بداية نشوء التشيع في الري
خَفَّت ـ بعد سقوط الأمويّين ـ الضغوطُ على المحدّثين لإرغامهم على اختلاق الأحاديث في فضائل بني أُميّة، وزال الخوف الشديد الذي كان يلازم التحديث بفضائل أهل البيت عليهم السّلام.
وهذا الوضع الجديد دفع بعضَ محدّثي أهل السنّة ممّن يُكنّون لآل محمّد صلّى الله عليه وآله الودّ والاحترام إلى التحديث بمناقب أهل البيت، وقد اتُّهم هؤلاء الأفراد بالتشيّع من قِبل المتعصّبين، مع أنّهم لم يكونوا شيعة بالمعنى المصطلح عليه.
ذكر الذهبيّ ـ على سبيل المثال ـ رجلاً يُدعى عبدالله بن عبدالقدّوس، وذكر أنّ أصله من الكوفة، وأنّه سكن في « الريّ »، ثمّ وصفه بأنّه رافضيّ، وأنّ جميع رواياته تتعلّق بفضائل أهل البيت (1).
وقد قَدِم ابنُ إسحاق صاحب السيرة إلى « الريّ » فقرأ سيرته على بعض علمائها، فاتُّهم بالتشيّع لدلائل مشابهة (2)؛ ويُراد بهذا التشيّع ـ في حقيقة الأمر ـ نقل بعض فضائل آل محمّد صلّى الله عليه وآله.
وجسّد نقلُ فضائل أهل البيت عليهم السّلام الخطوةَ الأولى في التنصّل من النَّصْب لهم، وشكّل اللبنةَ الأولى التي مهّدت لرواج التشيّع في المراحل اللاحقة.
وكانت البداية الأولى للتشيّع الأصيل في الريّ في أواخر القرن الثاني للهجرة من خلال ارتباط بعض أهل الريّ بأئمّة الشيعة عليهم السلام، والرواية الأولى التي تحدّثت عن مثل هذه اللقاءآت مرتبطة بلقاء شيعة الريّ بالإمام الكاظم عليه السّلام.
وكانت البداية الأولى للتشيّع الأصيل في الريّ في أواخر القرن الثاني للهجرة من خلال ارتباط بعض أهل الريّ بأئمّة الشيعة عليهم السلام، والرواية الأولى التي تحدّثت عن مثل هذه اللقاءآت مرتبطة بلقاء شيعة الريّ بالإمام الكاظم عليه السّلام.
وتُشير هذه الروايات إلى أنّ حاكم الريّ في تلك الفترة كان من الشيعة، وأنّه كان يُحامي عن الشيعة ويُدافع عنهم وراء ستار من التقيّة. وقد عَهِدنا في عصر الإمام الكاظم عليه السّلام وجودَ مثل هؤلاء الأفراد الذين كانوا يعملون ظاهراً مع الجهاز الحاكم، ويوظّفون نفوذهم في حماية القواعد الشعبية لأئمّة أهل البيت عليهم السّلام، ومن هؤلاء الأفراد: عليّ بن يقطين.
وجاء في الرواية المذكورة أنّ رجلاً من أهل الريّ كان عليه دَين مِن خَراج في زمن أحد كتّاب يحيى بن خالد البرمكيّ، وكان اداؤه هذا الدَّين يفضي إلى إفلاسه. ثمّ طرق سمعَه بأنّ ذلك الكاتب ينتحل هذا الأمر ( أي أنّه على مذهب أهل البيت عليهم السّلام )، وخشي إن هو لَقِيَه ألاّ يكون ما بلغه عنه حقّاً، فيكون في ذلك زوال نعمته؛ فاستقرّ عزمُه على السفر إلى الحجّ، والتقى في سفره ذلك بالإمام الصابر عليه السّلام (3) واستجار به، فكتب عليه السّلام إليه رُقعةً صغيرة فيها « بسم الله الرحمن الرحيم، إنّ لله في ظِلِّ عرشه ظلاًّ لا يَسكنُه إلاّ مَن نَفَّس عن أخيه كُربةً، أو أعانَه بنفسِه، أو صَنَع إليه معروفاً، ولو بشقّ تمرة، وهذا أخوكَ والسلام »، ثمّ ختمها ودفعها إلى الرجل الشيعيّ المدَينَ وأمره أن يوصلَها إلى كاتبِ يحيى.
