معرض الآراء عن شخصية الإمام الرضا (ع) ـ القسم الثاني
أما شخصية الامام الرضا ( عليه السلام ) فهي ملء فم الدنيا في فضائلها ، ومواهبها ، وقد احتلت عواطف العلماء والمؤلفين في كل جيل وعصر ، فأدلوا بجمل من الثناء والتعظيم على شخصيته ، ومن بينهم ما يلي :
22 – عبد القادر أحمد :
قال عبد القادر أحمد اليوسف : ” تأريخ الامام حافل بجلائل الأعمال ، فمن علم لا يدرك مداه ، وعصمة متوارثة ، وقدسية لا تضارعها قدسية في عصره ومن بعده ، إلا من انحدر من صلبه من الأئمة المعصومين ، فهو علم هدى زمانه ، ومثل أعلى في التقوى ، والورع والحلم ، والأخلاق ، وما عساني أن أذكر في حياة وصي من أوصياء الله ، وما عسى قلمي أن يكتب في تعريفه ، أو لم يكن ذكر اسمه هو التعريف الكامل ، فذكره قبس من نور الله يهدي المستجير به نحو السبيل الأقوم المؤدي للصالح العام .
ان حياة الامام مكرسة لاعلاء شأن المسلمين ، فما من عمل صدر منه إلا كان منطلقا من عقيدة الايمان ، مستهدفا صلاح الناس ، ومنتهيا لما فيه رضى رب العالمين ” ( 22 ) .
لقد حفل تاريخ الامام بجميع الفضائل التي يعتز بها الانسان ، والتي كان من أبرزها العلم ، والتقوى ، والورع والحلم وسمو الأخلاق والآداب كما يقول عبد القادر فالامام هو المثل الاعلى لجميع القيم الانسانية ، ولا يضارعه في صفاته وخصائصه إلا السادة من آبائه وأبنائه .
23 – يوسف بن اوغلى :
قال يوسف بن اوغلى سبط ابن الجوزي : ” كان علي بن موسى – كما سمي – رضا جوادا عدلا ، عابدا ، معرضا عن الدنيا ، ولولا خوفه من المأمون لما أجاب إلى ولاية العهد ” ( 23 ) .
وتوفرت في شخصية الامام أبي محمد الرضا ( عليه السلام ) جميع الصفات الكريمة من الجود والعدالة ، والعبادة والاعراض عن الدنيا مما جعلته في قمة الشرف والمجد في دنيا الاسلام .
24 – الزركلي :
قال خير الدين الزركلي : ” علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق أبو الحسن ، الملقب بالرضي ، ثامن الأئمة الاثني عشر عند الإمامية ومن أجلاء السادة عند أهل البيت وفضلائهم . . ” ( 24 ) .
25 – محمد جواد فضل الله :
قال العلامة محمد جواد فضل الله : ” الإمام الرضا قاعدة من قواعد الفكر الاسلامي ، وأحد منطلقاتها الغنية بالمعرفة ، انتهت إليه بعد أبيه الإمام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) أسرار الرسالة ، ومفاتيح ؟ ؟ كنوزها فكان منهله منها ، وعطاؤه من فيضها .
وهو أحد الأئمة الاثني عشر من أهل البيت الذين أغنوا الفكر الاسلامي بشتى صنوف المعرفة مما أملوه على تلامذتهم أو أجابوا به من سألهم ، أو ما نقله لنا التاريخ من محاوراتهم العلمية والعقائدية مع أصحاب المذاهب الأخرى . . ” ( 25 ) .
الإمام الرضا كنز من كنوز الاسلام ، وثمرة مشرقة من ثمرات الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) ، وفيض من فيوضاته التي استوعبت جميع لغات الأرض ، قد اغنى الله به الفكر وأوضح به القصد ، وجعله علما في بلاده يهدي الحائر ، ويسترد به الضال .
26 – أحمد الخزرجي :
قال أحمد الخزرجي : ” علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب ، الهاشمي ، أبو الحسن الرضا ، روى عن أبيه وعنه عبد السلام بن صالح وجماعة عدة نسخ ، وكان سيد بني هاشم ، وكان المأمون يعظمه ، ويبجله ، وعهد له بالخلافة وأخذ له العهد ، مات مسموما بطوس ” ( 26 ) .
