الإمام الرضا (ع) حليف القرآن الكريم ـ القسم الثاني
أهتم الإمام الرضا ( عليه السلام ) اهتماما بالغا في تفسير القرآن الكريم فأولاه المزيد من العناية في محاضراته وبحوثه التي ألقاها على الفقهاء والعلماء وسائر طلابه ، وقد نقلها الرواة والمفسرون للقرآن ، وهذا بعضها :
نماذج من تفسيره للقرآن :
16 – قوله تعالى : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع . . . ) ( 43 ) .
دلت الآية الكريمة على جواز زواج الرجل بأربع نساء من دون أن يسمح للمرأة بذلك ، وقد تحدث الإمام ( عليه السلام ) عن بعض الحكم والمصالح في هذا التشريع قال ( عليه السلام ) : علة تزويج الرجل بأربع نسوة ، وتحريم أن تزوج المرأة أكثر من واحد لان الرجل إذا تزوج أربع نسوة كان الولد منسوبا إليه ، والمرأة لو كان لها زوجان أو أكثر من ذلك لم يعرف الولد لمن هو ؟ إذ هم مشتركون في نكاحها وفي ذلك فساد الأنساب والمواريث والمعارف ( 44 ) .
17 – قوله تعالى : ( يريد الله ليبني لكم ، ويهديكم سنن الذين من قبلكم . . . ) ( 45 ) .
سئل الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن إرادة العباد ، وإرادة الله تعالى ، فقال : إن الإرادة من العباد الضمير ، وما يبدو بعد ذلك من الفعل ، واما من الله عز وجل فالإرادة للفعل احداثه انما يقول : كن فيكون بلا تعب وكيف ( 46 ) .
18 – قوله تعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من أموالهم . . . ) ( 47 ) .
استشهد الامام بهذه الآية الكريمة في جوابه لمحمد بن سنان حينما سأله عن العلة في اعطاء المرأة نصف ما يعطى الرجل من الميراث فقال ( عليه السلام ) : ” علة اعطاء النساء نصف ما يعطى الرجال من الميراث لأن المرأة إذا تزوجت أخذت ، والرجل يعطي فلذلك وفر على الرجال .
وعلة أخرى في اعطاء الذكر نصف ما تعطى الأنثى لان الأنثى من عيال الذكر إذا احتاجت ، وعليه أن يعولها وليس على المرأة ان تعول الرجل ، ولا تؤخذ بنفقته إذا احتاج ، فوفر على الرجال لذلك ، وذلك قول الله عز وجل : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من أموالهم ، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ) ( 48 ) .
19 – قوله تعالى : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) ( 49 ) .
سأل بريد العجلي الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن تفسير هذه الآية فقال ( عليه السلام ) : هم الأئمة من آل محمد ( ص ) ان يؤدوا الأمانة إلى من بعده ، ولا يخص بها غيره ، ولا يزويها عنه ( 50 ) . ودلت هذه الرواية على أن أمر الإمامة بيد الله تعالى ، وانه تعالى يهبها لافضل عباده ، وأتقاهم ، وان الإمامة أمانة عند الامام فعند ارتحاله إلى حظيرة القدس لا بد أن يعهد بها إلى من هو المنصوص عليه من قبل النبي ( ص ) وليس له أن يقلدها لأي شخص كان .
20 – قوله تعالى : ( واتخذ الله إبراهيم خليلا . . . ) ( 51 ) .
قال ( عليه السلام ) : سمعت أبي يحدث عن أبيه ( عليه السلام ) أنه قال : إنما اتخذ الله إبراهيم خليلا لأنه لم يرد أحدا ، ولم يسأل أحدا قط غير الله عز وجل ( 52 ) .
21 – قوله تعالى : ( وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزء بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ) ( 53 ) .
قال ( عليه السلام ) : في تفسير الآية الكريمة ” إذا سمعت الرجل يجحد الحق ، ويكذب به ، ويقع في أهله فقم من عنده ولا تقاعده ” ( 54 ) .
22 – قوله تعالى : ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) ( 55 ) .
قال ( عليه السلام ) : في تفسير الآية لن يجعل الله للكافر على المؤمنين حجة ، ولقد أخبر الله تعالى عن كفار قتلوا نبيهم بغير الحق ، ومع قتلهم إياهم لم يجعل الله لهم على أنبيائه سبيلا ( 56 ) .
