في ثبوت نبوة النبي محمد خاتم الأنبياء (ص)
في النبوة
تقتضي حكمة الصانع – تعالى – إعلام العبد أن كماله:
فيما هو ؟
وكم هو ؟
وكيف هو ؟
وأين هو ؟
ومتى هو ؟
وهذه الأشياء مما لا تهتدي إليه عقول البشر ، لأنها تفاصيل مقتضى العقل ، لأنه يقتضي أن طلب الكمال حسن ، والهرب من الهلاك واجب ، وهو دفع المضرة : ولكنه لا يهتدي إلى طريق كل واحد منهما – من الكمال والهلاك . . . .
فيختار الحكيم من يستعد لقبول تفاصيل الكمال ، ولكن بواسطة الملائكة – الذين هم خواص حضرته – فيفضي إليه ما هو سبب كمالهم ، فيسمى ” نبيا ” .
وقبوله من الملائكة يسمى ” وحيا ” .
وتبليغه إلى الخلق يسمى ” نبوة ” .
ولا بد أن يكون ممن لا يغير ما يوحى إليه ، ويؤمن عليه من الكذب ، والتغيير ، ويسمى ” عصمة ” وهي : لطف يختار عنده الطاعة ، ويصرفه عن المعصية ، مع قدرته على خلافه .
فيظهر الله عليه من العلم ما يدل على صدقه بعد دعواه ، ويكون ذلك خارقا للعادة ، ومما يعجز عنه غيره ، فيسمى ” معجزا ” .
وما يظهره من الطريق إلى النجاة والدرجات ، يسمى ” شريعة ” . ثم لا تخلو تلك الشريعة من أن تتعلق بمصالح العبد آجلا ، أو عاجلا : فالمصالح الآجلة تسمى ” عبادات ” . والمصالح العاجلة تسمى ” معاملات ” .
كما هي مذكورة في كتب الفقه .
فيضع كل أمر موضعه ، ويعلم كل من يطلب مبدأه ، ومعاده ، والطريق إليه ، وينظم الخلق على نظام مستقيم .
وتلك الغاية التي يعلمنا أنها كمالنا ، تسمى ” معادا وآخرة ” .
ويعلمنا – أيضا – مقادير العبادات ، والمعاملات ، وكيفياتها ، وأين يختص بالتوجه إليه ؟ كالقبلة ، ومتى يجب ؟ كأوقات العبادات .
ومتى خالفنا ذلك ، إلى ماذا يصير أمرنا ؟ ونهلك هلاكا دائما ؟ أو منقطعا ؟ هذه كلها مما لا يعلم إلا بواسطة .
فعلمنا أن الخلق محتاجون – في هذه الوجوه – إلى من يعلمهم هذه الأشياء .
فلما ثبت – على الجملة – وجوب النبوة ، بقي علينا أن نثبت نبوة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو :
أن الناس ضربان :
ضرب منهم من ينكر النبوة ، أصلا .
ومنهم من يثبتها ، ولكنه ينكر نبوة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم .
وقد بينا أن الدليل على صحة نبوة كل نبي العلم المعجز .
وإذا تقرر هذا ، فظهور معجز نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أجلى ، وأمره في ذلك أعلى ، فهو بالنبوة أولى .
وهو : القرآن ، الظاهر بين ظهراني البر والفاجر ، والباهر بفصاحته على فصاحة كل ماهر .
وغيره ، مما ذكر أقله لا يحتمله هذا الموضع ، فضلا عن أكثره .
ولما ثبت – بالتجربة ، وعليه البراهين المعقولة التي ليس هيهنا موضع ذكرها – أن الإنسان لا يبقى في الدنيا أبدا ، فلا بد أن يرجع النبي إلى معاده ، ويبقى بعده من يحتاج إلى هذه الأشياء وإلى النظام في أمور الخلق ، فيفضي جميع ما تحتاج إليه أمته إلى من يؤمن عليه من التغيير والتبديل .