يقول الرجل المذكور: فلمّا رجعتُ إلى بلدي، صرتُ إلى منزله فاستأذنتُ عليه وقلتُ: رسولُ الصابر عليه السّلام بالباب؛ فإذا أنا به وقد خرج إليّ حافياً، فأبصرَني وسلّم عليَّ وقبّل ما بين عينَيّ، ثمّ قال لي: يا سيّدي، أنتَ رسول مولاي ؟ فقلت: نعم.
فقال: قد أعتقتَني من النار إن كنتَ صادقاً. فأخذ بيدي وأدخلني منزله، وأجلسني في مجلسه، وقعد بين يديَّ، ثمّ قال: يا سيّدي، كيف خلّفتَ مولاي ؟ فقلتُ: بخير، فقال: اللهَ اللهَ ؟ قلتُ: الله ـ حتّى أعادها ثلاثاً ـ ثمّ ناولتُه الرُّقعة فقرأها وقبّلها ووضعها على عينَيه ثمّ قال: يا أخي، مُرْ بأمرك! فقلتُ: في جريدتك عليَّ كذا وكذا ألف ألف درهم، وفيه عَطَبي وهلاكي. فدعا الجريدة فمحا عنّي كلّ ما كان فيها، وأعطاني براءةً منها، ثمّ دعا بصناديقِ مالهِ فناصَفَني عليها؛ ثمّ دعا بدوابّه فجعل يأخذ دابّة ويُعطيني دابّة؛ ثمّ دعا بغِلمانهِ فجعل يعطيني غلاماً ويأخذ غلاماً، ثمّ دعا بكِسوته فجعل يأخذ ثوباً ويُعطيني ثوباً، حتّى شاطَرَني جميعَ مُلكه ويقول: هل سَرَرتُك ؟
فأقول: إي واللهِ، وزِدتَ على السرور؟
ثمّ إنّ الرجل نقل ما حصل له إلى الإمام الكاظم عليه السّلام، فسَرَّه ذلك (4).
ومع الأسف فإنّ الرواية المذكورة لم تتطرّق إلى اسم كاتب يحيى بن خالد.
وبين أصحاب الإمام الكاظم عليه السّلام عدّة أشخاص يُلَقّب كلُّ منهم بـ « الرازيّ »، وإنّما لُقّبوا بهذا اللقب لكونهم من أهل الريّ أو لِسُكناهم في الريّ مدة من الزمن.
ومنهم: الحسين بن محمّد الرازيّ، وعليّ بن عثمان الرازيّ، وعمرو بن عثمان الرازي (5)، وبكر بن صالح الرازيّ (6).
سوق الحرم بالري
وهناك رواية أخرى تحكي عن ارتباط شيعة الريّ بالإمام الجواد عليه السّلام، حيث يقول الحسن بن أبي عثمان الهمدانيّ: دخل أناس من أصحابنا من أهل الري على أبي جعفر ( الجواد ) عليه السّلام وفيهم رجل من الزيديّة، فسألناه مسألة، فقال أبو جعفر عليه السّلام لغلامه: خُذ بيد هذا الرجل فأخرِجْه! فقال الزيديّ: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله طيّباً مباركاً، وأنّك حجّة الله (7).
وذُكر في عِداد أصحاب الإمام الجواد عليه السّلام اثنان من أهل الري، هما: محمّد بن إسماعيل الرازيّ، ومنصور بن عبّاس الرازي الذي كان يسكن في بغداد (8).
