الانبياء عليهم السلام ودليل الوحي والنبوة
ان الـكـثير من علماء اليوم الذين حققوا فى موضوع (الوحي) والنبوة ، قد فسروا موضوع (الوحي) والـنبوة والامور المرتبطة بهما، على الاسس التي يقوم عليها علم النفس وعلم الاجتماع ، بقولهم ان الانـبـياء كانوا اناسا اطهارا، ذوي همم عالية ، محبي البشرية ، ولغرض تقدمها وتطورها من الناحية المادية والمعنوية ، وكذا تزكية المجتمعات المنحطة خلقيا، نظموا ووضعوا قوانين خاصة ، ودعوا الناس اليها، ولما كان الناس في ذلك الوقت لم يخضعوا امام المنطق والعقل ، فما كان منهم الا ان ينسبوا افكارهم وانظمتهم الى العالم العلوي كي يستطيعوا بذلك ان يجلبوا رضى الناس ، ويخضعوهم لقيادتهم وكـان اعـتقاد بعض ان روحهم هي روح القدس ، وما الفكر الذي يتجلى الا (الوحي والنبوة ) وما الـوظـائف والواجبات التي تستنتج من ذلك الا (الشريعة السماوية )، والكلام الذي يتضمن ذلك كان يسمى (الكتاب السماوي ).
فـالذي ينظر بتامل وانصاف الى الكتب السماوية ، وخاصة القرآن الكريم ، وكذا الى الشرائع التي جاء بها الانبياء، لايشك في بطلان هذه النظرية ، وذلك ان الانبياء لم يكونوا رجال سياسة ، بل كانوا رجالا يتصفون بالصدق والصفاء والخلوص ، وكلما كانوا يدركونه يتفوهون به ، وكلما كانوا يقولون به كانوا يـعملون به ، وكلما كانوا يزعمونه هو ان هناك شعورا مرموزا، وامدادا غيبيا، يفيض عليهم ، وانهم عن هذا الطريق يتلقون الوظائف الاعتقادية والعلمية من جانب اللّه تعالى ، لابلاغ الناس وارشادهم .
ومـن هنا يتضح ان ادعاء النبوة يحتاج الى حجة ودليل ، ولا يكفي ان تكون الشريعة التي جا بها النبي تـوافـق الـعـقـل ، فـان صحة الشريعة لها طريق آخر للاثبات ، وهو انه على اتصال بالعالم العلوي (الوحي ) والنبوة ، وقد انيطت به هذه المسؤولية من قبل اللّه تعالى ، وهذا الادعاء يفتقد الى دليل عند اقامته .
وعـلى هذا، نجد ان السذج من الناس (كما يخبر به القرآن الكريم ) كانوا يطالبون الانبياء بالمعجزة لصدق دعواهم .
ويـسـتـنتج من هذا المنطق الساذج والصحيح هو ان (الوحي ) والنبوة ، اللذين يدعيهما المرسل ، لم يكونا ليحصلا في سائر الناس ، والذين هم مثله ، ولابد من قوة غيبية قد اودعها اللّه تعالى نبيه بنحو يـخـرق العادة به ، والتي بواسطتها يصغى الى كلام اللّه تعالى ، ويوصلها الى الناس وفقا لمسؤوليته ، واذا كـان هـذا المعجز صحيحا ، فالرسول يريد من اللّه تعالى ان يعينه على معجز آخر، كي يصدق الناس نبوته ومدعاه .
ويتضح ان مطالبة الناس الانبياء بالمعجزة امر يوافق المنطق الصحيح، وعلى الانبياء لاثبات نبوتهم ان ياتوا بالمعجزة اما ابتداء او وفقا لما يطالب به المجتمع .
والقرآن الكريم يؤيد هذا المنطق , ويشير الى معاجز الانبياء اما ابتداء او بعد مطالبة الناس اياهم .
وتـجـدر الاشـارة الـى ان الـكثير من المحققين مع انهم لم ينكروا المعجزة (خرق العادة )، الا ان كـلامـهـم لم يكن مدعما بدليل ، وهو ان العلل والاسباب للحوادث التي حصلنا عليها حتى الان كانت بـالـتـجـربة والفحص ، وليس لدينا اي دليل انها دائمية ، ولن تتحقق اية حادثة او ظاهرة الا بعللها واسبابها ، واما المعاجز التي تنسب الى الانبياء لم تكن مخالفة للعقل او يستحيل اقامتها (كزوجية العدد 3)، لكنها خرق للعادة في حين ان موضوع خرق العادة يرى ويسمع من المرتاضين ايضا.