الأجل معناه وأقسامه وما يزيده وينقصه
المبحث الأوّل: معنى الأجل
معنى الأجل (في اللغة) : الأجل مدّة الشيء، وغاية الوقت في الموت(1) .
معنى الأجل اصطلاحاً : أجل كلّ كائن حي هو الوقت الذي تنتهي فيه حياته الدنيوية(2) .
المبحث الثاني: أقسام الأجل(3)
1 ـ أجل محتوم :
وهو الأجل الذي يعلمه اللّه تعالى بالنسبة إلى كلّ كائن حي .
ولا يخفى بأنّ العلم الإلهي كاشف عن الواقع الخارجي ، وليس لهذا العلم أي أثر في الخارج ، وإنّما هو مجرّد انكشاف للأُمور والأحداث التي ستقع بأسبابها . وبما أنّ للإنسان ـ في بعض الأحيان ـ دوراً في تحديد أجله أو أجل الآخرين ، فإنّ الأجل المحتوم سيكون في هذه الحالة عبارة عن علمه تعالى بالأجل الذي يحدّده الإنسان لنفسه أو لغيره .
آيات قرآنية مشيرة إلى الأجل المحتوم :
{ وَلِكُلِّ أُمَّة أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ }[ الأعراف: 34 ]
{ ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّة أَجَلَها وَما يَسْتَأخِرُونَ }[ الحجر: 5 ]
{ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها }[ المنافقون: 11 ]
{ إِنَّ أَجَلَ اللّهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ}[ نوح: 4 ]
2 ـ أجل غير محتوم (أجل موقوف) :
وهو الأجل الذي يكون متوقّفاً على شرط أو فقدان مانع .
فإذا تحقّق الشرط وفُقد المانع، تمّت العلة ، فيتحقّق الأجل .
وإذا لم يتحقق الشرط ولم يفقد المانع ، لم تتمّ العلّة ، فلا يتحقّق الأجل .
تنبيه : إنّ للأجل غير المحتوم قابلية للتقدّم والتأخّر، والزيادة والنقصان، ويستطيع الإنسان أن يغيّر أجله عن طريق التمسّك ببعض الأسباب التي سنشير إليها لاحقاً .
آية قرآنية مشيرة إلى الأجل غير المحتوم : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِين ثُمَّ قَضى أَجَلاً … }[ الأنعام: 2]
المبحث الثالث: ما يزيد وينقص الأجل
يستطيع الإنسان ـ إلى حد ما ـ أن يزيد أو ينقص في عمره عن طريق التمسّك ببعض الأسباب التي أشارت إليها أحاديث أئمة أهل البيت(عليهم السلام) منها :
1- رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): “أكثر من الطهور يزيد اللّه في عمرك”(4) .
2 ـ الإمام الصادق(عليه السلام): “من حسنت نيّته زيد في عمره”(5) .
3- الإمام الصادق(عليه السلام): “يعيش الناس بإحسانهم أكثر مما يعيشون بأعمارهم، ويموتون بذنوبهم أكثر مما يموتون بآجالهم”(6) .
4- الإمام الصادق(عليه السلام): “إن أحببت أن يزيد اللّه في عمرك فسرّ أبويك”(7) .
5- الإمام الكاظم(عليه السلام): “من حسن برّه بإخوانه وأهله مُدّ في عمره”(8) .
6 ـ الإمام علي(عليه السلام): “صلْ رحمك يزيد اللّه في عمرك”(9).
7- رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم): “إنّ المرء ليصل رحمه ومابقي من عمره إلاّ ثلاث سنين، فيمدها اللّه إلى ثلاث وثلاثين سنة.
وإنّ المرء ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاث وثلاثون سنة، فيقصرها اللّه إلى ثلاث سنين أو أدنى”(10).
8- الإمام علي(عليه السلام): “من أراد البقاء ولا بقاء، فليخفّف الرداء، وليباكر الغذاء، وليقلّ مجامعة النساء”(11).