ويُعدّ مجيء السيّد عبدالعظيم الحسنيّ إلى الريّ من دلائل الحضور الشيعي في هذه المنطقة، كما أنّه شكّل بنفسه الأرضيّة لنموّ المذهب الشيعي هناك. وبعد ارتحال عبدالعظيم الحسنيّ صار قبره مزاراً يؤمّه الشيعة ويتوافدون على الريّ من الأنحاء المختلفة لزيارته.
وذُكر في أصحاب الإمام الهادي عليه السّلام طائفة من أهل الريّ، منهم: الحسين بن محمّد الرازيّ (9)، وأبو بكر الرازيّ (10)، وأبو محمّد الرازيّ (11)، وأحمد بن إسحاق الرازيّ، والأخير من ثقات أصحاب الإمام الهادي عليه السّلام وكان من وكلائه عليه السّلام، وكان له ارتباط بالناحية المقدّسة عليه السّلام (12).
وممّن سكن الري سهلُ بن زياد الأدَمي المحدّث، وكان أحمد بن محمّد بن عيسى قد أخرجه عن قم بسبب غُلوِّ عقائده، فذهب إلى الريّ وحطّ فيها رحاله. وقد ذكر النجاشيّ أنّ سهل بن زياد المذكور راسلَ الإمامَ العسكريّ عليه السّلام بواسطة محمّد بن عبدالحميد العطّار، وأنّه ألّف كتابين اثنين، أحدهما كتاب « التوحيد » والآخر « النوادر » (13).
ومن وجوه أصحاب الأئمّة عليهم السّلام عبدالعظيم الحسنيّ، ويُعدّ في أصحاب الإمام الرضا عليه السّلام، وفي أصحاب الإمام الجواد عليه السّلام، وفي أصحاب الإمام الهادي عليه السّلام، وورد في حقّه كلمات الثناء والمدح من قِبلهم.
ويُعدّ مجيء السيّد عبدالعظيم الحسنيّ إلى الريّ من دلائل الحضور الشيعي في هذه المنطقة، كما أنّه شكّل بنفسه الأرضيّة لنموّ المذهب الشيعي هناك. وبعد ارتحال عبدالعظيم الحسنيّ صار قبره مزاراً يؤمّه الشيعة ويتوافدون على الريّ من الأنحاء المختلفة لزيارته.
وقد أورد الصاحبُ بن عبّاد والنجاشيّ ترجمةً مختصرة للسيّد عبدالعظيم، وذكر أحمد بن محمّد بن خالد البَرقيّ أنّ السيّد عبدالعظيم قَدِم إلى الريّ خوفاً من السلطان، فنزل في سرداب بيتٍ لأحد الشيعة يقع في محلّة « سكّة المَوالي »، وعكف هناك على العبادة، فكان يقوم الليل ويصوم النهار، وكان يزور قبراً من الدار التي نزل فيها ويقول إنّه قبر ابن موسى بن جعفر عليه السّلام. وظلّ السيّد عبدالعظيم في ذلك السرداب حتّى بلغ خبرُه جميعَ شيعة آل محمّد، فعرفه معظمهم (14).
وعلى أساس خبر كتاب « مُنتَقِلةُ الطالبيّة »، فقد قَدِم السيّد عبدالعظيم من طبرستان إلى الريّ، وكان سفره في العِقد الخامس من القرن الثالث، أي في زمن كان العلويّون فيه بعيدين عن مراكز السلطة، وكان السيّد عبدالعظيم يسكن في سكّة الموالي، وهي المحلّة التي أضحت فيما بعد موضعَ التقاء المناطق الجفرافيّة المتعلّقة بالمذاهب الثلاثة: الحنفيّ والشافعيّ والشيعيّ (15).
وقد عاصر السيّد عبدالعظيم ثلاثة من أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، ابتداءً بالإمام الثامن: الإمام الرضا عليه السّلام، ويحتمل أنّ سنة وفاته هي سنة 250 للهجرة.
