عبر من عاشوراء
اللهم سدد ألسنتنا بالصواب والحكمة
إحدى الظواهر البارزة في الثقافة الإسلامية -ولها مصاديق بارزة وكثيرة في تاريخ صدر الإسلام وأقل منها على مَر الفترة- هي ثقافة القتال والجهاد. والجهاد طبعاً لا ينحصر في نطاق القتال في ميادين الحرب؛ فكل ما ينطوي على جد واجتهاد ومجابهة مع العدو يسمى جهاداً.
التفتوا جيداً؛ فلعل البعض يؤدي عملاً ويتحمل فيه مشقّة كبيرة، ويدّعي الجهاد. كلا؛ فأحد شروط الجهاد أن يكون في مجابهة العدو. ولكن قد يكون تارة في ميدان الحرب فيسمى بالجهاد الحربي، وقد يكون تارة في ميدان السياسة فيكون جهاداً سياسياً، وقد يكون في الميدان الثقافي فيسمى جهاداً ثقافياً، وقد يكون في مجال البناء فيسمى بجهاد البناء، كما أن له ميادين ومجالات أُخرى طبعاً. والشرط الأول فيه أن يبذل فيه جهد ومثابرة، وشرطه الثاني أن يكون في مواجهة العدو.
هذه ظاهرة بارزة في الثقافة الإسلامية ولها أمثلة في شتّى الميادين. واليوم أيضاً بدأ هذا الجهاد منذ أن انطلق نداء مجابهة النظام البهلوي المقيت، من حنجرة الإمام رضوان الله عليه وأنصاره آنذاك، أي في عام ۱۳۴۱ ه-. ش.
وكان حتى قبل هذا التاريخ ولكن بصورة متناثرة ونادرة وقليلة الأهمية.
منذ أن بدأت هذه المجابهة اتخذت طابعاً أكثر أهمية إلى أن تكللت بانتصار هذا الجهاد الذي تجسد بانتصار الثورة. ومنذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا كان في هذا البلد جهاد دائم.
وبما أن لنا أعداءً، وأعداؤنا أقوياء في الجانب المادي، وبما أن الأعداء قد أحاطوا بنا من كل جانب، وهم بصدد العدوان علينا، وقضية العدوان على إيران لا يمزحون فيها؛ لأنهم يستهدفون ضربها بأي نحو ممكن، إذن فكل من يقف في إيران الإسلامية بوجه هذا العدو – الذي سدد من كل جانب سهامه السامة إلى جسد هذه الثورة وهذا البلد الإسلامي – فهو مجاهد في سبيل الله. ونحمد الله على أن شعلة الجهاد كانت ولا زالت وستبقى مضيئة.
وبطبيعة الحال إن أحد أنواع هذا الجهاد هو الجهاد الفكري. أي بما أن العدو قد يباغتنا ويوقعنا في الأخطاء والمنزلقات، فكل من يبذل جهده على طريق توعية الناس، ويحول دون حصول أي انحراف أو سوء فهم، فعمله هذا جهاد؛ إذ هو في سبيل مجابهة العدو، ولعلّه من الجهاد المهم.
إذن يا أعزائي ! بلدنا اليوم مركز الجهاد، وليس لدينا ما يستوجب القلق في هذا المجال. الحمد للّه إن الشخصيات المسؤولة في البلد كلها شخصيات صالحة ومؤمنة ومجاهدة وواعية ومخلصة. عليكم أن تلتفتوا لهذه الجوانب، فرئيس الجمهورية سماحة الشيخ الهاشمي الرفسنجاني رجل قضى عمره في الجهاد ولازال حتى الآن يجاهد ليلاً ونهاراً، وكذلك الحال بالنسبة لمسؤولي المحافل الأُخرى كمجلس الشورى الإسلامي، والسلطة القضائية، والقوات المسلحة، وكذا سائر أبناء الشعب، كلهم في حالة جهاد دائم.
هذه الدولة هي دولة الجهاد في سبيل الله، ومن هنا فانّ ثقل جهدي، في المراقبة لأرى المواضع التي تخبو فيها شعلة الجهاد فاسارع بعون الله ولا ادعها تنطفئ، وأرى مواضع الخطأ والزلل فاتصدى لها، وهذه هي مسؤوليتي الأساسية. انني لا يساورني أي قلق حول حالة الجهاد الحالية في البلد، وهذا ما يجب ان تعلموه. إلاّ أن في القرآن شيئاً يرغمنا على التفكير فيه، وهو انه أمرنا أن ننظر إلى الماضي ونأخذ العبر من التاريخ.
ولكن قد يأتي البعض ويتفلسف بأن الماضي لا يمكن أن يكون مثالاً للحاضر. هذه الآراء يثيرها البعض ويتصور انه قادر على صياغتها كاطروحة فلسفية، لكنه لا يستطيع ذلك! ولا شأن لنا بأمثال هؤلاء.
