شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية

الرأفة والرحمة بالأسير

0 المشاركات 00.0 / 5

مبادئ الإسلام هي مبادئ الرحمة والإخلاق، ولذا فإنَّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام كان يطعم الأسارى الذين خلدوا بالسجن من بيت مال المسلمين(۷۱).

وقد ورد عن عبد الله بن ميمون قال: أتى عليّ عليه السلام بأسير يوم صفين فبايعه، فقال عليّ: لا أقتلك إني أخاف الله رب العالمين فخلى سبيله وأعطى سلبه الذي جاء به(۱).

وعن الشعبي قال: لما أسر عليّ الأسرى يوم صفين فخلّى سبيلهم أتوا (معاوية )، وقد كان (عمر بن العاص) يقول لأسرى أسرهم (معاوية ): اقتلهم، فما شعروا إلا بأسراهم قد خلي سبيلهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام(۲).

وهذا هو التفاوت بين رحمة الإسلام التي يمثلها الإمام عليّ عليه السلام، وبين تسافل الأخلاق عند (عمر بن العاص ومعاوية).

 

معاملة النبي(ص) مع الأسرى:

إنَّ الإسلام قد تعامل برحمة وعدل حتى مع أعدائه ،ولذا نرى رسول الله(ص) قد ابتعد عن روح الانتقام والحقد مع أسارى قريش بعد معركة بدر الكبرى، ويقول ابن اسحاق بشأن ذلك: إنَّ رسول الله (ص) حين أقبل بالأسارى فرقهم بين أصحابه، وقال: (استوصوا بالأسارى خيراً)(۳).

وكان في الأسارى سهيل بن عمرو، (فلما أتى به النبي (ص) قال عمر بن الخطاب: دعني انزع ثنيتيه يارسول الله فلا يقوم عليك خطيباً أبداً . فقال رسول الله (ص): دعه ياعمر فسيقوم مقاماً تحمده عليه)(۴).

وعن أبي موسى قال: قال رسول الله (ص): (فكوا العاني، يعني الأسير، وأطعموا الجائع وعودوا المريض )(۵).

ويروى أنَّ النبي الكريم (ص) أطلق سراح أسير من بني حنيفة يدعى ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله . يامحمد ! والله ! ماكان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي )(۶).

ثم قدم مكة فقالوا له: صبوت ياثمام ؟ قال: لا، ولكني اتبعت خير الدين دين محمد، لا والله لايصل إليكم حبة من اليمامة حتى يأذن فيه رسول الله (ص) . ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئاً فأضر بهم . وكتبوا إلى رسول الله (ص): إنك تأمر بصلة الرحم، وإنك قطعت أرحامنا . فكتب رسول الله (ص) إليه أن يخلي بينهم وبين الحمل، وذلك قبل الحديبية(۷). وهكذا كان رسول الله (ص) يأمر أصحابه أن يحسنوا إلى الأسارى ويكرموهم فكانوا يقدمونهم على أنفسهم عند الغداء (۷۹).

ولهذا فإنَّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أكد على وجوب إطعام الأسير والإحسان إليه(۹). وعن أبي بصير عن الإمام الصادق قال: سألته عن قول الله عزوجل: (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ) قال: هو الأسير، وقال: الأسير يطعم وإن كان يقدم للقتل (۱۰).

وبناء على ذلك أفتى الفقهاء باستحباب الرفق بالأسير وإطعامه، وإن كان كافراً، وإنَّ إطعامه على من أسره، ويطعم من في السجن من بيت مال المسلمين(۱۱). ولو عجز الأسير عن المشي لم يجز قتله، لأنه لايدرى ماحكم الإمام فيه(۱۲). ولا يجوز تعذيب الأسير بالجوع والعطش وغيرهما من أنواع التعذيب(۱۳).

والحربي يستطيع أخذ الأمان إذا طلبه قبل وقوعه في الأسر، أما إذا وقع في الأسر فقد تعلق حق المسلمين فيه . فإذا أمن الإمام الأسير فله أمانه، لأنه إذا جاز للإمام أن يمن عليه فيجوز له أن يؤمنه، لأنَّ الأمان دون المن(۱۴).

ولهذا فإنَّ الإمام مخير أن يمن على من شاء من الأسارى، أو يفدي من شاء منهم، أو يقتل من شاء(۱۵), حسب المصلحة الإسلامية(۸۸)، ولكن مع ذلك لم يلجأ المسلمون إلى قتل الأسير إلا في حالات نادرة اقتضتها الضرورة(۱۶).