22 – قوله تعالى : ( يخادعون الله وهو خادعهم . . . ” ) ( 57 ) .
قال ( عليه السلام ) في تفسير الآية الكريمة ” الله تبارك وتعالى لا يخادع ولكنه يجازيهم جزاء الخديعة ” ( 58 ) .
23 – قوله تعالى : ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض . . . ” . ( 59 ) .
سئل الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن تفسير الآية الكريمة ، وقيل له : ما الذي إذا فعله استوجب واحدة من هذه الأربع ؟ فقال ( عليه السلام ) .
إذا حارب الله ورسوله ، وسعى في الأرض فسادا فقتل قتل به وان قتل وأخذ المال قتل وصلب ، وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ، وإن شهر السيف فحارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا ولم يقتل ولم يأخذ المال نفي من الأرض .
قلت كيف ينفى من الأرض وما حد نفيه ؟ قال ( عليه السلام ) :
ينفى من المصر الذي فعل فيه ما فعل إلى مصر غيره ، ويكتب إلى أهل ذلك المصر أنه منفي فلا تجالسوه ، ولا تبايعوه ، ولا تناكحوه ، ولا تؤاكلوه ولا تشاربوه ، فيفعل ذلك به سنة ، فان خرج من ذلك المصر إلى غيره كتب إليهم بمثل ذلك حتى تتم السنة .
قلت : فان توجه إلى أرض الشرك ليدخلها ؟ قال ( عليه السلام ) : إن توجه إلى ارض الشرك ليدخلها قوتل أهلها ( 60 ) .
24 – قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) ( 61 ) .
استشهد الإمام ( عليه السلام ) بهذه الآية الكريمة في جوابه عن مسائل أحمد بن محمد ، قال ( عليه السلام ) : أولم تنهوا عن كثرة المسائل فأبيتم أن تنتهوا ، إياكم وذلك ، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم ، قال الله تبارك وتعالى : ( يا أيها الذين آمنوا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم ) . ( 62 ) .
25 – قوله وتعالى : ( قل انما هو إله واحد وانني برئ مما تشركون ) ( 63 ) .
قال ( عليه السلام ) : للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب : نفي وتشبيه واثبات بغير تشبيه فمذهب النفي لا يجوز ومذهب التشبيه لا يجوز لان الله تبارك وتعالى لا يشبهه شئ ، والسبيل في الطريقة الثالثة إثبات بلا تشبيه ” .
وأوضح السيد الطباطبائي هذه المذاهب الثلاثة قال :
المراد بمذهب النفي نفي معاني الصفات عنه تعالى كما ذهبت إليه المعتزلة ، وفي معناه ارجاع الصفات الثبوتية إلى نفي ما يقابلها كالقول بأن معنى القادر انه ليس بعاجز ، ومعنى العالم انه ليس بجاهل إلا ان يرجع إلى ما ذكره ( عليه السلام ) من المذهب الثالث .
والمراد بمذهب التشبيه أن يشبهه تعالى بغيره – وليس كمثله شئ – أي أن يثبت له من الصفة معناه المحدود الذي فينا المتميز من غيره من الصفات بأن يكون قدرته كقدرتنا وعلمه كعلمنا وهكذا ، ولو كان ماله من الصفة كصفتنا احتاج كاحتياجنا فلم يكن واجبا تعالى عن ذلك .
والمراد بمذهب الاثبات من غير تشبيه ان يثبت له من الصفة أصل معناه ، وتنفى عنه خصوصيته التي قارنته في الممكنات المخلوقة أي تثبت الصفة وينفى الحد ( 64 ) .
26 – قوله تعالى : ( ما فرطنا في الكتاب من شئ ) ( 65 ) .
استشهد الإمام ( عليه السلام ) بالآية الكريمة في حديثه التالي ، قال ( عليه السلام ) :
ان الله عز وجل لم يقبض نبينا حتى أكمل له الدين ، وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شئ يبين فيه الحلال والحرام والحدود والاحكام ، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا ، وقال عز وجل : ( ما فرطنا في الكتاب من شئ ) ( 66 ) .
27 – قوله تعالى : ( فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي ) ( 67 ) .