القرآن صادق مصدّق وهو يدعونا إلى استقاء العبرة من التاريخ. والاعتبار بالتاريخ يعني حالة القلق التي عرضت لهاآنفاً، لأن التاريخ تكتنفه أُمور لو أردنا الاعتبار بها لساورتنا بعض الهواجس، وهذه الهواجس ذات صلة بالمستقبل، ولكن لماذا؟ وما سبب هذه الهواجس؟ وما الذي جرى عبر التاريخ؟
الواقعة التي حدثت كانت في صدر الإسلام. وقد ذكرت في وقت ما ان الأُمة الإسلامية حريّ بها أن تفكر في السبب الذي وصل بالبلاد الإسلامية بعد وفاة الرسول بخمسين سنة فقط إلى ان يجتمع أبناؤها من وزير وأمير وقائد وعالم وقاضي وقارئ للقرآن في الكوفة وكربلاء، ويمزقوا كبد رسول الله (ص) بتلك الطريقة الفجيعة.
على الإنسان أن يطيل النظر في الأسباب التي انتهت إلى تلك الحالة. وقد سبق لي وان تحدثت فيما سبق في هذا الموضوع قبل سنتين أو ثلاث تحت عنوان (عبر عاشوراء) طبعاً هذا شيء آخر يختلف عن موضوع (دروس من عاشوراء) كدرس الشجاعة، ودرس الإيثار وما إلى ذلك. والشيء الأهم من دروس عاشوراء هو العبر المستقاة من عاشوراء.
سبق لي وان ذكرت إن الأُمور وصلت إلى الحد الذي جعلهم يأتون بحرم الرسول إلى الشوارع والأسواق أمام أنظار الناس ويصمونهم بصمة الخوارج. والخوارج في الإسلام مصطلح يطلق على من يخرج على الإمام العادل ويشق عليه عصا الطاعة، ويستحق لعنة الله ورسوله والمؤمنين، هذا هو معنى الخوارج. ولهذا السبب كان المسلمون آنذاك يتنفّرون من الخوارج «من خرج على إمام عادل فدمه هدر»، هذا مع أن الإسلام يولي أهمية فائقة لدماء الناس.
لقد اشاعوا ان سبط رسول الله، ابنَ فاطمة وابن أميرالمؤمنين، خارج على الإمام العادل – وذلك الإمام العادل هو يزيد بن معاوية – وصدّقهم الناس!!
إن أفراد السلطة الحاكمة أُناس ظلمة يقولون ما يحلو لهم، ولكن لماذا يصدّقهم الناس؟ ولماذا يلتزمون الصمت إزاءهم؟ أن ما يثير هواجسي هو هذا الجانب من القضية، لماذا وصلت الأُمور إلى هذا الحد؟ ولماذا أصيبت الأمة الإسلامية وهي على تلك الدرجة من التدقيق في تفاصيل الأحكام الإسلامية والآيات القرآنية، لماذا أصيب بهذه الحالة من الغفلة والتهاون والتراخي الذي انتهى إلى بروز فاجعة كهذه؟ هذه المسألة تشغل فكر الإنسان. وهل نحن أقوى عزماً واشد شكيمة من مجتمع عهد الرسول وعهد أمير المؤمنين؟ وماذا نفعل حتى لا يجري مثلما جرى؟
طبعاً السؤال الذي أثرته حول تلك الأسباب، لم يجب عليه أحد، ولكن جوابه عندي. وأُشير إلى أن أحداً لم يتحدث في هذا الموضوع؛ أو أنهم قد تحدثوا حوله ولكن ليس بالشكل الوافي والكافي.
أود اليوم التحدث بإيجاز في هذا المجال، وحديثي سيكون مقتضباً بالنسبة لأصل القضية، سأثير رؤوس المواضيع أمام أفكاركم لتخوضوا فيها بأنفسكم وليتقصى جذورها المفكرون والباحثون، وليفكروا في السبل الكفيلة بالحيلولة دون تكرارها.
إذا لم نقف أنا وأنتم بوجهها اليوم، فلا تعجبوا إذا رأيتم مجتمعنا الإسلامي وصل إلى تلك الحالة، ربما بعد خمسين سنة أو بعد خمس سنوات أو بعد عشر سنوات، إلاّ إذا كانت هناك ابصار حادّة تسبر أغوار الأُمور، وعين أمينة تدل على الطريق، وأصحاب فكر يوجهون الأُمور، وإرادة صلبة تساند هذا المسار، ليتكون عند ذاك ساتر متين وقلعة حصينة لا يستطيع أحد اختراقها، وإلاّ فستتكرر الحالة ذاتها فيما إذا أهملنا، وعندها ستذهب كل هذه الدماء هدراً.