وقد اشترط الشيعة الإمامية في قتل الأسارى أن تكون الحرب قائمة، فإذا انقضت الحرب لايقتل الأسير وأمره مخير للإمام(۱۷). فيما ذهب عبد الله بن عمر، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، وعطاء إلى تحديد أحكام الأسارى في المن أو الفداء، مع كراهة قتل الأسير لقوله تعالى: (فشدوا الوثاق فإما مناً بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها)(۱۸).

 

ولنا في رسول الله(ص) قدوة:

رأى الرسول (ص) أسارى بني قريظة موقوفين في قيظ النهار تحت الشمس فأمر من يقومون بحراستهم قائلاً: “لا تجمعوا عليهم حر هذا اليوم وحر السلاح.. قيلوهم حتى يبردوا”،(۱۹) وبذلك يحرم الإسلام تعذيب الأسرى، ويرفض إهانتهم، ويقرر عدم إهمالهم..

كما لا يجوز تعذيب الأسير، ولا إهانته للحصول على معلومات عسكرية منه.. والمعروف أنَّ القانون الدولي العام قد اقترب من القواعد الدولية الإسلامية، بعد أن كانت الهمجية في العصور الأولى تدفع الدول المتحاربة إلى قتل الأسير دون رحمة أو شفقة، إلى أن جاءت لائحة لاهاي للحرب البرية واتفاقية جنيف سنة ۱۹۴۹ ووضعتا قواعد إنسانية لمعاملة الأسرى(۲۰).

___________
۱ ـ المصدر نفسه ـ ج ۶ ص ۱۵۳ رقم الحديث ۲۶۹ .
۲ ـ مستدرك النوري الطبرسي (باب حكم الأسارى في القتل ومن عجز منهم عن المشي) ـ المصدر السابق ـ ج۱۱ ص۵۰ رقم الحديث ۱۲۴۰۶ .
۳ ـ سيرة ابن هشام ـ المصدر السابق ـ ج ۲ ص ۲۰۹ .
۴ ـ تاريخ ابن الأثير ـ المصدر السابق ـ ج ۲ ص ۲۷ .
۵ـ صحيح البخاري ـ المصدر السابق ـ ج ۴ ص ۸۳ ومابعدها .
۶ـ صحيح مسلم ـ المصدر السابق ـ ج ۳ ص ۱۳۸۶ .
۷ ـ الوثائق السياسية للدكتور حميد الله ـ المصدر السابق ـ ص ۵۶ .
۸ ـ العلاقات الدولية للدكتور عبد العزيز صقر ـ المصدر السابق ـ ص ۱۰۸ .
۹ ـ وسائل الحر العاملي ـ المصدر السابق ـ ج ۱۵ص ۹۲ .
۱۰- الزحيلي ـ المصدر السابق ـ ص ۷۸ .
۱۱ ـ اللمعة الدمشقية لمكي العاملي ـ المصدر السابق ـ ج ۲ ص ۴۰۲ .
۱۲ـ العلاقات الدولية في الإسلام للزحيلي ـ المصدر السابق ـ ص ۷۸ .
۱۳ ـ المبسوط ـ السرخسي الحنفي ـ ج ۱۰ ص ۶۴ .
۱۴ـ صحيح سنن الترمذي باختصار السند للألباني ـ المصدر السابق ـ ج ۲ ص ۱۱۰ .
۱۵ـ العلاقات الدولية في الشريعة للدكتور عباس شومان ـ المصدر السابق ـ ص ۷۹ .
۱۶ـ العلاقات الدولية في الإسلام للزحيلي ـ المصدر السابق ـ ص ۸۰ .
۱۷ ـ وسائل الحر العاملي ـ ج۱۵ ص۷۱
۱۸- المغني ـ ابن قدامة المقدسي الحنبلي– ج ۸ ص ۳۷۲ .
۱۹- انظر: وهبة الزحيلي : آثار الحرب، ص: (۴۱۴).
۲۰ـ القانون الدولي العام للدكتور أبو هيف ـ المصدر السابق ـ ص ۸۱۸ .

 

أضف تعليقك

تعليقات القراء

ليس هناك تعليقات
*
*

شبكة الإمامين الحسنين عليهما السلام الثقافية