المبحث الرابع: أجل المقتول لو لم يقتل وأجل الميت بسبب لو لم يمت بذلك السبب
المسألة : إنّ الذي يُقتل هل كان يعيش لو لم يقتل ؟
كما أنّ الذي يموت بسبب كزلزال أو حادث اصطدام أو … هل كان يعيش لو لم يمت بذلك السبب ؟
الرأي الأوّل :
إنّ المقتول أو الميت بسبب كالزلزال أو الغرق أو … تخرج روحه من جسده بأجله ، ولو لا القتل أو ذلك السبب لمات هذا الشخص لا محالة في نفس ذلك الوقت بصورة أُخرى أو بشكل طبيعي ، لأنّ أجله كان في ذلك الوقت فحسب(12).
يرد عليه :
1- أننا نجد بعض الظلمة يقتلون جمعاً كثيراً من الناس في فترة زمنية قصيرة .
ونجد سفينة تغرق فيموت من كان فيها في عدّة دقائق .
ولكننا لم نجد بأ نّه تعالى أمات مثل هذا الجمع دفعة واحدة .
ومن هنا نستيقن بأنّ هؤلاء الذي قُتلوا أو ماتوا بسبب من الأسباب ليس من الضرورة أن يفارقوا الحياة لولا القتل أو ذلك السبب(13) .
2- لو كان المقتول يموت ـ لا محالة ـ لولا القتل في نفس وقت قتله ، لم يكن القاتل مسيئاً إلى المقتول ، ولتمكّن القاتل من الاحتجاج بأنّ الشخص المقتول إنّما مات بأجله، وأ نّه لو لم يقتله لمات هذا الشخص في نفس ذلك الوقت .
وهذا ما ينكره العقل بالبداهة، ويحكم العقل بوضوح بأ نّه ليس من الضرورة أن يموت المقتول لو لم يقتله القاتل(14) .
3- لو كان المقتول يموت ـ لا محالة ـ لولا القتل في نفس وقت قتله ، لكان الشخص الذي يذبح شاة غيره من دون إذنه محسناً إليه ، لأ نّه لو لم يذبحها لماتت ، ولفات الانتفاع بلحمها ، ولكن العقل يحكم بأنّ هذا الذابح غير محسن، وأ نّه يستحق اللوم والتوبيخ والعقوبة .
ومن هنا نستيقن بأ نّنا لا يمكننا أن نقطع بموت الشاة لولا الذبح(15) .
4- لو كان المقتول يموت ـ لا محالة ـ لو لا القتل في نفس وقت قتله ، لكان القصاص عبثاً، ولم يكن للقصاص أي دور في خروج روح المقتص منه، بل كان موت هذا الشخص حين القصاص بأجله ، فلا يكون في القصاص أي فائدة وهذا بخلاف قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ }[البقرة: 179 ]
ومن هنا نستيقن بأنّ الذي لم يقتل عن طريق القصاص ، فإنّه ليس من الضرورة أن يموت لولا القصاص(16) .
الرأي الثاني :
إنّ المقتول أو الميت بسبب كالزلزال أو الغرق أو … تخرج روحه من جسده نتيجة القتل أو ذلك السبب ، ولولا القتل أو ذلك السبب لبقي هذا الشخص حيّاً لا محالة(17) .
يرد عليه : لا يوجد أي دليل معتبر على لزوم بقاء هذا الشخص حيّاً لولا القتل أو الموت بسبب من الأسباب ، لأنّ خروج الروح من الجسد بيد اللّه تعالى ، ولا يمكن الحتم ببقاء حياة أي شخص في أي وقت .
ولهذا يحتمل لمن لم يقتل أو يمت بذلك السبب أن يقبض اللّه روحه في نفس ذلك الوقت(18).
الرأي الثالث :
إنّ المقتول يحتمل أن يكون وقت قتله هو انتهاء أجله المقرّر أن يموت فيه ، ويحتمل أن لا يكون ذلك فيعيش لو لم يقتل ، وكذلك الحكم بالنسبة إلى من يموت بسبب من الأسباب ، وهذا الرأي هو الرأي الصحيح(19).