سأل المأمون الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن عصمة الأنبياء ، فأجابه أنهم معصومون ، واعترض عليه المأمون بهذه الآية انه كيف يقول : للكوكب هذا ربي ، وهذا مما ينافي العصمة فأجابه الإمام ( عليه السلام ) بما يلي :
” إن إبراهيم وقع إلى ثلاثة أصناف : صنف يعبد الزهرة ، وصنف يعبد القمر ، وصنف يعبد الشمس ، وذلك حين خرج من السرب الذي أخفي فيه ، فلما جن عليه الليل رأى الزهرة ، قال : هذا ربي ، على الانكار والاستخبار ، فلما أفل الكوكب قال : لا أحب الآفلين ، لان الأفول من صفات المحدث لا من صفات القديم ، فلما رأى القمر بازغا قال : هذا ربي ، على الانكار والاستخبار ، فلما أفل قال : لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين ، فلما أصبح رأى الشمس بازغة قال : هذا ربي هذا أكبر من الزهرة والقمر : فلما أفلت قال للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر ، والشمس ، يا قوم إني برئ مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا ، وما أنا من المشركين .
وانما أراد إبراهيم بما قال : أن يبني لهم بطلان دينهم ويثبت عندهم ان العبادة لا تحق لما كان بصفة الزهرة والقمر والشمس ، وانما تحق العبادة لخالقها ، وخالق السماوات والأرض ، وكان ما احتج به على قومه ما ألهمه الله عز وجل وآتاه ، كما قال عز وجل ، تلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه . . .
ولم يملك المأمون اعجابه بهذا الجواب الحاسم ، فقال للامام : لله درك يا بن رسول الله ( 68 ) .
28 – قوله تعالى : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام . . . ) ( 69 ) .
سأل سليمان النيشابوري الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن تفسير هذه الآية الكريمة فقال :
” فمن يرد الله ان يهديه بايمانه في الدنيا ، والى جنته ، ودار كرامته ، في الآخرة ، يشرح صدره للتسليم لله ، والثقة به والسكون إلى ما وعد من ثوابه حتى يطمئن إليه ، ومن يرد أن يضله عن جنته ودار كرامته في الآخرة لكفره به وعصيانه له في الدنيا يجعل صدره ضيقا حرجا حتى يصير كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ” . ( 70 ) .
29 – قوله تعالى : ( قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق . . . ) ( 71 ) .
استشهد الإمام ( عليه السلام ) بهذه الآية الكريمة في حديثه التالي : روى أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : قال لي الإمام الرضا : ما تقول في اللباس الخشن ؟ فقلت : بلغني أن الحسن كان يلبس ، وأن جعفر بن محمد كان يأخذ الثوب الجديد .
فيأمر به فيغمس في الماء ، فقال ( عليه السلام ) : البس وجمل فإن علي بن الحسين كان يلبس الجبة الخز بخمس مائة درهم والمطرف الخز بخمسين دينارا ، فيشتو فيه ، فإذا خرج الشتاء ، باعه وتصدق بثمنه ، وتلا هذه الآية : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده ، والطيبات من الرزق ) ( 72 ) .
30 – قوله تعالى : ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ) ( 73 ) .
قال ( عليه السلام ) في تفسير هذه الآية : إنه أعطي بلعم بن باعور الاسم الأعظم ، وكان يدعو به فيستجاب له ، فمال إلى فرعون ، فلما أمر فرعون في طلب موسى وأصحابه قال فرعون لبلعم : ادع الله على موسى وأصحابه ليحبسه علينا فركب حمارته فاقبل يضربها فأنطقها الله عز وجل ، فقالت : ويلك على ماذا تضربني ؟ أتريد أن أجئ معك لتدعو على نبي الله وقوم مؤمنين ؟ ولم يزل يضربها حتى قتلها فانسلخ من لسانه وهو قوله : ( فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ) وهو مثل ضربه الله ( 74 ) .
31 – قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار ) ( 75 ) .
قال ( عليه السلام ) في تفسير هذه الآية المباركة ” حرم الله الفرار من الزحف لما فيه من الوهن في الدين ، والاستخفاف بالرسل والأئمة العادلة ، وترك نصرتهم على الأعداء ، والعقوبة لهم على ترك ما دعوا إليه من الاقرار بالربوبية ، واظهار العدل ، وترك الجور ، وإماتة الفساد ، لما في ذلك من جراءة العدو على المسلمين ، وما يكون في ذلك من السبي والقتل ، وابطال دين الله عز وجل وغيره من الفساد ” . ( 76 ) .