بلغت الأُمور في ذلك العهد حداً تربع فيه أبناء وأحفاد من قُتلوا يوم بدر على يد أميرالمؤمنين وحمزة وبقية قادة الإسلام، في مكان الرسول، ووضع أمامه رأس مهجة رسول الله، وصار يضرب على ثناياه بعود من الخيزران وينشد:
ليت أشياخي ببدر شهدوا ** جزع الخزرج من وقع الأسل
هنا يأمر القرآن بالاعتبار ويقول: {قل سيروا في الأرض} انظروا ما الذي وقع، والتزموا جانب الحذر. ولأجل أن يسري هذا المعنى إن شاء الله في الثقافة الحالية لبلدنا على يد المفكرين والباحثين وأصحاب الرأي، أتحدث إليكم اليوم باقتضاب عن هذا الموضوع.
لاحظوا يا أعزائي ! إذا نظرتم إلى المجتمع البشري؛ أي مجتمع كان، وفي أية مدينة أو بلد، تجدون الناس فيه يُقسمون – من وجهة نظر معينة – إلى فئتين:
فئة تسير عن فكر وفهم ووعي وإرادة، وهي تعرف طريقها وتسلكه – ولا يهمنا في المقام أن هذه الفئة على صواب في مسلكها أو أنه مسلك خاطئ – هذه الفئة يمكن تسميتها بالخواص.
وفئة أُخرى لا تنظر لترى ما هو الطريق الصحيح، وما هو الموقف الصائب، ولا يهمّها أن تفهم وتحلّل وتقيس وتدرك، بل تتبع الجو السائد والهوى العام، ولنُسَمِّ هذه الفئة بالعوام، إذن فالمجتمع يمكن تصنيفه إلى خواص وعوام. دققوا النظر، أريد الإشارة إلى نقطة بشأن العوام والخواص ويجب أن لا يقع فيها أي التباس.
من هم الخواص؟ هل هم طبقة خاصّة؟ كلا لأن هذه الفئة التي نسمّيها بالخواص تضم بين أفرادها أشخاصاً متعلمين وآخرين غير متعلمين، فقد يكون أحياناً بين الخواص شخص غير متعلم لكنه يفهم ما ينبغي عليه فعله، وهو يعمل وفقاً لتخطيط وإرادة حتى وان لم يكن قد دخل المدرسة أو لديه شهادة أو يرتدي زي العلماء، لكنه متفهم لحقيقة الأُمور.
في أيام اندلاع الثورة – وقبل انتصارها – كنت في المنفى في مدينة «ايرانشهر» وكان في إحدى المدن القريبة منها عدّة أشخاص من بينهم سائق، كان هؤلاء الأشخاص من ذوي الثقافة والمعرفة، رغم أنهم يصنّفون ظاهرياً في عداد العوام، إلاّ أنهم في الحقيقة كانوا من الخواص؛ كانوا يأتون للقائنا في إيرانشهر بشكل منتظم، وينقلون لي حوارهم مع عالم الدين في مدينتهم، وقد كان الآخر رجلاً طيّباً إلاّ انه كان من العوام!
لاحظوا، سائق الشاحنة من الخواص، بينما ذلك العالم المبجّل إمام الجماعة كان من العوام! كان العالم يقول: لماذا حينما يذكر اسم النبي تصلّون عليه مرّة واحدة، في حين إذا ذكر اسم السيد الخميني تصلّون على النبي ثلاث مرّات؟ ألا تفهمون؟! فكان السائق يرد عليه بالقول: يوم نفرغ من المجابهة، يوم يكون الإسلام قد ساد كل الأرجاء، وإذا انتصرت الثورة فانا سنترك الصلاة عند ذكر اسم الخميني، ثلاث مرّات، بل لا نصلي ولا مرّة واحدة؛ هذه الصلوات الثلاثة أسلوب من أساليب المجابهة. لاحظوا أن هذا الرجل يفهم مع انه سائق، لكن ذلك العالم لا يفهم.
ذكرت هذا المثال لتعلموا أننا حينما نقول الخواص، فلا يعني ذلك إنهم فئة ترتدي زيّاً بعينه؛ فقد يكون رجلاً وقد يكون امرأة، وقد يكون ثرياً وقد يكون فقيراً،وقد يكون من العاملين في الأجهزة الحكومية وقد يكون من المعارضين لأجهزة الحكومة الطاغوتية. وكلمة الخواص نقصد بها طبعاً الصالح والطالح منهم، ثم إننا سنصنّف الخواص إلى أقسام أُخرى أيضاً.
الخواص هم الذين عندما يؤدون عملاً يتخذون موقفاً، والنهج الذي يختارونه، يختارونه عن فكر وتحليل، أي أنهم يفهمون ويقررون ويعملون. هؤلاء هم الخواص. والذين يقفون في الجانب المقابل لهم هم العوام.
