الإمام الحسين (ع) نشأ في البيئة الإسلامية الواعية
وأجمع المعنيون في البحوث التربوية والنفسية على أن البيئة من أهم العوامل التي تعتمد عليها التربية في تشكيل شخصية الطفل واكسابه الغرائز والعادات ، وهي مسؤولة عن أي انحطاط أو تأخر للقيم التربوية ، كما أن استقرارها ، وعدم اضطراب الأسرة لهما كبير في استقامة سلوك النشئ ووداعته ، وقد بحثت مؤسسة اليونسكو في هيئة الأمم المتحدة عن المؤثرات الخارجة عن الطبيعة في نفس الطفل ، وبعد دراسته مستفيضة قام بها الاختصاصيون قدموا هذا التقرير :
” مما لا شك فيه أن البيئة المستقرة سيكولوجيا ، والأسرة الموحدة التي يعيش أعضاؤها في جو من العطف المتبادل هي أول أساس يرتكز عليه تكيف الطفل من الناحية العاطفية ، وعلى هذا الأساس يستند الطفل فيما بعد في تركيز علاقاته الاجتماعية بصورة مرضية ، أما إذا شوهت شخصية الطفل بسوء معاملة الوالدين فقد يعجز عن الاندماج في المجتمع . . . ” ( 1 ) .
ان استقرار البيئة وعدم اضطرابها من أهم الأسباب الوثيقة في تماسك شخصية الطفل وازدهار حياته ، ومناعته من القلق ، وقد ذهب علماء النفس إلى أن اضطراب البيئة وما تحويه من تعقيدات ، وما تشتمل عليه من أنواع الحرمان كل هذا يجعل الطفل يشعر بأنه يعيش في عالم متناقض ملئ بالغش والخداع والخيانة والحسد وأنه مخلوق ضعيف لا حول له ، ولا قوة تجاه هذا العالم العنيف ( 2 ) . . . وقد عنى الاسلام بصورة ايجابية في شؤون البيئة فأرصد لاصلاحها وتطورها جميع أجهزته وطاقاته ، وكان يهدف قبل كل شئ أن تسود فيها القيم العليا من الحق والعدل والمساواة ، وأن تتلاشى فيها عوامل الانحطاط والتأخر من الجور والظلم والغبن ، وأن تكون آمنة مستقرة خالية من الفتن والاضطراب حتى تمد الأمة بخيرة الرجال وأكثرهم كفاءة ، وانطلاقا في ميادين البر والخير والاصلاح .
وقد انتخب البيئة الاسلامية العظماء والأفذاذ والعباقرة المصلحين الذين هم من خيرة ما أنتجته الانسانية في جميع مراحل تاريخها كسيدنا الامام أمير المؤمنين ( ع ) وعمار بن ياسر ، وأبي ذر وأمثالهم من بناة العدل الاجتماعي في الاسلام .
لقد نشأ الإمام الحسين ( ع ) في جو تلك البيئة الاسلامية الواعية التي فجرت النور وصنعت حضارة الانسان ، وقادت شعوب الأرض لتحقيق قضاياها المصيرية ، وأبادت القوى التي تعمل على تأخير الانسان ، وانحطاطه تلك البيئة العظيمة التي هبت إلى ينابيع العدل تعب منها فتروي وتروي الأجيال الظامئة .
وقد شاهد الإمام الحسين وهو في غضون الصبا ما حققته البيئة الاسلامية من الانتصارات الرائعة في إقامة دولة الاسلام ، وتركيز أسسها ، وأهدافها وبث مبادئها الهادفة إلى نشر المودة والدعة والامن بين الناس .
هذه بعض المكونات التربوية التي توفرت للإمام الحسين ( ع ) وقد أعدته ليكون الممثل الاعلى لجده الرسول ( ص ) في الدعوة إلى الحق ، والصلابة في العدل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) أثر الأسرة والمجتمع في الاحداث الذين هم دون الثالثة عشرة مؤسسة اليونسكو ( ص 35 ) .
( 2 ) التكيف النفسي ( ص 22 )