الإسلام وبناء المجتمع نحو الأفضل
أحد أهم مميزات الرسالة الإسلامية إنها رسالة عمل وتطبيق وبناء ، وليست نظريّات وأفكار وفلسفات مجرّدة فالإسلام بكلِّ ما فيه هو رسالة عمل ، فحتّى المبادئ الاعتقاديّة العقليّة كالإيمان بالله وباليوم الآخر فإنّها عقيدة عمل وأساس للعمل والبناء وتطوير المجتمع نحو الأفضل ، خاصة إذا ما عرفنا بأن الغاية الأساسية للإسلام هو نقل المجتمع من الظلمات إلى النور .
وهذا التحول الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في نفس الوقت يتطلب توفر مسألتين أساسيّتين هما المعرفة والتربية،لهذا فإن الإسلام دعا إلى الوعي والمعرفة وجعل من التربية أساساً للعمل وتجلى ذلك بوضوح في قوله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالّذِينَ لاَ يَعْلَمُون). ذلك فإن الإسلام دوماً يقرن العلم بالعمل ، فلا قيمة للعلم بلا عمل حيث قال تعالى ( والعَصْرِ* إنَّ الإنْسانَ لَفي خُسْر * إلاّ الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَتَوَاصَوا بالحَقِّ وَتَوَاصَوا بالصّبْر ).
وكما اهتمّ بالعلم والوعي، الّذي سـمّاه فقهاً، وعي الشّريعة والحياة، اهتمّ كذلك بالتربية وإعداد الفرد والجماعة ليكونوا مُهيّئين للعمل والتطبيق، فقد اشتمل المنهج الإسلامي على التربية والإعداد في مراحل الطفولة والشّباب والكبر، بل ويشمل المنهج التربوي مساحة واسعة من الرِّسالة الاسلاميّة ، نذكر هنا نماذج من الاُسس التي تعدّ الانسان المسلم ليعيش في مجتمع المسلمين، ويحترم حقوقهم وإرادتهم وحرِّيّاتهم،ويتبنّى مشاكلهم وهمومهم،ويُساهم في فعل الخير للجميع، قال تعالى موجِّهاً إلى الاقتداء بالرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، الإنسان الكامل الّذي جسّد المبادئ والقيم تجسيداً عمليّاً ، فكان سلوكه جزءاً من الرِّسالة .
قال تعالى ( لَقَد كانَ لَكُم في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة ). وثبّت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الكثير من المبادئ التربويّة الّتي تعدّ الإنسان ليحيى في ظلِّ المجتمع الإسلامي الّذي يُطبِّق القوانين والقيم الإسلامية ، نذكر منها قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) :”لا يُؤمِنُ أحدكم حتّى يُحبُّ لأخيهِ ما يُحِبُّ لنفسه”. ويؤكِّد القرآن أنّ منطلق التغيير الاجتماعي، وأساس العمل بالمبادئ يبدأ من التغيير الذّاتيّ عند الانسان ، أي أنّ العمل بالمبادئ يبدأ من التغيير الذاتي عند الانسان ،فما لم يؤمن الإنسان في المجتمع مثلاً بالحرِّيّة ويعرف قيمتها في حياته وحياة الآخرين وحدودها ومسؤوليّاتها ، فلا يمكن أن يعيش المجتمع في ظلِّ الحرِّيّة ، ولا يمكن أن نحترم فيه حرِّيّة الانسان ،وما لم يؤمن الفرد بحقوق الانسان ، ويعترف بها كحقٍّ للآخرين لا يمكن له أن يعرف ما هي حقوقه هو بالذات .
وما لم يؤمن الفرد باحترام الرأي الآخر ذاتيّاً ، ويشعر بإنسـانيّة الآخرين ، مهما اختلف معهم ، ويجعل الصّواب مقياساً له ، ويعتبر ذلك جزءاً من مبادئه وإنسانيّته ، لا يمكن أن يكون المجتمع مجتمعاً متفاهماً ، تسود فيه حرِّيّة الرّأي ، واحترام الحقيقة . وما لم يتحرّر الانسان من الأنانيّة في كلِّ مجالاتها ، فيحبّ للآخرين ما يحبّ لنفسه ، ويكره لهم ما يكره لها ، لا يمكن أن يُبنى مجتمع يسوده الأمن والعدل والسّلام وتكافؤ الفرص والحقوق ، فيأخذ كلّ ذي حقٍّ حقّه .. وهكذا فنحن بحاجة إلى تربية الفرد والمجـتمع على قِيَم المجتمع المدنيّ كما تدعو إليها المبادئ والقيم الإسلامية وبدون الوعي الاجتماعي والمعرفة للمبادئ والتغيير الحقيقي لذات الفرد وسلوكيّته لا يمكن أن يُبنى المجتمع الإنساني المنشود .