العوام هم الذين يسيرون مع مسير الماء، ليس لديهم تحليل للمواقف، حينما يشاهدون الناس يهتفون «يعيش» يهتفون معهم، وحينما يهتف الناس «الموت ل-…» يرددون نفس الهتاف. عندما تكون الأجواء في وضع معين يأتون هنا، وحينما تكون على منوال آخر يذهبون هناك!
نفترض أن مسلم بن عقيل دخل الكوفة، تراهم يقولون: لقد وفد ابن عم الإمام الحسين، لقد جاء مبعوث بني هاشم، وهو عازم على الثورة والنهوض، فيُستثارون ويلتفون حوله ويبايعونه؛ بايعه ثمانية عشر ألفاً. وبعد خمس أو ست ساعات دخل رؤساء القبائل إلى الكوفة وقالوا للناس: لماذا اتخذتم هذا الموقف؟ عمّن تريدون الدفاع؟ وضد من؟ أنكم ستدفعون الثمن غالياً! انسحب أولاً زعماء القبائل كل إلى داره. وبعدما حاصر جنود ابن زياد دار طوعة للقبض على مسلم، انبرى أولئك الناس أنفسهم لمحاربة مسلم! هؤلاء هم العوام. سلوكهم لا ينطلق عن تفكير، ولا ينبثق عن تشخيص، ولا هو قائم على تحليل صائب، بل يتحركون وفقاً لما يمليه الجو العام.
إذن في كل مجتمع هناك خواص وهناك عوام. لنترك قضية العوام جانباً، ونبحث في وضع الخواص.
ويُقسم الخواص طبعاً إلى فريقين: خواص فريق الحق، وخواص فريق الباطل، أليس كذلك؟ أهل الثقافة والفكر والمعرفة منهم يعملون لصالح جبهة الحق. عرفوا الحق، وعلموا أن الحق مع هذا الجانب فهم يتحركون ويعملون لأجله، إذن فهم يعرفون الحق، وقادرون على تشخيصه، هؤلاء يمثلون فريقاً. أمّا الفريق الآخر فهم الذين يقفون على الطرف الضد لطرف الحق.
وإذا ماعدنا إلى صدر الإسلام ثانية؛ فهناك فريق أصحاب أمير المؤمنين والإمام الحسين وبني هاشم. وفريق آخر هم أصحاب معاوية، كان فيهم من الخواص، كان فيهم أشخاص أذكياء من ذوي الرأي والتدبير يناصرون بني أمية، وهؤلاء من الخواص أيضاً.
إذن خواص كل مجتمع على نمطين: الخواص من أنصار الحق، والخواص من أنصار الباطل. وماذا ترجون من الخواص المشايعين للباطل؟ لا تتوقعوا منهم سوى التآمر ضد الحق وضدكم. وهذا ما يفرض عليكم محاربتهم؛ حاربوا الخواص من أنصار الباطل، هذا أمر لا نقاش فيه.
نأتي الآن إلى الخواص من أنصار الحق، وأنا أتحدث إليكم الآن، انظروا إلى أنفسكم لتروا في أي موضع أنتم. وحينما نقول أن الأصل هو الفكر والإتباع عن رؤية لا نخلط بين التاريخ والقصّة، التاريخ وجه آخر لسيرتنا الذاتية.
التاريخ معناه أنا وأنتم، معناه نحن الموجودون اليوم هنا. وإذا كنا نحن الذين نقوّم ونشرح التاريخ، فلابدّ أن ينظر كلّ منا محله من هذه القصّة، وفي أي موضع منها. ثم لنرى ما الذي فعله من كان يومذاك في مثل موضعنا حتى كان نصيبه الخسران، لخطئه؟ حتى لا نقع في الخطأ نفسه. مثل ما هو متعارف في دروس التعليم العسكري، يفرض جهة معادية، والأُخرى جهتنا، ثمّ يلاحظ خطأ خطة جهتنا.
وتجدون ان العقل الذي وضع الخطّة قد أخطأ في هذا المكان، إذن حينما تريدون أنتم وضع الخطّة يجب ان لا تقعوا في ذلك الخطأ نفسه. أو يفرض أن الخطة كانت صحيحة إلا ان الآمر أو المخابر أو المدفعي أو المراسل أو جندياً عادياً في جبهتنا ارتكب خطأ، تدركون انتم وجوب عدم الوقوع في ذلك الخطأ. هكذا هي مسيرة التاريخ. والآن عليكم العثور على ذاتكم في هذا المشهد الذي أتحدث عنه في صدر الإسلام.
بعض الناس من طبقة العوام، ولا قدرة لهم على اتخاذ القرار، وأمرهم منوط بالفرصة المتاحة أمام العوام، فإذا صادف أن كانوا في زمن يتصدى لزمام الأُمور أمام – كالإمام أمير المؤمنين (ع)، أو كالإمام الراحل (ره) – ويسير بهم نحو الجنّة، فخير على خير. وأمثال هؤلاء يسوقهم الصالحون، وينتهي بهم الأمر إن شاء الله إلى الجنّة. أما إذا صادف وعاشوا في زمن من يصفهم القرآن بقوله: {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار} أو {ألم تر إلى الذين بدّلوا نعمة الله كفراً وأحلّوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار}، يكون مصيرهم إلى النار.