32 – قوله تعالى : ( فلو كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين . . ) ( 77 ) .
عرض ( عليه السلام ) في حديث له إلى قصة يونس لما رفع الله عنهم العذاب ، قال ( عليه السلام ) :
ان يونس أمره الله بما أمره ، فأعلم قومه فأظلهم العذاب ففرقوا بينهم وبين أولادهم وبين البهائم وأولادها ثم عجوا إلى الله ، وضحوا فكف الله العذاب عنهم ( 78 ) .
33 – قوله تعالى : ( ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم ان كان الله يريد أن يغويكم . . ) ( 79 ) .
إن نوح ( عليه السلام ) قال لقومه مضمون هذه الآية الكريمة ، وقد علق الإمام الرضا ( عليه السلام ) على ذلك بقوله : الامر إلى الله يهدي ويضل ( 80 ) .
34 – قوله تعالى : ( قال يا نوح انه ليس من أهلك انه عمل غير صالح . . . ” ( 81 ) .
روى الحسن بن علي الوشاء عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، قال : سمعته يقول : قال أبي : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ان الله عز وجل قال لنوح : ” إنه ليس من أهلك ” لأنه كان مخالفا له ، وجعل من اتبعه من أهله .
قال – أي الحسن – وسألني كيف يقرؤن هذه الآية في ابن نوح ؟
فقلت : يقرؤها الناس على وجهين : إنه عمل – جعلوه مصدرا – وانه عمل – جعلوه فعلا ماضيا – فقال : كذبوا هو ابنه ولكن الله نفاه حين خالفه في دينه .
قال السيد الطباطبائي : وكأن المراد من قراءة الآية تفسيرها والراوي يشير بايراد القراءتين إلى تفسير من فسر الآية بأن المراد أن امرأة نوح حملت الابن من غيره فألحقه بفراشه ( 82 ) .
35 – قوله تعالى : ( ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه . . . ) ( 83 ) .
سأل علي بن محمد بن الجهم الإمام الرضا ( عليه السلام ) في مجتمع حاشد فقال له : ” يا بن رسول الله أتقول : بمهمة الأنبياء ؟ ” .
” نعم . . . ” .
” ما تقول : في قوله عز وجل في يوسف ولقد همت به ، وهم بها ؟ ” .
” فأجابه ( عليه السلام ) بتفسير الآية وانه ليس كما توهم من الاخذ بظاهره قائلا :
” إنها أي زليخا – همت بالمعصية ، وهم يوسف بقتلها ان أجبرته لعظيم ما تداخله ، فصرف الله عنه قتلها ، وهو قوله عز وجل : ( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء ) والسوء القتل والفحشاء الزنا ” ( 84 )
36 – قوله تعالى : ( قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبلة إلا قليلا مما تأكلون ) ( 85 ) .
فسر الإمام الرضا ( عليه السلام ) الآية وما قبلها بالحديث التالي : روى الحسن بن علي بن الياس قال : سمعت الرضا ( عليه السلام ) يقول : واقبل يوسف على جمع الطعام في السبع سنين المخصبة يكسبه في الخزائن ، فلما مضت تلك السنون ، وأقبلت السنون المجد به أقبل يوسف على بيع الطعام فباعهم في السنة الأولى بالدراهم والدنانير ، حتى لم يبق بمصر وما حولها دينار ولا درهم إلا صار في ملك يوسف .
وباعهم في السنة الثانية بالحلي والجوهر حتى لم يبق بمصر وما حولها حلي ولا جوهر إلا صار في ملكه ، وباعهم في السنة الثالثة بالدواب والمواشي حتى لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا أمة إلا صار في ملكه ، وباعهم في السنة الخامسة بالدور والفناء حتى لم يبق في مصر وما حولها دار ولا فناء إلا صار في ملكه وباعهم في السنة السادسة بالمزارع والأنهار حتى لم يبق بمصر وما حولها نهر ولا مزرعة إلا صار في ملكه وباعهم في السنة السابعة برقابهم حتى لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا حر إلا صار عبدا ليوسف .
