأول من كتاب ( الدين والاسلام ) وقد أوضحناها بوجه يسهل تناوله وتعقله للأواسط ، فضلا عن الأفاضل ، وإنما الغرض هنا :
أن من عقائد الإمامية وأصولهم أن الله عادل ، وأن الانسان حر مختار .