إذن احذروا أن تكونوا من العوام، ولا نقصد بكلامنا هذا وجوب إكمال مراحل دراسية متقدمة، أبداً، وقد قلت أن معنى العوام ليس هذا؛ فما أكثر الذين أنهوا مراحل دراسية عليا، لكنهم يُحسبون في عداد العوام، وما أكثر من درسوا العلوم الدينية وهم من العوام، وما أكثر الفقراء أو الأغنياء الذين يدخلون في عداد العوام. إن صفة العوام رهن إرادتي وإرادتكم، ولهذا علينا أن ننتبه ولا نكون من العوام، أي يجب أن يكون كل فعل نفعله، عن بصيرة، ومن لا يعمل عن بصيرة فهو من العوام، ولهذا ورد في القرآن الكريم على لسان رسول الله (ص) {أدعو إلى الله على بصيرة من ديني أنا ومن اتّبعني}.
إذن انظروا أولاً هل أنتم من فئة العوام أم لا؟ فإذا كنتم من تلك الفئة فسارعوا إلى الخروج منها، حاولوا أن تكون لكم قدرة على التحليل والدراية والمعرفة.
أمّا إذا كنا في عداد الخواص، فلنرى هل نحن من خواص أنصار الحق أم من خواص أنصار الباطل؟ والمسألة هنا واضحة؛ فالخواص في مجتمعنا من أنصار الحق بلا ريب، لأنهم يدعون الناس إلى القرآن وإلى السنة وإلى العترة وإلى سبيل الله، وإلى القيم الإسلامية، هذه هي طبيعة الجمهورية الإسلامية. إذن فلا نتحدث الآن عن الخواص من أنصار الباطل ولا شأن لنا بهم حالياً، بل تمام الكلام في الخواص من أنصار الحق، والمشكلة كلها تبدأ من هنا. إعلموا يا أعزائي ان خواص أنصار الحق يُقسمون إلى فريقين:
الفريق الأول: هم الذين يتغلبون في الصراع مع مغريات الدنيا والحياة من الجاه والشهوة والمال واللذة والرفاه والسمعة. والفريق الآخر هم الذين يخفقون في هذا الصراع. هذه – أي اللذة والسمعة والجاه وما شابه – كلها أمور حسنة، وكلها من مباهج الدنيا «متاع الحياة الدنيا». والقرآن حينما يصفها بأنها متاع الحياة الدنيا فلا يعني ذلك إنها قبيحة، فالمتاع جعله الله ليتمتّع به الإنسان؛ ولكن إذا انغمس فيها إلى الحد الذي يعجز معه عن اجتنابها فيما إذا استدعت التكاليف الصعبة منه ذلك، فهذا شيء، وإذا استمتع فيها إلى الحد الذي يستطيع معه الكف عنها بكل سهولة عند حصول أي امتحان عسير، فهذا شيء آخر.
هذه الأُمور تستدعي إعمال النظر فيها، وتستلزم الدراسة والدقّة؛ لأن أفراد المجتمع، والنظام، والثورة لا يمكن ضمان مستقبلهم اعتباطاً، فكل مجتمع يوجد فيه هذان النمطان من أنصار الحق. إذا كان الفريق الصالح منهما، أي الذين يستطيعون عند الحاجة الانتهاء عن متاع الدنيا، هم الأكثر، فلن يقع المجتمع بما وقع فيه على عهد الإمام الحسين (ع)، وكونوا على ثقة أن المستقبل سيكون مضموناً إلى الأبد.
أما إذا كانوا قلّة، وكان ذلك الفريق من الخواص، أي المناصرين للحق ولكن في الوقت نفسه تنهار معنوياتهم أمام المغريات الدنيوية، بما فيها من ثروة، ودار وشهرة ومنصب وجاه، والذين يعرضون عن سبيل الله لأجل أنفسهم، فيلتزمون الصمت حيثما يجب قول الحق، حفاظاً على أرواحهم أو مناصبهم أو أعمالهم أو ثرواتهم أو لحب الأولاد والأسرة والأقارب والأصدقاء، هؤلاء إذا كانوا هم الكثرة، فالويل الويل حينئذ، عندها ينزل السائرون على خطى الحسين إلى أرض الشهادة ويقادون إلى مسالخ الذبح، ويتسلط أتباع يزيد على مقاليد الأُمور، وسيحكم بنو أمية الدولة التي أسسها رسول الله (ص) ويطول حكمهم ألف شهر، وتتحول الإمامة إلى ملك وسلطان!