. وحكى الخزرجي في هذا الكلام أن جماعة من تلاميذ الإمام ( عليه السلام ) رووا عنه عدة نسخ ، ومن المؤكد أنها تتعلق بأحكام الشريعة وآداب الاسلام ، وسننه ، كما حكى أنه مات مسموما ، وهو ما نذهب إليه أن المأمون سقاه السم ليتخلص منه ، بعدما رأى اجماع المسلمين على تعظيمه وتبجيله وسوف نعرض لهذا في البحوث الآتية :
27 – بعض أحبته :
قال بعض أحبته والمعجبين به : ” علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق ( عليهم السلام ) فاق أهل البيت شأنه ، وارتفع فيهم مكانه ، وظهر برهانه حتى أحله الخليفة المأمون محل مهجته ، وأشركه في خلافته ، وفوض إليه امر مملكته ، وعقد على رؤوس الاشهاد عقد نكاح ابنته ، فكانت مناقبه عليه ، وصفاته سنية ، ونفسه الشريفة هاشمية ، وأرومته الكريمة نبوية ، كراماته أكثر من أن تحصر ، وأشهر من أن تذكر . . ” ( 27 ) .
28 – الشبراوي :
قال الشبراوي : كان رضي الله عنه كريما جليلا ، مهابا موقرا وكان أبوه موسى الكاظم ( عليه السلام ) يحبه حبا شديدا ، ووهب له ضيعة البسرية التي اشتراها بثلاثين ؟ ؟ ألف دينار ( 28 ) .
كان الإمام موسى ( عليه السلام ) يخلص لولده الامام كأعظم ما يكون الاخلاص ، فقدمه على بقية أبنائه ، وجعله القائم من بعده ، وأوصى له بهذه القطعة من الأرض – كما يقول الشبراوي – ولم يكن الامام مدفوعا بدافع الحب المنبعث عن العواطف والأهواء وانما كان من أجل أن ولده قاعدة من قواعد الاسلام ، وانه أحد أوصياء الرسول الأعظم الذين نص عليهم حسبما تواترت الاخبار بذلك .
29 – أبو النواس :
وكان ممن مدح الإمام ( عليه السلام ) أبو نواس الشاعر المشهور وقد قال الشعر فيه مرتين وأجاد فيهما ، وهما :
1 – إن الشعراء المعاصرين للامام قالوا فيه الشعر ومدحوه سوى أبي نواس فعوتب على ذلك ( 29 ) فقال هذه الأبيات الرائعة :
قيل لي أنت أوحد الناس طرا * في فنون من المقال النبيه
لك من جوهر الكلام نظام * يثمر الدر في يدي مجتنيه
فلماذا تركت مدح ابن موسى * والخصال التي تجمعن فيه
قلت : لا اهتدي لمدح إمام * كان جبريل خادما لأبيه
وهذه الأبيات الشائعة الذكر قد حفظها الناس جيلا بعد جيل واعتبروها من روائع الشعر العربي ، لأنها عبرت عن أحاسيسهم تجاه أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وما يحملون لهم من اكبار وتعظيم ، ومن الطريف أن الذهبي الذي عرف بالحقد على أهل البيت قد علق على البيت الأخير من هذه الأبيات بقوله :
” قلت : هذا لا يجوز اطلاقه من أن جبريل خادم لأبيه والنص معدوم فيه . . . وقد كذبت الرافضة على علي الرضا . . ” ( 30 ) .
ان لأهل البيت ( عليهم السلام ) منزلة كريمة عند الله تعالى فقد ناهضوا الضالين من حكام أمية وبني العباس ، وجاهدوا في الله كأعظم ما يكون الجهاد حتى تقطعت أوصالهم وسبيت نساؤهم ، وعانوا من الاضطهاد والتنكيل ما لا يوصف ، لمرارته وقسوته كل ذلك في سبيل اعلاء كلمة دين الله ونشر العدل بين الناس ، ولكن الذهبي وأمثاله من المنحرفين عن الحق لا يعقلون ذلك .
2 – خرج الإمام الرضا ( عليه السلام ) يوما على بغلة فارهة ، فدنا منه أبو نواس ، وسلم عليه وقال له : ” يا بن رسول الله قلت : فيك أبياتا أحب أن تسمعها مني ؟ ” .