الدليل : إنّ هذه المسألة لا تخلو من ثلاثة آراء، وحيث ثبت بطلان الرأي الأوّل والثاني، ثبت صحّة هذا الرأي .
____________
ملاحظة: ذكرت مصادر هذا الفصل بصورة موجزة في ذيل كلّ صفحة، ويستطيع الراغب للتوسّع أن يجد هذه المصادر بصورة مفصّلة في نهاية الفصل الرابع عشر .
1- انظر: لسان العرب، ابن منظور: 1 / 79، مادة (أجل) .
2- انظر: التوحيد ، الشيخ الصدوق: 368، تجريد الاعتقاد، نصير الدين الطوسي: 208، المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: 111، كشف المراد ، العلاّمة الحلّي: 461، مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: 259 .
3- ورد هذا التقسيم في أحاديث أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، وقد ورد عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق(عليه السلام)أ نّه قال حول أقسام الآجال: ” … هما أجلان: أجل موقوف يصنع اللّه ما يشاء وأجل محتوم”.
بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي: ج5، كتاب العدل والمعاد، باب 4: الآجال، ح9، ص140 .
4- وسائل الشيعة ، الحر العاملي: ج1 ، كتاب الطهارة، باب 11، باب استحباب الوضوء .. ، ح3، ص383 .
5- بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي: ج69، كتاب الإيمان والكفر، باب38، ح117، ص408 .
6- بحار الأنوار ، العلاّمة المجلسي: ج5، كتاب العدل والمعاد، باب 4: الآجال، ح7، ص140 .
7- الزهد، الحسين بن سعيد الكوفي: باب5: باب بر الوالدين، ح87 ، ص33 .
8- مستدرك الوسائل، ميرزا حسين النوري: ج12، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أبواب فعل المعروف، باب 32، ح2 [ 14498 ] ، ص421 .
9- الأمالي، الشيخ الصدوق: المجلس السابع والثلاثون، ح 308 / 9 ، ص278 .
10- بحار الأنوار، العلاّمة المجلسي: ج5، كتاب العدل والمعاد، باب4: الآجال، ح12، ص141 .
11- وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج24، كتاب الأطعمة والأشربة، باب 112، ح5 [ 30988 ]، ص433 .
12- نسب هذا الرأي إلى أبي الهذيل العلاف والمجبرة وقوم من الحشوية .
انظر: شرح جمل العلم والعمل ، الشريف المرتضى: 244، المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: 1/356، كشف المراد، العلاّمة الحلّي: 461، مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: 259، إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري: 291 .
13- انظر: الاقتصاد، الشيخ الطوسي: 172، المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: 113، المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: 1/357، مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: 260 .
14- انظر: المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: 1/358 .
15- انظر: الذخيرة ، الشريف المرتضى: 264، الاقتصاد ، الشيخ الطوسي: 171، المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: 113، المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: 1 / 358، كشف المراد، العلاّمة الحلّي: 462، مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: 260، إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري: 291 .
16- انظر: مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: 260 ، إرشاد الطالبين ، مقداد السيوري: 292 .
17- نسب هذا الرأي إلى جماعة المعتزلة البغداديين .
انظر: المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: 1/356، كشف المراد، العلاّمة الحلّي: 461، مناهج اليقين، اليقين ، العلاّمة الحلّي: 259، إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: 291 .
18- انظر: الاقتصاد ، الشيخ الطوسي: 172 .
19- انظر: التوحيد ، الشيخ الصدوق: 368، الذخيرة، الشريف المرتضى: 263، شرح جمل العلم والعمل ، الشريف المرتضى: 244، الاقتصاد ، الشيخ الطوسي: 171، المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: 112 ، المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي: 1/356، كشف المراد ، العلاّمة الحلّي: 461 ـ 462، مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي: 260، إرشاد الطالبين، مقداد السيوري: 292 .