المجتمع الإسلامي مجتمع الإمامة، أي يكون الإمام فيه على رأس السلطة وهو الشخص الذي يكون بيده زمام الأُمور، والناس ينقادون له انقياداً قلبياً نابعاً من الإيمان. أما السلطان فهو على خلاف ذلك؛ يحكم الناس بالقهر والغلبة، والناس لا يعتقدون به ولا يقبلون حكمه ولا يميلون إليه، والمقصود من الناس هنا ذوو الفهم والوعي.
لقد بدّل بنو أمية الإمامة في الإسلام إلى سلطنة وملكية، وحكموا هذه الدولة الإسلامية الكبرى ألف شهر أي تسعين سنة. حينذاك وضعت أُسس بناء هش انتهى إلى الثورة ضد بني أُمية الذين انقرضوا وجاء من بعدهم بنو العباس، وحكموا العالم الإسلامي ستة قرون أي ستمائة سنة على أساس أنهم خلفاء الرسول!
بنو العباس الذين كان خلفاؤهم أو بتعبير أدق ملوكهم يمارسون الفساد والفسق وشرب الخمور والفجور والفحشاء والخبائث وجمع الثروات واللهو والملذات وآلاف أنواع المفاسد الأُخرى، كانوا يحضرون المساجد أيضاً – كما هو حال سائر الملوك في العالم – ويأمّون الناس في الصلاة. وكان الناس يصلون خلفهم اضطراراً – وان لم يبلغ اضطرارهم ذلك الحد – أو من باب الاعتقاد المغلوط، وهو ما أدى بالنتيجة إلى تخريب معتقدات الناس!
إذا أصبح الخواص المناصرون للحق في مجتمع ما – كلهم أو أكثرهم – يخافون على حياتهم وعلى فقدان الأموال والمناصب والجاه والمكانة الاجتماعية ويخشون العزلة، بسبب تعلقهم بالدنيا، حينذاك لا يناصرون الحق ولا يضحّون بأنفسهم. وحينما تصير الأُمور إلى هذا الحال، حينئذ يقع في طليعة الأُمور استشهاد الإمام الحسين بتلك الصورة المأساوية، ويكون آخرها تسلط بني أُمية والعصابة المروانية ومن بعدهم بنو العباس، ثم سلسلة السلاطين الذين حكموا العالم الإسلامي إلى يومنا هذا.
انظروا اليوم إلى العالم الإسلامي، وإلى مختلف البلدان الإسلامية، انظروا إلى محل بيت الله والمدينة المنورة ولاحظوا من يحكمهما من فسّاق وفجّار، وهكذا في بقية الأماكن. ومن هنا تقولون في زيارة عاشوراء: «اللهم العن أول ظالم ظلم حق محمّد وآل محمّد»، وهذه هي الحقيقة.
حسناً، اقتربنا شيئاً من تحليل واقعة عاشوراء ذات العبر الكثيرة، وبعدما سمعتم هذه المقدّمة ننتقل إلى التاريخ.
بدأ انزلاق الخواص المؤيدين للحق بعد وفاة الرسول بست أو سبع أو ثمان سنوات، وحديثي هنا مع غض النظر عن مسألة الخلافة تماماً، قضية الخلافة على حدة، بل أتحدث الآن حول هذا النهج بسبب ما يتصف به من خطورة. القضايا بأجمعها وقعت بعد وفاة الرسول بسبع سنوات، وبرزت أُولى مؤشراتها في قولهم: لا يجوز ان يستوي ذوو السابقة في الإسلام – وهم أصحاب الرسول ومن شهد منهم حروبه – مع سائر الناس؛ هؤلاء يجب ان تكون لهم امتيازات! فمنحت لهم امتيازات مالية من بيت المال!
كانت هذه هي اللبنة الأولى، وهذا هو حال سائر التيارات المنحرفة؛ تبدأ من نقطة صغيرة ثم يستفحل شأنها ويتفاقم مع كل خطوة. الانحرافات بدأت من هنا إلى أن بلغت عهد عثمان، حيث آلت الأوضاع في أواسط عهد الخليفة الثالث إلى حالة صار فيها كبار صحابة رسول الله (ص) أثرى الأثرياء في زمانهم. أي أن كبار الصحابة من ذوي الأسماء المعروفة – كطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وأمثالهم – الذين كان لهم مفاخر، باتوا من رأسماليي الطراز الأول! بحيث ان أحدهم لمّا مات وأرادوا تقسيم أمواله بين وارثيه اضطروا إلى كسر الذهب – الذي أذابه وحوله إلى سبائك – بالفؤوس، كالحطب الذي يكسر بالفؤوس، فكم كان مقدار الذهب إذن حتى يكسر بالفؤوس؟ والحال أنّ الذهب يوزن بالمثاقيل، هذا ما سجّله التاريخ!