وبادر الامام قائلا : ” قل : ” فانبرى أبو نواس قائلا :
مطهرون نقيات ثيابهم * تجري الصلاة عليهم كلما ذكروا
من لم يكن علويا حين ننسبه * فما له في قديم الدهر مفتخر
أولئك القوم أهل البيت عندهم * علم الكتاب وما جاءت به السور ( 31 )
وهذه الأبيات من أصدق الشعر وأروعها قد اقتبس الشطر الأول من القرآن الكريم ، قال تعالى : ( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) لقد طهرهم الله من الزيغ ، وأذهب عنهم الرجس ، وجعلهم قدوة لعباده يهتدي بهم الحائر .
وأعجب الامام بهذه الأبيات فقال لأبي نواس : ” قد جئتنا بأبيات ما سبقك إليها أحد . . ”
ثم التفت إلى غلامه فقال له : ما معك من فاضل نفقتنا ؟ فقال : ثلاث مائة دينار ، قال : ارفعها له ثم لما ذهب إلى بيته ، قال لغلامه : لعله استقلها ، سق إليه البغلة ( 32 ) ( 33 )
30 – دعبل الخزاعي :
وأكثر دعبل في مدح الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، وفي رثائه ، ومما قاله فيه :
لقد رحل ابن موسى بالمعالي * وسار بيسره العلم الشريف
وتابعه الهدى والدين طرا * كما يتتبع الألف الأليف ( 34 )
ومعنى هذا الشعر ان الإمام الرضا ( عليه السلام ) قد حوى جميع صنوف الشرف والمعالي ، كما تابعه العلم والهدى والدين ، وقد تميز بهذه الصفات الكريمة التي كانت من ذاتياته .
31 – الصاحب بن عباد :
أما الصاحب بن عباد الوزير ، فقد هام بحب الإمام الرضا ( عليه السلام ) وقد اهدى تحياته العطرة إلى الامام بهذه الأبيات .
يا سايرا زائرا إلى طوس * مشهد طهر وارض تقديس
أبلغ سلامي الرضا وحط على * أكرم رمس لخير مرموس
والله والله حلفة صدرت * من مخلص في الولاء مغموس
اني لو كنت مالكا اربي * كان بطوس الغناء تعريسي
لمشهد بالزكاء ملتحف * وبالسني والثناء مأنوس
إلى أن يقول :
يا بن النبي الذي به قمع الله * ظهور الجبابر الشوس ( 35 )
وابن الوصي الذي تقدم في * الفضل على البزل القناعيس ( 36 )
وحائز الفخر غير منتقص * ولابس المجد غير تلبيس ( 37 )
ويقول في مقطوعة أخرى :
يا زائرا قد نهضا * مبتدرا قد ركضا
ومن قد مضى كأنه * البرق إذا ما أومضا
أبلغ سلامي زاكيا * بطوس مولاي الرضا
سبط النبي المصطفى * وابن الوصي المرتضى
من حاز عزا أقعسا ( 38 ) * وشاد مجدا ابيضا
وقل له : من مخلص * يرى الولا مفترضا ( 39 )
32 – ابن الحجاج :
وأثر ابن الحجاج الشعر الكثير في مدح الإمام الرضا ( عليه السلام ) كان منه هذان البيتان :
يا ابن من تؤثر المكارم عنه * ومعالي الآداب تمتار منه
من سمى الرضا علي بن موسى * رضي الله عن أبيه وعنه ( 40 )
33 – عبد الله بن المبارك :
قال عبد الله بن المبارك في مدح الامام هذا البيت :
هذا علي والهدى يقوده * من خير ؟ ؟ فتيان قريش عوده ( 41 )
34 – الصولي :
قال الصولي في مدح الامام :
إلا إن خير الناس نفسا ووالدا * ورهطا وأجدادا علي المعظم
أتتنا به للحلم والعلم ثامنا * إماما يؤدي حجة الله تكتم ( 42 )
35 – ابن حماد :
قال الشاعر ابن حماد في مدح الإمام الرضا ( عليه السلام ) :
ساقها شوقي إلى طوس * ومن تحويه طوس
مشهد فيه الرضا * العالم والحبر النفيس
ذاك بحر العلم * والحكمة ان قاس مقيس