وقد وردت عن الأئمّة عليهم السّلام عدّة روايات في فضيلة زيارة السيّد عبدالعظيم وكان لها دور كبير في لفت أنظار شيعة أهل البيت عليهم السّلام إلى الريّ وتوطّنهم فيها.
ومن العوامل الهامّة في تقوية ارتباط شيعة الريّ بالأئمّة عليهم السّلام وفي زيادة عدد الشيعة في تلك المنطقة: وجود أحد وكلاء صاحب الأمر: الإمام المهديّ عليه السّلام في الريّ.
وبطبيعة الحال فإنّه قد تحمّل هذه المسؤولية بالواسطة من قِبل أحد النوّاب الأربعة؛ وهذا الرجل هو أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسدي ( ت 312 هـ).
يقول صالح بن أبي صالح: سألني بعض الناس في سنة 290 هـ قبضَ شيءٍ، فامتنعت من ذلك وكتبتُ أستطلع الرأي، فأتاني الجواب: بالري محمّد بن جعفر العربيّ، فليُدفَعْ إليه فإنّه من ثقاتنا (16).
وروي عن محمد بن الحسن الكاتب المروزيّ أنّه كتب إلى صاحب الزمان عليه السّلام بإرساله مبلغاً من المال، فخرج الوصول وجاء فيه: إن أردتَ أن تعامل أحداً فعليك بأبي الحسين الأسديّ بالريّ (17).
وذكر الشيخ الطوسي عدّة روايات في مدح أبي الحسين الأسديّ، وذكر في آخرها أنّ الأسديّ مات على ظاهر العدالة لم يتغيّر ولم يُطعَن عليه (18).
ونورد فيما يلي بعض أسماء أصحاب الأئمّة عليهم السّلام الذين لقّبوا بـ « الرازي »، والذين وردت في الكتب الأربعة الروايات التي رَوَوها عن الأئمّة الأطهار عليهم السّلام:
– الجاموراني الرازي.
– محمّد بن إسماعيل الرازي.
– أبو القاسم بن مُخلّد الرازي.
– أبو عبدالله الرازي.
– أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد بن عبدالله الرازي.
– محمّد بن عبدالله الرازي.
– موسى بن الحسين الرازي.
– موسى بن الحسن الرازي.
– محمد بن الحسن الرازي.
– عليّ بن سليمان الرازي.
– عليّ بن النعمان الرازي.
– عليّ بن عثمان الرازي.
– أبو يحيى الرازي.
– ابن أبي يحيى الرازي.
– يحيى بن أبي العلاء الرازي.
– عبدالله بن أحمد الرازي.
– القاسم بن محمّد الرازي.
– الحسين بن محمّد الرازي.
– أبو محمّد الرازي.
– جعفر بن محمّد بن أبي زيد الرازي.
– محمّد بن أبي زيد الرازي.
– أحمد بن إسحاق الرازي.
– أبو إسماعيل الصَّيقل الرازي.
– أبو هلال الرازي.
– محمّد بن حسّان الرازي.
ويوجد ـ إضافة إلى هؤلاء ـ طائفة من الرواة الملقّبين بـ « الرازي » لم تَرِد رواياتهم في الكتب الأربعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- ميزان الاعتدال لذهبي
2- تاريخ سياسي اسلام=التاريخ السياسي الاسلامي
3- من الالقاب التي کان يلقب به الامام الکاظم عليه السلام
4- قضاء حقوق المؤمنين-اعلام الدين للديلمي-عدة الداعي-بحار الانوار
5- مسند الامام الکاظم عليه السلام
6- رجال النجاشي
7- الثاقب في المناقب
8-9- مسند الامام الجواد عليه السلام
10-11-12- مسند الامام الهادي عليه السلام
13-14- رجال النجاشي
15- منتقلة الطالبية
16-17-18- الغيبة للطوسي