هذا ليس مما يقال أن الشيعة سطّروه في كتبهم، أبداً، هذا ما كتبه الجميع، فالمبالغ التي خلفوها من الدنانير والدراهم كانت مبالغ خيالية! وهذه الحالة هي التي أدت إلى وقوع تلك الأحداث على عهد أمير المؤمنين (ع)، أي بما أن البعض صار يولي أهمية فائقة للمنصب، لذلك فقد دخلوا في صراع معه.
هذا وقد مرت خمس وعشرون سنة على وفاة الرسول (ص)، وقد بدأت الكثير من الأخطاء والاشتباهات. أن نفس أمير المؤمنين (ع) هي نفس الرسول (ص)، ولولا هذه الفترة – الخمس وعشرون سنة – لما كانت تواجه علياً (ع) أية مشكلة في بناء ذلك المجتمع، إلا انه (ع) جوبه بمثل هذا المجتمع الذي يوصف بعض أفراده بانهم «يتخذون مال الله دولاً وعباده خولاً ودينه دخلاً بينهم». مجتمع ضاعت القيم فيه في خضم حب الدنيا، مجتمع يواجه فيه أمير المؤمنين (ع) مصاعب جمّة عندما يريد قيادة الناس إلى الجهاد.
كان أكثر الخواص في عهد أمير المؤمنين من المناصرين للحق؛ أي من الذين كانوا يعرفون الحق، ولكنهم يرجحون الدنيا على الآخرة. وهو ما أدى به إلى خوض ثلاث معارك، وأنهى فترة حكمه التي استمرت أربع سنوات وتسعة أشهر في هذه المعارك الثلاثة! إلى أن استشهد في نهاية المطاف على يد أحد الأشقياء.
إنّ دم أمير المؤمنين (ع) غال كدم الإمام الحسين. تقرأون في زيارة عاشوراء: «السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره». أي أن الله تعالى هو ولي دم الإمام الحسين (ع) وولي دم أبيه أمير المؤمنين (ع)، ولم يرد مثل هذا التعبير لأحد غيره. من البديهي أن لكل دم يراق ولي، وهو ما يسمى بولي الدم؛ فالأب ولي دم ولده، والولد ولي دم أبيه، والأخ ولي دم أخيه، ويسمى هذا عند العرب ثأراً، المطالبة بالدم ومالكية حق الدم يسمونها بالثأر. والذي يطالب بدم الإمام الحسين هو الله تعالى، كما انه هو المطالب بدم أمير المؤمنين (ع)، إذن وليّ دم هاتين الشخصيتين هو الله تعالى.
لقد استشهد أمير المؤمنين (ع) بسبب تلك الأوضاع. ومن بعده جاء ابنه الحسن (ع) الذي لم يتسنّ له الصمود بوجه تلك الحالة أكثر من ستة أشهر، إذ تخلى عنه أنصاره وتركوه فريداً وحيداً؛ فرأى انه إذا سار لمحاربة معاوية بهذه الثلّة القليلة واستشهد فلن يطالب أحد حتى بثأره نتيجة لاستشراء الانحطاط الأخلاقي في المجتمع الإسلامي، وبين هؤلاء الخواص! وان دعاية معاوية وأمواله وحيله ستستحوذ على الجميع، وسيقول الناس بعد مضي سنة أو سنتين: ان الإمام الحسن لم يحسن صنعاً – أساساً – حين تحدّى معاوية، ومعنى هذا ان دمه سيذهب هدراً، لذلك تحمل جميع المصاعب ولم يُلق بنفسه في ميدان الشهادة.
أنتم تعلمون إن الشهادة تكون أحياناً أسهل من البقاء على قيد الحياة. وهذا المعنى يدركه جيداً أهل الحكمة والدقة والآفاق المعنوية. أحياناً تصبح الحياة والعمل في أجواء معيّنة أصعب بكثير من القتل والشهادة ولقاء الله، لكن الإمام الحسن (ع) سلك هذا السبيل الأصعب.
في تلك الأوضاع كان الخواص في حالة انهيار ولم يكونوا على استعداد للقيام بأي تحرّك. ولهذا السبب حينما استلم يزيد السلطة ثار عليه الإمام الحسين (ع)؛ لأن يزيد بما يتصف به من صفات سيئة كان من السهولة محاربته، وفيما لو قتل أحد في محاربته لا تذهب دمه هدراً.
كانت الأوضاع في عهده لا خيار فيها إلاّ خيار الثورة، على العكس من زمن الإمام الحسن (ع) الذي فيه خياران خيار الشهادة وخيار الحياة، وكان البقاء على قيد الحياة أكثر ثواباً وجدوى ومشقة من القتل، والإمام الحسن (ع) اختار هذا المسلك الأوعر. ولكن الوضع لم يكن على هذه الصورة في عهد الإمام الحسين (ع) ولم يكن هناك إلا خيار واحد! والبقاء على قيد الحياة الذي يعني عدم الثورة ما كان له آنذاك أي معنى، كان لابد له من الثورة، سواء انتهى به الأمر إلى القبض على الحكم أم كان مصيره إلى الشهادة. كان عليه أن يرسم الطريق ويركز لواء الدلالة عليه، ليكون واضحاً إن الأُمور إذا بلغت هذا الحد لابدّ وان يكون التحرك في هذا الاتجاه.