ذاك نور الله لا يطفى * له قط طميس ( 43 )
36 – الأربلي :
قال علي بن عيسى الأربلي في قصيدة يمدح بها الامام ويتشوق لزيارة مرقده :
أيها الراكب المجد قف العيس * إذا ما حللت في أرض طوسا
لا تخف من كلالها ودع التأديب * دون الوقوف والتعريسا
وألثم الأرض ان رأيت ثرى * مشهد خير الورى علي بن موسى
وأبلغنه تحية وسلاما * كشذى المسك من علي بن عيسى
قل سلام الاله في كل وقت * يتلقى ذاك المحل النفيسا
منزل لم يزل به ذاكر لله * يتلوا التسبيح والتقديسا
دار عز ما انفك قاصدها * يزجى إليها آماله والعيسا
بيت مجد ما زال وقفا عليه * الحمد والمدح والثناء حبيسا
ما عسى أن يقال في مدح قوم * أسس الله مجدهم تأسيسا
ما عسى أن أقول في مدح قوم * قدس الله ذكرهم تقديسا
هم هداة الورى وهم أكرم * الناس أصولا شريفة ونفوسا
ان عرت أزمة تندوا غيوثا * أو دجت شبهة تبدوا شموسا
شرفوا الخيل والمنابر لما * افترعوها والناقة العنتريسا ( 44 )
معشر حبهم يجلي هموما * ومزاياهم تجلي طروسا
كرموا مولدا وطابوا أصولا * وزكوا محتدا وطالوا غروسا
ليس يشقى بهم جليس ومن كان * ابن شوري إذا أرادوا جليسا
قمت في نصرهم بمدحي لما * فاتني أن أجر فيه خميسا
ملأوا بالولاء قلبي رجاء * وبمدحي لهم ملأت الطروسا
فتراني لهم مطيعا حنينا * وعلى غيرهم أبيا شموسا
يا علي الرضا أبثك ودا * غادر القلب بالغرام وطيسا
مذهبي فيك مذهبي وبقلبي * لك حب أبقى جوى ورسيسا
لا أرى داءه بغيرك يشفى * لا ولا جرحه بغيرك يوسى
أتمنى لو زرت مشهدك * العالي وقبلت ربعك المأنوسا
وإذا عز أن أزورك يقظان * فزرني في النوم وأشف السيسا
الهوامش
( 22 ) جامع كرامات الأولياء 2 / 156 .
( 23 ) الإمام علي الرضا ولي عهد المأمون ( ص 1 ) .
( 24 ) مرآة الزمان 6 / ورقة 41 من مصورات مكتبة الامام أمير المؤمنين تسلسل 2864 .
( 25 ) الاعلام 5 / 178 .
( 26 ) حياة الإمام الرضا .
( 27 ) خلاصة تهذيب الكمال ( ص 678 ) .
( 28 ) الاتحاف بحب الاشراف ( ص 88 ) .
( 29 ) الاتحاف بحب الاشراف ( ص 88 ) .
( 30 ) ذكر ابن طولون في كتابه ( الأئمة الاثني عشر ) ص 98 – 99 ان أبا نواس عوتب على ترك مدح الامام ، فقال له بعض أصحابه : ما رأيت أوقح منك ، ما تركت خمرا ولا طودا ولا مغني إلا قلت : فيه شيئا ، وهذا علي بن موسى الرضا في عصرك لم تقل فيه شيئا ، فقال : والله ما تركت ذلك إلا اعظاما له ، وليس يقدر مثلي أن يقول في مثله ، ثم أنشد بعد ساعة هذه الأبيات .
( 31 ) تأريخ الاسلام 8 / ورقة 35 .
( 32 ) خلاصة الذهب المسبوك ( ص 200 ) .
( 33 ) الاتحاف بحب الاشراف ( ص 60 ) نزهة المجلس 2 / 105 .
( 34 ) كشف الغمة 3 / 107 .
( 35 ) ديوان دعبل ( ص 108 ) .
( 36 ) الشوس : جمع أشوس ، وهو الرافع رأسه تكبرا .
( 37 ) البزل جمع بازل وهو البعير الذي انشق وهو في التاسعة ، والقناعيس جمع قنعاس وهو الإبل العظيم ويوصف به الرجل الشديد .
( 38 ) عيون أخبار الرضا 1 / 4 .
( 39 ) الأقعس : الشئ الثابت .
( 40 ) عيون أخبار الرضا 1 / 6 .
( 41 ) المناقب 4 / 343 .
( 42 ) المناقب 4 / 362 .
( 43 ) عيون أخبار الرضا 1 / 15 .
( 44 ) المناقب 4 / 350 .