فملك أحرارهم وعبيدهم وأموالهم ، وقال الناس : ما سمعنا بملك أعطاه الله الملك ما اعطى هذا الملك حكما وعلما وتدبيرا ، ثم قال يوسف للملك : ما ترى فيما خولني ربي من ملك مصر وما حولها ؟
أشر علينا برأيك ، فإنني لم أصلحهم لأفسدهم ولم أنجهم من البلاء ليكون بلاء عليهم ولكن الله أنجاهم بيدي ، قال الملك : الرأي رأيك قال يوسف : أني اشهد الله وأشهدك أيها الملك أني قد أعتقت أهل مصر كلهم ورددت عليهم أموالهم وعبيدهم ، ورددت عليك الملك وخاتمك وسريرك وتاجك على أن لا تسير إلا بسيرتي ولا تحكم إلا بحكمي .
قال الملك : إن ذلك توبتي وفخري ، أن لا أسير إلا بسيرتك ، ولا احكم إلا بحكمك ، ولولاك ما توليت عليهم ولا اهتديت له ، وقد جعلت سلطاني عزيزا ما يرام ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وانك رسوله ، فأقم على ما وليتك فإنك لدينا مكين أمين ( 86 )
37 – قوله تعالى : ( قال اجعلني على خزائن الأرض اني حفيظ عليم ) ( 87 ) استشهد الإمام الرضا ( عليه السلام ) بالآية الكريمة في حديثه مع رجل قال له : ” أصلحك الله كيف صرت إلى ما صرت إليه من المأمون ؟ . . . ”
لقد أنكر على الامام قبوله لولاية العهد من قبل المأمون فرد الامام عليه قائلا :
” أيما أفضل النبي أو الوصي ؟ . . . ”
” لا . النبي . . . ” .
” أيما أفضل مسلم أو مشرك ؟ . . . ”
” لابل مسلم . . . ”
وأدلى الإمام ( عليه السلام ) بالحجة القاطعة قائلا :
” فان عزيز مصر كان مشركا ، وكان يوسف نبيا ، وان المأمون مسلم ، وأنا وصي ، ويوسف سأل العزيز أن يوليه حتى قال : ” استعملني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ”
والمأمون أجبرني على ما أنا فيه .
وفسر الامام : قوله تعالى : ” حفيظ عليم ” بأنه – اي يوسف – حافظ على ما في يده عالم بكل لسان ( 88 ) .
الهوامش
(43) سورة النساء / آية 2 .
(44) مواهب الرحمن 7 / 279 .
(45) سورة النساء / آية 26 .
(46) مواهب الرحمن 8 / 140 .
(47) سورة النساء / آية 34 .
(48) مواهب الرحمن 8 / 195
(49) سورة النساء / آية 58 .
(50) مواهب الرحمن 8 / 367 .
(51) سورة النساء / آية 124 .
(52) الميزان 5 / 96 .
(53) سورة النساء / آية 140 .
(54) الميزان 5 / 120 .
(55) سورة النساء / آية 141 .
(56) الميزان 5 / آية 120 .
(57) سورة النساء / آية 142 .
(58) الميزان .
(59) سورة المائدة / آية 33 .
(60) الميزان 5 / 331 .
(61) سورة المائدة / آية 101 .
(62) تفسير العياشي .
(63) سورة الأنعام / آية 19 .
(64) الميزان 7 / 41 .
(65) سورة الأنعام / آية 38 .
(66) الميزان 7 / 106 .
(67) سورة الأنعام / آية 76 .
(68) الميزان 7 / 205 .
(69) سورة الأنعام / آية 125 .
(70) الميزان 7 / 348 .
(71) سورة الأعراف / آية 32 .
(72) قرب الاسناد .
(73) سورة الأعراف / آية 175 .
(74) تفسير القمي .
(75) سورة الأنفال / آية 15 .
(76) من لا يحضره الفقيه .
(77) سورة يونس / آية 98 .
(78) تفسير العياشي .
(79) سورة هود / آية 34 .
(80) تفسير العياشي .
(81) سورة هود / آية 45 .
(82) الميزان 11 / 245 .
(83) سورة يوسف / آية 24 .
(84) الميزان 11 / 166 .
(85) سورة يوسف / آية 47 .
(86) البرهان .
(87) سورة يوسف / آية 55 .
(88) الميزان 11 / 207 .