طيّب، وعندما ثار الحسين (ع) لم يأت الكثير من هؤلاء الخواص لنصرته مع ما كانت له من منزلة عظمى في المجتمع الإسلامي! لاحظوا مدى الضرر الناجم عن وجود هؤلاء الخواص في المجتمع؛ الخواص الذين يرجّحون دنياهم حتى على مصير العالم الإسلامي لقرون مقبلة، مع ما كان للإمام الحسين من مكانة وشهرة.
كنت أنظر في قضايا ثورة الإمام الحسين (ع) وحركته من المدينة، ولاحظت انه في الليلة التي سبقت مسيره من المدينة كان عبد الله بن الزبير قد خرج من المدينة أيضاً، وفي الحقيقة كان كلاهما في وضع واحد، ولكن أين الإمام الحسين (ع) من عبد الله بن الزبير؟ حديث الإمام الحسين، كلامه، خطابه، أجبر والي المدينة آنذاك – وهو الوليد – على أن يرقّق كلامه ولا يتبع الغلظة مع الحسين (ع)، وما إن تفوّه مروان بكلمة، إلاّ والحسين يرد عليه مهدداً غاضباً، ولا حيلة لمروان إلاّ السكوت ذليلاً.
هؤلاء الأشخاص أنفسهم ذهبوا وحاصروا دار عبد الله بن الزبير، فأخرج إليهم أخاه، فاستأذن منهم أن يسير معهم إلى دار الإمارة في تلك اللحظة، فأهانوه وهددوه إن هو لم يخرج إليهم قتلوه، حتى خضع لهم وتوسل إليهم في أن يأذنوا له أن يرسل أخاه، وغداً يأتيهم بنفسه.
ومع إن عبد الله بن الزبير كان شخصية بارزة أيضاً إلا أن موقفه كان يختلف إلى هذا الحد مع موقف الإمام الحسين. لم يكن أحد يتجرأ على التصرف مع الإمام الحسين أو مخاطبته بهذا الأسلوب لما له من حرمة وما يتسم به من عظمة وشخصية وهيبة وقوّة روحية.
وفي طريقه إلى مكة كان كل من يلقاه ويتكلم معه يخاطبه بالقول: جُعلت فداك، أو بأبي أنت وأُمي، أو عمّي وخالي فداك. هكذا كانوا يكلمون الإمام الحسين، وهكذا كانت له مكانة ممتازة وبارزة في المجتمع الإسلامي.
جاءه عبد الله بن مطيع وهو بمكة وقال له: «يا ابن رسول الله، إن قُتلت لنسترقن من بعدك». أي أن هؤلاء القوم يحجزهم عن أذانا خشيتهم لك وهيبتهم منك، وانك إذا ثرت عليهم وقُتلت اتخذونا رقيقاً لهم.
كانت للإمام الحسين (ع) مكانة وعظمة يخضع لها حتى عبد الله ابن عباس، وعبد الله بن جعفر وحتى عبد الله بن الزبير – مع انه لم يكن ينظر للإمام الحسين بعين الارتياح – كان يبدي له غاية التبجيل والإكرام.
جميع الأكابر والخواص من أنصار الحق، أي الذين لم يكونوا إلى جانب الحكومة الأموية ولم يدخلوا جبهة الباطل، وحتى من بينهم الكثير من الشيعة الذين يقرّون بإمامة أمير المؤمنين (ع) ويعتبرونه الخليفة الأول شرعاً، هؤلاء بأجمعهم حينما أحسوا ببطش السلطة الحاكمة، تخاذلوا رغبة في الحفاظ على أنفسهم وأموالهم ومناصبهم. ونتيجة لتخاذل هؤلاء، مال عوام الناس إلى جانب الباطل.
لو نظرنا إلى أسماء أهل الكوفة الذين كاتبوا الإمام الحسين (ع) ودعوه للقدوم إليهم، وكان كلهم طبعاً من طبقة الخواص ومن أكابر القوم ووجهاء الناس، وكان عدد الرسائل هائلاً بلغ مئات الصفحات، وربّما ملأت عدّة خروج. والذين كتبوها غالباً من الأعيان والوجهاء، يتبيّن من خلال لهجة تلك الرسائل كم عدد الخواص من أنصار الحق، من كان على استعداد للتضحية بدينه من أجل دنياه، ومن منهم كان حريصاً على التضحية بالدنيا في سبيل الدين. وهذا ما يمكن أن يُستشف من خلال الرسائل.